القرارات السياسية تتغذى على الأعراف وتوظفها لتهميش المرأة وإقصائها

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 1507 - 2006 / 4 / 1 - 12:41
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

رأينا من قبل كيف أن الأعراف الاجتماعية تتلبس بالفقه لاكتساب المشروعية الدينية في امتهان المرأة وتكريس دونيتها . وإذا كان الأمر في هذا المستوى يجعل الفقه في خدمة العرف ، ففي المجال السياسي يصير العرف في خدمة السياسة . أي أن القرارات السياسية التي تقوم على إقصاء المرأة من المشاركة في الحياة العامة والتمثيل في المؤسسات المنتخبة ، تجد تبريراتها في طبيعة الأعراف السائدة ولبوساتها الفقهية . ويتعلق الأمر أساسا بتلك الاجتهادات والتأويلات التي ، إما تستند إلى أحاديث موضوعة أو أحاديث ظنية وضعيفة كتلك المتعلقة بتحريم الولاية الصغرى أو العظمى على المرأة . وفي هذا الإطار يندرج الحديث الظني عن عدم جواز تولي المرأة الولاية ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) . فكان هذا الحديث مدخلا لإقصاء المرأة عن العمل السياسي ليستحوذ عليه الرجل . علما أن العالم الإسلامي حكمت بعض أقطاره نساء وكانت تضرب النقود باسمهن ويدعى لهن في خطب الجمعة . ومثل هذه المواقف المجحفة في حق المرأة تضع المسلمين أمام سخرية الواقع والتاريخ عبر عنها الدكتور خالص جلبي في قوله ( من هزم العرب أجمعين في حرب 1967 كانت امرأة إسرائيلية اسمها جولدا ماير. والعصر الذهبي في بريطانيا يدين للملكة فكتوريا، ومن هزم الإسبان وأباد أعظم قوة بحرية في معركة الأرمادا عام 1587م كانت اليزابيث الأولى، ومن هزم الأرجنتين في حرب الفوكلاند كانت (تاتشر) البريطانية، السيدة الحديدية كما لقبت، ومن القارة الهندية نسمع عن سونيا وحسينة وانديرا غاندي)( "الشرق الأوسط" 7 أبريل 2005) . وبسبب هذه الأعراف صاغت كثير من الدول العربية قوانينها لمنع المرأة من التصويت والترشيح في الانتخابات المحلية والتشريعية . فقد شهدت الكويت جدالات ساخنة أجلت مشاركة المرأة في العملية السياسية عقودا ، حيث كرست القوانين المطبقة في الكويت إقصاء المرأة وحرمانها من حق المشاركة السياسية ، إذ نجد المادة الأولى من القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخاب أعضاء مجلس الأمة الكويتي تنص على التالي: ( لكل كويتي من الذكور بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية وفقاً لحكم المادة (6) من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 م). كما اعتبر الدكتور محمد البصيري الناطق باسم الحركة الدستورية الإسلامية أن الفتوى التي أصدرها الدكتور القرضاوي علي هامش مؤتمر تحرير المرأة الذي عقد بالقاهرة في 22/2 /2003 والتي قال فيها "إن عدم السماح للمرأة الكويتية بالمشاركة في الحياة السياسية غير مبرر شرعا وهو نوع من كتمان الشهادة ) اعتبرها في غير وقتها وغير محلها. ونفس الموقف اتخذه أحمد الشريعان لما اعتبرها ( لا تخص الكويتيين بل تخص القرضاوي نفسه) ، مشيرا إلى أن هناك فتاوى كثيرة مشابهة ولكن العادات والتقاليد الكويتية تتعارض مع إعطاء المرأة حقوقا سياسية. إذن الأعراف والتقاليد أقوى من الدين والشريعة . لهذا السبب جاءت النتائج النهائية في الإجابة عن السؤال الذي طرحته قناة العربية في برنامجها " استفتاء على الهواء" : هل تؤيد وصول المرأة العربية إلى مناصب قيادية؟ جاءت النتائج كالتالي الأغلبية يقولون: لا نؤيد 58% الأقلية يقولون نعم نؤيد 42 % . إذن أغلبية الشارع العربي هي ضد أن تتولى المرأة مناصب قيادية . إن هذه الوضعية عكسها تقرير الاتحاد البرلماني الدولي لهذه السنة الذي أظهر أن نسبة النساء أعضاء البرلمانات العربية تمثل الأسوأ في العالم . وإذا كان المغرب قد تدارك الوضعية باعتماده نظام الكوطا الذي يخصص نسبة 10 في المائة على الأقل من المقاعد البرلمانية للنساء ، فإن دولا أخرى إما تمنع النساء من المشاركة بحكم القانون أو بقوة السلاح كما يحدث في العراق أو أفغانستان ، إذ صرحت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في 5 أكتوبر 2004 أن أمراء الحرب وطالبان يقوضون جهود النساء في العملية السياسية من خلال الهجمات والتهديدات المستمرة. طبعا ليس كل القرارات السياسية تتغذى على الأعراف ، بل منها ما يعيد للمرأة كرامتها ويضمن حقوقها . وخير مثال على هذا ، القرارات الجريئة التي اتخذها جلالة الملك سواء فيما يتعلق بمدونة الأسرة التي تأسست بنودها على مبدأ المساواة ، أو تلك المتعلقة بإقرار حق المرأة المغربية في منح جنسيتها لأطفالها من أب أجنبي . الأمر الذي مكن المغرب من رفع تحفظاته على عدد من الاتفاقيات الدولية . ويعود الفضل في ذلك ، كما جاء في بلاغ وزارة العدل ( للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى استكمال بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي يجري تفعيله من خلال الإنجازات التي تم تحقيقها على العديد من الأصعدة الاجتماعية والمؤسسية والقانونية لتنمية ثقافة المواطنة الحقيقية وتكريس مبادئ حقوق الإنسان وتجسيد المساواة بين الرجل والمرأة ) . وبالفعل ، فإن مثل هذه القرارات والإنجازات ساهمت في صنع رأي عام يقبل بمشاركة المرأة في الحياة السياسية . وهذا ما كشف عنه اللقاء الإخباري الذي نظمته جامعة الحسن الثاني يوم 7 مارس الجاري لتقديم مضامين البحث الوطني حول القيم ، حيث عبر 82 بالمائة من المستجوبين عن استعدادهم للتصويت لصالح المرأة إذا ترشحت للانتخابات في دوائرهم . من هنا يمكن الخلوص إلى أن الإرادة السياسية هي قاطرة كل تغيير في أوضاع المرأة وأوضاع المجتمع .www.saide.c.la

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات