أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل جاسم - ميناء المحمرة 24/ 5 / 1982














المزيد.....

ميناء المحمرة 24/ 5 / 1982


اسماعيل جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5994 - 2018 / 9 / 14 - 20:30
المحور: الادب والفن
    


ميناء المحمرة والجيب المهلك
24/ 5/ 1982 اسماعيل جاسم
بصعوبة بالغة استحضرَ علي تلك اللحظات الخوال التي تفصله وعالمه الذي وِلِدَ فيه ، انها ذروة الأنفصال التأريخي والنفسي والانقطاع الكلي عن عالم الحركة ، انتابه شعورُ اليأس والأحتقان وسط جُلبة حشود تتسلق ظهور العجلات وجوانبها في مشهد تكاد العجلات تتوارى عن الانظار لا يمكنه نسيان ذلك اليوم ولا ساعاته ، توقفت الارتال وهي تجوس شوارع المدينة بقلق ابتلع هذه الوجوه الهاربة دون توقف ، لاحظوا ان الارض تريد ان تبتلعهم والشوارع قد اقامت متاريسها لتوقف سباق الهروب وضجيج خطى الاقدام ، سأل علي احد الجنود الواقفين بجانبه " الى اين هذه العجلات ذاهبة ؟" اجابه بصوت مبحوح ولسان متلعثم : لا اعرف ! وسأل آخرين تبين الجميع لا يعرفوا الوجهة التي هم اليها ذاهبون ، كانت ابصارهم شاخصة تارة الى السماء واخرى تنتظر مد جسور الرحمة لأنقاذهم ، ظلوا في دائرة الترقب والانتظار ، رأى علي جميع عجلات الجيش منتشرة ولكن لم يشاهد مدفعاً أو دبابة ، استقر بهم الحال والجلوس في عراء خَرب ليس فيه أي زاوية للاختباء او فيء اشجار سوى تلالٍ من الآجر المتراكم على بعضه ، مدينةٌ تحولت الى اشباح ، سكانها هجروها اثر سقوط قذائف على رؤوسهم فباتت بلا بيوت ولا حدائق وشجيرات اصبحت ارض جرداء خالية من كل الشواغل ، مدينة يسوّرها السراب ويملأ ارضها مواء القطط وعجيج الرياح ، لم تكن في هذه المدينة بقعة آمنة سوى مسجدٍ كان يربض بجدرانه على رصيف ذلك الميناء ،بعض هذه الجدران اضحت شاخصاً ودليلاً للغريب الذي انقطعت به السبل ، صار مكاناً للايواء ، لم تدخر هذه الحشود الغفيرة مؤناً ولا تملك أي مقومٍ للبقاء ، كان المجهول ينتظرهم والجوع يحرق احشائهم فقد نال التعب من الجميع والنوم يجافي عيونهم واللهفة تملأ نفوسهم للخلاص من هذا المجهول المحدق بهم .
كل شيء بدأ ينزلق نحو نهايته المظلمة ، جيوش منكسرة وجنود تنتشر على بقعة محددة تبحث عن منفذ للهرب ،لن يُنسى ذلك التقهقر وما يحمله من نأمة حزن ، جلسَ علي على حافة جرف صخري محاذٍ لميناء المحمرة ، في طرف المدينة القصي من الضفة الاخرى تنتشر فرق الاعدام للهاربين من الموت الى الموت ثانية ، الساعة تشارفت من مغيبها ، خيّم رهبة الخوف برهبته عصفت بهم الرياح بعدما قتلهم العطش وتوقفت العيون عن التحديق انفلتت السيطرة وتمزقت الوشائج واندلق طوق النجاة للكتل البشرية المنسحبة ذات السحنة السمراء لسعتها حرارة الشمس. العيون يحدوها قلق غامض أخذت دقاتها تعلو مع ا انكسار الشمس ، تكشفت حقيقة الوجوهالتي عفرها عجاج سرف الدبابات والدروع ،موجة النزوح الجماعي الآتية من كل فجٍ تحمل معها بنادقها المنكسة ارضاً ، صاح احد جنود الخطوط الخلفية بكلام منافق اعتاد البعض على ممارسته كأنه يريد ان يكون حريصاً على مصلحة الوطن لماذا انسحبتم من الخطوط الامامية؟ ردَّ عليه احد الجنود ساخراً ، أخي بعد قليل ستعرف ما تسأل عنه واستمر بسيره الى جهة لا يعرف وجهتها كباقي القطعات بمراتبها والياتها واسلحتها الخفيفة مرت برهة من الزمن توافدت ارتال تلو اخرى من الخطوط الامامية ، آه صدق جوابه! من حقه كان متوتراً تداعت الاجساد ،كانوا آذاناً صاغية لكل صوت يُسمع ، يتأملون بآمالهم المبعثرة حتى ولجت انفاسهم ثقوب المنازل المهجورة ،رموا خوذهم وبنادقهم كمن يرمي حبله على غاربه ، اصابهم اليأس ودبّ الاعياء ورسمت على جباههم الذابلة نفحات غبار العجلات المسرعة الواحد ينظر بوجه الاخر فلم يجد ثمة أملا فيها ، تعلو عيونهم حواجب قُطبت من شدة الخوف والحذر .
، بين الحين والحين يبحثون عن زوايا تأويهم كأنهم قطة ولودة يقتلها قلقها على ابنائها اخيراً استقر بهم الحال في محطتهم الاخيرة فكان الميناء الجيب المهلك لخاتمة جيش تخلى عنه قادته وتركوه فريسة جاهزة للموت والاسر والاهانة .انتهت معركة اعادة المحمرة بأسر ما يقارب 19000 ألف جندي عراقي بعدتهم وعتادهم ..
أُعدت اللوريات والسيارات باحجامها لنقل هذه الالاف البائسة الى جهات خلف الخطوط الامامية انتهت المعركة دون مقامة تذكر ، جُمعت الغنائم ونقلَت الجيوش الى اقرب منطقة الى " عبادان القريبة من المحمرة ...



#اسماعيل_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنادق بلا زناد
- يوميات شاهد لم يرحل بعد / الجزء الثاني
- يوميات شاهد لم يرحل بعد
- ايهما يتحقق في العراق - بيضة الديك ام بيضة القبان -؟
- مقتدى الصدر لغز يصعب على البعض فهمه
- رداً على مقالة -نظرية سبتك تانك (Septic Tank ) والحل المنشود ...
- للمرة الرابعة يعودَ العراقيون على انتخاب الفاسدين والطائفيين
- ذاكرة شيوعي قديم في الاول من ايار
- لوحةٌ كُبرى
- مواسم الحجيج
- المرجعية الدينية في النجف - المجرب لا يجرب -
- الدعاية الانتخابية اخفت وشوهت معالم المدن العراقية
- الفصائل المسلحة في العراق والوجود الأمريكي
- العراق وازمة المناسبات الدينية
- الانتخابات العراقية المقبلة وحكومة الاغلبية السياسية
- التظاهرات العراقية بنمطها الجديد
- مازلتَ تحملُ فتوَّتي
- دكتاتوريات عشائرية لم تتعظ بغيرها
- تحت مشارط إعلام الطائفيين وتأثيراته الجانبية
- الدولة المدنية في العراق العلاج والحلول


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل جاسم - ميناء المحمرة 24/ 5 / 1982