إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ
الحوار المتمدن-العدد: 5990 - 2018 / 9 / 10 - 21:54
المحور:
القضية الفلسطينية
بعَث إلي بالبيان.
يوم الأحد، السادس والعشرين من الشهر الجاري، أغسطس.
بيان الجمعية الإسرائيلية لدراسات الشرق الأوسط والإسلام بخصوص قانون القومية الإسرائيلي.
الجمعية، التي تعود جذورها إلى عام 1949، هي منظمة أكاديمية غير سياسية وغير ربحية، و تُسخر عملها لمجال دراسات الشرق الأوسط والإسلام في إسرائيل.
تمثل الباحثون/الباحثات والطالبات/الطلاب من اليهود والعرب على حد سواء.
انتقدت الجمعية قانون الهوية القومية، الذي اقره الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 19 يوليو، ومنح "يهود" إسرائيل "فقط" "ممارسة حق تقرير المصير في البلاد"، وخَفَّض من مكانة اللغة العربية من لغة رسمية للدولة الإسرائيلية إلى "لغة تحظى بمكانة خاصة في الدولة ومتاحة في الدوائر الحكومية للمتحدثين بها".
أعربت الجمعية عن قلقها من التغيير الذي طرأ على مكانة اللغة العربية وحذف قيمة المساواة بكافة جوانبها وأبعادها من قانون القومية. واعتبرت القانون مساساً بقيمة المساواة بين اليهود والعرب في دولة إسرائيل.
شكرته. مَن بعث إلي بالبيان.
ونشرته على مواقع التواصل الإجتماعي الخاصة بي.
أوفير وينتر. أكاديمي إسرائيلي، التقيته في زيارتي إلى إسرائيل في يوليو الماضي.
بفضل صديق مشترك.
دعاني إلى زيارة معهد دراسات الأمن القومي الذي يعمل فيه في جامعة تل أبيب.
فلبيت الدعوة. مع زوجي.
وكان يوماً مثمراً، تعرفت فيه مع توماس على الجامعة، والمعهد، وارشيفها للصحافة العربية.
ننتمي معاً، أعني اوفير وأنا، إلى مجموعة من العرب والإسرائيليين، تتزايد أعدادها، تصر على أن السلام ممكن، لكنها تدرك إن هذا السلام لن يخلق نفسه بنفسه. علينا أن نعمل من أجل هذا السلام.
وهذا لن يحدث إلا إذا تحدثنا عنه. وحددنا أطره. معاً. من قال إن السلام سهلٌ؟ هو صعب. أما الحرب فليس اسهل منها. نبدأها ثم لا نعرف كيف ننهيها.
أما السلام فطريقه صعب.
نشقه بأيادينا، طريقاً مشتركا، يَجمُعنا، ويأخذنا معاً إلى مستقبل مشترك آمن في منطقتنا.
المواطنة المتساوية، في رأيي، هي الطينة التي نُّعبد بها طريقنا...
--------
هل تَذكران ما قلته لكما في مقالي الثاني من هذه السلسلة؟
قلت لكما إسرائيل تشبهنا في أشياءٍ، بعضُها ليس جميلاً.
وضربت مثلاً بقوانين العائلة التي وَرَثتها من الدولة العثمانية، تلك التي ترسخ الهويات الدينية وتمنع الزواج بين اصحاب الديانات المختلفة. من يعيش في منطقتنا يعرف هذا الشأن. لها إسم. التعددية القانونية. ونتائجها كما أظهرت في كتابين لي (موجودين في قائمة المراجع المستخدمة) تنعكس على الهوية الوطنية بالسلب. فلغياب الزواج المدني تترسخ الهويات الدينية، وفي حالات كثيرة تنغلق الجماعات الدينية على نفسها.
إسرائيل أيضاً تشبهنا في أن كل القوانين الدينية العائلية تقوم بصور متفاوته بالتمييز ضد المرأة.
ولذا تجدن في إسرائيل تحالفات نسائية تتجاوز الإنتماءات الدينية، لأن النساء فيها أدركن أن الأديان عندما تتفق، تتفق على التمييز ضد المرأة.
لكن إسرائيل تختلف عنا (وتشبه لبنان في ذلك) بأنها تفتح الباب للزواج المدني بإمكانية عقد الزواج المدني في قبرص وتسجيله في إسرائيل.
تشبهنا إلى حدٍ ما في طابع الدولة الديني، وتشبهنا كثيراً في التطرف الديني الذي زاد بين شيوخها.
لاحظا أني قلت في الأولى "إلى حدٍ ما" لأن الهوية الدينية لإسرائيل كانت دوماً في صراع مع هويتها الديمقراطية.
إسرائيل تأسست عام 1948 كدولة "يهودية" ، ودولة "ديمقراطية".
ليس لها دستور.
لكن إعلان استقلالها وضع أساسها الدستوري. قام على رؤية ليبرالية لدولة ديمقراطية، تحترم مفهوم المساواة لجميع مواطنيها ومواطناتها.
ولذا نص الإعلان على ان تحافظ هذه الدولة على"المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة لجميع مواطنيها، دون تمييز بسبب العرق أو العقيدة أو الجنس"، كما نص على "ضمان الحرية الكاملة للضَمير والعبادة والتعليم والثقافة" ؛ "حماية حرمة الأضرحة والأماكن المقدسة لجميع الأديان وحرمتها" ؛ وأن "تكرس نفسها لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة"
ومع ذلك ، فإن التوتر بين يهودية الدولة الجديدة وطبيعتها الديمقراطية ظل قائما، وألقت إلى يومنا هذا بظلالها على إحترامها لمفهوم المواطنة المتساوية.
وقد دارت النقاشات البحثية حول هذه النقطة ، حيث يدعي البعض أن المفهومين متوافقان ، في حين أن البعض الآخر يصر على تعارضهما الجوهري. وبينهما يرى معسكر ثالث على أن التوتر القائم بين المفهومين يمكن جعله ثابتًا من خلال التفسير.
هذا التوتر يعكس نفسه في قوانين وحقوق تحولت إلى واقع، بعضها نتمناها ونحلم بها في مجتمعاتنا، وأخرى تؤسس لعدم مساواة نعرفه نحن ايضاً.
هي تنفرد عنا باحترامها للحقوق الدينية لكل مواطنيها، وحق الإنسان في عدم الإيمان، أي الإلحاد، تماماً كما أنها تحترم حقوق المثليين من الجنسين.
تنفرد عنا أيضاً في الفصل القائم بين سلطاتها الثلاثة.
لذلك يمكن للمدعي العام أن يوجه الإتهام إلى رئيس الوزراء بالفساد، كما هو حادث الآن. تماما كما أن رئيس وزراء السابق إيهود أولمرت زُج به في السجن بسبب تحرشه الجنسي بموظفاته. تخيلوا حدوث هذا لدينا؟
سنزغرد قبل ان نموت دهشة.
هي أيضاً تتفرد عنا في دور المحكمة الدستورية في لجم النزعة الدينية للدولة، وفي حرية الصحافة التي تتمتع بها، حرية صحافة حقيقية، وفي تقدمها التكنولوجي، والأهم في التأمين الاجتماعي والضمان الصحي الذي توفره لكل مواطنيها وموَاطناتها بغض النظر عن هويتهم/ن الدينية. في هذه الكل متساوٍ.
وفي كل هذه الصفات الإيجابية لازالت منفردة.
هذه الصورة معقدة. أليس كذلك؟
سهلٌ علينا كثيراً أن نقول إن "اسرائيل قوة شر".
ونضيف نقطة بعد هذه الجملة.
نختم بها نقاشاً وحواراً لم يبدأ بعد.
ثم نبدأ سطراً جديداً، لنلعَنها من جديد. ونقول سنُزيلها من وجه البسيطة.
اليَست إسرائيل قوة شر؟
الأصعب أن نقول إنها دولة، يعيش فيها بشرٌ، مُثلنَا، لا أعداء.
وأن لها ميزات إيجابية، نتمَني الكثير منها في الواقع.
ثم نردف أن لها مثالب، لا يمكنني التغاضي عنها، وفي الواقع نعاني منها نحن أيضاً.
وفي هذه سيكون علينا أن نعمل على تغييرها. معاً.
اعني هنا تحديداً الطابع الديني للدولة وما يتبعه من هرم ٍ للمواطنة تتفاوت على درجاته مقدار المساواة في تلك المواطنة.
وهذا الهرم للمواطنة يعاني منه عرب إسرائيل كثيراً. على رأس الهرم يقف الإسرائيلي اليهودي، ثم يأتي غيره بعده.
والتمييز يحدث كثيرا وعلى الأخص في في حقوق تملك الأراضي بحرية في إسرائيل.
فكل شيء يتعلق بالأرض يبدو مدججاً بالخوف.
ولذا فإن القانون الجديد اضاف بعداً جديداً قانونياً إلى هذا التمييز.
فمن جانب أول، وبعد أن كانت العربية لغة رسمية للدولة، أصبحت الأن "تحظى بمكانة خاصة في الدولة، ويتم إتاحتها في
الدوائر الحكومية للمتحدثين بها".
ومن جانب ثاني، وهو الأهم، ينص البند الأول من القانون على أن" لليهود فقط في إسرائيل الحق في تقرير المصير"، وتجاهلت بذلك الأقليات العربية المتعددة في إسرائيل.
ماذا عن هؤلاء؟ أليسوا مواطنين ومواطنات على قدم المساواة؟
ليس حسب هذا القانون.
يأتي المواطن الإسرائيلي اليهودي اولاً. لأنه من وضع القانون يعتبره هو المؤتمي، الذي سيحافظ على هذه الدولة وبقاءها. عرب إسرائيل يعتبره طابوراً خامساً.
ومن جانب ثالث، أورد القانون في بنده التاسع، مبدئين، واحد ينص على المساواة، والأخر ينسفها نسفا.
فكل" مواطن في إسرائيل بصرف النظر عن دينه او قوميته له الحق في الحفاظ على تراثه وثقافته ولغته وهويته."
لكن الدولة في الوقت ذاته "قد تسمح لطائفه بما فيها أعضاء دين واحد أو قومية واحدة بإقامة مستوطنات لهم."
وهذا يفتح الباب على مصراعية للفصل القانوني المكاني بين الإسرائيليين بناءا على الهوية الدينية.
تطور خطير لايستهان به.
ولايمكن تبريره بأي شكل من الأشكال.
كنت في إسرائيل عندما كان النقاش مستعراً حول هذا القانون.
رأيت كيف حذر رئيس إسرائيل من عواقب هذا القانون على مفهوم المواطنة المتساوية.
قرأت مقالات رأي في صحف عديدة تنتقد الكتلة اليمينية المتشددة التي تأخذ بالبلاد في اتجاه لامحالة ستقضي على ديمقراطية إسرائيل، ويمشي على هَواها رئيس الوزراء نتنياهو بسبب ضعف موقفه السياسي مع التحقيق القائم ضده بتهم الفساد.
قرأت ايضاً كيف تم تعديل مسودة القانون عدة مرات.
وأن النسخة الأخيرة ورغم ضعفها فإن الكثير من القوى الإسرائيلية تعهدت بالعمل على إلغاءه.
ثم قرأت عندما عدت عن خروج الاف من الإسرائيليين الدروز في مظاهرات إحتجاجاً على هذا القانون، وإنظم إليهم عشرات الألاف من الإسرائيليين من اليهود.
رجاءا الإنتباه إلى هذه النقطة. إنظم إليهم عشرات الالاف من الإسرائيليين من اليهود إيماناً منهم بمفهوم المساواة في المواطنة.
يداً بيد. جنباً إلى جنب.
الإسرائيليين الدروز هم جزء لا يتجزء من النسيج المجتمع، وقبلوا بوجود إسرائيل منذ نشأتها، وتسرى عليهم الخدمة العسكرية الإجبارية، ولذا كان إحساسهم بالغبن قوياً.
ورغم كل محاولات تهدئتهم، فإنهم يرفضون هذا القانون والتمييز المتضمن فيه.
المحك سيكون في المحكمة الدستورية، التي ظلت إلى يومنا هذا صرحاً يدافع عن مبادئ المساواة العلمانية في مواجهة المد الديني في إسرائيل.
إذن. أعود من جديد، وأقول لكما،
إسرائيل تشبهنا في أشياء، بعضها ليس جميلا.
وتنفرد عنا في أشياء نتمناها في بلداننا، ونحلم بها.
لكنها في كل ذلك لازالت تبحث عن هويتها.
والأهم، فإن الصراع القائم بين هويتها الديمقراطية وهويتها الدينية هو الذي سيحدد مستقبل ديمقراطية هذه الدولة.
________________________________________
بعض المراجع المستخدمة:
Elham Manea (2016), Women and Sharia Law, London: I.B. Tauris.
Yüksel Sezgin (2013), Human Rights under State-Enforced Religious Family Laws in Israel, Egypt and India. Cambridge, UK: Cambridge University Press.
Elham Manea (2011), The Arab State and Women’s Rights: The Trap of Authoritarian Governance, London: Routledge.
Sarah Slan (2012), Arabisch-Jüdische Paare in Israel: Auswirkungen des Politischen Systems, unpublished master’s thesis, Zurich University.
Michael Mousa Karayanni (Fall, 2007), ‘The separate nature of the religious accommodations for the Palestinian-Arab minority in Israel’, Northwestern Journal International of Human Rightsv/1.
Declaration of Israel’s Independence 1948, Tel Aviv, 14 May 1948. Available at http://stateofisrael.com/declaration.
#إلهام_مانع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟