زردشت صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1511 - 2006 / 4 / 5 - 12:28
المحور:
القضية الكردية
لم ترق لي رؤية اردوغان خطيبا للديمقراطية في الرؤساء والملوك والامراءالعرب ومعلما لهم في مقاييس حقوق الانسان, لانني كنت ادرك جيدا كغيري من الكرد الذين خبروا الحقيقة التركية ان ديمقراطيته هراء , واقواله محض اكاذيب ,وان وراء الاكمة مستنقات الجريمة المنظمة , وانه يعمل على اخفاء حقيقته الفاشية والمحافظة على تسلطه ,وكل ما كشفت عنها انتفاضة الكرد الاخيرة .
هذا هو اردوغان
هذا هو الرمز الاسلامي التركي الذي تمنى عليه العرب ان يحضر قمتهم ليخطب فيهم ويعلمهم الديمقراطية , ليلقي المواعظ بعباءة الاسلام والديمقراطية معا ويعلن نفسه نموذجا يجب ان يحتذى .
حينها رغم خفوت وركاكة الاداء , صرخ بعض الكرد وتعجب واستغرب البعض الاخر , لكنه خطب فيهم واستمعوا اليه وربما صدقوه , فالكرد يعرفونه جيدا ,ذاقوا على يدية مرارة الظلم والانكار , وهم يعرفوه لانهم يعرفون تاريخه وتاريخ دولته , ويعرفون ان اجدادهم اسلموا زورا وتصنعا وخداعا في ليلة ليس فيها ضوء قمر ,ليستولوا على بقايا الخلافة العربية الاسلامية , كما يعرفون ان تركيا الحديثة انما بنيت عل انكار وابادة الشعوب والاقلبات كالكرد والارمن مثالا , وكانت ذكريات المجازر الوحشية التي سردها الاجداد للاحفاد من الكرد لا تزال حية ويتغنى بها الاتراك اليوم على انها ماثر خالدة لاجدادهم . فبئس هذه المآثر .
لكن هل من مجيب ؟!!
لاحياة ....لمن تنادي ؟!
كانت صرخة الكرد التي اعقبت فرحتهم في نوروز , قادرة على ان تمزق الستارات التي اخفى اردوغان ورعيته وجوههم وراءها , فدوت في عالم الصمت الاخرس ,الذي ظنت به تركيا واعوانها وحتى المتعاطفين مع سياساتها من عرب اللسان ,انه صمت موت الشعب بعد صراعه القاسي خصوصا في الثلاثين سنة الاخيرة, لكنه كان الصمت الذي سبق العاصفة , العاصفة التي انطلقت من ارواح شباب ضحوا وما بدلوا ,فحولت ارواحهم تلك الاحتفالات المليونية الملونة كردستانيا , الى روافد غضب جماهيري , تفجر بركانا يسأل عن الدماء والارواح التي بذلت هناك في صقيع الجبال التي احتموا بها ليحموا ذاكرة الامة من النسيان والتشويه , ويكونوا جزءا من حلم مستقبلي جميل , لم يرق لاحفاد الطورانية الشوفينية ان يروه زاهرا فارادوا قتله , ولسان حالهم يقول ليس للكرد حق في ان يحلموا .
انتفض الكرد بجبروت وشموخ وكبرياء واباء, يليق بهامات جبالهم ووديان وطنهم ,بهامات من روت دماءهم ارضها , ملؤوا الساحات بالغضب المقدس , وغنوا ورقصوا لاحلامهم ولامالهم رقصة النار التي تليق بوطن الشمس .
هتفوا لاوجلان رمز حريتهم المسجون هناك في جزيرة نائية , هتفوا للوطن , هتفوا للشهداء وللشعب ,انشدوا للحرية اشتعلت النفوس بنار الكرامة الكردية التي اراد هؤلاء سحقها باقدامهم القذرة وبجنازير دباباتهم ,وبرصاصات من الظهر ,فزعوا حتى الموت من فرحة نوروز فارادوا الانتقام منها ,وخططوا لقتل الامل بكل الدناءات , ولم يستثنوا من اهدافهم حتى الاطفال , فهم ايضا كرد .
نزلت الاشباح الاقرب ما تكون الى شخصيات افلام الرعب الهيتشكوكية , بنزعة رامبوية ,تريد ان تلعق الدماء اينما كانت مصدرها , لانها اعتادت امتصاص الدماء , لكن ...! لكن , الفرق بين اليوم والامس كان كبيرا , لان كرد اليوم كانوا غير كرد الامس , فقد ولى زمن الرضوخ والاستسلام للموت كما تستسلم اضحية العيد , والشعب قرر ونفذ وانتفض , ودفع قضيته على طريق الحل ليدخلها مرحلة جديدة بكل المقاييس , تكون الكلمة الكردية فيها مسموعة .
دوت صرخة فاتح تكين الطفل الذي لم يبلغ عامه الثالث , في باطمان وهو يلعب في الحديقة , دوت لتمزق الستارات التي تخفى وراءها اردوغان ورعيته وبطانته ,فاتح الطفل الذي قتلوه برصاص غادر , لكنه كان اقوى من ان يموت , وكان الحساب مختلفا وعسيرا, خصوصا وان رفاق عمره لم يتركوه وحيدا , فكان الطالب في الصف الثاني الابتدائي عبدالله دوران البالغ من العمر تسع سنوات صرخة اقوى , ألهبت وجدان الامة المنتفضة , فظهر اردوغان بكل دمامته المعبرة عن حقد دفين ليصرح ويهدد ويوعز ويأمر ويوجه ب "ديمقراطيته " التي هز لها العرب رؤوسهم طويلا فيقول " قوات الامن ستتصرف ضدهم حتى لو كانوا نساء او اطفالا "
اجل , وحده من يفهم لغة الاتراك , يعي كلمات اردوغان الفاضحة القاتلة المجرمة , كلمات هذا الشبح المحاضر في كلية القادة العرب , الذين رفع بعضهم قبعته لكلماته , ولم يندد به احد منهم , لهذا كانت صرخات عبدالله دوران وفاتح تكين ورفاقهما هي التي اعلنت كل الحقائق امام العالم .
هوذا معلم الرؤوساء العرب في درس الديمقراطية والاسلام والحضارة , واعتبره البعض رئيسا انموذجا, يصرح ويامر بقتل حتى الاطفال والنساء , وبقتل حتى فاتح الذي لم يكمل ربيعه الثالث , والتي هزت صوره المنشورة على شاشات التلفزة والجرائد ما تبقى للعالم من ضمير .
انتفض العالم عندما قتل الطفل الفلسطيني محمود الدرة ,وهو يستحق ان ينتفض من اجله , لكنه صمت عند هؤلاء , ربما لانهم كرد , لانهم اطفال شعب بلا محام , لانهم مهدور دمهم للاتراك , لانهم بشر من نوع اخر , لكنهم عرفوا كيف يمزقون صمت القبور .
هل خجل القادة العرب من انفسهم كطلبة لاردوغان ,بعد ان رؤوه يعطي اوامر قتل الاطفال والنساء , هل فاق ضميرهم للحظة عند حادثة استشهاد فاتح , ان كان قد تبقى فيهم ضمير . كيف ذلك وهم قادة انظمة متفسخة انسلخت عن الشعب ,ربما حيا بعضهم " صبر تركيا واردوغان " وتعجب من مقدار رحمته لانه لم يقتل اكثر , ولسان حال اغلبهم يقول " لو كنت انا لقتلت اكثر " , متذكرا انه اكثر ظلما وقتلا لشعبه من معلمه . اجل كل شيء وارد في عالمنا الشرق اوسطي المثقل بالعنجهية ,لكن ...! عار على العالم صمته الاخرس على جرائم الدولة التركية الاكثر من رهيبة بحق الشعب الاعزل واطفاله .
ستظل روح فاتح وعبدالله رمزا للكرد وانتفاضته كما كان محمود الدرة رمزا لانتفاضة اخرى للحرية .
بئس معلم كهذا , وبئس طلبة يرتضون بمعلم وخطيب ومدرب كهذا , وبئس من لا يدين مثل هذا الذي يعلن عشقة لدماء اطفال الكرد ونسائهم .
اجل هؤلاء الاطفال والنساء وحدهم ملكوا ناصية المواجهة فكان ردهم عظيما رائعا عبروا عن موقفهم بديمقراطية يعجز العالم الا ان يوصفها بالرائعة , فقالوا : " حتى لو كنا اطفالا ...وكنا نساء ... فسنقاوم " في مسيرتهم المعبرة بعد استشهاد زميلهم .
قاوموا وغيروا المرحلة رغما عن اردوغان وغيره من مصاصي الدماء الانكاريين .
تحية لكم يا اطفال الشمس والنار , بوركت بطولاتكم , لانكم انتم من تليق بكم الحرية وتفتخر بكم الكرامة والشرف .
فهل للاقلام الشريفة الا ان تكتب عنهم وعن اباءهم ؟! الايحق لارواح هؤلاء ان تسأل الاقلام التي صمتت وهي التي تتحدث عن الاعراس ..؟! فهل يحق لمن لا يكتب عن هؤلاء ان كان بمقدوره ان يكتب ان يدعي التزاما بمنظومة قيمية واخلاقية سليمة , تلك هي مهمة المثقفين الكرد اولا , فهل من مجيب ...!!!!.
#زردشت_صابر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟