|
قصة قصيرة /
مهند الخيكَاني
الحوار المتمدن-العدد: 6040 - 2018 / 10 / 31 - 22:15
المحور:
الادب والفن
نيوتن
كانت لحظات دخانية مركبة ، تخللها شيء من التوتر والحذر ، حينما سقطت تفاحة بشكل مفاجئ على رأس أحد الشيوخ العقلاء في الحي ، كان المشهدُ بالنسبة للذين يعرفون نيوتن جيدا ، أنها فبركة للأحداث لم يوفق فيها القدر ، ولم تنجح المصادفة في حياكتها لتصبح مقنعة . مضت أيام قليلة ، لاحظ فيها الناس أن ثياب الشيخ تغيرت ، وصارت تشبه ثيابا لرجل ينتمي لعصور قديمة ، فيها الكثير من التورية والسُمك ، وليس لأحد أن يحزر مدى ما سيقدم عليه الرجل ، لقد كانت لمحة تغيير صغيرة وحسب ، لا تستدعي الارتباك ولا تنبؤ بالتخوف ، فكثيرا ماشهد الناسُ أصحاب القلوب الخضر وهم يصبغون شعورهم ويرتدون الجينز الضيق على الموضة ، رغبة منهم في مواجهة الزمن ومواكبة الحركة العصرية . في احد الصباحات استيقظ أهل الحي على مصيبة من النوع المضحك ، وجدوا الأسيجة والنوافذ المطلة على الشارع مطليةً بالألوان والرسومات الصبيانية التي يطلق عليها البعض ، فنًا تشكيليًا ، لكنها كانت رسومًا تشير الى اضطراب عقلي ، وشخصية مخرفة ، فالخطوط المتباعدة والمتقاربة والمتقاطعة في أغلب الأحيان ، تملأ المكان ، وليس هناك ما هو أتعس من تداخل الطرق مع بعضها ، فإنها لا توصل الى شيء لا توصل الى شيء ، هكذا انهت ِ امرأة مسنةٌ تشخيصها للموقف ، والحسرة والضيق في صدرها اطلقا زفيرا مصفرا . قرر أقرباء الشيخ المعروف ، أخذه الى احدى المصحات ، واختلفوا فيما بينهم ، هناك من رأى أن من الأفضل عرضه على طبيب أولا ، ثم بعد ذاك يتم أخذه الى طبيب نفسي أو عقلي ، فالأمر ليس سهلا على رجل بهذه المكانة ، أن يوصم بالجنون والخبل ، وما ذنب العائلة والعشيرة وسمعتها ، وآخرون كان لهم رأي مختلف ، اجتهد احدهم لتوضيحه قائلا : _ سمعنا ان هناك بنتًا مبخوتةً تعطي المحتاج حاجته ، والعليل يشفى من علته ، وبإذن الله لم يذهب احد إليها إلا وعاد والسرور يملأ نفسه . فاستغرب البعض ممن كان حاضرا ، واداروا بوجههم نحو الرجل الاكثر مكانة ورزانة ومعرفة في المنزل ، كونه يحمل شهادة دكتوراة في علم الاجتماع ، لطلب رأيه . فقال لهم : أنا نفسي سمعت بذلك ، والخجل بادٍ على وجهه أول الأمر ، لكنه فيما بعد أوضح ذلك بكلمات متقطعة : أنا ايضا ذهبت إليها وطلبت منها النجاح والمساعدة في كتابة الاطروحة ، انها تعود الى أصل نبيل وشريف ولن ترد أحدا خائبا . وها انا أمامكم كما ترون ، من أشهر المحاضرين في الجامعة .
وقبل ان يتفقوا على اخذه عند الفجر الى ذلك المزار ، الذي يختلف إليه الناس من أماكن عديدة ، صاح احدهم منبّها الجميع : لكن ماذا عن التفاحة ؟!
امتلأ المكان بالضحك والاستهزاء نتيجة لهذا التساؤل ، لأنهم يدركون المغزى القابع خلف هذا الاندفاع والسؤال بهذه القوة والخفة ، وكأن أمرا مهما فات الجميع . لكنه أصرّ حين قال : ان جدي تغير عندما سطقت التفاحة على رأسه ، وربما جدي أصبح فنانا ، ونحن لا نفهم شيئا في الفن ، وكل هذه الأفكار المرسومة على الحائط ليست جنونا أو شخبطة ، فهي على الأرجح شيء من غرابة الفنان والأفكار العظيمة التي لا يفهمها أي احد بسهولة . ضحك الجمع مرة اخرى ، وهذه المرة كانت الضحكات أقل في عدد الأشخاص والكمية المبذورة في فضاء المكان . وهو دليل على اقتناع الأغلبية بأقوال الصبي . فبرز شخص من الضحاكين أول الأمر ، وقال لهم : سمعت الجيران وبعض أصدقاءه ينادونه " نيوتن " ، واستمر ذلك لفترة من الزمن ، حتى قبل أن تسقط التفاحة ، لشدة اهتمامه بالزائد والناقص والقسمة ، وعندما سقطت التفاحة على رأسه ، أصر الناس والمحيطين به ، على انها العلامة التي تشير الى العبقرية .
فلربما التفاحة السبب !
فتدخل احد آخر وقال : لكني سمعت قبل ان يتحول جدنا الى رجل حكيم ومن عقلاء القوم ، أنه وفي عمله في الحدادة ، تدخل لحل مشكلة عويصة بين سائق تكسي ، وأحد المالكين لمحل ٍ يجاور محل الجد ، وبسبب تلك الحادثة ، أصبح جدنا من حكماء الحي ، وترك الحدادة وأنهى معظم وقته في حل المشاكل .
مضى وقت لا يتجاوز العشر دقائق طغى فيها السكون والحيرة ، فقال لهم الدكتور ، كاسرا الصمت : إذن لماذا لا نأخذه الى شريفة بنت الحسن ، وننتهي من القضية ؟ فقفزت امرأة من عمق المطبخ الى حيث اجتمع الرجال ، لماذا الى شريفة ؟ لقد اصبحت قديمة وربما استهلكت كل قواها ، دعونا ناخذه الى فخرية بنت الحسن ، فهي أقرب في المسافة ولا يعرفها كثيرون . فقفزت اخرى وبيدها سكين ورائحة البصل تثور من يديها ، مادام الوضع استقر الى هذا ، دعونا نأخذه الى خضروات ، انها اسرع في الشفاء ، كم من مريض شُفي وهو في الطريق اليها ، لمجرد انه ينوي الذهاب اليها ، حتى ان هناك مرضى قرروا المضي اليها ، وفي منتصف الطريق عادوا ، لم يحتج احد منهم ان يكمل الطريق .
فاشتبكت الاصوات من جديد ، هناك من ينادي بالتفاحة ونيوتن وهناك من ينادي بالزيارة ، حتى جاء الفجر ، حيث شهدوا مفاجأة من عيار ثقيل ، ظهر لهم الجد ، سليما معافى ، بكامل صحته ووعيه ، كيف ذاك لا أحد يعلم !
وبقي بصحة لا بأس بها فترة من الزمن ليست بالقليلة ، الى أن ناداه احد الاصدقاء ذات يوم : نيوتن . يقال وحسب ما يروى عن اصغر احفاده الذي كانت أمه ترسله ليظل لصيقا بجده خشية عليه ، أنه يبحث عن الأشجار الناضجة والمعمرة ، ويظل واقفا تحتها مدة طويلة ، ولا احد يعرف السبب .
#مهند_الخيكَاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متحف الحمير
-
المقدس والقراءة المغلوطة : الفنتازيا في الشعر الحسيني مثالا
المزيد.....
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
-
بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan
...
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
-
الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|