مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 6026 - 2018 / 10 / 17 - 01:50
المحور:
الادب والفن
في زحمة الشارع رأيت الله بين الناس؛ كان مبتسمًا بلطف...
في حذائه تمامًا قرر أن يلمس صدري،
فغبت...
الشارع مزدحم، البعض توقف، أصواتهم بالبرتغالية لا أفهمها، وكلمة واحدة ترقص في أذني؛
استرنجيرو!!
على جانب الرصيف، تكوم جسدٌ، وامرأة تبيع الأناناس لعنت في سرها خيط الدم الملتوى أمامها، وهمست بذكرى قتيل كانت تعرفه...
الله في جواري، يده المبللة ببعض الماء والكولونيا تمسح وجهي، ويسألني: هل تدخن؟ هل تأكل؟ هل تحب؟ هل أنت حيّ؟
ما بال الله يسألني؟! الله يعرف كل الإجابات، فلماذا يسأل؟!
الرجل الذي تطوع في جرأة وأخرج هاتفه يخبر سيارة الإسعاف التي تأخرت أن تعود أدراجها، لأن الله بنفسه يجلس إلى ذاك الاسترنجيرو؛ ويمسح له وجهه...
الرجل يبكي بعد المكالمة، ويقترب، يرجوني أن أسأل الله أن يريح زوجته التي أكلها سرطان منذ سنوات، وغيبها عن الناس...
أحاول الحديث بلغة يفهمها الناس حولي، مطمئنًا أن وجود الله في تلك اللحظة كفيلٌ أن يجعل كل العالم يسمعني، يفهمني...
أويفهم لغتي...
سائلٌ رقميٌّ يتسرسبُ من جيبي!
هاتفي ينزف أرقامًا قديمة، وصورة طفلين!!
تقترب عجوز؛ تتطلع في وجهي وفي وجه الجالس يمسح وجهي بالماء والكولونيا،
المرأة تصرخ؛
هذا هو الله!! الله لم يره الناس في سالفادور منذ سنين طويلة...
يقترب عجوز آخر، يعدّل وضعَ النظارة الطبية على عينيه؛ يا امرأة، الله لا يُشبه رجلاً أبيضَ؛
الله جميل كأبنوسة لها نور مثل رائحة البُن في غابة فولانية أو في أرضٍ للهوسا...
الله موجود في مسجد الماليز منذ حولوه إلى كنيسة في حي الريو فيهميليو،
الله هناك...
يمر غريبان مثلي في صدفة فريدة، يصرخان: نعرف هذا المسند إلى الحائط والجالس في جوار الله،
يكرران بلغة البلاد التي لا تقبل أرواحنا؛ Egito, Egito
يحملاني،
أصرخ؛
أنقذوا هاتفي من الموت!!
هاتفي ينزف كل الذكريات...
ينفضُ الناسُ في سرعةٍ عجيبة، وأنا أعيدُ وجهي نحو الحائط هناك...
كان الله يضغط على جرح الهاتف لإسكات النزيف، ويجمع صورة الطفلين، وامرأة تشبه في اسمها جدتي، وفي عينها نور مثل أمي...
سمعت الله يقول؛ لا تخف...
الآن حاول أن تنام.
سالفادور/ البرازيل
أكتوبر 2018
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟