|
الأنثربولوجيا القانونية
إبراهيم أبوحماد المحامي
الحوار المتمدن-العدد: 6028 - 2018 / 10 / 19 - 17:44
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الأنثروبولوجيا القانونية –النقد الثقافي للعدالة الشعبية – المحامي إبراهيم محمد أبو حماد تهتم الأنثروبولوجيا بثقافة الانسان القانوني ،وتُعنى بها ،باعتبار الثقافة موضوع انساني ،وقد تتداخل الثقافة الانسانية بعلم الاجتماع ودراسة المجتمع ونظمه وعاداته وتقاليده ،وباعتقاد الكاتب بأن الأنثروبولوجيا ارتبطت بدراسة الشعوب لتكوين سلطة معرفية لإخضاعها ،وعلى الرغم من التداخل المعرفي ،الذي يعكس المعرفة التي تستلزم بعد متعدد التخصصات ،الا أن مُؤلًف سوبير الموسوم بالإنسان القانوني يدلل على أن الأنثروبولوجيا تتضمن بعداً غير بدائي ،إنما بعدا حاضرا ومعاصرا ،إذ أنها دراسة للإنسان القانوني المعاصر .
وحيث تبحث الثقافة بتفاعل الانسان وتوجهاته نحو القانون ،فإن القول بالنظريات القانونية العامة باعتبارها ثقافة للمجتمع والانسان القانوني ،تشكل مغالطة لغوية ،وانفصال بين العلم والواقع ،وصناعة علوم غير منتجة مجتمعيا ،وانما تستخدم لغايات الوظيفة ،لا لأغراض علمية وبحثية ،وانتاج سلطة متعالية غير متغلغلة في المجتمع ، ويمكن القول بأن المنتج الثقافي يسعى لتكريس الثقافة السائدة في المجتمع .
وتحيلنا دراسة الاستشراق لإدوارد سعيد (مؤسسة الأبحاث : 1991-صص105-123) الى كيفية توظيف أدب الرحلات والدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية في دراسات مسحية مجتمعية ،وتشير الدراسات التاريخية الأردنية الى هذه الدراسات دون نقدها استشراقيا ،ويذكر ادوارد سعيد الاصدارات الاستشراقية لنابليون وكرومر (تاريخ مصر الحديثة :2 جزء :2006) وبلفور ،ودراسة قانون مانو الهندي ،وتأسيس تخصص علم اللغة المقارن ( ادوار :مرجع سابق)،مما يدعونا للشك بقصد التوجه النقدي لكل منتج مرتبط بالحقبة الاستعمارية ،وفحصه ونقده .
وتشير الدراسات الأنثروبولوجيا الأردنية التطبيقية الى اللهجات والأمثال على سبيل المثال لبيان توجه الانسان القانوني الأردني نحو العدالة ،ومن أبرزها بشكل مباشر مصنف قاضي التمييز السابق محمد أبو حسان تراث البدو القضائي (2017 وزارة الثقافة ط5) والذي يدعو الى عدم الانقطاع عن الموروث والاتصال به ،و كذلك مؤلف أمثالنا الشعبية في الميزان (1991أحمد عطيات ) والذي يدعو للقطيعة مع الموروث الثقافي الذي يعتبره سلبيا بالمقارنة مع ميزان الثقافة الاسلامية ،ومنها ايضا الخبير بالتراث الشعبي الأردني هاني العمد في الأمثال الشعبية الاردنية ، وكذلك هشام عودة ومحمد علي أبو حمدة في الأمثال الفلسطينية ،ومعلمة للتراث لروكس بن زائدة العزيزي (2012 ،ط2 ،5 اجزاء ،وزارة الثقافة الأردنية )،ويمكن اعتبار هذه الدراسات من ناحية اللغة ذات هوية عروبية واحدة، وبرأي الباحث أن التعامل مع الموروث الثقافي للعدالة يقنن بشكل حداثي ،وفق مؤسسات الدولة ،بإنتاج مؤسسات للصلح ،وطلبات مستعجلة للإنفاق في حال حوادث السير ،وبحيث يحد من الرواسب الثقافية القانونية/ مثل المصالحة لإخلاء السبيل التي يؤكد عليها أبو حسان (صص 86-87) ،ولقد نص قانون محاكم الصلح على منع القاضي في الدعاوى الجزائية من التشبت في الصلح ،ولذل فإن توقيف الشخص للمصالحة وحرمانه من إطلاق سراحه بالكفالة لتلك المصالحة (م17 قانون محاكم الصلح رقم 23،لسنة 2017 المنشور في الجريدة الرسمية عدد رقم 5474 صفحة رقم 4608 تاريخ 1/8/2017 ،يعتريه بطلان وتعسف في قرار التوقيف، ومخالفة لمعايير التوقيف الدولية ،ولا يولد تصالح إنما تنافر اجتماعي.
ولذا يتمنى الكاتب تحديد منهج قانوني لاستقراء موروث العدالة ،اما باستخدام منهج الفقهاء المسلمين بالاستقراء ،والذي استخدمه الفرنسيين في صناعة القانون المدني بين الموروث الفقهي القانوني لجنوب فرنسا المتأثر بالمنهج الفقهي المالكي والقوانين الرومانية ،لإنتاج قانون مدني حداثي عصري .
وبالنتيجة فإن استحداث مؤسسات عصرية باعتبار العدالة تنظمها المؤسسات ،لاستصدار طلبات مستعجلة اثناء نظر الدعاوى لجبر الضرر الخاص بعلاج المتضرر، وتوسيع نطاق التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ،خير كفيل لتحقيق التضامن الاجتماعي ولقد ذكر أبو حسان تطوير باحثة أمريكية للعادات والتقاليد بشكل قانوني مؤسسي (مقابلة مع أبو حسان متاحة على الشابكة العنكبوتية ) .
وحيث أن المثل قول موجز يتضمن اختزالا واجاعة للفظ وغنى بالمعنى ،ولذلك فإن المثل يعبر عن مواضيع ،لا فقط ترتيب معجمي بحسب الأبجدية ،وبتقسيم المثل لمواضيع ،يجد الكاتب ،أن موضوع العدالة، أحد أبرز المواضيع التي يطرقها المثل العربي ،فالعدالة القانونية والقضاء العشائري والعادات والتقاليد ،ثلاث منظومات تتحرك في منظومة العدالة الموسعة ومثال ذلك منع المرأة من القيادة في السعودية ،والتي تعتبر عادات غير منبثقة عن قضاء عشائري أو شرعي ،انما عادات وتقاليد . وقد يعبر المثل عن العدالة مثل المثل الأردني الذي يقول : القضاء قضاء وقدر ويرتبط هذا المثل بالأخطاء القضائية المحصنة من المسؤولية وبموجب حجية الشئ المحكوم به ،فالحقيقية القضائية مجازية وسلطوية ،ولا يشترط بها أن تكون حقيقة علمية ،مما يجعلها حقيقة نسبية ،ذات معاني متعددة غير موحدة بمعنى واحد، وعلاوة على ذلك فالمسؤولية القضائية تنحصر في النقض بأمر خطي بموجب أصول المحاكمات الجزائية واعادة المحاكمة بموجب قانون الأصول المدنية (م 213) ،وفي الدول المتقدمة في التوقيف التعسفي ،وعلاوة على ذلك المسؤولية التأديبية (فوديل القانون الإداري2001 ،ج 1، صص 538-547)
وفي استطلاع الثقة في القضاء تبين أن نسبة 54%لا يثقون بالقضاء(http://alrai.com/article/10374973)تاريخ 7/2/2017 ،وعادة فإن استطلاعات الرأي العام مؤشرات ،وتحتمل نسبة من الخطأ،ا ذ قد يخشى الأفراد عن كشف توجهاتهم في الدول التي تنخفض بها درجة الحرية ،ولكن باعتقادي حتى في ظل هذا الرقم فإن النسبة مرتفعة .
ومن الأمثلة الاخرى يقول العطيات (45): اذا كان القاضي خصمك طم حصيرك
أي انك لن تنال العدالة ،وستضام ،فسيف السلطة طويل (المرجع السابق ص 25) فمن حكم غلب ومن ابتلي صبر (23)،وتدعو بعض الأمثال الى الباطل مثل كلمة باطل تجبر الخاطر (124)،وتصف الحرامي بالكاذب مثل ما ورد في أمثال شعبية في قفص الاتهام لمحمد عبد الصمد حيث قال : قالوا للحرامي احلف ،قال :أجاك الفرج . ويذكر هشام عوده في مختاراته من الامثال الفلسطينية حيث يقول : البرطيل حك دكة القاضي.
مما يدلل على الفساد المالي في السلطة القضائية، فمن يدفع يختار اللحن ، ومن الأمثال التي تتعلق بالتوجه من السلطة وتبين الثقافة السياسية التي تقوم على الطاعة لتجنب العقاب ،حاكمك غريمك وإن ما طعته يضيمك ،وكذلك ظلم الحكام ما له دبار (عطيات :25 )و حاكمك ظالمك (عودة :48 ). وبذلك فإن العرف باعتباره مصدرا للتشريع قد يتغول على القانون ،‘ذ أن هناك العديد من القواعد الفقهية التي تعتمد العرف كالمشروط شرطا ،واعتبار العادة محكمة ،ويرى الكاتب أن العمل في هذه القواعد يجب أن يكون وفق ضوابط ،إذ أن هناك اراء بمنع المؤجل عن الزوجة لأن العرف جرى على عدم المطالبة به ، مما يجعل من العرف انتقاص لحق الفئات المهمشة ،إذ أن العرف العشائري مركب من العادة والدين الشعبي . وبذلك تتنازع النوازل في المملكة الأردنية جهات اختصاص مختلفة ومنها القضاء العشائري والنظامي والشرعي (الدية مثلا)والسلطة المحلية (الحاكم الإداري )،مما يجعلنا أمام مزيج مركب لتوليفة من الماضي والحاضر .
#إبراهيم_أبوحماد_المحامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دستورية الحبس المدني وتقدير العقوبة
-
العفو
-
فلسفة العفو القانونية
-
الخطاب البرلماني الفلسطيني والصهيونية
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|