|
تذويب جبهة النصرة وأخواتها
عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا
(Abdulrahman Matar)
الحوار المتمدن-العدد: 6014 - 2018 / 10 / 5 - 19:50
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تبدو مفارقة مثيرة للجدل، أن يكون تفتيت (جبهة النصرة)، حلّها أو تذويبها، مطلبًا شعبيًا في مجتمع الثورة السورية، إضافة إلى كونه بات مطلبًا لروسيا، التي تشن عدوانًا شاملًا على السوريين منذ ثلاثة أعوام، بوحشية منقطعة النظير. غير أن الأسباب مختلفة جذريًا، فقد سئم السوريون صنائع (النصرة) المريرة بهم، إذ إنها جرّت على المدنيين ومناطقهم خرابًا عميمًا شاركت فيه، أو تسببت حروبها فيه. وعملت على التحكم في حيواتهم ومعايشهم بالحديد والنار، بالخوف والقمع، تمامًا كما يفعل النظام الأسدي عبر قوته الأمنية الفتاّكة، قبل أن يستأثر باستخدام السلاح، وسفك الدماء. فيما مطلب روسيا ينمّ عن عجز في مواجهة التحديات، ومأزق معقد في التعامل مع ملف إدلب، على الرغم من الآلة العسكرية الضخمة التي تتوفر له، والدعاية المهولة بشأن تكامل الاستعدادات لشن هجوم شامل على آخر معاقل الإرهاب في سورية، على حدّ زعمهم.
على الرغم من توفر استراتيجيات دولية، لتفكيك التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابية، فإن جميع تلك الاستراتيجيات تنطلق من رؤى محدودة، ولا تتجه إلى إنتاج استراتيجية دولية شاملة لتجفيف منابع الإرهاب، واستئصال أطرافه وأدواته، ومنع انتشاره. كل قوة دولية تعمل في سياقات منفصلة حتى ضمن تحالف واحد. وثمة أسباب كثيرة لا تجعل الجهود المبذولة في هذا المضمار ناجعة وفعّالة في محاربة الإرهاب. ليست هناك إرادة دولية حقيقية لإزالة بؤر الارهاب، بدءًا من أسبابه وآليات نموه، وتنظيماته. فما يزال تنظيم القاعدة -على سبيل المثال- موجودًا، والمنظمات تتوالد في مختلف أنحاء العالم بصور شتى، ومنها بالطبع (جبهة النصرة) التي يُفترض أن يؤول مصيرها إلى حلّ التنظيم وتذويبه، بموجب اتفاق أمني روسي – تركي، بغطاء دولي.
لم يكن الموقف الدولي وحده، من دفع بخيار الحسم العسكري إلى الخلف قليلًا؛ ذلك أن وجود (جبهة النصرة)، وسيطرتها على ما يقارب من 70 بالمئة من أراضي منطقة المعارضة السورية في الشمال السوري، يلعب دورًا حاسمًا في الذهاب إلى المعالجة الأمنية سياسيًا، بموجب اتفاق سوتشي. تدرك جميع الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، عسكريًا وسياسيًا، الأهمية والقدرة (المُبالغ فيها) التي تحوزها (جبهة النصرة)، حيال أي مواجهة محتملة مع روسيا وإيران والنظام، أو ضد فصائل المعارضة المنضوية اليوم في إطار (الجبهة الوطنية للتحرير).
في الواقع، ليس من السهولة إنجاز أمر كهذا، فقد أسس التنظيم دعائم قوية في سورية، عبر تمويل كبير، ومقاتلين متدربين، وأساليب ترغيب وترهيب، تتجاوز في أحايين كثيرة كلّ تصور ممكن. (النصرة) لا تستند إلى فكر القاعدة الجهادي فحسب، ولكنها تنتهج سياسات أمنية وإعلامية متطورة. يضاف إلى ذلك انتشارها العنقودي في مناطق الشمال السوري، الذي يتمركز اليوم في ريف حلب ومحافظة إدلب، وبقايا جيوبٍ في غوطة دمشق وجنوب سورية. غير أن واحدًا من مصادر قوتها هو المساحة الشاسعة التي تتمركز فيها (النصرة)، وطبيعتها التي تمنحها قدرة على الانكماش والتمدد، تبعًا لاستحقاقات المعارك. هذا أيضًا سبب مهم في انكفاء موسكو عن خيار العمل العسكري.
استفادت (جبهة النصرة) كثيرًا من تطورات الوضع في المنطقة، بعد اتفاق سوتشي، ولم تعلن رفضها لبنود الاتفاق التي تنص صراحة على تجريدها من السلاح الثقيل، وحلّها، ودمج عناصرها في تنظيمات أخرى، معتدلة، ترعاها تركيا، كما هو شائعٌ اليوم. فقد ربحت فترة إضافية من الوقت، لتتمكن من اتخاذ قرار حاسم بشأن المستقبل، تستجمع فيه صفوفها بعيدًا عن حالة الاستنفار التي تحفز على التوتر والقلق الدائمين.
لقد استظلت (النصرة) بالرفض الشعبي العام، لأي عدوان عسكري على منطقة إدلب. وكظمت غيظها وشدت على النواجذ، وهي تضطر إلى الانسحاب مؤقتًا عن تصدّر المشهد العام وقيادته، وفرض شروطها المريرة، خاصة وهي ترى التظاهرات الضخمة التي ينظمها المدنيون. وها هي، بعد أسابيع ثلاث، بدأت تطل برأسها، كثعبان يتلمّس الدفء.
لدى السوريين أسباب كثيرة ومهمة للقبول بتفكيك (النصرة). لم تكن هناك أي حاضنة شعبية -كما يروج لذلك منذ سنوات- لـ (النصرة) و(داعش)، في أوساط المجتمع السوري في إدلب، والرقة من قبل. وقد فرضت (جبهة النصرة) سطوتها على المجتمع وتحكمت فيه، وحكمته وسيّرت مرافقه وخدماته بقوة السلاح، وفقًا لما اختطته من قوانين تردّها إلى الشريعة الإسلامية. ولم تكتف بمنع العمل المدني في مختلف الأوجه، بل اعتقلت واختطفت وحاكمت وقتلت عشرات الناشطين، كان ذلك عملاً قمعيًا إرهابيًا لم ينل أي قبول من المجتمعات المحلية، لكن (النصرة) فرضت عليهم الصمت والخوف، وقابلت أي احتجاج بالرصاص.
(جبهة النصرة) هي من أوائل من تسابق مع النظام الأسدي، في ملاحقة ناشطي الثورة السورية، واختطفتهم، ولم يزل مصير العشرات من المحامين والصحافيين، والإعلاميين، والمعلمين، وغيرهم من الناشطين المدنيين، مجهولًا. لم يكن المحامي عبد الله الخليل، رئيس مجلس محافظة الرقة الذي اختطفته (النصرة) أولهم، ولن يكون المحامي ياسر السليم آخرهم. هناك قائمة طويلة ممن اغتالتهم (النصرة) خاصة من الإعلاميين، والصحافيين والأطباء. وما تزال جرائم (النصرة)، في الاعتقال والتعذيب، والاختطاف والاغتيال، شاهدًا على انحرافها المسلكي، الذي لا يختلف عن الإجرام الأسدي. ولم تكن (النصرة) سوى الوجه الآخر لـ (داعش) التي ولدت من رحمها، وكانت جرائمها سابقة على ما ارتكبته الأخيرة فيما بعد.
أيًا تكن الظروف، فإنه لا يُمكن الوثوق بـ (جبهة النصرة) التي لم تكن، في يوم من الأيام، نصيرًا لثورة الحرية، ولم تكن مواجهاتها مع النظام لمصلحة الثورة السورية. حيث كانت جلّ معاركها مع النظام تقود إلى خسارات كبيرة، كما حدث في حلب! وكانت تخوض معارك شرسة ضد فصائل (الجيش الحر)، بصورة خاصة، لتفكيكها وإزالتها من الوجود، وعملت على قضم المناطق بصورة تدريجية، تثبيتًا لإرساء نظام حكم الإمارة الإسلامية، ليس بهدف ترسيخ وجودها بالقوة فحسب، بل لمنع قيام حكم مدني ديمقراطي.
حماية المدنيين في منطقة إدلب تستوجب إجبار التنظيم على حلّ نفسه، وعلى تسليم السلاح، بما فيه الفردي. وإلى أن يتحقق ذلك، يجب إزالة أي مظاهر أو نقاط مسلحة، وسحبها خارج المناطق السكانية. وعلى تركيا، بما تتمتع به من علاقات مهمة مع كل التنظيمات المسلحة، ومن ضمنها (النصرة)، أن تدفع في اتجاه تفكيك (النصرة) وإذابتها، وأن تكون هي الضامن لمنع تغوّلها من جديد.
ليس بيد السوريين في منطقة إدلب ما يُجبِرون به التنظيمات المسلحة على الابتعاد من التحكم بمصايرهم، ولكن علينا مساعدتهم في إيجاد طريقة آمنة، يمنعون بها (النصرة) وأخواتها من التمترس خلف المدنيين، والاستفادة من انتفاضتهم مجددًا لمنع عدوان روسي – إيراني وشيك. يجب أن تتطور المطالب الجماهيرية، لرفض وجود (النصرة) صراحة، رفض العدوان ورفض استمرار حمل السلاح، بأي وسيلة ولأي غاية.
#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)
Abdulrahman_Matar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إدلب: اتفاق جذوة الجمر !
-
إدلب والثور الأبيض
-
الصراعات الدولية والثورة السورية
-
قراءة في رواية حيث يسكن الجنرال
-
الثورة السورية: هزائم وانتصارات
-
سوريا: التعذيب حتى الموت
-
حرب العالمين ضد حوران
-
المعتقلون في السجون الأسدية .. ناجون الى حين !
-
النظام الأسدي و النموذج الإسرائيلي
-
الإبادة الجماعية المنظمة في سوريا: المحرقة الأسدية
-
الدور الايراني في سوريا والصراع مع اسرائيل
-
الحرب التي لا تنتهي !
-
سوريا: المغيبون والمصير المجهول
-
تجليات وأوهام سوتشي
-
عفرين والمصير المرير
-
سوتشي: الهروب من استحقاق جنيف
-
تبخّر داعش .. وتمكين الاحتلال في الرقة
-
حلم كردستان بين الحصار والخذلان
-
الرقة على مذبح روما
-
جرائم الحرب والإفلات من العقاب
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|