|
فلسفة الشرق الإسلامي في ميزان الخلافة السنية
ايهاب نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 6026 - 2018 / 10 / 17 - 11:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبدأ بالحديث عن رواد التنوير أو أصحاب الفكر العقلانى الذى تبنى الحفاظ على التراث الفلسفى بل وسعى إلى التطوير والتجديد بصبغة إسلامية ألا وهم المعتزلة. فيتحدث الجاحظ وهو معتزلى المذهب عن قيمة وأهمية العقل بأنه أشد احتياجاً من السيف وأسرع إلى التجديد والتغيير واستخدامه كقيمة فى التفكير مثل الدواء الذى يقتل المرض أو السم، لايقوى معارضوه على مقارعته لضعف حجتهم، فمن أدركه أدرك كثيراً من احتياجاته ، فرأى الجاحظ يعكس شيئاً له دلالة هامة ألا وهو كيف انعكست أهمية العقل على الواقع سواء السياسى أو الاجتماعى، فالجاحظ يشير إلى ناحية تنويرية تثويرية ومن شأنها أن ترتبط بالناحية السياسية، وبالفعل هذا ما حدث من تعضيد ومساندة المعتزلة للشيعة الزيدية فى ثوراتها ضد السامانيين والخلافة العباسية السنية ، لدرجة أن دفعت أحد المؤرخين إلى القول بأن القاضي عبد الجبار- هو احد أعلام المعتزلة الكبار- كان احد شيوخ الشيعة الزيدية، لكن تصنيف المؤرخ له ضمن الزيدية ربما ﻹتفاق كبير بين المذهبين من الناحية الفكرية مما انعكس على نشاط الشيعة السياسى، و وجود اتفاق على بعض الأفكار مثل مسألة الإمامة عند الزيدية فالمعتزلة تقول بولاية المفضول مع وجود الأفضل وهذا ما تقول به الزيدية. وقد أشار حسن حنفى إلى أن الحضارة الإسلامية بلغت ذروتها وقت ظهور المعتزلة وسيادتها للفكر فى أواخر العصر العباسى الأول وبداية الثانى أى منذ عهد الخلافة المأمون حتى مجئ الخليفة المتوكل – والذى بدأ مرحلة القمع الفكرى- وهذا الاختيار الاعتزالى قد يكون أكثر تعبيراً عن حاجات العصر والواقع وأكثر تلبية لمطالبة، فقد رفض المذهب الطبيعى قديماً لأنه كان خطراً على التوحيد وفاعليته وهو مذهب أصحاب الطبائع عند الجاحظ (ت : 255هـ/868م)، إبراهيم النظام (ت :230هـ/844م)، معمر بن عباد (ت : 220هـ/835م) ، و قد وصف المذهب الأشعرى عند معرض حديثه عن علم الكلام بأنه الرجوع إلى النص الخام أى أنه شبه المتكلمين بوزراء الداخلية ومهتهم الدفاع عن العقل الداخلى الذى لا يمكن له أن يتطلع إلى حضارات الغير أو فلسفاتهم، بالرغم أن نشأة علم الكلام كان هدفها تحويل النص إلى معنى والآية إلى فكرة ومحاولة العثور على نظرية عقلية خالصة للنص إلا أنه لم يحقق ذلك واكتفى بالرد على الفرق الخصوم والرد على الملاحدة، وأصبحنا أسرى للنصوص بعد أن كانت النصوص أسرى لعقول القدماء ، أما عن الفلسفة ونشأتها فهى تشبه وزارة الخارجية ومهمتها التعامل مع حضارات أخرى غازية والانفتاح عليها وفى مقدمتها الحضارة اليونانية، وقد حاولوا إعادة بناء العلم النظرى القديم (علم الكلام) على أساس من المفاهيم الجديدة مستعملين نفس أسلحتهم التصورية، ومن ثم فإن الفلسفة من جنس علم الكلام، ونجد كثيراً من المتكلمين فلاسفة وكثيراً من الفلاسفة متكلمين مثل الكندى، وقد نجحوا فى ذلك إلى حد كبير وذلك أنهم استطاعوا القضاء على ظاهرة الضمور فى علم الكلام، وأيضاً الاستغناء عن منهج النص السائد فى علم الكلام، بالإضافة إلى كشف الجانب الرمزى فى النص الدينى وبالتالى تكون مهمة الفيلسوف النفاذ إلى ما وراء الخيال والقضاء على حرفية المعنى ، فضلاً عن أن الفلسفة أفق أوسع من علم الكلام، ففى حين أن علم الكلام يغلب عليه الرفض وضيق الأفق و التحيز المسبق والتعصب أحياناً، وجد أن الفلسفة يغلب عليها القبول، غير أن أهم سمة للفرق بين الاثنين أن علم الكلام يعارض الخصم ويكفره فى حين أن الفيلسوف يضم الخصم فى حقيقة أعلى منه ، و إذا كانت الفلسفة قد لقيت كل الترحيب بين صفوف الشيعة، وخاصة الإسماعيلية واستخدمت بعض الآراء الفلسفية لتدعيم وجهة نظرهم فى بعض القضايا، فإن هذا الأمر قد بلغ ذروته فى عهد بنى بويه الذين سيطروا على الخلافة العباسية منذ عام 334هـ / 945م، ذلك أن البويهيين نشأوا نشأة ثورية فى بيئة شيعية وهم لا يرون بنى العباس أصحاب حق فى الخلافة، ومن ثم أرادوا أن يتخلصوا منهم، لكنهم أدركوا خطورة هذه الخطوة على كيانهم السياسى، فعدلوا عنها واستعاضوا عن ذلك بتشجيع كل حركة وكل فكر يمكن أن يسهم فى إضعاف هذه الخلافة السنية ، كذلك وجد الفكر اليونانى ترحيباً لدى الفاطميين وتوسعوا فى دراسته، ولاسيما أن الحياة العقلية فى العالم الإسلامى فى القرن الرابع الهجرى وما بعده أكثر العلماء النابغين كانوا متأثرين بالآراء الشيعية، ونرى بعض الفلاسفة الذين كانوا على صلة بالتشيع مثل ابن حوقل وابن سينا وجماعة إخوان الصفا، وفيلسوف الدعوة الفاطمية وحجتها فى العراق وكرمان "أحمد حميد الدين الكرمانى". ويذكر المؤرخ فيليب حتى أن النظام الإسماعيلى يشبه الفيثاغورثية اليونانية القديمة من حيث اعتبار العدد "سبعة" مقدساً وقد جعلت السبعية النظام الكونى والحوادث التاريخية أمراً مرتباً على هذا العدد وهم يتعبون فى حدوث الكائنات فلسفة (غنوصية) مبنية إلى حد ما على الأفلاطونية المحدثة ويجعلون التجليات سبعة هى : الله – العقل – النفس – المادة الأصلية – الفضاء – الزمن – عالم الأرضين والبشر، و لعل هذا انعكس أيضاً على فكرة الإمامة بأنها سبعة أئمة تتوقف عند محمد ابن إسماعيل الإمام السابع، وبالتالى أيضاً انعكس على فكرهم السياسى، مما أدى أحيانا إلى التطرف وتمثل ذلك فى ظهور فرقة القرامطة ، إذن يظهر لنا بوضوح أن الشيعة ومعهم المعتزلة هم حماة الفلسفة فى المشرق الإسلامى بالرغم من القمع الفكرى الموجود آنذاك سواء فى حقبة الغزنويين أو السلاحقة الأتراك أصحاب العقلية البدوية والعسكرية . نهاية القول يتضح لنا أن التعددية المذهبية والفكرية هى ناتج ضرورى عن مبدأ الحرية العقلية فى تفسير النص الدينى وأنه حق مطلق لكل إنسان وليس من حق أى سلطة قهر هذا الحق واغتصابه كما فعل فقهاء السلطة السنية سواء الخلافة العباسية أو حراسها من الدويلات السنية. _______________________________________________________________________________ يمكن الرجوع إلى بعض المصادر و المراجع : الجاحظ : رسائل التربيع و التدوير أبو حيان التوحيدي : المقابسات ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب الغزالي : تهافت الفلاسفة حسن حنفي : التراث و التجديد
#ايهاب_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
جدّة إيطالية تكشف سرّ تحضير أفضل -باستا بوتانيسكا-
-
أحلام تبارك لقطر باليوم الوطني وتهنئ أولادها بهذه المناسبة
-
الكرملين يعلق على اغتيال الجنرال كيريلوف رئيس الحماية البيول
...
-
مصر.. تسجيلات صوتية تكشف جريمة مروعة
-
علييف يضع شرطين لأرمينيا لتوقيع اتفاقية السلام بين البلدين
-
حالات مرضية غامضة أثناء عرض في دار أوبرا بألمانيا
-
خاص RT: اجتماع بين ضباط الأمن العام اللبناني المسؤولين عن ال
...
-
منظمات بيئية تدق ناقوس الخطر وتحذر من مخاطر الفيضانات في بري
...
-
اكتشاف نجم -مصاب بالفواق- قد يساعد في فك رموز تطور الكون
-
3 فناجين من القهوة قد تحمي من داء السكري والجلطة الدماغية
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|