دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018 / 10 / 14 - 20:05
المحور:
الادب والفن
شجرة 1
كان الكاتبُ يعيش في عالمه الخاص، فقررَ أن يهجرَ العالم الكبير لأنه لا ينسجم مع أفراده.
بقيَ أعواماً عدة في كهف على طرف الغابة، وكان سعيداً بعالمه الصغير. ذات يوم، شبت نار هائلة في الغابة، فهربت كل كائناتها إلا هوَ. أحترق الرجل وصار رماداً. الرماد، ما لبث أن جرفته الأمطار إلى حقل قريب. هنالك نبت برعمٌ صغير، ثم تحول مع مرور الأيام إلى شجرة. ذات يوم، قطعوا الشجرة وجعلوا من خشبها أوراقاً بيضاء وأقلامَ رصاص.
شجرة 2
في زمنٍ ما، لم يكن ثمة إله واحد في السماء. كان هنالك مجمعٌ إلهيّ، وكان أفراده قلائلَ على أيّ حال. أما الأرض، فإنها لم تتغير مذ ذلك الحين. كل ما هنالك، أنّ أولئك البشر، الذين ادعوا الربوبية في الماضي، صاروا فيما بعد أباطرة وملوكاً وأمراء. حكايتنا، تعود إلى الزمن الأول ولا ريب.
يقال، أنّ إله الطبيعة عشقَ فتاةً بغاية الجمال والرقة. كونه يبسط سيطرته على الطبيعة، كان من اليسير عليه تقمّص شخصية صيادٍ شاب. ولكن منذ اللقاء الأول، اكتشفت الفتاة حقيقةَ الصيّاد. وإنه هوَ مَن تكفّل بذلك، طالما طلبَ منها أن ترافقه إلى المجمع السماويّ كي تنعم معه بالخلود. جوابها القاطع، أثار حفيظته ولا غرو. وكانت قد بدأت تسأله: " أنتَ إله، ويلوحُ أنك راقبتني جيداً من قبل؟ "
" نعم، لقد فعلتُ ذلك "، قاطعها مبتسماً. أكملت الفتاة القول: " وإذاً، كان عليكَ أن تقدّر بأنني أحبّ بالفعل أحد صيادي القرية؛ وهوَ شابٌ فقير بالطبع، إلا أنه طيّبٌ ومستقيم ". آبَ الإله إلى إيقاف كلامها، هاتفاً في دهشةٍ مشوبة بالحنق: " طيب ومستقيم ووسيم، أليسَ كذلك؟ "
" بل أردتُ القول، أنه طيب ومستقيم ويبادلني الحب! "، ردّت مبتسمة في جسارة. فكّر الإله ملياً، وفي الأثناء كان يحك لحيته الخالدة. ثم ما لبثَ أن خاطبَ الفتاة ببطء: " مفهوم. أنتِ تبغين الزواج من ذلك الشاب، فتكوّنان معاً عائلة ". ولكنه أردفَ فجأة بنبرة متسلطة: " في وسعي محوكِ محواً، غيرَ أنني قررتُ أن أعذبك مثلما ستعذب صورتكِ خيالي أبداً: سأمسخك شجرة، وفي كل خريفٍ سيكون عليك أن تبكي أوراقكِ الميتة ".
في اليوم التالي، أشيعَ في القرية أن حبيبة الصياد قد فرّت مع شخص ما. إلا أنّ الحبيب لم يُصدق ذلك، وبقيَ ينتظر فتاته تحت شجرة مسحورة كانت قد انبثقت من الأرض في نفس اليوم.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟