|
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (6-ج3)
بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 6004 - 2018 / 9 / 25 - 21:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
وهكذا "ولما تم الصلح سار صلاح الدين إلى بيت المقدس وحصّن أسوارها، وأدخل كنيسة صهيون داخل أسوارها، وبنى فيها مدرسة ورباطًا للخيل وبيمارستان، وغير ذلك من المصالح، وقضى بالمدينة شهر رمضان من سنة 588 هـ، ثم تركها في 5 شوال متوجهًا إلى دمشق حيث قضى آخر أيامه.[159]" حيث وللأسف "كانت المواجهة مع الملك ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد، مرض صلاح الدين بالحمى الصفراوية يوم السبت في 20 فبراير سنة 1193م، الموافق فيه 16 صفر سنة 589 هـ، وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً، وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى قال طبيبه الخاص، أن أجل السلطان أصبح قاب قوسين أو أدنى، واستمر المرض يشتد حتى انتهى إلى غاية الضعف، وبعد تسعة أيام حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب، ولمّا كان اليوم العاشر حُقن دفعتين، وحصل له من الحقن بعض الراحة، لكنه عاد واشتد عليه المرض حتى يأس الأطباء من حاله.[10] توفي صلاح الدين فجر يوم الأربعاء في 4 مارس سنة 1193م، الموافق فيه 27 صفر سنة589 هـ، فأفجع موته المسلمين عمومًا والدمشقيين خصوصًا، وبكاه الكثيرون عند تشييعه وقيل إن العاقل حتى كان ليُخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا من شدة البكاء، وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه،[160] ودُفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق، إلى جوار الملك نور الدين زنكي، وعندما فُتحت خزانته الشخصية لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته، فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهمًا ناصريًا ودينارًا واحدًا ذهبًا، ولم يخلف ملكًا ولا دارًا، إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات.[161]".
وأخيراً وبموت مؤسس الدولة الأيوبية كانت بداية النهاية لحقبة تاريخية كان يمكن لو استمرت لسنوات وعقود أخرى أن تغير من وجه التاريخ والمنطقة عموماً حيث وعلى الرغم من محاولات البعض ممن خلف ذاك القائد العبقري "صلاح الدين" أن يعيد الأمجاد للدولة الأيوبية، إلا إنها كانت محاولات جزئية وضعيفة ومرحلية وبالتالي فقد انتهت بانتهاء عهودهم ومبكراً للأسف حيث تقول في ذلك الموسوعة الحرة ما هو يلي: ((قسّم صلاح الدين دولته قبل وفاته بين أولاده وأفراد من عائلته، فجعل إمارة دمشق لابنه الأفضل نور الدين علي، وهو أكبر أولاده، وأوصى له بالسلطنة، وجعل الديار المصرية لولده العزيز عثمان، وإمارة حلب لولده الظاهر غازي غياث الدين، وترك الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدانًا كثيرة قاطع الفرات لأخيه العادل، وحماة لابن أخيه محمد بن تقي الدين عمر، وحمص والرحبة وغيرها لحفيد عمه شيركوه، أسد الدين شيركوه بن ناصر، واليمن بمعاقله ومخاليفه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي صلاح الدين.[134] ولم يلبث الخلاف أن دبّ بين أولاد صلاح الدين، مما جعل عمهم العادل يعزلهم ويقوم بتوحيد البيت الأيوبي تحت رايته. وكما فعل صلاح الدين من قبل، فعل أخوه الملك العادل، فقسّم أراضي دولته بين أبنائه وهو على قيد الحياة، ولكن هؤلاء الإخوة لم يكونوا على وفاق بعد وفاة أبيهم، فكانوا يُحاربون بعضهم بعضًا، بالرغم من أن الصليبيين كانوا يفيدون من هذا الخلاف، وبعدهم جاء أولادهم، فلم يكونوا خيرًا من آبائهم في صلاتهم فيما بينهم وبين أبناء عمهم، ولكن واحدًا منهم استطاع أن يلمع في ظلام هذا الخلاف، ذلك هو "الصالح أيوب"، حفيد الملك العادل، الذي أعاد توحيد دولة صلاح الدين تحت سلطانه. ولمّا مات الصالح أيوب تولّى ابنه توران شاه السلطنة، لكن مماليكه ائتمروا به وقتلوه، ثمّ نصبوا زوجة أبيه "شجرة الدر" سلطانة عليهم، وبهذا زالت الدولة الأيوبيّة في مصر وقامت مكانها دولة المماليك.[163])).
وبالتالي كانت النهاية وللأسف، نهاية رجل ونهاية دولة وحقبة تاريخية كانت هي النواة لنا كأمة كردية، بأن نكون أسياد الشرق لولا ذاك الرحيل المبكر لأحد أعظم الشخصيات التاريخية في تاريخ شعبنا والمنطقة ولا نجني على التاريخ إن قلنا بتاريخ العالم .. نعم لقد رحل وللأسف مبكراً أحد أعظم أبناء هذه الأمة، رحل قبل أن يؤسس الدولة بشكلها التام حيث كانت الدولة الأيوبية على بعد خطوات من أن تكون خلافة وليست دولة ما زال الكثير يعتبرها جزء من الخلافة العباسية رغم أن الأحداث التاريخية وكما قرأنها من خلال هذا البحث وغيرها الكثير من الأبحاث تؤكد جميعاً؛ بأن الصراع بين الأيوبيين والعباسيين بلغت درجة أن الخليفة العباسي أرسل مؤازرة للزنكيين في الموصل ضد الجيوش الأيوبية ومع ذلك أنتصر الأيوبيين ولما حاول صلاح الدين من خلال الدهاء والحنكة السياسية؛ أن يأخذ مبايعة الخليفة العباسي في بغداد، رفض أن يعطيه حيث كان الخليفة يتوجس بأنه وبعد أن يأخذ المبايعة وهو يخضع القلاع والأمصار والأمراء الذين ينازعونه السلطة داخل الدولة الإسلامية المفككة، فإن صلاح الدين وبالأخير سيدخل العاصمة بغداد ليصبح هو الخليفة وليس أميراً أو والياً وعاملاً من ولاة وعمال الخلافة العباسية ولذلك هو رفض أن يمنحه الشرعية الدينية وبقناعتي لو امتد العمر بذاك القائد التاريخي وخاصةً بعد عقد الهدنة مع "الصليبيين" أو الجيوش الأوربية المسيحية لكان وجهته التالية هو مركز الخلافة الإسلامية العباسية لينزع الخلافة من أولئك الخلفاء الضعفاء ويلبسها هو وبإجماع المسلمين، خاصةً بعد أن دخل أورشليم "بيت المقدس" وبالتالي كانت بذلك انتهت عهد الخلافة العباسية تماماً وبدأت الخلافة الأيوبية وذلك لولا الرحيل المفاجئ لصلاح الدين الأيوبي وكذلك لارتكابه عدد من الأخطاء الإستراتيجية منها وأهمها: - عدم تحويل مركز وعاصمة الدولة الأيوبية من دمشق لإحدى الحواضر والمدن الكردية مثل آمد حيث بذلك كان يمكن أن يحصن أركان دولته بأبناء جلدته من أي أعداء داخليين يتربصون به وبمملكته؛ أي الدولة الأيوبية. - تقسيم المملكة أو حواضر وأمصار الدولة الأيوبية بين أبنائه وقادة جيوشه وحتى رجالاته ومن دون أن يعين أحد أبنائه الأقوياء خلفاً له على الإمارة والجيوش -رغم إنه جعل ابنه البكر في ذاك المركز، لكن متأخراً ودون أن يصبح سلطاناً فعلياً- بحيث تكون له الكلمة من بعده أو حتى في غيابه على رأس الجيش وهو يدخل الدول والبلدان وبعيد عن مركز القرار السياسي "العاصمة". - تردده وتهاونه مع مركز الخلافة العباسية بغداد حيث كان عليه أن يسرع إلى الاستيلاء عليها وخاصةً بعد دخول جيشه القدس.. وبرأي الشخصي إنه كان سيجتمع المسلمين على توليه الخلافة، طبعاً مع معارضة البعض من أمراء العباسيين، لكن ورغم ذلك كانت قضية الإجماع ممكنة وذلك لما عليه من قوة وخصومه من ضعف وتشتت وخاصةً بعد "فتح القدس" والذي سجل باسمه وباسم الجيش الأيوبي؛ بأن جعل الأيوبيين الكرد أسياد وقادة الدولة الأيوبية الكردية. - السماح للمماليك بالتغلغل في كيان الدولة الأيوبية حيث وصل الأمر إلى الزواج منهم وتوليهم الكثير من الأمور الإدارية بحيث استطاعوا وبسهولة الاستيلاء على مقاليد ومفاتيح الدولة الأيوبية ويكونوا هم خلفاء لها. - طبعاً الأبناء والأحفاد الذين خلفوا ذاك القائد والسلطان الكبير لم يكونوا في ذاك المستوى من العزم والقوة والإرادة بحيث يخلفوه ويمسك أحدهم بزمام السلطة ويخضع الآخرين لنفوذه وهكذا تقسمت الدولة بين أبناء وأحفاد وأولاد عمومة ضعفاء متصارعين استفاد منها الأعداء الداخليين قبل الخارجين حيث قضى المماليك عليهم لتنتهي عصر الدولة الأيوبية.
وهكذا ومع أفول نجم الدولة الأيوبية والتي تعتبر أهم مرحلة تاريخية من تاريخ شعبنا الكردي والتي للأسف ما زال الكثير منا يشطبها إما بغباء سياسي أو نتيجة عدم إدراك وفهم لحيثيات التاريخ والمرحلة، ناهيكم عن أن الأعداء والخصوم لا يريدون أن يجعلوها جزء من التاريخ الكردي وذلك كي لا تكون رافعة معنوية للكرد في التأسيس لشخصية تعتز بتاريخها وبأنهم ساهموا كأمة وحضارة في تاريخ المنطقة وبقوة وذلك في مرحلة ما وبأن الشخصية الكردية كادت أن تكون صاحبة أعظم إمبراطورية في الشرق لولا أن الرحيل المفاجئ لقائد تاريخي فذ قد أوقف اللحظة التاريخية عند النقطة الحرجة.. نعم وللأسف مع أفول نجم الدولة الأيوبية وسلطانها وقائدها صلاح الدين الأيوبي، أفل نجم شعبنا وجاءت المماليك والشعوب -الإسلامية والإفرنجية- لتأخذ بثأرها من الأيوبيين والكرد عموماً وإلى يومنا هذا وذلك على الرغم من أن المراحل الأخيرة من تاريخ شعبنا يشهد بعض التغيرات الإستراتيجية على صعيد القضية الكردية وربما تكون هذه المرحلة واحدة من أفضل المراحل التاريخية التي تمر بها أمتنا وشعبنا وذلك من بعد عهود وأحقاب من الاستعباد والاستعمار الداخلي والخارجي "الإسلامي والأجنبي الغربي" وإننا نأمل أن نعيد قراءة تاريخنا وتاريخ المنطقة لأخذ العبر والدروس فقد نستفيد منها في تجاربنا القادمة ولا نقع بما وقع به الأجداد من أخطاء إستراتيجية بحيث يكون الكرد جزء من أسياد المنطقة والعالم وليس خدامها وعبيدها وذاك ما حققه السلطان صلاح الدين الأيوبي وذلك خلال المرحلة والدولة الأيوبية وكان غاية البحث هو محاولة الوقوف على هذه الحقيقة الجوهرية في تاريخ أمتنا وشعبنا لعلها تكون بداية جديدة لقراءة تاريخنا وبالتالي المساهمة في التأسيس للشخصية الكردية الجديدة البعيدة عن روح الخنوع والضعف والاستسلام والتي عانينا منها نتيجة أحقاب الاستعباد الأجنبي بشقيه الإسلامي "العثماني" والغربي الأوربي.
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (6-ج2)
-
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (6-ج1)
-
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (5-ج2)
-
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (5-ج1)
-
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (4-ج2)
-
صلاح الدين الأيوبي .. والتأسيس للدولة الكردية؟!! (4)
-
البارتي .. وخطورة التزاوج مع التيار الإخواني
-
عبدالباسط سيدا بين الحقد والإرتزاق السياسي
-
إعلان مبادئ المجموعة المصغرة بشأن الحل في سوريا
-
بوست غير ديبلوماسي نحن الكرد (رعاع) بنظر شركاء الوطن
-
رسالة لصعاليك ما يسمى ب-مجلس إنقاذ عفرين-!!
-
تركيا تريد مخاتير وليس حزباً ولا حتى -مجلساً إنقاذياً- لعفري
...
-
النظام السوري هل هو بحاجة للحوار مع المعارضة والإدارة الذاتي
...
-
سيبان حمو و-الموت في سبيل درعا-!!
-
نبل .. وحكاية أصولي؛ حكاية من حكايات أخوكم (الحكواتي)!
-
الكرد والعبودية صنوان تاريخيان وللأسف!!
-
مآسي أهلنا بعفرين
-
مفاوضات دمشق .. وما ترشح عنها من نقاط تم الجدال حولها!!
-
تركيا بإحتلالها لعفرين حققت أكثر من هدف إستراتيجي
-
لما النخب العربية وغير العربية يتخذون مواقف معادية من القضاي
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|