|
دراسة نقدية في رواية عصفور في قفص الاتهام للكاتب الصادق شرف ابو وجدان
سميرة بن نصر
الحوار المتمدن-العدد: 6026 - 2018 / 10 / 17 - 00:33
المحور:
الادب والفن
الحركة هي الحياة ما دامت الدمى جامدة فسأفتح لهن مخبرا للحركة كانت البطلة التي ما تزال تنقف كاللهفة للمجهول ....قراءة نقدية في كتاب العصفور في قفص الاتهام لكاتبه الصادق شرف// سميرة بن نصر/ بتاريخ : 14/10/2018 هو الكاتب الانسان الذي اكتشفت انه يسبح بإسم تونس ، هو الذي لا يحتويه مكان ولا زمان ولا قالب معين ،يتماهى في شتى الدروب التي يتراءى له من خلالها بصيص نور... هو الصادق شرف أبو وجدان الذي يحمل بيد مشعل التنوير والبناء وبيده الاخرى علامة ((توقف)) لكل القوى الظلامية اللانسانية في روايته " العصفور في قفص الاتهام " تردد أنفاسه وبعض من روحه... وأنا اقرؤها فإني أرى نفسي تحلق مسافرة بن العصور ثم تتمخّض في عصر يتأرجح بين الواقع والخيال كالذي يمتطي طائرة نفاثة تارة وطورا يتدحرج على كريطة ذات عجلات خشبية من زمن سحيق... فهذا الكتاب بما يحمله بين طياته ، هو مزيج غير متجانس يكاد يتطاير صارخا من بين الورق الى دنى قصية وأخرى تحت أقدامنا . وقد جنح الكاتب الى الاسراف في الواقعية والخيال على حد السواء...فمن الواقع نراه يضبط لنا حركات وسكنات وما بينهما حتى تلك التي نحسها و تتسابق الى وعينا بغير مسمى فقد جسدها الكاتب بمختلف تعبيراتها وجعل لها قاموسا خاص به ...ص 11 " حتى اذا لم يجد ما يعمل اخذ شفرة وبدأ يقلّم أظفاره" ص 14 " بعد أن يكون قد انتعل سبدريا أبيض"... ص 23"أجرة الكانزة"... وتعدد الامثلة ... ... أرغم ذاك القاموس الذي قد نعتبره هجينا على النفاذ الى المعجم اللغوي واستيطان منطقة لا بأس بها منه تشعرك بادئ الامر بالغزو الخارجي الا انك تستسيغها لاحقا لتدحرجها الى فوهة الكلام المقروء الذي يظل يتمدد في شتى الانحاء متدرجا الى أساليب التشبيه والإيحائية والمجازات والكنايات والإشارات واللانمطية كتعبيره ص 12 " كما يبزغ في يوم شتاء قرن الغزالة" وهذا إن دلّ فإنما يدل على رحابة فكر الكاتب الموسوعي الذي ينتمى الى المدرسة الفرنكفونية منذ زمن مضى والتي توخت نمط المجاز والاشارة والدوران حول المعنى والعدول عن التوجه الصريح المباشر مثل قول ( ذر قرن الغزالة) عوض أشرقت الشمس أو ( تجلّت عروس الرنج) عوض طلعت النجوم ... وقد استوحى الكاتب مقولته تلك من الادب الفرنسي المتكلف في حقبة زمنية سابقة كان يتوخاها نبلاء القوم من الفرنسيين لتأكيد علو مكانتهم وثقافتهم لدى العامة وقد اعتمدها الكاتب لجعل هذه الرواية مجمع أنماط وخليط أمزجة .... ومن الواقعية الارضية يبرق بنا ويعرج الى السماء دون أدنى مقدمات فيستغل مساحات واسعة خصبة من الخيال التي يغطيها بنفس قاموسه ويطوّح بنا يمنة ويسرة متوغلا في أعماق المجتمع التونسي من خلال نقطة منزوية من البلاد التونسية لم تخضع لزمن معين لانه ما إن يستأنس القارئ بزمن تسلسل الاحداث ويجنح الى الشعور بهدنة وهدوء ويسترسل في طمأنينة على ما سوف يأتيه حتى يراوغه الكاتب مراوغة حادة قائلا له هيهات أن تنعم بذاك النسق الروتيني ويباغته من حيث لا يعلم ويأخذه الى ما لا يعلم ص19 " لا يسأم عزيز من اتخاذ البالة متكأ لذقنه....كما حملت المنساة جثمان سليمان ابن داوود الذي ظل زمنا طويلا"...وهذا ما يدل على حركة الكاتب ونشاطه الدائبين . وأنت تقرأ لأبي وجدان لا بدّ ان تكون متحفز الذهن الى أخر الكلام والا فإنك سوف تضيع بعد خطوة واحدة من الشرود ان حدث ذلك. كما نراه يقتنص الفرص للإدلاء بما يخالج نفسه خارج إطار القص بمشاكسة أو بأخرى على أوضاع متردية في المجتمع ص 15.... "ضبطته لجنة مراقبة البكلوريا متلبّسا بتزييف الامتحان كما يزيف المشرفون على صناديق الاقتراع" وبالصفحة 39 من الفصل الثالث الذي اغتنمه لاثارة قضية شائكة من قضايا المجتمعات وهي الغش.... كما استعمل الاضداد والرموز كتعبيره ص 56 " يقتحم المسافات الهائلة الاختصار" وصولا الى السريالية التي تخالج الاحلام في تظليل لواقع مرير يمر به البلد ويمنع البوح به فيراه الكاتب من خلال حلمه الذي يعج بمقطوعي الرؤوس من خلال الفصل الخامــــــس ( البوم ثورة على الدمى ) وللعنوان بعدا مثولوجيا حيث نتشاءم في تقاليدنا من وجود البوم لكن الكاتب اعتمدها في ثورتها على الدمى عسى شؤم البوم يذهب جمود الدمى وللمحتوى بعدا فلسفيا حيث ان علامة قطع الرؤوس انما تعبر عن الذل والسكون في ظل حكم ديكتاتوري ، ثم يعود الى اثارة خبايا التقاليد السائدة في الكيان المجتمعي العربي ومن خلال حفلة عرس بالفصل السادس ( السبوعي لا يموت) تتعدد المشاهد الاجتماعية التقليدية بتعابير ساخرة أحيانا وغاية في التكثيف أحيانا أخرى مثل قوله " رؤوس غيلمية" ..." بعيون البقر" ص72 في وصفه للعادات المترسخة في لب المجتمع والمتمحور حول ليلة الزفاف والشرف العائلي الذي يمتد الى كل من اهل العروس كما أهل العريس ويكون كل من العريسين رهينة قفص الاتهام في تلك الليلة ومحل إدانة الى حين اثبات العكس حتى وان كان ذلك بدم كذب كدم الذئب على قميص ابن يعقوب . وهذه الرواية إنما هي نتاج ارتباط الكاتب ارتباطا وثيقا بالارض أولا وبالكائنات الدابية فوقها ثانيا ثم اقترابه منهم ونفاذه الى عميق وجدانهم عن طريق معايشته لهم برهافة حسه وذائقته الفريدة وإقباله على الحياة بوجه طلق وحركة نشيطة وقد كان هذا الكتاب محور مسابقة شهرية " من سيربح المليون " على أثير إذاعة تونس الثقافية وكانت حصة يوم الاحد 14/10/2018 التي استضيف فيها وفد من كتاب وكاتبات وشعراء و شواعر من ولاية نابل قد ورد فيها نص السؤال " هناك شخص اراد الانتحار فهل تم له ذلك ام لا ولماذا"....وجوابه ان الخال عزيز وهو شخصية رئيسية في الرواية اذ قام بدور الراوي ، هو الذي حاول الانتحار بسبب ضيق زاوية رؤيته لهذا الكون ص115 " من خلال الضيق يجد العزيز المنفذ الشاسع الواسع لمعانقة الحرية السرمدية غير آسف على شي في الدينا" حاول ازهاق روحه حيث ادلهمت في عينيه الدنيا ولكن قدره حال دون ذلك فقد تزامن أوان أجراء عملية الشنق مع انبعاث صوت الحق ، صوت الاذان وانكسار غصن الشجرة ...ص124 " التقطها خالي عزيز من فم الصومعة ورددها مشفقا على نفسه.. ومازال يرددها ...حتى بعد ان نزع عن عنقه و عن عنق الصفصافة حبل المشنقة.." ونستشف هنا الابعاد الحقيقية التي أرادها الكاتب وهو ان صوت الاذان سبب في اندحار شيطانه الذي كان يراوده لقتل نفسه وكلمة لا الاه الا الله اثابت له رشده . و في تطوافه بأرض قريته وبأناسها قد مرّ على المسكينة عويشة الزين البرقي في معاناتها التي أودت بحياتها تحت ظل خروبة عتيقة صارت مبعث قصص مخيفة واطياف تراود عيون الرعب وصولا الى مشكلة الصادق نفسه مع مجتمع كذاب تمثل في شخصية العصفور الذي واجه هذا الصادق بالحيلة وهو اشبه بنص حكم صادر عن هيئة المحكمة نظرا لما تخلله من حيثيات بددتها قليلا القصائد التي وردت في شكل خطاب وتظلم تكاد تكون سليلة قصائد الملاحم وحفيدتها ...حيث كانت القصائد المرتجلة في ساحة الوغى تلعب دورا كبيرا منذ العهد الجاهلي فتكون وبالا على الخصوم نظرا لما فيها من تقريع يسهم في القاء الخوف والخذلان والفشل على قلوبهم. تغيرت اليوم ساحة الوغى بساح المحكمة (محكمة لاهاي ) حين انبرى الصادق منشدا : ردّوا فلوس الناس يـــزيكم م القلبة فيقـــوا قبل الفاس ما يعطيكم ضربة كي ينزل ع الراس تشمو ريح الغلبة صنـــدوق الكناس خبى وراه الكلبة كل ما وارد في هذه الرواية يجعلها ترتقي لمصاف الروايات العالمية بالرغم من لغتها التونسية لحما والعربية دما وهي اضافة الى الادب التونسي والعربي ومكسبا لا يستهان به. ....خلاصتها وعصارة لبّها هي التحفيز على المثابرة والعمل والحركة والاقبال على الحياة وهذا انبثاق عن روح كاتبها الصادق شرف ابو وجدان الذي لا يثنيه عن عزمه عائق ولا يؤمن بالجمود او التقهقر... دائب التطلع الى اشراقة الغد من خلال ما أتيح له من ضوء اليوم .
#سميرة_بن_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|