|
زين وآلان: الفصل الثالث 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5992 - 2018 / 9 / 12 - 22:03
المحور:
الادب والفن
المجتمع الراقي، بالكاد قد وصله خبرَ وجود " سيامند " في المدينة، وإلا كانَ أفراده استعادوا بشكل مثير، وساخر في آنٍ معاً، أسطورةَ الشقيقين الدمشقيين، المنتميين لسلالة عثمانية حاكمة ـ كذا. ربما أن غرائز أولئك المراكشيين، وبالأخص الميل للنميمة، لم تكن مزدهرة سوى إبّان سطوع نجوم شخصيّات معينة في مجتمع المدينة؛ مثل الراحلين " مسيو غوستاف " و" للّا عفيفة " و" المهدي البغدادي "، فضلاً عن السيّدة السورية " سوسن خانم ". من ناحية الشقيقين الآخرين، اللذين سبقَ وعملا أيضاً عند هذه الأخيرة ( ونعني بهما بالطبع: زين وآلان )، كانت تلك الأسطورة بالغة الأهمية لأحدهما بقدَر إثارتها لمشاعر الآخر. شقيقهما الكبير، " لاوند "، وبصرف الطرف عن غناه ووجاهته، لم يكن يُحسب على أفراد الطبقة الراقية وإنما على وسط التجار ذوي الجلابات المقلّمة والأفواه المتمتمة بالأدعية. بل لقد محضَ احتقاره لتلك الطبقة، لناحية تفسّخ أخلاقها عموماً، وكان يُبدي قلقه من خدمة " زين " لدى السيّدة السورية. فلما تحققت مخاوفه أخيراً، وقتما تورطت الأخت الصغيرة في حادثة ترّاس مقهى الكافيه دو فرانس، رأى أن واجبه يحتّم عليه التدخل بحسم وقوة.
*** " كنتُ دوماً أكبر ما فيكِ من تعقل وتبصّر، وأعطيتك حريةً بحجم ثقتي بمسلكك " قال لها في رفق آنَ مثلت بين يديه، ثمة في منزل الأسرة في حي القصبة. ولكنه كلمها على انفراد، موسوساً من احتمال تطور النقاش إلى مشادة قدّام امرأته وأولاده. إذ أشادَ بمناقبها، إلا أنه في المقابل كان يُدرك ما في شخصيتها من استقلالية وتعالٍ. على ذلك، لم يكن غريباً أن يغيّر نبرته فجأة، ليهتف في غير قليل من الحنق والسخط: " ولكنني على ما بيّنتِهِ أنتِ مؤخراً، يبدو كنتُ مخطئاً في محل ثقتي ". تطلعت في عينيه بنظرة بريئة، كما لو أنها أبهِمَ عليها كلامه، ولم تجد سوى الإجابة متسائلة: " عفواً، لا أعلم ما تؤاخذني عليه؟ " " كيف هذا؟ وماذا تسمّين، إذاً، ما جرى في الكافيه دو فرانس؟ " " أنتَ أسميته بنفسك؛ إنه مقهى، أي مكان عام.. " " لطيفاً منكِ تذكيري، أنه مقهى! ولقد أُطيحت من على ترّاسه امرأة، وعلى الملأ العام أيضاً، ومن فعل ذلك كان زوجها.. كان عشيقك، على ما قيل! "، صاحَ خارجاً عن طوره. وبقيَ يرتعش غضباً، حتى اهتزت شعيرات لحيته الخفيفة الشقراء، التي وخطها الشيبُ. ثم ألقى نظرة عجلى على مدخل الصالة، هاجساً من احتمال وصول كلماته إلى الآخرين. وعلى غير انتظار، غاضَ من سحنته أثرُ الغضب. ثم ما لبث أن رنا إلى شقيقته في شيء من العطف، قبل أن يستدرك وكان ما يفتأ لاهثاً: " أعلمُ أنك من المحال أن تكوني أثمتِ، خارجَ مجال تلك الحادثة ". وتابعَ بينا يحاول إضفاء طرافة على كلامه، مجاهداً في الابتسام: " وأعلم أيضاً، أنّ الحلم بالزواج من رجل مشرقيّ يُداعب خيال فتياتنا، وذلك بسبب انتشار أغاني فيديو كليب اللبنانية ". وعليه كان أن ينهي كلامه ببعض التلعثم: " مع أنك لستِ كالأخريات.. وإن كانت الموجة جامحة، ومن الصعب مقاومتها.. في واقع الحال ". لزم الصمت، مُحرجاً على ما لاحَ من ملامحه. على أنه سرعانَ ما نبرَ ليتكلم متدفقاً، كما لو كان يقرأ من سطور كتاب: " وإنني استدعيتك كي أعرض عليك خطيباً، ينتمي كذلك للمشرق. إنه مستثمرٌ خليجيّ معروف، في مثل عُمري تقريباً. سيدفع الرجلُ صداقاً كبيراً، ولا شرط لديه إلا أن تكون شريكةُ حياته عذراءً. سأتحدث في هذا الشأن مع امرأتي، كونها على معرفة بطبيبة.. وسترافقينها إلى العيادة.. اليوم أو غداً ". ينبغي القول، أنه على الرغم من الفارق الكبير في السن بين " لاوند " وشقيقته، فقد كان يهابها نوعاً. وهيَ ذي ترمقه بنظرة ثابتة، وعلى محياها سيماءٌ من السخرية، فيما كان ملقياً بجسده المتين إلى وسائد الأريكة شابكاً ذراعيه خلف رأسه. وكان كالحَ الوجه عابساً، حينَ هربَ من الصالة بحجة التشاور مع زوجته.
*** كان " سيامند " قد أفرغ رأسه من كل تلك الحكايات، لما أبصرَ أخيراً حبيبته وهيَ تتنقل على أرضية الرصيف المقابل، منتظرةً سانحةً كي تقطع الشارع. صلابة خطواتها وما فيها من تصميم، كانت تحوز إعجابَ معلّمها، المنتصب وراء واجهة المكتب الزجاجية. لوّحت له بيدها ذات الأنامل الطويلة الجميلة، الشبيهة بأنامله. وحقّ له أن يتصورها ثانيةً تذبّ ذلك الشيخ البدويّ الفاسق عن نفسها، وترقّن سحنته الصفيقة بصفعاتٍ قاسية لا بد ووصل صداها إلى قصور جماعته، المنتحية على طرف الصحراء. كون شؤون المكتب ملقاة على كاهل مساعده " آلان "، بحكم اختصاصه وخبرته، فإنه فكّرَ باصطحاب شقيقته مبكراً إلى المقهى. كان يسرّه أن ينقل لها خبر تفاهمه مع شقيقها الآخر، الكبير، في شأن مشروع شراكتهما التجارية. كذلك كان قد أدمن على الحديث معها في ذلك المقهى، الذي آبَ منه تواً " آلان " وعلى شفتيه ابتسامة سعادة خالصة؛ ابتسامة، اخترقت شغاف قلبه ـ كما يفعل اللحظة نداء مؤذن مسجد الكتبية، الداعي المؤمنين لصلاة العصر.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زين وآلان: الفصل الثالث 1
-
زين وآلان: الفصل الثاني 5
-
زين وآلان: الفصل الثاني 4
-
زين وآلان: الفصل الثاني 3
-
زين وآلان: الفصل الثاني 2
-
زين وآلان: الفصل الثاني 1
-
زين وآلان: الفصل الأول 5
-
زين وآلان: الفصل الأول 4
-
زين وآلان: الفصل الأول 3
-
زين وآلان: الفصل الأول 2
-
زين وآلان: الفصل الأول 1
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 5
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 4
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 3
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 2
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 1
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 5
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 4
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 3
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 2
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|