أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماهر رزوق - سيكولوجية الوصاية الأخلاقية














المزيد.....


سيكولوجية الوصاية الأخلاقية


ماهر رزوق

الحوار المتمدن-العدد: 5989 - 2018 / 9 / 9 - 23:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قال مارك توين (كاتب أمريكي) ذات مرة : " بالنسبة لشخص يحمل مطرقة كل شيء يبدو مسماراً "

أردت أن أبدأ كلامي بهذه المقولة لأنها تلخص كثيراً من المحاكمات الأخلاقية التي نعتمدها في حياتنا اليومية ، و التي تحكم علاقاتنا باعتبارها دستوراً غير قابل للنقاش (من وجهة نظر حامل المطرقة) ...

لنتساءل الآن :
لماذا يظن البعض أنهم أكثر أخلاقية من الآخرين ؟؟
و لماذا يظن هؤلاء أنفسهم أنهم يحملون مسؤولية تطبيق هذه الآخلاق و محاسبة الآخرين الذين لا يطبقونها !!؟

و للإجابة عن هذه الأسئلة ، التي تسهل فهم فكرة الوصاية الأخلاقية ، علينا أن نحتكم بالتأكيد لعلم النفس ، الذي تقدم بشكل ملحوظ مؤخراً ، و أجرى العديد من التجارب التي تؤكد نظرياته الموضوعة ...
و في هذا السياق نتطرق إلى التجارب التي قام بها عالما النفس الأمريكيان (لورنس كولبرج) و (إليوت توريل)
حيث عمد الإثنان إلى دراسة العملية الأخلاقية من خلال تجارب أجروها على الأطفال ، لمعرفة منشأ الأخلاق ، و فهم كيف يتطور الفهم الأخلاقي مع تقدم العمر !!
و في إحدى التجارب الأولية قدم للأطفال (في مرحلة عمرية معينة) كوبان متشابهان بالحجم و الشكل ، أحدهما مليء بالماء و الآخر فارغ ... و عندما كان القائم على التجربة ينقل الماء من كوب إلى آخر ، كان الأطفال يضحكون ظناً منهم أن الأمر مجرد لعبة ، فلم يكونوا يبدون أي استغراب ...
أما عندما قدم لهم كوبان مختلفان بالشكل و متشابهان بالحجم ، و تمت عملية نقل الماء بينهما ، كان الأطفال يتوقفون عن الضحك و اللعب ، و يبدون استغرابهم عن كيفية حصول ذلك !!
و عندما حاول الأهل أن يشرحوا الأمر لأطفالهم ، لم يستوعبوه إطلاقاً !!
و استنتج علماء النفس هنا ، أن هناك بعض المحاكمات العقلية التي لا يمكن شرحها للإنسان ببساطة ، و إنما فقط يتعلمها مع تقدم العمر بالتجربة و الاختبار !!

و في تجربة أخرى ، سُئل لأطفال (في مرحلة عمرية أخرى) إذا ما كان القدوم إلى المدرسة دون ارتداء الزي الرسمي ممكناً ؟؟
فأجاب الجميع أنه غير ممكن ...
و عندما سُئلوا عن إمكانية القدوم بدون الزي الرسمي في حال قال المعلم أن ذلك مسموح ؟؟
فقال الجميع أن ذلك بالطبع ممكن !!

وافق الأطفال بدون تفكير و تحليل على ما يوافق عليه المعلم ، فهم يعتبرون أن كل شخص راشد هو الأقدر على المحاكمات العقلية و هو يمتلك القدرة على تمييز الصح من الخطأ ، فكيف إذا كان ذلك الراشد معلماً !!

و لكن في تجربة أخرى ، عندما سُئل الأطفال إذا ما كان ممكناً أن تدفع إحدى الفتيات صبياً و تأخذ مكانه في الأرجوحة ؟؟
أجاب الجميع : بلا طبعاً غير ممكن !!
و عندما سألوهم إذا ما كان ذلك ممكناً بموافقة معلم المدرسة ؟؟
انقسمت آرائهم ، فبعضهم قالوا ممكن و بعضهم قالوا غير ممكن !!

و هنا استنتج العلماء أن الفعل الذي يتسبب بالأذى للآخرين ، سيكون غير مقبولاً حتماً عند أغلب الناس ، حتى لو وافق عليه الراشدون و المعلمون و الأكثر علماً و معرفة !!

أما بالنسبة للوصاية الأخلاقية ، فتبدو واضحة في تجربة أجريت أيضاً على الأطفال ، حيث سألوا فتاة إذا ما كان واجبها أن تخبر أمها عن تصرفات أختها المخالفة للقوانين المنزلية ؟؟
فكانت إجابتها : نعم طبعاً !!
و سألوها مرة أخرى نفس السؤال مع إضافة فكرة أن وشايتها قد تودي بأختها إلى العقاب الشديد من أمها ؟؟
و هنا ترددت الفتاة الصغيرة بالإجابة و أخذت تحلل الموقف !!
فعندما يحتوي الأمر على أذية جسدية أو نفسية ، فإن القرار يصبح غير حتمي و يعاد التفكير فيه !!

و في تجارب أخرى أجريت ، تبين للعلماء أن أخلاق الأطفال تتغير عندما يكبرون و يتبعون تقاليد مجتمعاتهم و إيديولوجياتها ... فيتحول أحياناً الخطأ إلى صواب و الصواب إلى خطأ ... فحتى الأذى يصبح مقبولاً في مواقف معينة ، و قد يصل الأمر إلى تقبل فكرة قتل إنسان !!

و هنا أود أن أطرح مثالاً واقعياً و شخصياً ، حصل معي مؤخراً ، حيث تم منع روايتي (صوت الغريب) في معرض اسطنبول ، بسبب وشاية تقدم بها أحدهم لإدارة المعرض ، بأن الرواية تتضمن محتوى جنسي يضر بالمجتمع و يدعوا الشباب إلى الانحراف الأخلاقي !!
و كذلك توجه البعض بالنصائح لموزعي الرواية في اسطنبول كي يتوقفوا عن توزيعها ، و ذلك كنوع من المزاودة على الآخر أخلاقياً ، و ممارسة الوصاية على مجتمع هم أنفسهم يعرفون أنه _و بإحصائيات عالمية_ الأكثر بحثاً عن الجنس في الانترنت و الأكثر احتواءً للتحرش الجنسي و الاغتصاب و زواج القاصرات !!
فما الذي ستفعله رواية بسيطة ، حاولت فقط أن تلقي الضوء على حالات جنسية منتشرة و بكثرة !!؟
و هؤلاء أنفسهم يعلمون أن فعلتهم هذه قد تسبب الأذى المادي لدار النشر و كاتب الرواية ، و لكنهم مع ذلك أقدموا على فعلتهم و يصرون عليها ...

و هنا أتساءل : هل أن الإنسان يولد و في عقله بوصلة أخلاقية توجهه إلى الفعل الصحيح ؟؟
أم أن هذه البوصلة تزرع في ضميره من خلال عملية التربية ؟؟
أم أن التربية قد تشوه (أحياناً) ضمائرنا و تغير طريقتنا في المحاكمة العقلية لتحديد الصواب و الخطأ ، و تجعلنا نتقبل الأذية للآخرين دون أدنى إحساس بالذنب !!؟



#ماهر_رزوق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية محمد الماغوط
- فلاسفة العرب المعاصرون , حقيقة أم وهم ؟؟
- الأثر الاجتماعي و السياسي على النص الديني
- رسالة حبّ
- قصيدة : انتصر ...
- ترويض الشعوب
- الحرية ذات القطب الواحد و الحرية المطلقة
- مقطع من روايتي : الصوت الغريب
- التعليم في المجتمعات المتخلفة
- عقدة النقص بين الاستلاب الديني و السياسي
- ثقافة الفضيحة وهشاشة المجتمعات المتخلفة
- قصيدة : الظهور الأخير
- تساؤلات ضرورية (3)
- ثقافة العيب و علاقتها بالخضوع السياسي
- هذه الأنظمة من هذه الشعوب ...
- فادي عزام : خسرت البوكر و ربحت قلوبنا
- العصبية و الخطر الوجودي
- جرأة الرواية العربية المعاصرة
- التمرد أم الثورة ... أيهما أجدى ؟؟
- السلوك العنيف وعلاقته بالتخلف


المزيد.....




- أول تعليق لترامب عن المحادثات المباشرة مع -حماس-: نحن لا نعط ...
- زيلينسكي: سألتقي بولي العهد السعودي الأسبوع المقبل
- ترامب: أريد بدء محادثات نزع السلاح النووي مع روسيا
- ألمانيا: سجن خمسة أشخاص بتهمة التخطيط للإطاحة بالحكومة
- حظر تجول في الساحل السوري بعد مقتل 16 من قوات الأمن
- مبعوث ترامب عن الخطة العربية حول غزة: -خطوة حسن نية أولى-
- أردوغان: تركيا وقفت بشجاعة إلى جانب الفلسطينيين رغم ضغوط الل ...
- مظاهرة في السويداء رفضا لدخول قوات الحكومة السورية الانتقالي ...
- ترامب يجيب على سؤال عن زمان ومكان لقائه المنتظر مع بوتين
- الشيباني يتحدث من مكة المكرمة عن تهديدات تتعرض لها سوريا تؤث ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماهر رزوق - سيكولوجية الوصاية الأخلاقية