|
اسرائيل و القضايا العالقة-عليّ السوريّ: الجزء الثاني 8-
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
الحوار المتمدن-العدد: 6001 - 2018 / 9 / 22 - 11:02
المحور:
الادب والفن
“مازال الحزن يطاردني كغيمة صيفيّة.. لا هي تمطر و لا تقبل أن تغطيَ الشمس.. أصوات من رحلوا تمنعني من الكلام، فأعيد في ذاكرتي نغمة حزينة لأحبة ذهبوا و أغلقوا من خلفهم (بيباناً) للعتمة.. و ما يحرق القلب ليس همُ.. بل من بقوا في المكان بجسدهم فقط.. صاروا أناساً آخرين.. أشباح لمن عرفناهم.. أهذا ما يحدث عندما ترضى السماء عليك وتحقق دعائك بأن يحفظهم الله.. يحفظهم بنسخ أخرى.. نسخ تجلد الذاكرة.. نسخ لا تشبهنا و لا تشبههم…”.
كان لبكاء هبة على الورقة صوت حزين.. يشبه مطر تشرين على شعر طفلة لا أهل لها.. لا تبيع الكبريت، بل تمسح الأحذية.. لا تعرف البرد لأنه ترف.. بل تعرف ركلة تلقتها من ذكر في الخمسينيات.. قرر أنه لن يدفع لطفلة لا حامٍ لها…
هبة بعد خروجها من السجن صارت تلك الطفلة.. كلّ يوم قبل أن تنام تسمع وقع خطوات السّجان.. و صوت ضحكاتٍ غريبة لا تشبه صوت الطيبة العراقي.. و على الرغم من أنهم قالوا أنهم عراقيون.. كانت متأكدة أنّ سموم العراق هي من أنجبتهم. لفّ الاكتئاب هبة.. و صارت أخرى...
حاول عمّار الاتصال بها كثيراً، و لكنها لم ترد.. هي تخجل من انكسارها أمامه.. ما تقول له.. وهي الأخرى انضمت إلى جيل الهزيمة. *************
في نفس الزمان و غير المكان ضاعت عبير في شوارع لبنان.. لم تعرف كيف أوصلتها قدميها إلى زقاق ضيق فيه محلّ صغير يبيع الفلافل.. أحست نفسها في سوريا، و ابتسمت أكثر عندما كان البائع سوريّاً: قالت له : - لا تسألني من أين أنت في سوريا و إلا لن أشتري.. ثم ابتسمتْ… - الله يحميكِ من أي مكان كنتِ يا بنتي…
غصّت بالدموع قبل أن ترد: - الله يجبرك…
مضت و هي تحس أن جبرانه لخاطرها أضاء الطريق، و ستستطيع الوصول إلى موعدها مع ديار…
جبران الخواطر عند السوريين و عند جميع العرب دعوة من القلب، لأننا جميعاً بخاطر مكسور.. كسرته الأماني المعلّقة على جدران نوافذ لأمهاتنا، أو أحلامنا.. كسرته كَسْرَتُنا عندما كان خيارنا بين البقاء في حضن الأم أو اللحاق بالحلم..
و عندما تهشم هذا الخاطر، رحنا نبحث في قلوب الآخرين عن عائلة أخرى، و أحلام أجمل…
كل المنطقة مكسورة الخاطر من المحيط إلى الخليج، في حين استغلت اللحى ذلك لتنشر التطرف الديني.. بعد الحروب و مع استفحال الفقر و الذل ازداد إحساس كثيٍر من مكسوري الخاطر بالعجز.. و لم يعد لهم سوى الدين ليلجأوا إليه، و لشدة الضعف الإنساني أرادوا أن يحسوا بقوتهم و بأن لوجودهم قيمة فتحولوا إلى متطرفين في الدفاع عن الدين.. وهكذا صار الدين صنماً غير قابل لحوار العقل…
قال لها ديار: - أنت تتوقعين أن تهدأ الأوضاع.. و أنا أقول لك انظري إلى العراق… وهي أعطته قسماً من لفة الفلافل: - الله يجبر خاطرك… *************
رسائل تعبر المحيطات، و تتحدى العلاقات غير الدبلوماسية بين بلاد العم سام و سوريا الياسمين… كيف لي أن أنام و هو بكل قلبه يسكن في مدينة حدوديّة.. تقع بين كتيبة ابن تيمية و رصاص داعش.. كيف خطر في باله أن يسكن هناك .. ماذا يريد هذا الانفعاليّ؟ رصاصة في القلب.. لن تقتله.. بل ستميتني… فيما أفكر به ظهر على نافذة المحادثة سطره: -مساء الصباح.. فعندكم ليل و عندنا نهار.. هل هناك من كناية إلهية في هذا؟ -مساء الكنايات.. أين كنت من خمسة أيام… -أتظاهر… -تمزح؟ -لا فعلاً.. -احكِ لي ما حدث؟ - خرجت مظاهرة ضد داعش و خرجت معها.. ثم أتى المتطرفون ففضوها.. و بعدها صار الجميع يهتف ضد اسرائيل، حتى قرر أحدهم أن يهتف ضد النظام.. انقسم الناس بين موالٍ و معارض لاسرائيل.. ماحدث لا يمكنك تخيله و لو كنت أشطر كاتبة على وجه الأرض… -و ما الغريب في ذلك.. هذا متوقع… -طيب.. ربما كنتِ من القلائل الذين لم يدهشوا من الصراع السوري/السوري حول فكرة اسرائيل.. ربما لو ارتفع العلم الاسرائيلي على هذي الأرض لما حدث كلّ هذا.. لا أعرف…
-بعتَ القضية ؟ .. لم أقصد ذلك.. قصدت أنه لا أحد (مدهوش).. الناس -بأغلبهم- بين مدعوس..مدعوم و (مدعوش)... لم أدهش لأنني غير متطرفة.. أرى الصورة بكلّها و ليس بما اقتطعت أنايّ منها..
-لا أبيع القضية التي تقصدينها و لو مت.. فلسطين لنا و لو بعد مئة عام.. القضايا اليوم أخرى و مختلفة.. عموماً.. معك حق.. الله يستر.. الكره في سوريا يحتلّ الأرض و السماء.. تراب الأرض فيه ما فيه.. لكن صلبه من الأجساد الشهيدة.. المغيبة.. البريئة.. الحالمة.. الطاهرة.. المسحوقة.. المقموعة.. و المرفوضة.. هكذا أرض..لن تقبل السلام و لا الصلح...
بعدها انقطع الاتصال مع علي ، ربما بسبب سوء شبكات (الانترنت) بسبب الحرب.. لن أفكر في السيء.. يقولون : يقلق الإنسان كل حياته على ما لن يحدث، فتلحقه مصائب أخرى بسبب القلق.
كتبتُ قبل أن أنام:
معه حق: هكذا أرض..لن تقبل السلام و لا الصلح.. والسماء التي ازدحمت بأحلام الشباب المتلاطمة.. لن ترى الدعاء... أنظر كل يوم إلى وطني و قد نهشه سرطان الكراهية، سرطان بإنذار سرطانات البنكرياس سيئة السمعة.. أسأل نفسي: لم حقّ علينا هجر الأوطان من قبل السرطان.. ثم العودة إليها بعده؟ لم أعلم أن سرطان الأوطان ينتقل إلينا بالعاطفة.. أجل الصراع السوري/السوري لا يحتمل نظريات الصح و الخطأ.. الحلال و الحرام.. هو صراع مرضى سرطان إنذارهم سيّء و غدهم محكوم بالحقد.
معه حق.. نحن نحتاج غير المتطرفين من الحكماء.. من يعلمون أن القضيّة ما عادت قضيّة فلسطين لوحدها.. ولا بقاء اسرائيل أو زوالها.. القضيّة اليوم لا تُختصر بدول مسرح الشرق الأوسط.. بل تمتد و تطول على طول الكرة الأرضيّة و قطرها.. القضية و إن استخدمت أحلامي و أحلامك كموسيقى تصويريّة.. ليس لنا فيها إلا الصدى.. هي تختال بمخرجين و مؤلفين في غرب الأزمات الاقتصادية.. و خليج النفط و الغاز…
الحكماء..اليوم من يعرفون أن التعصب الديني و القمع العسكري هم أعداء القضيّة.. و لاعودة لأيّ مكان في الشرق دون السماح لصوت العلمانيين بالارتفاع…
العلمانيون: من يفصلون الدين عن الدولة.. من يطالبون بحق التعبير قبل حق تقرير المصير هم الأمل.
كيف نطالب بالأرض و نحن نُخرِسُ صوت القلم الذي لا يقبّل المؤخرات؟
كيف يتطور مجتمع لا معارضة عقلانيّة فيه؟
كيف تتطور بلاد قسم من شبابها بين المقاهي و خطب الجمعة الداعية إلى التطرف… و قسم آخر بين السجون و الغربة بسبب رأي؟
ماذا نريد من الغد؟ (البعبعة) بأننا لن نبيع القضيّة؟.. أو حلّ القضايا التي تنهش في لحم أولادنا؟
الحكماء.. فقط.. غير المتطرفين فقط.. الرماديون فقط هم الأمل وسيبشروا بالشفاء، أما غيرهم، فعابرون!
يتبع…
#لمى_محمد (هاشتاغ)
Lama_Muhammad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جنون العَظَمَة- الطبّ النفسي الاجتماعي- حكايتي 9
-
للرجال فقط -الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي 8-
-
وهم فرويد-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 7
-
مرآتك -الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي6
-
“ أنا ما قتلت” التي كشفت الكعبة!
-
غاردي دبيّ-عليّ السوريّ: الجزء الثاني 7-
-
ليثيوم-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 5
-
ثلاث عيون و أنفيَن- عليّ السوريّ الجزء الثاني 6-
-
سأضع الحجاب- العلاج النفسي الاجتماعي- حكايتي4
-
بين الأكراد و اليزيديين: ضاع الشرف العربي-عليّ السوريّ الجزء
...
-
لماذا طلّقني؟-الطب النفسيّ الاجتماعيّ- حكايتي3
-
تظاهرات العراق: رعب الحكومات العربية في تجدّد دائم...
-
تونس وطن الله على الأرض-علي السوري الجزء الثاني4-
-
سيروتونين-الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي 2
-
حكايتي - الطب النفسي الاجتماعي 1-
-
القاهرة و إبريق الحلوى- علي السوري الجزء الثاني-3
-
بيروت و إله الحرب - علي السوري الجزء الثاني -2-
-
مُتيَّمٌ في بغداد- علي السوري الجزء الثاني- 1
-
ثلاثة أزمنة و كفُّ الغول- العلاج النفسي الأدبي 30-
-
حضراتكم: من لعنة الفراعنة إلى لعنات الصمت- العلاج النفسي الأ
...
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|