أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالرزاق دحنون - اللَّحظةُ الشُّقيريَّة














المزيد.....

اللَّحظةُ الشُّقيريَّة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6055 - 2018 / 11 / 16 - 10:05
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


(تحيَّة إلى سميح شقير المُغني السوري الذي كسر زرد السلاسل)
1
كيف لنا أن نوازن بين السيادة الوطنية والقضايا الأساسية لحقوق الإنسان في دولة ما عندما يكون الاثنان في حالة تضارب مع بعضهما؟ لقد بدأ هذا الجدل بُعيد الاحتجاجات الشعبية في الجمهوريات العربية التي يحكمها العسكر, ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا. عندما أتعرض للتفتيش مثلاً على الحواجز الأمنية أتساءل أحياناً عما قد يحدث لو كان بالإمكان قراءة الأفكار, لا لأن أفكاري تدور حول العصيان والتمرد والثورة المسلحة, بل لأنه تخطر ببالي أفكار غير قانونية كلما رأيتُ صورة الرئيس المنتخب بطريقة مشكوك في نزاهتها على شاشة التلفزيون. فاختلاف الرأي, بدرجاته المتفاوتة, مثير للجدل, ولا يكسب صاحبه شعبية واسعة. ففي تلك اللحظة التاريخية التي أطلق فيها المغني السوري اليساري التقدمي المناضل سميح شقير, ابن جبل العرب, أغنيته الشهيرة (يا حيف) انشق القمر, وتهشمت الصورة النمطية لهذا الفنان في وسائل الإعلام الرسمية, وتحولت صورته لتأخذ شكلاً آخر تماماً عما كانت عليه. لقد تحوَّل الرجل في "لحظة شقيرية" إلى خائن للسيادة الوطنية. وصارت "الأغنية" تصادر على الحواجز الأمنية كمنشور سري يقض مضجع ذلك الحصير في القصر الجمهوري . هذا يعني أن منظومة القيم التي تحكم رؤيتنا للواقع الاجتماعي كثيراً ما تمنعنا من رؤية حقيقة ما يجري فيه وتجعل من الصعب التفاهم حول طبيعة التحولات التي نشاهدها معاً.
2
أما الخلاف في الرأي, وكون أنه سبب الإزعاج, فهو أحياناً يحمل سمات الاستقامة والأمانة. وبجداله مع الرأي السائد, لا يكون الخلاف في مصلحة صاحبه, والذي قد يقال عنه إنه غير وطني, ومعاد للدولة, وعدواني, وارهابي إذا اقتضى الأمر, وغريب الأطوار, ومجنون غير وفي وغير منطقي, أو مهووس ومتكبِّر, أو عاطفي ومتهوِّر . وكثير ما يستمتع الآخرون بمهاجمة الأهداف الثابتة وإذا اتخذتْ موقفاً يتعارض مع موقف الأغلبية, ستصبح ذلك الهدف. ففي المظاهرات الجريئة والغريبة, تُكسر الرؤوس ويُطلق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين - مع وجود مريب لرجال الأمن والجيش وجمهور غير مشارك وساخر من المتظاهرين- الناشطون الذين نزلوا إلى الشارع سالت دماءهم على الأسفلت وهم يهتفون بحمية عالية تضامناً مع أهل مدينة درعا في الجنوب السوري وما تعرضوا له من حيف. وقد كنا نسمع فيما مضى من أيام هتاف المسيرات المؤيدة لحاكم البلاد والعباد شعار "بالروح بالدم نفديك يا عدنان" وقد قدم "ياقوت الحموي" دمه وحنجرته -ثمناً غالياً- لأنه كان يَهْتِف هِتَفاً جريئاً صادقاً حقيقياً, مفعماً بالنبل والوجدان, في المظاهرات السلمية الشهيرة في مدينة حماة السورية, فهل كنا نحتاج إلى هذا الكم الوافر من الفظائع والقتل والتدمير حتى نتخطى حذرنا وخمولنا؟ وهل كان خوفنا من التعرض للحبس كافياً ليسكتنا؟
3
يمكننا التأكيد هنا أنه بعد أكثر من نصف قرن من تجربة الأنظمة العسكرية الشمولية جاء أوان التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهذه سيرورة تاريخية قليل ما يدرك أهل السلطة في الجمهوريات العسكرية أبعادها كافة. وأظن لا مشكلة فيمن يكون الحامل أو الساعي لهذا التغيير, الملايين من نساء اليمن المكللات بالسواد أم آلاف النساء السافرات في شوارع بعض المدن العربية, لأن النتيجة المرجوة واحدة: تغير شامل في مفهوم شرعية السلطة, ونسف لتلك الأبنية القانونية التي حكمت مجتمع العبودية والاستبداد. وعوام الأرياف والمدن اللذين يعيشون على هامش الحياة السياسية لا يخافون من ذلك التغير الشامل الذي سينقل المجتمع إلى باب الحرية الذي بكل يد مضرجة يُدق, بل يظهر الخوف جلياً عند المرعوبين من أهل الثقافة وأهل السلطة. ويلاحظ المرء بوضوح ظاهرة مُلفتة وعسيرة على الفهم: جغرافيا الاحتجاجات الشعبية التي تُطالب بالحرية والكرامة شملت المناطق الأكثر فقراً في المدن والريف, والتي كانت تتعرض لأبشع أنواع العسف واهدار الكرامة الإنسانية على يد أجهزة أمنية متوحشة. وزاد الطين بلَّة هذا التدمير الواسع الذي أصاب أحياء الفقراء في المدن المنتفضة.
4
وأنا بالتأكيد لي آراء لن يتفق معها جيراني- ويجب أن يكون الأمر كذلك - وإلا كنا ما نزال نعيش في كهوف منحوتة في الصخر. وأنا على يقين من أن الأجيال القادمة ستوافقني الرأي, ألا تعتقدون ذلك؟ عدد كبير منا هم مخالفون صامتون. المخالفة في الرأي مثل الخميرة التي تجعل العجين جاهزاً ليُخبز. الخلاف في الرأي جوهري. ومع أن أغلبنا لا يرغب في الخلاف مع دوائر السلطة العسكرية الأكثر قوة, أو تحدي تلك الظلال الثقيلة السوداء التي تركتها ممارسة تلك الطغمة العسكرية على جسد المجتمع. أنا لا أثق بصدق السلطة وعدالة الرأي العام, ولكن لو استثنينا الحثالة التي تطفو على سطح المجتمع, والتي منهم يأتي السجان والشبيح والرئيس وحاشيته, لوجدت أن عوام الناس على المدى الطويل يغمرهم إصرار حميد وحتى بهيج, إصرار هو محرك الديموقراطية حين تعمل. فالأمور لا تسير على ما يرام, وغدت الوطنية آخر ملجأ لا للأنذال فحسب بل للفوضى بحد ذاتها. وتحوَّل النظام السياسي تدريجياً إلى نظام احتلال أجنبي, وجعل من شن الحرب الأهلية الوقائية الدائمة ضد المجتمع سياسة رسمية .وهكذا قاد الاستبداد إلى الحرب الأهلية المعلنة التي تشنها الدولة التي أصبحت مركز تجمع المصالح السائدة ضد المجتمع بأكمله. وصار المواطن في وطنه مثل طائر وحيد, أنهكته البراميل المتفجرة, بلا عش. يحط, منكمشاً, على غصن أجرد يابس, يضايقه البقاء هنا. ولكن إلى أين يطير؟ وما من ركن أخضر يأوي إليه, أو مكان يقيم فيه عشاً مؤقتاً على الأقل.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا خلق الله الذباب؟
- أنا مش كافر بس الجوع كافر
- أهلاً لينين
- عن ذلك الحصير في القصر الجمهوري
- كيف أصبحتُ شيوعياً
- الصورة الأكثر شهرة في العالم
- هل يجلبُ الطَّاغية شوكولاتة إلى أولاده؟
- حَكَمَ فَعَدَلَ
- طائر سوريَّة السَّكران
- هُناك مكان لمن يُصلي
- غسَّان كنفاني ماركسياً
- كلمة حق عند سلطان جائر
- خطابٌ مفتوح إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة
- قناديل ماركس
- قضية الجورنالجي الشيخ علي يوسف يوم 25 تموز 1904
- كنز الأموال بين الانجيل و القرآن
- رحم الله إيفان شيرفاكوف
- كيف تعرف أن السمك سعيد؟
- الدين النصيحة
- حجارة رجم الزانية سوداء


المزيد.....




- اللاجئون الفلسطينيون وصفقة ترامب
- بوتين يصف ترامب بـ-الذكي-.. ويرد بـ-مزحة- سوفييتية حول إمكان ...
- العفو الدولية تتهم شرطة نيجيريا بإطلاق النار المميت على المت ...
- بيان فرع النهج الديمقراطي العمالي بخربكة
- على طريق الشعب: في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. ...
- لماذا انهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا؟
- م.م.ن.ص// هل كان ممكناً ألا تسمع اصواتهم؟ ...انتفاضة العاملا ...
- عمر محمد علي يقضي عيد ميلاده العاشر خلف القضبان
- الهدنة تعيد الجنوبيين إلى قراهم اللبنانية
- مكافحة الإرهاب في لندن: ستة أشخاص رهن الاعتقال بسبب صلاتهم ب ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالرزاق دحنون - اللَّحظةُ الشُّقيريَّة