|
في البحث عن خطاب سوسيولوجي موحد
علجية عيش
(aldjia aiche)
الحوار المتمدن-العدد: 6054 - 2018 / 11 / 14 - 16:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في البحث عن خطاب سوسيولوجي موحد ---------------------------------------- إن الحديث عن الأنساق الثقافية يقود إلى تجديد النقاش عن "المثقف" و محنته في عالَمٍ اتسم بالجريمة، ليس في علاقته مع السلطة فقط، لأن الأمر من منظور العولمة تجاوز حدود هذه العلاقة ، و قد ساهمت الصراعت السياسية و النزاعات الداخلية في تفشي العنف و الجريمة المنظمة، حتى سلوكات الأحزاب سواء كانت يمينية أو يسارية اتسمت بالعنف، عن طريق دفع الرشاوي أو تجنيد مرتزقة لإحباط كل ما هو بنّاء، مثلما نشاهده الآن في الساحة السياسية، و النتيجة أن جل البحوث الإجتماعية عن الجريمة باءت بالفشل ---------------------------- الإجرام و الجريمة قضية العصر، و إن كانت متجذرة عبر التاريخ و نشأت مع بداية البشرية، و بالتحديد مع أبناء الأنبياء، و دون ذكر تفاصيل الأحداث و توسعها، بداية من قصة قابيل و هابيل، ثم قتل النبي موسى لليهودي، و محاولة قتل النبي يوسف على يد إخوته، ثم قتل علي بن أبي طالب و الحسين حفيد الرسول(ص)، تبين بشاعة الموقف و بداية ضياع الإنسانية ،و قد حدثنا التاريخ عن تطور الجريمة، خارج الحروب، ليس في القتل فقط، بل توسعت و تطورت إلى زنا المحارم و هي واحدة من الجرائم التي شهدها المجتمع المسلم، و بغض النظر عن الجانب الديني في هذه المسائل و رأي الإسلام و الديانات الأخرى في مسألة القصاص، فالجانب الإجتماعي له دور كبير في فك خيوط الجريمة و أسبابها و طرق علاجها و محاربتها، بل كيفية اقتلاع جذورها، ولا يسع هنا الحديث عن مختلف النظريات التي تأسست في هذا الشأن و التي عالجت الجريمة بمختلف أشكالها: ( الإرهاب، القتل، الإختطاف، الإغتصاب، الإعتقالات و الإغتيالات السياسية، تقييد حرية الفكر و التعبير و حبس الصحافيين، المتاجرة بالمخدرات، الإنتحار، تهريب الفتيات و استغلالهن في الدعارة، و المتاجرة بالأعضاء البشرية، دون أن ننسى الحروب و تطور الأسلحة النووية المدمرة و غيرها من الأمثلة). فالإستعمار وحده يُعَدُّ أخطر جريمة تهدد الشعوب، حتى الفقر و المجاعة تعد جريمة ضد الإنسانية، و لم تستطع القمم العربية و المؤتمرات العالمية التي دعت إلى محاربة العنف و التطرف، من تحقيق أي نتيجة، في ظل استمرار الصراع في فلسطين و العراق و سوريا، في السودان، و في الصومال و في مالي و ليبيا، و النزاعات التي مزقت الشعوب، و ما فعلته الحروب الأهلية بين الفصائل المتنازعة على السلطة ، كل هذه الجرائم لابد أن تخضع للتحليل في مخبر السوسيولوجيا، و إعطائها دفعا علميا، و الغوص في الزمان التاريخي للجريمة و كيف تطورت، و تحديد المسؤوليات، و رسم لوحة تعبر عمّا يعيشه المجتمع من قضايا و إشكاليات، و نشير هنا أن الحلول القانونية ساهمت في تطور الجريمة، فالحكومات ترى في بناء السجون الحل الأمثل، لكن في الواقع حشر المجرمين في سجن واحد زاد من ارتفاع الجريمة، حتى أن تسليط العقوبات على المجرم لم ينفع في محاربة الجريمة ، بدليل أن المنظمات الدولية فصلت في مسألة "الإعدام" مثلا في إطار حقوق الإنسان، وصادقت عليها كثير من الدول و منها الجزائر، و أصبحنا نسمع عن سجون هي عبارة عن فنادق بخمس نجوم، و لم تؤت الفتاوى و اجتهادات العلماء في مسألة حكم الإعدام ( القصاص) ثمارها و لم تجد لها حلا بعد، بسبب الإيديولوجيات المتضاربة. كما أن العولمة عملت على إعادة تشكيل البنية الطبقية للمجتمع ، مجتمع حقق نوعا من الحداثة، لكنه ما زال يبحث عن نفسه في ما يخص معاييره و قيمه و رموزه، و أصبح يعيش الفراغ الديني، الفكري، الثقافي، السياسي، بل يعيش أزمة المعنى و أزمة الوجود، مجتمع متسم بتراخي الروابط الإجتماعية، هي مأساة يعيشها إنسان اليوم، هذه المأساة أطلق عليها اسم " الآخرية"، أي كيف نرسم صورة الأنا و الأخر في مجتمع مُعَوْلَمٍ؟ كلما تغيرت السياقات التاريخية الثقافية و السياسية و الدينية ، نعم الدينية أيضا، فظاهرة "الإلحاد" و تعدد الفتاوى و بالخصوص فتاوى الجهاد" في المجتمع المسلم تجاوزت حدود المنطق و اخترقت كل الحواجز و الخطوط الحمراء، و ظل الصراع بين الأنا و الآخر في تواصل مكثف بحكم التطور الثقافي، و التكنولوجي و ظهور مجتمع الإنترنت، أو بالأحرى مجتمع الفايسبوك و التويتر، حيث صرنا نبحث عن مجالات حضور الآخر عندنا و كيف نرى صورتنا عبر الآخر، و ماهي الفكرة التي أخذها عنّا ، بل ماذا يقول عنّا ؟. إن الحديث عن الأنساق الثقافية يقود إلى تجديد النقاش عن "المثقف" و محنته في عالَمٍ اتسم بالجريمة، ليس في علاقته مع السلطة فقط، لأن الأمر من منظور العولمة تجاوز حدود هذه العلاقة ، و قد ساهمت الصراعت السياسية في تفشي الجريمة، و أصبحت سلوكات الأحزاب سواء كانت يمينية أو يسارية تتسم بالعنف، عن طريق دفع الرشاوي أو تجنيد مرتزقة لإحباط كل ما هو بنّاء، مثلما نشاهده الآن في الساحة السياسية، و النتيجة أن جل البحوث الإجتماعية عن الجريمة باءت بالفشل، و قد ذهب أحد المحللين الإجتماعيين إلى أبعد من ذلك، عندما تناول سياسة الإستشفاء عند بعض الحكومات، و غياب الحكم الراشد في تسيير الشأن العام، حيث نقرأ أن إحدى المقاربات الإنتروبولوجية تناولت ثقافة الدّواء في بلد عربي، و كشفت أن بعض صناع الأدوية يعمدون إلى تسميم البشرية من خلال وضع مواد سامة في الدواء الموجه لعلاج الأمراض و تسويقه للدول المسلمة، كذلك بالنسبة لمواد التجميل (العطور) و هي جريمة ضد الإنسانية بل تهدد وجودها و بقائها . الأمثلة كثيرة و من الصعب حصرها هنا، و السؤال الذي وجب أن يطرح هنا هو : هل الأمر متعلق بتغيير الأنساق الثقافية و قدرتها على تغيير سلوك البشر، بل تغيير الذهنيات و وضع حد للأفكار السلبية ، الأفكار القاتلة؟، و كل ما يتعلق بالمعتقدات و القيم و المفاهيم السائدة حول طقوسية العيش في محيط سليم؟، إن تحقيق "السّلام" في مجتمع ما، يتطلب محاربة الجريمة و الجريمة المنظمة، و القضاء على العنف و الفساد، و تحقيق المواطنة الحقيقية la citoyente لبناء مجتمع سليم، خالٍ من الأمراض الإجتماعية، هي تساؤلات تخص مستقبل علم الإجتماع وتحديد المفاهيم، والبحث عن خطاب سوسيولوجي موحد، لأن أغلب القضايا يطرحها من هم خارج الإختصاص، مما أدى إلى فشل سياسة حسن الجوار و معالجة المشاكل بالوسائل السلمية و التعاون الإيجابي لإنهاء أشكال العنف و العداء كافة. علجية عيش
#علجية_عيش (هاشتاغ)
aldjia_aiche#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين موقع الجريمة في مخبر السوسيولوجية؟
-
الشهيد أبو عمّار أعظم مناضل عربي في العصر الحديث
-
البرلمان الجزائري من غرفة التسجيل إلى التدجين
-
سِرُّ المباحثات التي دارت بين الجنرال ديغول والحبيب بورقيبة
-
نادية مراد إنسان قبل كل شيئ
-
العولمة في قصيدة للشاعرة الجزائرية لوازنة بخوش
-
التعذيب أداة حرب أم جرائم دولة؟
-
لهذه الأسباب طلق الشّباب السِّيَّاسَة (الجزائر نموذجا)
-
في الثابت و المتغير
-
الانتخابات الرئاسية في الجزائر ( 2019 ) و الخطر القادم
-
رحيل -رجل بوزن أمة- المجاهد محمد الصالح يحياوي خسارة كبيرة ل
...
-
إيران ليست وهّابية
-
الصَّمْتُ مَوْتٌ في الزَّمَنِ النَّازِي
-
بحث في فائدة المرجعية الثقافية في الجزائر؟
-
خطة إسرائيل في تقسيم العالم العربي
-
الوهّابية بين الأصولية و الحداثة
-
الملحدون يشككون في ولادة المسيح
-
أسباب تفوق الرّجل على المرأة
-
دساتير الجزائر من أحمد بن بلة إلى عبد العزيز بوتفليقة
-
القطيعة.. و حديث عن -الكوسموجونيا-
المزيد.....
-
الجيش الأمريكي يعلن استهداف -أحد كبار قيادات- تنظيم تابع لـ-
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تعيين دوغ بورغوم وزيرا للداخلية
-
مباحثات إيرانية قطرية حول اتفاق وقف إطلاق النار بغزة ولبنان
...
-
ترامب يعلق على تقارير سحب القوات الأمريكية من سوريا
-
روبيو: ترامب مقتنع بضرورة حل الصراع في أوكرانيا بالوسائل الد
...
-
واشنطن: استمرار الصراع يدمر أوكرانيا ويفاقم خسائرها في الأرا
...
-
المغرب.. تفاصيل دقيقة حول الآليات والمواد والمساحيق التي تم
...
-
الولايات المتحدة تخطط لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب -شحنات
...
-
روبيو: عرض ترامب شراء غرينلاند -ليس مزحة-
-
العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة المتحطمة في واشنطن وإر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|