أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مُعلِّمةُ البيانو














المزيد.....

مُعلِّمةُ البيانو


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6004 - 2018 / 9 / 25 - 12:32
المحور: الادب والفن
    




كانت عيناها مُعلّقتين بالأصابع النحيلة. تعلوان، كلما ارتفعتِ الأصابعُ، وتهبطان، كلّما هبطتِ الأصابعُ الصغيرةُ، بحساب دقيق، فوق المفاتيح البيضاء والسوداء؛ لتصنعَ نغمةً أو تُشكِّلَ صمتًا. فالصمتُ جزءٌ من النغم. كان قلبُها يخفق مع أناغيم البيانو التي يعزفها الصغار.
أنْ تستمعَ إلى الموسيقى، فقد ضمنتَ أن روحَك ستظلُّ صافيةً لن تتعكّرَ أو تتشوَّه. وأنْ تعزفَ الموسيقى، فأنت من الطيبين الأخيار الذين يساهمون في ارتقاء البشرية. لأن كلَّ مَن سيُنصِتُ إلى عزفِك، لن تتشوّه روحُه وسوف يحتفظُ بقلبٍ طفلٍ نقيّ يُشيّدُ العالمَ على السلام والرَّغد. وأنْ تؤلِّفَ الموسيقى، فأنت من الاستثنائيين في هذا العالم الذين يُخلّدهم التاريخُ بوصفهم صُنّاعًا لمجد البشرية، مثل مَن شيّد الأهرامات، ومن اخترع مَصلَ البنسلين، ومن اكتشف قارّات العالم، ومن ابتكر نظرية الجاذبية والكمّ والنسبية. أمّا أن تُعلِّمَ الموسيقى، فأنت من النُخبة المُصطفاة من البشر لأنك جمعتَ كلَّ ما سبق من أمجاد، ووجبَ علينا الانحناءُ أمامك؛ ذاك أنَّ مَن ينشرون علومَهم وعصارات أفكارهم، يشبهون الأنبياء وأصحاب الرسالات الكبرى في هذه الحياة.
أعرفُ واحدة من أولئك الرسولات اللواتي حصدن جميع ما سبق من أمجاد وشرف. كنتُ أجلسُ إلى جوارها أتأملُ جسدها النحيل يختلج مع وقع النغم، وأرمقُ عينيها البُنِّيتين تعلوان وتهبطان مع الجوابات والقرارات المعقودة بأصابع الصبيّة الجميلة التي تجلسُ إلى البيانو فوق خشبة المسرح في متحف سوزان مبارك، تعزف الحركة الرابعة من السيمفونية الخامسة التي استلهمها بيتهوفن من وقع قرعات يد صاحب البيت على باب غرفة بيتهوفن المُستأجرة، يطلب الإيجار، الذي لم يكن في حوزة الموسيقار الفقير العظيم، مع بدايات القرن التاسع عشر، فمنحها اسم "ضربات القدر". تنهضُ الصبيةُ الجميلةُ من مقعد البيانو، وتحصد تصفيقنا الحار، ليجلس محلَّها طفلٌ في الخامسة من عمره يعزف مقطوعة أخرى لموتسارت، ثم صبيةٌ أخرى تعزفُ مقطوعة لعمر خيرت، وقلبُ مُعلّمة البيانو الجالسة إلى جواري في الصف الأول من حضور ريسيتال البيانو، لا يكفُّ عن الخفق مع كل نغمة تصنعها أناملُ تلاميذها وتلميذاتها الذين علّمتهم كيف يتذوّقون النغمة وكيف يعزفون على هذه الآلة العملاقة الملكة: “البيانو".
شعرتُ بفرحة غامرة حين علمتُ أن طلاب مدرسة البيانو قد اختاروني بالاسم لكي أُسلّمهم شهادات التخرج والتدرّج بين مستويات التعلّم من الصف الأول وحتى الصف الرابع عشر، جنبًا إلى جنب مع المُعلّمة التي درّبتهم طوال سنوات الدراسة، د. "تريزا عبده"، مُعلّمة البيانو والمايسترا الجميلة. في دار الأوبرا المصرية، قدّمتْ أولَ مقطوعة من تأليفها بعنوان "رومانس"، على الفلوت والبيانو، وهي بعدُ صبيةٌ في الصف الأول الثانوي. وبعد تخرّجها من الكونسيرفاتوار قسم التأليف الموسيقي والقيادة، عزفت مع أوركسترا الجيش المصري بالشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، وشاركت في العديد من الحفلات الأوبرالية تحت قيادة أستاذتها د. سمحة الخولي. ثم قرّرت أن تمنح نُسغَ ما تعلّمت من فنون للنشء الجديد، فأنشأت مدرسة لتدريس البيانو والصولڤيج والنوتة الموسيقية بطريقة أكاديمية احترافية، فتخرّج من بين يديها عشراتُ الموهوبين، بعضهم يجلس أمامي الآن أمام البيانو في حفل التخرج الذي تشرفتُ بحضوره ومنح شهادات التفوق لأبنائنا الرائعين الذين تمنيتُ أن يصبح مثلَهم كلُّ شباب بلادي وأطفالها. في كلمتي التي أعقبت توزيع الشهادات تذكّرتُ مقولة أفلاطون العظيمة التي قالها لشعب اليونان بعد عودته من مصر التي استمع إلى موسيقاها وهو يتعلّم العلوم والفلسفة في مكتبة الأسكندرية القديمة "بيبليوتيكا دو لي ألكزندرينا" التي شيدها بطلميوس الأول قبل ثلاثة وعشرين قرنًا. قال أفلاطون: “علّموا أولادكم الفنونَ ثم أغلقوا السجون.” وصدق الفيلسوف العظيم، لأن الفنونَ الرفيعةَ خِصمٌ شرسٌ للجريمة والانحطاط الخلقي.
تحية احترام لكل من تعلّمَ الموسيقى ثم علّمها. وتحية لكل الصبايا والأطفال الذين قدموا الفنَّ الرفيع في ذلك اليوم البهيّ من الأسبوع الماضي. مريم وحيد، مارينا جندي، ماريهان محمود، وطفلها إياد يوسف، رافاييل جرجس، دافيد جرجس، إيريني نبيل، كاراس نبيل، أليكسا أشرف، ستيفاني أشرف. ومن قبلهم تحية احترام وحبّ لكل أب وأم أرسلا طفلهما أو طفلتهما لتعلّم الموسيقى، وتحية حبّ واعتزاز لمعلّمة الموسيقى: د. تريزا عبده. علّموا أولادَكم الموسيقى، حتى ترتقي مصرُ الطيبة.


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كمال الجنزوري …. فارسُ البسطاء
- الطريق إلى العمّ نجيب
- دولة الأوبرا في حضن البتول
- يهودُ مصرَ …… المصريون
- دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة
- رجاء الجميلة … سلامتك
- طوبَى لصُنّاع الفرح
- أشهرُ صفقة باب في التاريخ
- هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
- نادي الشرق الأدنى للأرمن
- قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
- ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
- على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
- الخوف من الخوف


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مُعلِّمةُ البيانو