صباح راهي العبود
الحوار المتمدن-العدد: 6014 - 2018 / 10 / 5 - 18:30
المحور:
الادب والفن
سلامات .. سلامات ياعراق . قالها بلسان مشلول ثم غاب في الذكرى.
يُعد الفنان عبد الحسين طاهرفلیح السماوي (حسین السماوی) واحداً من أبرز العازفين والملحنين في فترة ستينات وسبعينات القرن الماضي الزمن الذهبي للأغنية العراقية والذين قدموا أروع الألحان لأجمل قصائد غنائية وضعها شعراء الأغنية وملحنوها ذاك الزمان.وعندما يُذكر هذا الملحن الرائع يتبادر إلى الأذهان أغاني عمالقة الغناء العراقي ياس خضر وفؤاد سالم وفاضل عواد وحسين نعمه وسعدي الحلي وحميد منصور وسعدون جابر وغيرهم ممن لحن لهم السماوي اغاني بقي الناس یطربون لسماعها لحد الآن وبذلك ترك بصمته في تاريخ الأغنية العراقية السبعينية ولیصبح أحد أهم فرسانها الرائعین .فمن منا لا يذكر أغنية سلامات لحميد منصور و ردتك تمر طيف لفؤاد سالم و ضوه خدك لفاضل عواد وتناشدني عليك الناس لسعدي الحلي وغيرها.
لم يكن رحيل الفنان السماوي في غربته القاتلة مفاجئاً للجالية العراقية في أستراليا ولا للعراقيين الذين عرفوا فنه العذب , فقد ودع الحياة فجر الأحد 26 / 8 / 2018 في سدني بعد أن أضناه المرض وأقعده الشلل وجعله طريح الفراش بسبب جلطة دماغية عانى من نتائجها على مدى عدة سنين غاب عنه خلالها كثير من المحبین والأصدقاء . ولم يحظ تشييعه ولا مجلس فاتحته مع الأسف بحضور رسمي من لدن القنصلية العراقية في سدني ولا من السفارة العراقية في العاصمة كامبيرا .كما كان من المتوقع حضورأعداد كبيرة من أبناء الجالية العراقية لمجلس الفاتحة التي أقيم على روحه الطاهرة في سدني وبالأخص الفنانين منهم. لكن الأمر بدا مخيباً للآمال مع الاسف من خلال العدد المحدود ممن حضر التشيع ومجلس الفاتحة بخلاف ما كان متوقعاً.
لقد كان الفنان السماوي انساناً طيباً صادقاً مخلصاً خلوقاً إلى جانب ما اتصف به كونه أباً ومربياً فاضلاً وزوجاً مثالياً يتابع الأقارب والأصدقاء ويحرص على زيارة المرضى منهم ويؤدي كل الأصول والمتطلبات والالتزامات الاجتماعية مادامت صحته تساعده في ذلك , وهذا ما شهد به من عاشره وعاش معه عن قرب.
ولد السماوي في مدينة السماوة عام 1943 . تعلم القراءة والكتابة قبل دخوله المدرسة الابتدائية وعمره خمس سنوات عند الكتاتيب (الملالي) منهم الشيخ شهاب والشيخ محمد علي ,ختم القرآن الكريم خلال سنتين مضاها في الكتاتيب . بعدها أنهى فترة دراسته الابتدائية في مدرسة السماوة الابتدائية التي انقسمت آنذاك إلى أولى ومديرها الأستاذ وحيد ,وثانية ومديرها علي كاوي. وكان نصيبه في الأولى. أما المرحلة المتوسطة فقد أكملها في ثانوية السماوة. وخلال ذلك مارس الغناء والتمثيل ضمن النشاطات المدرسية الفنية والمسرحية .وقد اشتهر السماوي بجمال الصوت وحسن الأداء في أثناء تلكم النشاطات وظهر ذلك جلياً من خلال إجادته تلاوة آيات من الذكر الحكيم في مناسبات مختلفة . وهذا ما دعا والده لمحاولة توجيهه وجهة دينية رافضاً اقتراحات بعض المعارف والمقربين لتشجيع ولده على ولوج طريق الفن والغناء لأنه كان يأمل أن يصير ولده (روزخوناً) يعتلي المنابرالحسينية ويقدم للناس التوجيه والارشاد لأمور الدين والدنيا.وقد فشلت مساعي ومحاولات الوالد تلك إذ توجه عبد الحسين السماوي نحو الفن بكل رغبة واندفاع وكأن ثمة أمراً يسيّره ويدفعه بهذا الاتجاه ليقوده في النهاية إلى أعلى سلم مجده الفني.ولقد بدأ السماوي مشواره الفني بالصدفة قبل أن يشق طريقه إلى عالم الفن والألحان لأشهرالأغاني التي أداها أبرز المطربين فترة السبعينات من القرن الماضي .فبعد انهاء دراسته المتوسطة في مدينة السماوة قررالالتحاق بمعهد الصحة ببغداد لاختصار الزمن والتقاط فرصة سريعة للتوظف في دوائرالدولة بعد تخرجه المفترض من المعهد المذكور بهدف تحسين الوضع الاقتصادي الحرج لعائلته , لكنه اضطر لترك الدراسة بسبب الآلام والأوجاع المزمنة التي كان يعاني منها في كِليته. وبعد فترة وبتشجيع من أحد أصدقائه وبدافع داخلي قوي إلتحق بمعهد الفنون الجميلة في قسم الموسيقى والانشاد بعد ما علم بأن هذا المعهد يخرٌج معلمين لتدريس مادة الفنية في المدارس ويعلم العزف على الآلات الموسيقية وهذا عز الطلب ,وهكذا لعبت الصدفة لعبتها ليتوجه لدراسة الموسيقى وليصبح ملحناً مشهوراً فيما بعد واستحق لقب شيخ الملحنين لما قدمه من ألحان شجية ورائعة.وفي فترة دراسته هناك ظهر تأثره واهتمامه واضحاً بأغاني المطرب فريد الأطرش وعمالقة الغناء الآخرين التي كان يرددها بشغف داخل المعهد وخارجه اضافة إلى تأثره الشديد بالمطربين العراقيين الرواد مثل يحيى حمدي ورضا علي ومحمود عبد الحميد. وعلى الرغم من امتلاكه صوتاً فنياً جميلاً يؤهله ليكون مطرباً, لكنه قرر أن يكون ملحناً وعازفاً حسب وخاصة بعد نجاحه في تلحين أغنيتة ( تذكرأيامنا الجميله لو نسيت) قدمها صديق طفولته (حمودي شهيد) الذي دفعه وشجعه على تلحينها ( عُين حمودي لاحقاً معاوناً لمحافظ السماوة) وأداها بنجاح ملفت للانتباه المطرب الرائع داود العاني .كان هذا عام 1961 وهو لما يزل طالباً في الصف الأول من معهد الفنون الجميلة . وخلال دراسته في المعهد أظهر السماوي نشاطاً واضحاً خاصة في الصفين الثاني والثالث من خلال قيامه بتكوين فرقة انشاد من زملائه طلبة المعهد اسماعيل حسين من الحلة, نجم متي من بعشيقة,عدنان الحسيني من الحلة, عباس من الناصرية, رعد عبد الهادي من الموصل.هذه الفرقة أدت أعمالاً فنية عديدة بقيادة السماوي نفسه . كما أن نجاحه في تلحين أغنيته الأولى دفعته وهو ما زال طالباً لتلحين أغنية ثانية قدمها للمطرب ذاته وهي (حلوه حياتي وياك حلوه) من كلمات صديقه الشاعرالقدير(كريم محمد) والتي رفعت العاني إلى قمة مجده الغنائي .
حلوه حیاتی ویاك
حلوه حياتي وياك ... حلوه ..... وانت أمانيهه
غنوه معاني هواك ..... للنسمه اغنيهه
شوف الأمل والنور... والدنيه تحلالي
من عطرك أزكى زهور... يا أغلى آمالي
إنت سعادة روح ... عذبها ماضيها
إنت حياة الروح ... خان الزمن بيهه
حلوه حياتي وياك ... حلوه
غريب واحلامي بدت ... لما التقت باحلامك
بعيونك أنغامي حلت ... والحاني من الهامك
يا نسمه من آمال ...حبي بده بيهه
يا همسه من أحلام... گلبي يناديهه
حلوه حياتي وياك ... حلوه
بأغنية ( حلوه حياتي وياك) ولحنها الجميل الذي أثار الانتباه من حوله وهو مازال شاباً يافعاً لمع نجم السماوي وغدا الدرب سالكة للاحتكاك بالمطربين في الاذاعة والتعرف عليهم ويعود الفضل في ذلك للشاعر والكاتب جعفر الأديب الذي عرٌفه على كثير من مطربي الريف زمنذاك , ومع اتساع شهرته خاصة بعد النجاح الكبيرالذي تحقق بأغنية داود العاني إمتدت جسور التعاون بين السماوي والمطرب العاني والشاعر كريم محمد ليتمخض عنها ثلاثي فني أثمر (20) أغنية على مدى السنين التي تلت تخرجه من معهد الفنون الجميلة عام 1963 .وبموازاة ذلك وبعد تعيينه معلماً في مدرسة قتيبة بن مسلم الابتدائية التي تقع قرب المعهد نفسه في بناية البلاط الملكي السابقة بمنطقة الاعظمية بدأ يتنشط ويقدم وبمهنية ممتازة ضمن عمله بدائرة النشاط المدرسي في تربية الرصافة ليصبح فيما بعد مشرفاً في مديرية النشاط المدرسي في وزارة التربية عام 1970 فأقام الحفلات في بعض المدارس مثل ثانوية الحريري للبنات في الأعظمية وغيرها من المدارس. وخلال تجواله هذا اكتشف أصواتاً جميلة وخاصة لدى الطالبات الذي أخذ يشجعهن على دخول ساحة الفن, كما كان يقيم حفلات خاصة بالمديرية والتي كان يحضرها الوزير والمدراء العامون في الوزارة ,وخلال هذه النشاطات لحن كثيراً من المسرحيات الغنائية ومقدمات المسلسلات . ولم تسنح له الفرصة للعمل رسمياً كموسيقي وملحن ضمن كوادر الاذاعة كي يحقق بعض من أحلامه ويسمو بفنه الموسيقي أكثر إسوة بالكثيرمن زملائه الفنانين أمثاله. لكن هذا الأمر لم يمنعه من الانتشار وتقديم أجمل الألحان التي توزعت على الغناء الريفي والمديني والبغدادي خاصة إلى جانب القصائد ,وتميزت أغانيه بالروعة بعد أن مزجها من روحه وأحاسيسه المرهفة متأثراً بطريقة رادود المنبر الحسيني المعروف عبد الزهرة الكربلائي وطريقة أداءه لتلك الردات بمقام الأوشار الذي أحبه السماوي وشغف به ,وكذلك الرادودين المشهورين وطن وعبد الرسول محي الدين من النجف . ومقام ( نغمة ) الأوشار هو مقام عراقي يُغنى خلاله عادة مختارات من الشعر العربي الفصيح أو البستات المحشورة فيها كلمات فارسية أو تركية مثل (علي جان ,جانم, خدانمان, أمان....).وتخلو الموسيقى المصاحبة له من الايقاع. ويُعد الاوشار من أروع النغمات العذبة الحزينة التي لايمكن أن يملها السامع, ولا يشبع من أدائها المطربون الذين يمتلكون قدرة صوتية مميزة. ولتقريب الفكرة إلى ذهن القارئ نسرد بعض الأمثلة من الأغاني الشهيرة التي أداها المطربون بنغمة الأوشار:- يا ربي عظمت ذنوبي للمطرب محمد القبنجي, يا حلو گلي شبدلك يا حلو گلي لعفيفة اسكندر, خيه لوصي الماي ما يسمع وصية لفؤاد سالم , تناشدني عليك الناس لسعدي الحلي, وأغاني ومقامات ناظم الغزالي الكثر في هذا الصدد مثل (خايف عليها , عيرتني بالشيب وهو وقار, لعلك تصغي ساعة , ميحانه ميحانه,أتدري لماذا يصبح الديك صائحاً ...
تميزأسلوب السماوي في التلحين باستلهام الفلكلور إذ وضع الحاناً ذات نكهة وشجن عراقي أصيل كانت حصيلتها مجموعة رائعة من أغاني أداها مطربون بشكل رائع . من ضمنها أغاني فؤاد سالم المسجلة في الكويت عام 1980 بالتعاون مع كمال محمد بُعيد مغادرتهما العراق في شريطيه الأول والثاني (ردتك تمرضيف , محلاها العيون و .....)
أغنية ردتك تمر ضيف / فؤاد سالم ,كلمات ناظم السماوي
ردتك تمر ضيف وتسكت اليحچون ,ردتك تمر ضيف
حچيك مطر صيف ,ما بلل اليمشون ,حچيك مطر صيف
ما تنسه ولفك , چنت اعتقد يهواي ما تنسه ولفك
وضيعت عرفك ,يل واعدتني بساع ضيعت عرفك
ويه النحبهم , قسمه ونصيب او شوگ ويه النحبهم
أرضه بزعلهم , خلصت كل دنياي أرضه بزعلهم
يا ولفي طيفك, كل ما يمر علبال يا ولفي طيفك
بس كون أشوفك ,أرضه تمرني طيف بس كون أشوفك
حچيك مطر صيف ,ما بلل اليمشون حچيك مطر صيف
في تلك الفترة بدأ مشوار السماوي مع المطرب الناشئ القادم من الحلة سعدي الحلي بعد لقائه به عندما كان الحلي يعمل بدائرة السينما والمسرح فطلب من السماوي منحه أغنية يغنيها في حفل ستقيمه دائرته فكانت (تناشدني عليك الناس واتحير شجاوبهه) التي كتبها شاعر الأغاني المعروف محمد علي القصاب وغيرها من روائع سعدي الحلي.
تناشدني عليك الناس واتحير شجاوبهه
هالفتنه اللي ما تنقاس كلي منين جايبهه
اللفتات الغزالية , والعيون الفراتية
وشفافك الوردية ,وهلفتنه اللي ما تنقاس گلي منين جايبهه
يا أجمل أمل من روضة الآمال , كتمنه حچي الخلان والعذال
يا بسته أغنيلك ؟ ويا موال؟
اللفتات الغزاليه .............
يذوبني الحزن بجفاك وانت العيد, مر بينه ولو مزنة مطر عل بيد
أريد أسألك وليسأل جواب يريد.
اللفتات الغزاليه..........
وعندما تعرف السماوي على المطرب حميد منصور وجد فيه إنموذجاً ينسجم مع اتجاهاته لما يمتلكه هذا المطرب من صوت بحلاوة ريفية تأسر قلوب السامعين و بقرارات وجوابات غاية في الابداع والروعة .كما أن هذا الصوت يستوعب درجات عالية في السلم الموسيقي .وكانت أغنية (سلامات) بصمة واضحة في التاريخ الفني لحميد منصور إلى جانب الكثير من الأغاني التي لحنها السماوي له بعدما أصبحا ثنائياُ فنياً منسجماً رائعاً, وسجلت بعض تلكم الأغاني ضمن كاسيت لشركة بابل أبان الحرب العراقية الايرانية , وقد قاربت الأغاني التي لحنها السماوي لحميد منصور الثلاثين. ولعل أغنية سلامات التي كتبها كاظم الرويعي وغناها وأبدع بها المطرب حميد منصور غدت احدى روائع السماوي الجميلة.
سلامات سلامات أبعث سلامات , ويه الرايح ويه الجاي أبعث سلامات
سلامات ريتك سلامات , صبح ومسه يهواي ريتك سلامات
تجينه ردتك تجينه , راحت واجت ليام ردتك تجينه
علينه بس مر علينه , إتورد الأحلام بس مر علينه
المواويل المواويل تحله المواويل
حبك يطيب غناي تحله المواويل
القناديل القناديل تضوي القناديل
وبجيتك يا ضي العين تضوي القناديل
الاگيه, الاگيه , بس كون الاگيه, وبعيني اضم هواي بس كون ألاگيه
تراضيه تراضيه وعيني تراضيه , وارسم بعيني عتاب وعيني تراضيه
الملامات الملامات لوله الملامات, شوگك بعد ميعود لوله الملامات
سلامات سلامات حبك سلامات , يبقه نده و ورود حبك سلامات.
المطرب عبد الزهرة مناتي صاحب الصوت الجميل الشجي حظي هو الآخر على اهنمامات الملحن حسين السماوي ولحن له مجموعة من الأغاني لعل أبرزها أغنية (سنين العمر) الرائعة التي كتبها الشاعركريم راضي العماري وأداها مناتي بتمكن جعلها من الأغاني التي شهد لها الناس بالروعة لما تمتلكه كلماتها من رومانسية عالية وجمال ,وما ترسمه من صورعشق جمیلة تمكن مناتي من إيصالها للسامعين بصوته العذب الشجن .
خليني أبات ويه الرمش , واحرس سواد عيونچ
واتعثر بلیلچ حلم , بلچن تفز چفونچ
اوصل محلتكم وامر, ونعیش ساعه من العمر,
چا شلی بسنین العمر من دونچ
ناطر سنین اعله الدرب , لمحبتچ غناوه
ياخذني ويردني الأمل , لزلوفچ التتغاوه
وبگليبي چلماتچ خضر , واتصورچ ضحكة فجر
روحچ عواطف ترتوي , لو عني ينشدونچ
خليت روحي بغيبتجچ , روجه يعتها الجاري
واتسله بحچاية عتب, أكتبها لچ باشعاري
اوصل محلتكم وامر , ونعيش ساعه من العمر
واتباهه بين أهل السلف يوم اللي يزفونچ
ثم تتابعت الألحان والأغاني الجميلة التي قدمها لأكثر من اثني عشرة مطرباً من الجدد بدأ أغلبهم مشواره الفني بها نذكر منهم إضافة إلى داود العاني كل من مظفر العبادي ( لا إنت ذاك فلان) للشاعر كاظم الناصري. ,سعدي البياتي (یا شوگ) ,سعدي الحلي ,أحمد الشافي , كاظم حسين ( أكبر حب) ,صباح غازي ,فؤاد سالم ,عباس حسن (أصبح ملحناً فيما بعد) ,حسين السعدي, جاسم الخياط ,قاسم عبيد ,منير حساني,كمال محمد (معاتبین),عبد الأمير محمد وغيرهم من الشباب حينذاك. وكان رعد ميسان واحداً من هؤلاء الذين حظوا باهتمام الفنان السماوي. فلقد كان هذا صبياً وسيماً يافعاً يمتلك صوتاً جميلاً , وعندما اقترح بعض من الأصدقاء والمعارف على والده تشجيعه ليصبح مغنياً و يطلب من السماوي الاهتمام به وتدريبه على الغناء لما عُرف عن السماوی من أخلاق حسنة وسمعة طيبة تدخل الاطمئنان إلى قلب والد رعد , ومن ثم منحه أحد ألحانه ليجد فرصته في ولوج عالم الغناء وهي أغنية (ياريحانه) ثم أغنية ( رد مالك ملعب ويانه ) وهما من كلمات الشاعر المبدع جودت التميمي ,ثم أغنية (يابو طربيل) وبذلك صنع السماوي مطرباً آخر أضيف إلى قائمة من أعطاهم فرصة ليقدموا أغنيتهم الأولى. لذا يُعد السماوي صانعاً لمطربين أكدوا وجودهم في الساحة الغنائية العراقية .
إضافة إلى ما ذكرناه من أغاني لحنها شيخ المطربين نورد فيما يلي مجموعة أخرى من ضمن أكثر من (200) أغنية قدمها السماوي للمكتبة الغنائية العراقية الخالدة.
حميد منصور :- (سلامات) كتبها كاظم ناصر حسين, (يا معزهم) ناظم السماوي. ( شوكت ترجع) كريم راضي العماري. (على مهلك ) داود الغنام. (دگيت بابكم) كريم العراقي. (لالي وبعد لالي) كريم العراقي. ( تمنيت ما غنالي) كاظم الرويعي. (لو ما خطر على بالي) كاظم السعدي. إضافة إلى رد حبيبي و عينك علينه وخلهم يروحون وانتظار .وأغان أخرى منها أغنية ( يالداركم معموره خوفي على بتكم نوره ) التي أعدها السماوي أصلاُ لسعدون جابر ولم يغنها لظروف معينة.
فؤاد سالم :- (ردتك تمر ضيف) كاظم السماوي. صوت الغريب وضوه خدك.دگيت بابكم.
فاضل عواد :- حنه حنه. أشتاگ إلك يا نهر. نوره .وضوه خدك.
ضوه خدك/ كلمات كاظم ناصر حسين
ضوه خدك مدري ضوه الگمره
جوري عطرك مدري إنته من عطره
يا بو حِسِن حار الوصف بامره
لترخص الغالين يالغالي
گاطع جزيره واصلك واحه
ذبني بتعب يالشوفتك راحه
خلينه راحه تشبگ الراحه
ما غیرك ابدنیای يحلالي
لو بشروني بجيتك إلنه
عله البوب بچفي أطبع الحنه
با أحله ورده بكل خمائلنه
إنته حبيبي وعمري وآمالي
عبد الزهره مناتي :- سنين العمر.يا وسفه خلي.
عبد الأمير محمد :- (تمرين مرت غُرب. يل نسيتو . صوت النخيل).واغلب أغانيه الأخرى كانت من تلحين السماوي.
كمال محمد :-(ردي بينه). (يا دنيا كبرنه) عباس جيجان.( معاتبين) عبد الرضا اللامي.جدامكم.
ياس خضر :- صابرين.(على مهلك) داود الغنام.
على مهلك على مهلك ,يبو گذيله وشعر سارح لا مره ولا مرتين , تزعل واحنه نتصالح
دلالك والله حيرنه , ليالي طوال سهرنه
خليت الفكر سارح.
على كيفك يا بو گذله , وَياك العمر يحله
شَعرك عالمتن حِله , خليه بالهوا سارح
إتدلل واطلب وتمنه , دلالك ميزعلنه
والله شوفتك جنه,إرجع لو چنت رايح
داود العاني :- (حلوه حياتي وياك) .(تذكر أيامي الجميله) وأغاني أخرى كثيرة.
رعد ميسان غنى للسماوي ( يا بو طربيل الماشي. يا ريحانه. رد مالك ملعب ويانه ). ولسعدي البياتي أغنية حن ياليل و يا شوگ. ولجاسم الخياط أغنية (صورة) كلمات جودة التميمي. وابتهال (ملكنا العزم ) من كلمات عبد المجيد الملا. وأغنية كاظم حسين (أكبر حب) . (شوگك لواني , لا إنت ذاك فلان ) لمظفر العبادي.
مغادرة العراق
بعد صدور أمر تقاعده في تموز 1989 وجد السماوي نفسه يعيش في وضع اقتصادي آخذ بالتردي يوماً بعد آخر خاصة وأنه مسئول عن عائلة من خمسة أولاد وأربعة بنات هم طلاب مدارس وجامعات يحتاجون لمصاريف أثقلت كاهله. وبلغ الأمر ذروته مع بروز النتائج السيئة التي فرضها الحصار الاقتصادي الجائر على شعبنا المظلوم.وأمام هذا الضغط ضعفت إرادته فقرر مغادرة البلاد إلى الأردن أملاً في الحصول على فرصة عمل هناك وهو الفنان والملحن المعروف . وفي 16 نيسان من عام 1996 وصل عمان . وبعد أن طاب المقام هناك واعتدل المزاج بالحصول على فرصة عمل التحقت به زوجته واثنين من أولاده وثلاث من بناته وعلى مرحلتين عام 1997. وخلال سنوات استقراره في الأردن التي امتدت إلى عام 2002 قدم الكثير من الألحان لمجموعة من المطربين منهم فؤاد حجازي ونهاوند, وتلحين وتسجيل أغنيتين للمطرب علي العيساوي في ستوديو فرح ,وسجل إنشودة (سلاماً ياعراق) لأنوار عبد الوهاب التي تحكي مأساة الشعب العراقي زمنذاك وقد بثت في إذاعة صوت العراق الحر التي مديرها معاذ عبد الرحيم من دون ذكر اسم ملحنها.
سلاماً يا عراق / أنوار عبد الوهاب
أيها الأصدقاء الراحلون عنا بلا وداع
أيها العراق الجميل سلاماً سلاماً يا وطن الرافدين
أيها النهر , والسهل, والجدول
ياقمراً حزيناً يتعثر بين النخيل
سلاماً على روابي العراق الجميل
بلادي بلادي السعيده, بلادي بلادي البعيدة
بلاد السعد والورد والطير ينقر في أول الفجر
سلاماً يا عراق الصدى والمرايا , سلاماً بلاد الرزايا
ويا قمحنا المنهوب في أرض السبايا
سلاماً بلادي البعيدة , سلاماً بلادي القريبة.
كما وضع ألحاناً لآناشيد بطلب من مديرية الثقافة العسكرية في المملكة ,و وضع ألحان أوبريت أعد للاحتفال بعيد استقلال الأردن حضره الملك عبد الله بنفسه ومكث في مكان الاحتفال مدة ساعة وربع الساعة .وقد أبدى الملك عبد الله سعادته واعجابه بهذا الانجاز وبقية الفعاليات وأمر بتكريم السماوي ومنحه الاقامة في الأردن ثم تعيينه في الفرقة السمفونية الملكية بعد أن تلمس المسئولين هناك أهمية ما قدمه السماوي من فعاليات فنية رائعة.
من الأمور التي نغصت حياة السماوي في الأردن هي اصابة كليته الثانية وحاجته إلى مبلغ 700 ديناراً أردنياً لاجراء عملية لها ,فراجع السفارة العراقية لمساعدته في حل محنته على اعتباره فناناً خدم العراق مدة (27) عاماً, فكان رد السفارة مخيباً للآمال. لكن الحل جاء سريعاً بعدما تبرع المواطن الأردني محمد رأفت بمبلغ إجراء العملية.
يذكر السماوي بأن جماعة من رجال المخابرات العراقية اتصلوا به وهو في عمان عام 2001عارضين عليه قائمة بأسماء الفنانين الذين غادروا العراق وطالبوه تعاونه معهم بتحديد أسماء من خرج منهم للبحث عن الرزق, او من اصطف مع المعارضين للحكومة العراقية. وأمهلوه مدة قصيرة لتنفيذ الطلب, وقد سبب هذا قلقاً كبيراً للسماوي . وعلى الفور قام بتغيير مكان سكنه ,ثم توجه إلى مقر بعثة الأمم المتحدة في عمان وقدم طلب لجوء سياسي له ولعائلته تنفيذاً لنصيحة صديقه الشاعر عزيز رسام الذي كان هو الآخر مقيماً في الاردن ,وفي أقل من عام واحد حصل السماوي وعائلته على فيزة السفر لاجئاً سياسياً في أستراليا .
السماوي في أستراليا
بعد وصوله سدني واستقراه في أحدى ضواحيها. أول نشاط مهم قام به السماوي هو تلحين الأغاني ووضع الفواصل الموسيقية لمسرحية أخرجها الأسترالي جمبسون عام 2004. وهذه المسرحية تتحدث عن معاناة اللاجئن في مراكز الاحتجاز. وقد اختارالمخرج إحدى العوائل العراقية (عائلة العبيدي) التي وصلت استراليا عن طريق القوارب والتي نالها الشقاء والعذاب في مركز الاحتجاز. وكان لهذه المسرحية تأثيرها الكبير بين ابناء الجالية خاصة عندما ورد فيها فقرة تُظهر المحتجزين وقد خيطوا أفواههم استنكاراً لهذا الاحتجاز الجائرالذي دام لأكثر من (1000) يوم.أما المخرج فقد أعجب وجميع من شاهد العرض بالأداء الموسيقي للفنان السماوي. احدى الصحف المحلية في أستراليا كتبت عن هذا الحدث وعن موسيقى السماوي في 24/4/2004.
في حدود عام 2009 سعى السماوي لتشكيل لجنة تحضيرية لتأسيس تجمع ثقافي واسع يضمه مع كل من التشكيلي مناف محمد والتشكيلي أدور رسام والشاعر المبدع مكي الربيعي, والمطرب إسماعيل فاضل تحت اسم ( الجمعية العراقية الأسترالية للثقافة والفنون ) وكانت برآسة الفنان السماوي نفسه.وقد انظم إليها بعد إعلان تأسيسها الكثير من مثقفي الجالية العراقية في سدني وملبورن. نشطت هذه المنظمة في اقامة الحفلات والندوات الشعرية والثقافية والفعاليات الفنية المختلفة ,واستقطبت كثير من الشباب ومن الجنسين الذين يمتلكون أصواتاً غنائية مميزة ليؤدوا وصلات من الغناء العراقي الشجي خلال الحفلات والأوبريتات التي اقامتها هذه المؤسسة بقيادة الملحن عبد الحسين السماوي الذي ترأس هذه المؤسسة وبعزف الفرقة التي يقودها عزت الأمير ,وافتتحت دورات لتدريس فنون الموسيقى والفنون التشكيلية , ومثلت مسرحيات قادها الفنان المسرحي الأستاذ عباس الحربي. وفي ندوة فنية ألقى السماوي محاضرة في موضوع تاريخ تطورالموسيقى. وانتجت الجمعية أوبريت (العراق) اكتشفت من خلاله أربعة أصوات غنائية جديدة وشارك في أداء هذه الفعاليات مجموعة من الشباب منهم :- لينا مهدي, ضياء مهدي, سميرة غبار, سناء غبار, ندى العبيدي , ماري حنون, إيمان الشامي, مصطفى العراقي. وقد بث الأوبريت على قناتي العراقية والبغدادية. وهذه النشاطات وغيرها حدت بالجمعية العربية لإحياء التراث العربي لتقديم جائزة (جبران خليل جبران) لبعض من نشطاء الجالية العراقية منهم الشاعر يحيى السماوي والملحن حسين السماوي والمطرب إسماعيل فاضل في حفل حضره كبار المثقفين من الجالية العربية في سدني.
ضمن نشاطات الجمعية المذكورة أقيم حفل في احدى قاعات منطقة فيرفيلد للاحتفاء بواحدة من أبرز التجارب اللحنية العراقية في المهجر.بدأ الحفل بتقديم السماوي نبذة سريعة عن مسيرته الفنية وعطائه الوفير, وكيف أن الصدق جعله فناناً وملحناً لأغاني أداها كبار المطربين الذي منحهم من روحه أجمل الألحان . وتحدث عن قصة هجرته إلى استراليا. ثم غنى بصوته الدافئ وبشجن وعذوبة أغنية (سلامات) التي أذهلت الجميع لما أبداه السماوي من تصرفات لحنية آنية أضفت على الأداء روعة على الرغم مما كان يعانيه من تعب السنين .ثم غنى في الحفل المطربين عماد الملوك ( ما غن لي , يالداركم معموره, ضوه خدك), ورائد عادل ( يل نسيتو , على مهلك, يبو گذيله), وعبد الله السعدي ( محلاها العيون, ردتك تمر ضيف, سلامات ) .وقد أشاد السماوي بصوت السعدي ووصفه بالرخيم. وقال لرائد إنك تصلح للأغاني البغدادية أكثر من غيرها. وقدم لعماد نصائح ذات قيمة.وأكد لهم أن نجاح المطرب يتوقف على إيجاد أغاني خاصة به ,ونصحهم بعدم الاستعجال في اختياراتهم,والتأني في انتقاء النصوص الغنائية وسيكون كل شيء جميل في النهاية. وكان من نتائج هذا اللقاء هو قيام الفنان السماوي بمنح بعض من الألحان للمطربة الشابة (رنده) وللمطرب عبد الله السعدي منها (ياطير السعد, سلامي للعراق/ كلمات حيدر كريم, ليش من اشوفك ارتاح /كلمات مكي الربيعي, ليلة زفة الحلوين/ كريم العراقي,شوفوها الحلوه الجميله/ كاظم الرويعي,ندمان والدمعه عله خده/ كاظم الرويعي, يا بو حِسِن روعه/ نزار جواد,متى تنتهي ياليل/ نزار جواد) .وأغنية( حب العراق) للمطرب رائد عادل التي كتبها له الشاعرمكي الربيعي والتي أداها وسجلها بصوته العذب.من جهة آخرى أبدى السماوي اعجابه بصوت اسماعيل فاضل ولحن له أغنيتين ( عشقت أم لم تعشقِ) للشاعر يحيى السماوي , وأغنية (يحمام) من كلمات الشاعر حيدر كريم .وتمنى لو كان قد تعرف عليه قبل عشرين عاماً ليتحفه بأجمل الألحان التي تناسب حنجرته القوية وصوته الراقي.
مقاطع من أغنية يحمام.
ياحمام ..... روحي ما گصت تذاكر , طارت بجنح الحمام
شالت من الغربه حسره , ورجعت إل دار السلام
ياحمام اسمع وصيتي , لا تمر ابغداد والعالم نيام
بوسلي أطفال المدارس , كبل لا يبدي الدوام ....الخ
وهذه كلمات أغنية ( أعشقت ) قصيدة الشاعر المبدع يحيى السماوي وألحان عبد الحسين السماوي وتوزيع موسيقي رعد بركات.
آعشقت أم لم تعشقِ ... يا للسؤال المرهقِ
أجل إبتليت وما أسِفت ... على الشباب وما بقي
هذا كتاب العمر في ... وجهي إقرئيه وحدقي
سترين زهر الياسمين ... ذوى بجمر تمزقي
نزع الخريف بمقلتي ... عباءته ومفرقي
فيم السؤال عن الهوى ... وعن الصبا المتألقِ
العشق أنهاري وأشرعةُ ... الرحيل وزورقي
فلمن عصافيري تحلق ... في الفضاء المطلقِ
ولِمَ اغتربت وفي دمي ... بغداد إن لم أعشقِ
عشقي عظيم كالعراق ... ومثل دجلته نقي
لقد كانت هذه الأغنية مسك الختام واللحن الأخير للملحن الكبير عبد الحسين السماوي قبل وفاته.
ولعل الوداعة والهدوء والمسار اللحني الملتزم بوحدة النص الشعري هو ما کان یميز روحية السماوي هكذا وصفه كل من عاشره من النقاد والمتابعين للفن.وكان له دور في التمهيد لتحديث الفن الغنائي العراقي مع نخبة من الملحنين الآخرين إذ عمل على جعل الأغنية الريفية مسموعة من لدن جميع أطياف الشعب العراقي.ويُعد أول من أدخل آلة السكسوفون للأغاني العراقية عن طريق أداء العازف (حميد) الذي يعمل الآن مع فرقة كاظم الساهر. كما أنه أول من أدخل آلة البزق في الأغاني العراقية العربية بعد أن كانت تعزف ضمن الأغاني الكردية ,وكان الدكتور فتح الله هو عازف ألحان السماوي على هذه الآلة.
بعد أن أضناه الشوق لزيارة العراق ومدينة السماوة بالذات بعد غياب طويل قررالسماوي السفر إلى هناك عام 2009 لرؤية الأقارب والأصدقاء وقضاء أمتع الأوقات مع المحبة. وفي بغداد وعند مراجعة مقر نقابة الفنانين للحصول على هوية النقابة لم يعرفه أحد من الموجودين لعدم وجود علاقة لأي منهم بالفن والفنانين, لذا طلبوا منه إثبات كونه فناناً وملحناً ,ولولا تزكية عازف القانون الشهير حسن الشكرجي الذي أخبرهم بأن هذا الرجل هو شيخ الملحنين عبد الحسين السماوي لما مُنح هوية النقابة.
في زيارتين منفصلتين للسماوي عم 2013 قام بها كل من المطرب إسماعيل فاضل بصحبة مصور جريدة بانوراما الاسترالية داود عزيز, والشاعر الصحفي أحمد الياسري بدا من خلالهما السماوي متعباً وقد صعب عليه التحدث ولم يفهم من كلامه سوى عبارات قليلة مقتضبة وهو يردد وبصوت متهدج متقطع ومنخفض (سلامات ياعراق ).....
رحل شيخ الملحنين وفي قلبه غصة ظلت تعذبه ,وفي صدره حسرة تخنقه على العراق الجريح, وشوق لا حدود له لرؤية وتوديع مدينته السماوة مدينة الطيبين یدفعه إليها الحنين لأول منزلِ (( أريد أشوف العراق... أريد أشوف السماوه)) ..... ثم غابت كلماته في آخر المطاف وأصبح في الذكرى .
نعاه صديقه (الذي لم يفارقه طيلة أيام مرضه ) الشاعر الغنائي المعروف عزيز رسام على موقعه في الفيسبك لينتشر الخبربسرعة من خلال الصحف والمواقع الالكترونية ووكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي.
وداعاً أبا علاء ...................................................
#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟