|
تأثيل وضع الثقافة في جدليات القيمة والوزن والميزان ومعرفتهم
المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 6022 - 2018 / 10 / 13 - 06:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يهتم هذا التأثيل بطبيعة وجود جدلية "المثقف والمجتمع" وفي لماذا وكيف يقيم أحدهما الآخر؟ أو الخطأ في تركيز النظر على "أولية المثقف أو المجتمع" بدلاً لتركيز النظر على "جدلية الثقافة" , لا وجود حقيقي بل رمزي لما يسمى "المثقف" أي بالمعنى الذي تحتويه "الـ" التعريف والتحديد والتفخيم الملازمة لها، فكل إنسان مثقف في مجاله: الزارع في زراعته والعامل في عمله والمهني في حرفته، والأديب في مثالياته. ومن الغلط لزم "الثقافة" بجهود قراءة وكتابة ونقاش القضايا العامة، وغلط حصر الثقافة على/في أسلوب التعبير النظري عن آلام وآمال فئات أو بعض فئات المجتمع أو الكادحين، ففي هذا الحصر تضييق للمعنى العام لـ "الثقافة" كأسلوب فهم ومعيشة وتعامل مع تفاصيل الحياة، مفتوح لكل إنسان ، وتحديد للمعنى الثوري الكبير لها كحركة نضال ذهني وعملي ضد القيم والسلوكيات المضادة لإنتصار الكادحين في الصراع الطبقي.
الصورة المثالية لتكامل مبادئي/أهداف وسلوك المثقف أو المهندس العملي أو النظري أو المعلم أو الطبيب أو أي إنسان، لايمكن لعاقل ان يرجو حدوثها في مجتمع مفارقات وتناقضات أساسه وحركته وأهدافه مفارقات وتناقضات، بل يقل هذا التناقض وينخفض كلما قلت الفروق بين أنواع العمل الذهني التركيز والعمل المادي البلورة، وأيضاً يقل وينخفض بإضمحلال الفروق والتناقضات بين الربف والمدينة، وبين الحريات والحقوق النظرية وإمكانات حضورها وتكاملها في الواقع، وكذامع إضمحلال الفروق بين أساليب المعرفة وأيضاً بين التمثل الإجتماعي والتمثل الفردي للقيم بما في ذلك أسئلة الضبط وأسئلة الحرية التي تفرضها طبيعة سلطة الحاضر أو سلطة المستقبل عن "المعرفة"، "السياسة" "الدين"، "الجنس" وما بينهم أو ما حولهم من علاقات أو ما يتجه إليه المجتمع أو الفرد إزاء كل هذه الفروق من تمييز وفصل وتبيين وإبعاد أو تجميع وتركيز.
هذه المفارقات تشمل جميع فئات الناس وما يسمى جزافاً "المثقف" هو من أشهر الخارقين لنظمها، لا بحكم نوع تفكبره، بل لأن العين عليه أكثر. والإعتقاد بأن فئة ما أكثر مثالية من غيرها إعتقاد مضاد للعقلانية وللتنوع ومضاد لإنسجام الحاضر أو المستقبل مع أسس أو معالم مهمة لعملية الوعي ولتنمية الوعي الطبقي -الثوري وهي: "التأثير والتأثر" و"التعدد" و"التنوع" و"التناقض" الكامنة في وجود وحركة كل شيء بما في ذلك البيئات والمجتمعات والفئات والأفراد والعمليات الذهنية لقراءاتهم او مناقشتها. وبهذا التناقض الملازم لطبيعة الحياة يستحيل وجود شيء أو إنسان أو مثقف شبه كامل، بل بعض المناضلين الأفذاذ تنخفض في حياتهم بعض التناقضات، او امكانات قراءتها، فحتى هؤلاء المناضلين الأفذاذ بشر يخفي وهج جهودهم وتضحياتهم أخطاء وجرائم ثقافية وقعوا فيها بقصد أو بدون قصد.
الأهم في من يوصف جزافاً بأنه "مثقف" ليس طبيعة حياته أو معيشته أو توزانه مع قيم التجرد أو التوازن مع دعوته، او طبيعة معيشته أو انسجام سلوكه مع شعاراته، بل الأهم في قراءة التاريخ لـوضع "المثقف" وتحديد مكانته في مسيرة المجتمع أو لقراءة فئة مستنيرة من المجتمع لمكانته في التاريخ هو ما طرحه أو يطرحه "المثقف" من أسئلة تشريحية أو علاجية أكثر توليداً أو زيادة للوعي أو للوعي الطبقي-الثوري. أي تقييم المجتمع لجهد المثقف يحسن ان يرتبط بطبيعة أسئلته. فسؤال واحد أو تعبير معين قد يشكل في ظروف معينة معلماً لبداية تقدم للكادحين في الصراع الطبقي أو لانتصار معين لبعض المبادئي الموجبة للتقدم البشري من الحالة البدائية الوحشية إلى الحالة الإجتماعية أو من الحالة الإجتماعية الى الحالة الإنسانية.
توصيف "مثقف" ما بانه متناقض أو إنه قريب الكمال، قد يحفز بعض "المثقفين" على الانسجام وعلى تغليب سلوكيات معينة فيهم تكون موافقة أو مضادة لثقافة المجتمع، لكن التوصيف السلب أو الايجاب والمشاركين فيه يوكد قيمة "النظام" في العلاقة/العلاقات بين "الأهداف" و"الأخلاق" و"السلوك" و"المجتمع" وهذا عمل جيد يواجه التناقض الذهني/السلوكي في المجتمع، بينما في الجهة المقابلة يعمل كثير من "المثقفين" على كشف المفارقات أو التناقضات الداخلية في حركة وجود "القيم" التي تسمى "إجتماعية" (القيم الإجتماعية) بينما هي ذات كينونة طبقية، وأيضاً يجتهد من يسموا بـ"المثقفين" في كشف المفارقات أو التناقضات في إتباع أوفي رفض هذه القيم (الإجتماعية).
في الفئتين تناقض فالفئة الراصدة للمثقف تطلب فيه الكمال بدعوى "الإنسجام"، والفئة الموصوفة جزافاً بالثقافة أو "المثقفون" تطالب ما تسميه "المجتمع" بضبط أو بتحرير المعرفة والحقيقة والعدالة بينما هي نفسها -أي فئة الثقافة- تمارس وجوداً وتضليلاً فئوياً أو طبقياً أو تروج لقيم "إجتماعية" دون تحذير من مفارقاتها!
مستخلصات: 1- في المجتمع المرسمّل الوجود والحركة يتبلور وجود "الثقافة" كمعرفة أو كسلوك بين كيانين ذهنيين (افتراضيين) أحدهما يسمى "المثقف" والثاني يسمى "المجتمع" ويتم تناول هذه الثقافة أو بعض قضاياها وفق هذا المثنى الشكلي أو السطحي.
2- حسب الظروف وتغيراتها وتأثيراتها في المجتمعات التي تكرس التراتب الطبقي أو في المجتمعات الكبيرة أو الصغيرة التي ترفض التراتب الطبقي، وفي مختلف ثقافاتها، وكينوات مثقفيها، قد تقل أو تتأخر أهمية "القيم" وتزيد أهمية "إجراءات وعملية وزنها"، وقد يزيد الاهتمام بـ"القيمة" وحركة قيمة القيمة على قيمة عمليات "الوزن". وبالجدل المتنوع الظروف والقراءات بين الثبات النسبي في طبيعة "القيمة" والتنوع النسبي في طبيعة "تقدير"/"وزن" هذه "القيمة" أو تلك، أو طبيعة عملية وزنها، أو قراءة هذه أو تلك، تتولد خلايا و أسئلة "الثقافة" التي تستفيض الوعي أو الوعي الطبقي-الثوري أو أسئلة الوعي الطبقي الثوري التي تعزز جانباً معيناً في تطور "الثقافة" وتصارع جوانب أخرى. لكن في جانب ملازم لهذه الاستفاضات فان التصورات والأسئلة والقيم والأوزان والموازين الأخرى لا تتوقف، يحاول بعض المثقفين زيادتها أو تخفيضها، وتحاول السلطات المختلفة الطبقية، الحزبية، الدينية، إلخ تحفيزهم على دعم أوعلى تخفيض هذه الزيادة.
3- بهذه التناقضات في طبيعة قراءة الأشياء وفي النشاط المنفعل بها، تتعدد وتتنوع معرفة وقراءة أصوله ومكوناته وآثارها في صور وتقديرات مختلفة، ينسب بعضها لفئات أو إلى فرد، أو إلى مجتمع، أو إلى قيمة، أو إلى وزن معين لتقدير أو رأي آخر وتترى الإختلافات المثالية والموضوعية في كل تقدير ، وبتناثر أو بتركز الموضوعات والإراء يتكون جزء كبير من طبيعة "الحياة الثقافية" وطبيعة تقديرها لبقية الحيوات: "الحياة المعرفية" و"الحياة المعيشية والسياسية"، و"الحياة الدينية" و"الحياة الإجتماعية"، وحتى تقدير الحياة الثقافية للحياة الثقافية. ففي التفكير والممارسة تحصل عملية تبادل بين الحياة الثقافية مع هذه الحيوات أو بالضبط مع تصور بعض الناس لبعض هذه الحيوات. يتضمن هذا الجدل بين الحياة الثقافية وغيرها من الحيوات التي يعيشها ذهن المثقف أو الناظر لأعماله: بعض عناصركل حياة، المواقع، العلاقات، البنى، القيم، الأوزان، الإجراءات والموازين، والتقديرات، بصورة تبقي الذهن والحياة مجالاُ وأساساً لصراعات الحاضر حول قراءات الماضي، وحول قراءات الواقع، وحول قراءات المستقبل، بالإجمال أو بأجزاء منها، عناصراً، صلات، إفتراضات وتقديرات، وحسابات، مبنية على معارف وحاجات وأهداف وقدرات ومصالح واقعية للفرد المثاقف وفئته يتبادل معها التأثر والتأثير بقبول أو رفض فكرة أو ممارسة معينة إما بتناول طبيعة مكوناتها أو علاقاتها أو بنيتها أو حتى قراءة بعض الآخرين لها.
الخلاصة: تناول الثقافة كجدل مثنوي بين المثالي والواقعي أو الخير والشر،إلخ لا يعرف بطبيعتها كجدل طبقي-فئوي-إجتماعي، ذهني وعملي، متعدد، تظهر به وفي صور متعددة العناصر جدليات كل عنصر، موقع، علاقة، بنية، وزن، وقيمة، وأن كل واحدة من هذه التفاصيل تلعب في نفس الوقت ونفس الذهن عدداً من الأدوار المتوافقة أو المتناقضة. لذا تتطور أو تضعف حوانب من التقييمات المرتبطة بالثقافة/الحياة أو ببعض الإصطلاحات والمفاهيم، وفق حدليات مركبة لاوفق جدل بسيط، لذا لا يحسن أن تُقرأ وضعيات أو أجزاء من "الثقافة" أو "المثقف" أو "المجتمع" وتناقضاتهم أو صراعاتهم مع بعضهم أو مع غيرهم يفكر فيها بأسلوب أحادي أو ذو بعدين بل الأفضل قراءتها بأسلوب "التأثيل" المتعدد المواقع والمناظير ذو القراءة المتعددة الأبعاد Multidimensional التي تشمل جدليات المعيشي والإقتصادي، مع الثقافي والسياسي، مع الإجتماعي ، في الماضي والحاضر والمستقبل وبالنسبة للفئة والفرد والطبقة والمجتمع والريف والمدينة، والدولة والعالم، وبالميسمين الأدبي والحسابي، وبالشكلين العملي الفيزيقي والنظري الميتافيزيقيي. وهو أي التأثيل نمط قراءة إنتقادية وبنائية إبتدعته عبر معرفة قبسات من المادية الجدلية في مجالات الفلسفة واللغة كفهم وتعبير بحساب أن تاريخ كل شيء هو عبارة عن جدليات من التنوعات المتجادلة والمتواصلة، وان عمليات معرفتها ونقاش تفاصيلها، تتناقض مع الإهمال المألوف منذ الاف السنين في كثير من القراءات لقراءة بعض هذه التنوعات.
المنصور جعفر
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد الصين
-
نقاط تأريخ لقضايا نسوية وشيوعية
-
كيف تؤثل نصاً؟
-
تأثيل تسميم الإتجاه الليبرالي لنشاط الحزب الشيوعي السوداني
-
عدلان الحاردلو
-
الوليد مادبو بين الهامش والمركز
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
-
من تغيرات الثورة الفرنسية وآثارها
-
ثلاثة أسئلة من تغيرات العراق وسوريا
-
سيد البحراوي
-
نحو تجديد ثوري
-
التأثيل: فكرة الأصالة عند العلامة عبدالله الطيب
-
من اثار انتصار ثورة اكتوبر على روسيا والسودان
-
ضرورة الشيوعي لحرية العالم من تناقض بنى التدين والدولة
-
تأثيل الماركسية اللينينية ضد التعامل العشواء مع ظواهر الإلحا
...
-
ديالكتيك شيوعي للغة العالم والحزب والزعيم
-
ديالكتيك بداية -العقل- ومواته
-
تأثيل حكاية -أنا- مهزومة عن طبيعة الحزب
-
تأثيل أطوار المعرفة وبعض تغيرات التفكير والنخب (نقاط من مهدي
...
-
نحو تقييم آخر لصراعات الحزب
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|