أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 6026 - 2018 / 10 / 17 - 21:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
العقل المذعن
أن معرفة أي أمه يكون من خلال ما تنهجه من منهجيه معرفيه في الحكم على الأشياء وأستحصال وتنمية المعارف . أن ما تفتخر به الحضاره اليونانيه هو أنتاجها للمنطق الأرسطي بأعتباره منهج علمي دقيق يصل بهم الى الحقيقه كما يعتقدون , وهم يفتخرون بأنهم وضعوا حدآ للجدل السيفسطائي العقيم , والذي يسمى بالجدل البيزنطي , حيث يتبارى فيه المتكلمون بأستخدام كل فنون الكلام للفوز على خصومهم , ولكن الفيلسوف اليوناني أرسطو وضع حد لهذه المهزله الكلاميه في الجدل والتي بسببها تضيع الحقيقه وتهضم الحقوق ,أبتكر هذ الرجل آليه منطقيه لتكون أداة توصل الباحث للحقيقه المنشوده , طبعآ تلى هذا المنطق أنواع عديده منه المنطق الرياضي و المادي والصوري ووو,كلها تتوخى أفضل وأدق الطرق للوصول للمعرفه الحقيقيه والعصمه من الزلل ووضع لحد لكل من هب ودب أن يتكلم بأسم الحقيقه ما شاء له الكلام.
أن المتتبع لحياتنا العامه وكذلك مجالسنا سواء الأدبيه أوالدينيه تسمع الكثير من الأمور العجيبه والغريبه حتى يتخيل لك أنك تعيش في العصر الحجري حيث الطفوله المعرفيه للأنسان ,مما يصيبك بالدوار والغثيان لرؤى وتصورات وأدعاء حقائق ما أتى الله بها من سلطان ولا تتفق مع أبسط الأصول العقليه والمنطقيه , حتى تحول واقعنا الى فوضى لا يربطه رابط ولا تحده حدود في وسط أجتماعي يعتمد أعتماد شبه تام على الثقافه الشفاهيه , والأدهى أن ما يتصدر المشهد الثقافي وحتى العلمي أناس أنتحلوا صفة العلميه ولبسوا لباس الخطابه وأخذوا يشكلوا وعي هذه الأمه المنكوبه بهذا الزيف والفوضى بالتعاطي في نشر الوعي.
بعد ما قطعت الأنسانيه شوطآ طويلآ في أخراج نظريات كبيره وعديده في مجال نظرية المعرفه وطرق الوصول الى الحقائق الموضوعيه والعلميه نعيش نحن في حاله من الفوضى الفكريه ونتعايش مع قناعات مشوبه بالخرافه واليوتوبيا لا تتفق مع أبسط البديهيات العقليه ولكنها ترسم حياتنا وتصبغها بصبغتها الفوضويه . أننا نعيش لحد هذا اليوم بطريقة العقل المذعن متوسمين طريقة التلقين المذل الذي لا يقوى على الأعتراض , ولا حتى بأداة الأستفهام في وسط خانق ومشبع بالأميه الفكريه والمنابر العلميه والخطابيه المهيمنه وذات السطوه والمستعده بأدواتها على أقصاء أي صوت معرفي يمتلك مؤهلات المعرفه الحقيقيه والعلميه. أن المشكله التي نعاني منها اليوم هو ظاهرة العقل المذعن الذي يتلقف المعلومه والرأي كحقيقه مطلقه وغير قابل للجدل , ولم يسمح للشك ان يتسرب الى ذهنه أنطلاقآ من الأيمان المطلق بما سمع من المحاضر او الخطيب . أن من يدعون رجال معرفه اليوم لا يتمتعون بعقليه جدليه وأنما يمتلكون عقليه حافظه تكتنز ما سمعت أو قرأت من غير فرز أو تحليل , أنها نفس طريقة الحفاظ فاقدي البصر الذين يحفظون الأشعار والآيات في الكتاتيب , أنهم لا يزيدون من عملهم هذا الا نسخه أضافيه للموجود على الرفوف من كتب , أو هم يعماون عمل أجهزة الأستنساخ لا أكثر , هذا النوع من الناس يمكن أن يكون لهم أهميه كبرى في عصور ما قبل الكتابه أو في عصور يصعب فيه التدوين فيحفظوا لنا التراث من الضياع كما قاموا به من عمل عظيم في حفظ القران الكريم والأحاديث النبويه الشريفه في بداية الدعوه الأسلاميه قبل تدوينها , وكذلك الحال ينطبق في حفظ الشعر الجاهلي, أما اليوم كل شيء محفوظ وموثق وأنما نحتاج الى عقليه تحلل وتنقي هذا التراث بدل استنساخه. أن المشكله الكبرى ليس بالتراث وأنما في الناس الذين يتعاملون مع التراث ويدعون الوصايه عليه حيث أنهم لم يحاولوا أن يفهموه وأن يعرفوا مقاصده فتراهم لا يجيدوا الا ترديده وعدم الأخذ بتاريخانيته , وعدم التفريق بين النص المقدس منه وغير المقدس من تفسيرات وتعليقات وما كتب من تهميشات عن النص المقدس . هذا عدم التفريق بين المقدس وغير المقدس حول كل ما كتب كتاريخ و قصص وروايات وأحاديث الى نصوص مقدسه لا تقبل التحليل ولا التأويل ولا النقد , فقد تحول هذا التراث الى سلطه مهيمنه واجبة الطاعه والأمتثال ولا يحق لأحد النظر والتدقيق بها حتى من قبل المؤمنين بالعقيده والحريصين عليها في أبعاد ما هو ليس منها , بل والجالب الأذى عليها. أي أن المتلقي ما عليه الا التسليم والأذعان لا غير في حين لو نظرنا للمنهجيه التي جاء بها القرآن الكريم لرأيناها منهجيه تجريبيه فيقول القرآن الكريم (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي أن هذه المنهجيه القرآنيه تنقلك من الشاهد الى الغائب في حين ينقلك الكثير من المحاضرين والخطباء من الغائب الى الشاهد أي عكس منهجية القران , حيث يبدأك بالأحلام وما شابه ذلك لكي يقنعك بشئ وكأنك تشاهده ,أو يتخذ من الشعر والقوه الخطابيه كطريقه للأقناع في حين أن الشعر والتكنيك الخطابي لا يعتبر حجه في عرض الأراء أو أثبات النظريات والمعتقدات . هذا النوع من المدارس الفكريه نجدها في المدرسه السنيه والتي يمثلها الأشاعره قديمآ والوهابيه حديثآ وأتباعها اليوم من القاعده وداعش وأخواتها, ويمثلها في المدرسه الشيعيه الأخباريون وحتى بعض من يدعي الأنتماء للمدرسه الأصوليه , وأن أوضح ظاهره في الجانب الشيعي هم مجموعة الخطباء المنبريون الناشطون في المجالس الحسينيه ,حيث لا يتورعون في نقل كثير من الروايات والقصص وحتى الأفكار التي ما أنزل الله بها من سلطان . طبعآ هؤلاء لا يمثلون المذهب ولكن ما يقومون به من نشاط وما ينشرونه من أفكار تعطي أنطباعآ للمستمع وكأنه من أركان المذهب ومن أهم مقوماته الفكريه والعقديه , وهذه مشكله كبيره على المذهب نفسه ويشكل عليه عبئآ ثقيلآ يبتلي بها المحققون الحقيقيون , والعلماء والمفكرون المنتمون لهذه المدرسه ,أما الخطباء فما يهمهم هو ما يكسبون من مال يستدرون به مشاعر أبناء المذهب المخلصون والعاشقون له, وهم عامة الناس بالطبع.
أن المشكله الحقيقيه في شيوع الثقافه السماعيه , وهي ثقافه تتصف بالسطحيه وبسترة الأفكار , كما أن شخصية المحاضر وهيبته الأجتماعيه تلعب دور في قناعة المتلقي ,بل وفي الكثير من الأحيان من أسكاته لعدم تجرأه على السؤال والأستفسار حتى لا يوسم بالمشكك أو عدم القناعه رغم نيته بالوصول الى القناعه التامه عن طريق تساءله, ومن الأمور الملفته أن هذا الأمر تحصل في بيئات ومدارس يكون الأصل فيها حرية السؤال والرأي وخاصه البيئات الأسلاميه بكل ألوانها وأصنافها ,فترى أن الله أعطى كامل الحريه لأبليس أن يجادله في قضية خلق أدم , وبدآ أبليس في عمليه جدليه مع الله كما توضح الأيه القرآنيه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) ) و(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) كما اني لا أعفي الجمهور من التقصير في العمليه المعرفيه حيث تراه يتزلف , ويتظاهر بالرضا , ويبدو بالسعاده الغامره أمام الخطيب وأن كان غير مقتنع بداخله , فترى الظاهره النفاقيه والتهادن أنتقل من الحقل السياسي والأجتماعي الى الحقل الفكري , وهذا شيء خطير ومقلق, أنه يمثل عملية أستسلام لظاهرة التجهيل التي تطحن المجتمع , وتمارس عليه عملية التنويم الفكري , وهو بالحقيقه يعتبر نوع من أنواع الكسل الذي ينطبع به المجتمع , فهو لا يكلف نفسه القراءه ولم يتعود التحقيق والمتابعه في أستحصال المعرفه. أن المجتمع الذي يبغي الحصول على كل شيء وهو جالس مكانه لا يمكنه أن يتقدم خطوه واحده الى الأمام. من الملفت أن في ميراثنا الفكري ما يثير فينا كل ما يدعو الى المنطق والنهج السليم , فمثلآ يقول الأمام علي (ع) ( أعرفوا الرجال بالحق , ولا تعرفوا الحق بالرجال ) أنها قاعده معياريه ذهبيه تفك أسرك من كل سلطه سواء كانت شخصيه أم فكريه وتدعوك الى أتخاذ مواقف قائمه على أساس العدل والحقيقه. يريد أن يقول لنا الأمام أن الصواب صواب في ذاته , والخطأ خطأ في ذاته , وأن لا أحد يعلوا فوق الحق مهما كان , وهذه هي الشفافيه بعينها التي لا يمكن المسير بدونها بسلام أطلاقآ. خلاصة القول أن سيادة وهيمنة مناهج الأذعان ,معناه سيادة وهيمنة اللامعقول.
أياد الزهيري
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟