أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ















المزيد.....

دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 427 - 2003 / 3 / 17 - 02:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



إضاءة سودانية، بقلم: كمال الجزولي

تشكل أحداث دارفور بغرب السودان مؤخراً مناسبة جديدة لاستجلاء أحد أهم ملامح أزمة النخبة الاسلامية القائدة لهجين السلطة الاجتماعى والسياسى، كونها استكفت، على ما يبدو، بذاتها تماماً، وأضحت ناجزة بمجرَّدها كلياً، فتوطنت، نهائياً، في حالة فريدة من الامتناع الصارم عن الاصغاء لأى صوت ناقد، أو ناصح، أو مجرَّد مُنبِّه من خارج مواقع الولاء المطلق لأيديولوجيتها وبرنامجها تحت عنوان المشروع الحضارى، ولو من باب النظر في حكمة أخرى قد تقع لها، فتجد فيها ضالتها، بصرف النظر عن مصدرها! وقد أضاعت، بسبب انغلاقها على هواجسها الأمنية المتناسلة وحدها، كل فرصة للتدبر خارج هذه السيكولوجية المعكرة،
فعجزت حتى عن الخلود، بمحض إرادتها، إلى مراجعة واجبة، تستبعد ما قد يكون ثبت خطؤه أو سقط بالتقادم، وتستصحب ما قد يجود به الواقع من معطيات وحقائق لم تكن في الحسبان.
من تلك الفرص الضائعة ما وفره صوت النذير، من مختلف مواقع الخصومة والولاء، بأن الأوضاع المتردية ليست وقفاً على الجنوب وحده، وإنما تشمل سودان الهامش كله، غربه وشرقه وشماله وربما حتى وسطه، بل خرطومه نفسها، أو بالأحرى حزامها ، على تفاوت طفيف في الحظوظ، بينما شريحة طفيلية تحسب على أقل من أصابع الكف الواحدة، تمارس من الشراسة في المراكمة الأولية لرأس المال ما كان يجرى في أوروبا قبل 500 سنة، سوى أن تلك تحولت إلى مصانع ومنشآت إنتاجية هزمت الاقطاع وصعدت بمجتمعاتها إلى طور أرقى، بينما هذه تضارب في العملات، والسمسرة، وغسيل الأموال،
وكل ما هو غير منتج، ومع ذلك تستأثر بالخير كله حتى قالت البيانات الداخلية والعالمية أن نسبة من يعيشون تحت خط الفقر بلغت 96%، وتوسع المال العام نهباً حتى قال المراجع العام أن 80 مليار دينار قد تم الاعتداء عليها من خزينة الدولة خلال العام 2002م فقط! بحت في الحديث عن ذلك أصوات سياسيين، وأكاديميين، وصحفيين، وكتاب، وناشطى منظمات مدنية. ليسوا كلهم معارضين، بل فيهم من ابتدر الانقلاب بالترحيب، بل فيهم حتى من شارك في التخطيط له، وتنفيذه، وبناء مؤسساته، وحزبه الحاكم.
ولم يعُد خافياً أن ما أفردته النخبة لدارفور من نصيب في مشروعها الحضارى هذا، طوال سنواته الأربع عشرة الماضية، لا يعدو بضعة تدابير أمنية لترسيخ نفوذ السلطة بفرض كيانات إدارية غريبة على الاقليم، وإضعاف إداراته الأهلية بدلاً من ترشيدها، واستغلال تباينات قبائله إثنياً وديموغرافياً، وحراكات النزوح العشوائى غير المنظم عبر الحدود، وخلخلة الأعراف التى تشد أعمدة الحياة وهياكلها وبنياتها، مما لا يجرؤ على استهدافه بمثل هذه الجزافية سوى متجانف لهلكة.
وفي ما عدا ذلك فقد ترك الاقليم تحت رحمة التدهور البيئى بفعل الجفاف والتصحر، والضيق المتزايد في الرقعة الزراعية والرعوية، والاختلال في الكثافة السكانية والحيوانية، والصراع حول ملكية الأرض وحيازتها بين الرعاة ومعظمهم من الفور والزغاوة والمساليت المدقعين، والمزارعين وأغلبهم من العرب المقتدرين نسبياً، أو، بالأحرى، الاعتداءات المتواصلة، والتى لا تخلو من شبهة السند الرسمى، من جانب مليشيات العرب الجنجويت على أولئك الرعاة، قتلاً وسبياً ونهباً، ثم جاءت، من فوق ذلك كله، تجارة السلاح غير المرخص ضغثاً على إبالة، لتكشف عجز الدولة الكامل عن إطفاء حرائق الصراع القبلى التى أشعلتها بسياساتها العوجاء، وخططها التى غابت عنها التنمية تماماً، من جهتى الموارد البشرية والاستثمار المادى. حتى طريق الانقاذ الغربى الذى دفع فيه مواطنو الاقليم دم قلبهم، على مدى سنوات متطاولة، أضحى أحجية ماسخة يتناقلها رواة الفشل حيناً، ورواة الفساد حيناً آخر.
وكان طبيعياً أن يحفر ذلك كله أخاديد عميقة من المرارات في النفوس، ومن الشعور بالظلم والغبن والضغينة والبغضاء، مما أفضى بالفور للتسلح، بدورهم، والتمترس في سفح جبل مرة ، للانتقام، في البداية، لمقتل ذويهم وحرق قراهم ونهب ممتلكاتهم الشحيحة. لكن حركتهم، تماماً كما في الحكاية الأفريقية المأثورة من بيافرا إلى جنوب السودان، سرعان ما تسيَّست تحت قيادة نفر من أبنائهم أعلنوا عن بعض الاجراءات، على رأسها تكوين حركة وجيش تحرير دارفور! هكذا انبجس دِمِّلٌ جديد في خاصرة الوطن، الله وحده هو الذى يعلم متى وكيف سيبرأ! لقد توفر للحكومة، لو كانت تصغى دون هواجس أو تنظر بلا غشاوة، ما لا حصر له من التحذيرات والتنبيهات. يسطع منها الآن في الذاكرة قول أحمد ابراهيم دريج، زعيم التحالف الديمقراطي، للفضائية السودانية قبل شهور طويلة: إنتبهوا لما سيحدث في دارفور خلال الأيام المقبلة!
وكذا حديث محمد ابراهيم نقد، السكرتير العام للحزب الشيوعى لصحيفة «البيان»، في الحوار المشهور الذى أجرته معه من مخبئه قبل شهور أيضاً، حيث دعا لماشاكوس أهلى ولو على سبيل البروفة لماشاكوس دارفور منهياً دعوته بقوله: ولا أمزح! وإلى ذلك حديث المثقف الدارفورى المستنير والمستقل الأستاذ عبد الله آدم خاطر بصحيفة «الرأى العام» السودانية في 1102002 عن البنية المعزولة التى أسسها الاستعمار وعززتها قوى الهيمنة المركزية على سياسات فرق تسد ـ حفظ الأمن ـ التبعية للمركز دون النظر باهتمام لمبدأ التنمية أولاً! ثم ها هو الأستاذ الفاتح التيجانى، الذى لا يستطيع أحد أن يتهمه بمجرد التعاطف مع أحزاب المعارضة،
يقول ما ظلت تقوله نفس هذه الأحزاب منذ أن كانت تحضر لعقد المؤتمر الدستورى الجامع الذى قطع الطريق أمامه انقلاب الاسلاميين، وذلك من موقعه المستقل أيضاً: مشكلة السودان لا يحلها إلا مؤتمر جامع يضم كل أصواته وجهاته واتجاهاته، يعكف على توصيفها وتشريح أسبابها. ووصف الدواء الذى لا بد أن يتجرعه الجميع «الرأى العام» 232003.
ولكن الحكومة استعصمت، للأسف، بأوهامها حول نفسها، وشكوكها في سواها، فسدَّت أذناً بطينة وأخرى بعجينة، حتى انفجر الوضع بأسره في وجهها، فعادت تعالجه بمناهج جدتنا البصيرة أم حمد التى قال لها قومها، في الحكاية الشعبية، إن العجل حشر رأسه في إناء العجين الفخارى ولا يستطيع إخراجها، فنصحت بقطع رأس العجل، وبعد أن فعلوا فوجئوا بأن المشكلة لا تزال قائمة، فنصحت بكسر الاناء.  

البيان 12 مارس 2003



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ