أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد أسعد - ولدي .... من الموت الي الحياة















المزيد.....


ولدي .... من الموت الي الحياة


أسعد أسعد

الحوار المتمدن-العدد: 1508 - 2006 / 4 / 2 - 05:41
المحور: الادب والفن
    


لقد بدأت حياة الانسان علي كوكبنا هذا من تراب الارض أرخص مادة في الوجود ... مادة مرفوضة مُنفّرة و مكروهة من الجميع فمَن منا يريد أن ينام علي تراب أو أن يسقط بعض منه علي ملابسه ألا نقول حينئذ إنها قد اتسخت و إذا ما سقط بعض الماء علي هذا التراب فإننا بكل اشمئزاز و تقزز ندعوه وحلا
لكن في يوم ما خارج التاريخ في البداية السحيقة انحني الله علي هذا التراب و أخذ منه بيديه و شكّله في أبدع صورة تخطر علي بال إنسان أو حتي ملاك .. . لقد شكل الله صورته هو ذاته علي هذا التراب و اقترب منه و نفخ في أنفه نسمة حياة فصارت هذه الصورة البديعة الرائعة نفسا حية ... و كأني بالله في أبوته يبتهج جدا و يفتح أحضانه لهذا الكائن البديع الذي خلقه توا من تراب و يري صورة ذاته فيه و يحتضنه الي قلبه و حُب دافق قد فاض منه بعمق و هو يناديه هامسا... ولدي
و إذا كانت هذه الصورة تؤثر فيك يا قارئي العزيز فان هذا المشهد لم يدم طويلا فقد تمرّد هذا الابن المحبوب علي أبيه و استمع الي نصيحة خِصم أبيه و طلب المعرفة و الحكمة بعيدا عن حِضن أبيه بل طلب أن يرتفع و يتعالي و أن يكون ندا لأبيه فكان لابد لأبيه أن يُعيده أيضا الي التراب الذي أخذه منه و هو يكبت في أعماقه أنّات و زفرات حزن عميق ترددت في الكون كله حتي الي أبواب الأبدية ... ولدي
و عندما خرج هذا الابن من حضن أبيه ليمارس الحكمة و المعرفة التي طلبها لنفسه فإذ به يُحيل خليقة أبيه الي مستنقع وحل من حياة التعب و البؤس و الشقاء لا تعرف العدل و لا الاستقامة و لا الطهارة فالاخ يقتل أخيه و الزوج يقهر زوجته و الابناء يقومون ضد أبيهم و العصيان في كل مكان و الموت يسود علي الكل و يهرع الله خلف الانسان بالتّرائي و بالوحي و بالعجائب و بالانبياء ينادي ويطلب و يسعي و أحشاءه و مراحمه تضطرم و هو يُرسل زفرات ألمه في وجدان الخليقة كلها .... ولدي
و لم يكن سامع و لا مصغي فالانبياء قتلوهم و الرسل جلدوهم و صنعوا لانفسهم عجولا و عبدوها و ساروا وراء تصوّرات قلوبهم عن الآلهة و قدّسوها فقد انمحت صورة الله من ذاكرة الانسان فنسي من هو فجعل الانسان من ذاته إلاها لنفسه و سجد لنفسه فعبد قوة جسده و جمال جسمه و حكمة عقله و لما طغي عليه اليأس من كل تصورات قلبه كفر بكل شئ ... بذاته... و بوجوده ...و بعقله... و بآلهته و بماضيه و بمستقبله و راح يعيش في حاضره يأكل و يشرب لانه غدا يموت و كلّما زادت الهوة و تعمقت الحفرة بينه و بين أبيه كانت الصرخة مازالت تأتي الي اذنيه كهمسة خافتة من بعد سحيق ...... ولدي
الآن قد نسيني الانسان ... هكذا قال الله عن ولده الذي جبله من التراب ...و طبع فيه صورته و جعله غاية قلبه و حبه... فقرر أن يخطو بذاته اليه ... فلا الأنبياء نفعوه و لا الرسل أقنعوه... فها أنا آتىاليك ياولدي بصورتي التي جبلتك عليها... فهيأ لنفسه جسدا من امرأة أصلها كباقي الناس من تراب ... فصار الله أمام الانسان بذاته بحبه و عطفه وحنانه ... فلقد ظن فيه الانسان بطشا فإذا به رقة ... و ظن فيه الانسان جبروتا فإذا به رحمة ... و ظن به الانسان عنفا و قسوة و صرامة فإذا به محبة و فرحا و سلاما .... ضُعفاء التفوا حوله فشدّدهم ... مرضي هرعوا اليه فشفاهم ... أمواتا ذهب هو اليهم و أقامهم ... و قال للجميع أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي ... من رآني فقد رأي الآب ... انا و الآب واحد ... فانفض عنه الكثيرون و لم يتبعه الا القليلون وحتي هؤلاء لما جاءت ساعة ظلمة البشرية انفضوا عنه فحاكمه الذين يكرهونه و يكرهون الله بتهمة أنه جعل نفسه ابن الله ... و صنعوا له مساميرا بايديهم التي صنعها لهم الله و قطعوا شجرة مما أنبتها الله و كتبوا له علته ...مركزه الذي أعده له الله .... "ملك اليهود" ... و صلبوه فكسروا بينهم و بين الله جميع العهود فصرخ الله بصرخات لم يفهمها الانسان لكن فهمتها الطبيعة فتزلزلت الارض و غابت الشمس و اظلمت السماء و كانت هذه المرة صرخة غضب مدوي .... ولدي
لكن الصوت الحنون هَمَسَ الي قلب الآب الملكوم ...أبتاه... إغفرلهم يا أبتاه لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون... فصمت الآب و ترك المشهد لابنه الذي جلبه و لابنه الذي ولده ... فسخر التراب من المولود و استهزأ به و عايره بضعفه و كيف لا يستطيع أن ينقذ نفسه و أين الله هذا الذي يدعي أنه اباه ... فصرخ المولود الي بارئ الوجود الهي الهي لماذا تركتني ... فصار همس الانبياء عبر التاريخ في أذني المعلق المولد ... لهذه اللحظة أنا دعوتك و لهذه الساحة أنا ولدتك ... من أجل أن ترفع صلواتك و تشفّعاتك عن أخيك أنا بذلتك ... و لتُبين له إني أحبه تماما كما أحببتك ... و ليصير حبي له ظاهرا في موتك عنه ... فنكّس المولود رأسه و الي أبيه أسلم روحه ... يا أبتاه في يدك استودع روحي ... و أسندها علي صدر أبيه و مات ... و لم يسمع الانسان الصرخة التي كتمها الله في قلبه و هو يدوي بها في صدره .... ولدي
ثلاثة أيام مضت و ثلاثة ليال انقضت و ذهبت حواء خائفة مرتعدة تبحث عن المصلوب الذي دفنوه و لم يكملوا حنوطه بسبب الوصية الثقيلة السبت التي لم ترحم و لم تستثني حتي جسدا مسجيا فارقته الحياة فلا بد أن يدخل القبر و ينتظر فالوصية قاسية و ثقيلة و تسود حتي علي الأموات و لم تعرف حواء آن ذاك إن المصلوب بموته يكون قد أكمل آخر متطلبات الوصية... الموت ... ولما دخلت القبر كان الحجر الثقيل مزحزحا و الجسد غير موجود ... ضاع .... سرقوه ... أين وضعوه ... يا مريم أول ما نطق به الابن المقام من الاموات ... أول كلمات ينبس بها بعد أن غلب الموت الي الابد ... و كأن الاب يقول لها كما قادك الخصم الي الموت فها أنا أقودك الي الحياة ... و كما حملت بشارة الموت الي ابن التراب فها هو الابن المولود يحمل لك بشارة الحياة اليه ... يُحمّلُك اياها فاذهبي و احملي كلمة الحياة لابني التراب.... قد قام اخوك المولود ناقضا الموت و هو آت اليك ليهبك الحياة ... و مضت مريم اليهم و لم يُصدقوها فأتي هو اليهم و وقف في وسطهم و مد كفيه و كشف قدميه ... و واحد منهم اقترب اليه و لمسه في يديه و في جنبه و في قدميه فخر علي ركبتيه .... ربي و الهي .... هكذا قالها و هكذا نطق بها ... و اخذهم و انطلق بهم و قال لهم الي كل العالم اذهبوا و قولوا إنني حي و الي كل انسان أخبروا ما عليه لله شئ ... فأنا دفعت و أنا سددت و أنا دمي عنكم بذلت .... الموت قد غلبت و العدل قد أرضيت .... مَن قَبِلَكُم قَبِلني و مَن آمن بي بروحي أحييت .... و نظر اليهم و إذا به يرتفع عنهم رويدا رويدا حتي اختقي و صوت الآب يخفق في داخلهم ...ولدي
و من يومها كل إنسان تراب سمع نداء المولود و أتي الي الآب به أحس بروح الحياة تدب في روحه... و سمع نفس الهمسة الابدية الرقيقة في قلبه من السماء تأتي الي روحه .... ولدي
و أنا سمعتها فهل تسمعها أنت أيضا يا ولدي



#أسعد_أسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضطهاد الاقباط في مصر و مسؤلية الكنيسة .... الدين هو الحل
- الامم المتحدة .... المأزق الذي وقع فيه اقباط المهجر... أبشر ...
- ثلاثي مصر المرح ... الحزب الوطني ... الإخوان المسلمون ... ال ...
- النساء بين الإلهة المعبودة و الذليلة المحتقرة ... و فتّش عن ...
- سر الكارثة ... كمبيوتر العبّارة المصرية المنكوبة كانت ماركته ...
- الصليب بين الخشب و الحديد ... الفخ الغير مسيحي الذي وقع فيه ...
- الفخ العربي الذي وقع فيه أقباط مصر
- الطريق نحو إصلاح الدولة و إرساء ديموقراطية الحكم في مصر المح ...
- الدولة المصرية من الواقع الي المستقبل
- اقباط المهجر لم يستفيدوا شيئا من المهجر ...... لماذا ؟
- الاقباط المسيحيون ليسوا كفارا و لا مشركين و عقيدتهم اسلامية ...
- رسالة مفتوحة الي مؤتمر اقباط المهجر
- الحقيقة المرّة التي كشفتها انتخابات مصر الحرة
- ابراهيم الجندي.... المحتار ....بين من سيدخلونه الجنة ....و م ...
- الرئيس مبارك .... الف مبروك ..... ست سنوات مع الشغل و النفاذ ...
- الحل المسيحي لمشكلة الحجاب الاسلامي
- المباراة مملة و سخيفة و النتيجة حتي الان 3 لصالح مبارك و الت ...
- مصر هي دائي الذي لا اريد ان اشفي منه
- الي الدكتور أحمد صبحي منصور و الي دعاة السلام في الاسلام ... ...
- امريكا الشيطان الاعظم ... حتي لا نقع فريسة للصهيونية العالمي ...


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد أسعد - ولدي .... من الموت الي الحياة