|
رحلة ألنبي محمد من ألتصوف إلى إلى ألنبوة
كامل علي
الحوار المتمدن-العدد: 5987 - 2018 / 9 / 7 - 12:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إكمالا لمقالاتي المنشورة في الحوار المتمدن حول التصوف والنبوة سأحاول في هذه المقالة تطبيق ألأفكار الواردة في تلك البحث على رحلة ألنبي محمد من مرحلة ألتصوف إلى مرحلة ألنبوة مرورا بمرحلة ألتألهن بالإستعانة بآيات القرآن وألأحاديث ألنبوية وسيرة ألنبي محمد. النبي محمد مر بثلاثة مراحل في رحلته من التصوف نحو النبوة: 1- مرحلة ألتصوف: التي بدأت بتأمله في الوجود والأسئلة الوجودية، من أين جئنا؟ ومن خلقنا؟ وما مصيرنا بعد الموت؟ وبعد إطلاعه على عقائد الديانات الإبراهمية السابقة التي كانت منتشرة في محيطه (اليهودية والمسيحية) عن طريق الأحناف كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة الايادي و أبو قيس صرمة بن أبي أنيس، وهو من بني النجار أهل يثرب، أنسباء البيت الهاشمي. ومنهم أيضاً ورقة بن نوفل الذي قال عنه الألوسي أنه ممن وحد الله ، وترك الأوثان وسائر أنواع الشرك ، واجتهد في طلب الحنيفية دين إبراهيم ، ثم تنصر ، لكنه لم يتبع النصاري في التبديل ، وظل موحداً وقد سأل رسول الله عن ورقة فقالت له خديجة: "إنه كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر ؛ فقال رسول الله: رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ، ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك" (1). يذهب ( الدكتور جواد علي ) إلى افتراض أن تكون عقيدة حنفاء مكة التي نادى بها عبد المطلب بن هاشم ، بعد سبعة قرون : امتداداً لحنيفية رحمن اليمن، رب السماء ذوي سموي ويلمح إلى ذلك في قوله عن أحناف مكة : " لا نستطيع أن نقول إنهم نصارى أو يهود ، إنما أستطيع أن أشبه دعوة هؤلاء بدعوة الذين دعوا إلى عبادة الإله رب السماء ذوي سموي ، أو عبادة الرحمن في اليمن " (2) . بدأت ألرحلة ألتصوفية للنبي محمد في مكة بإعتكافه في غار حراء وتأملاته فيه حول الوجود والكون، تقول عائشة زوجة النبي محمد : "ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ" (3). إنّ جميع مقامات الصوفية وأحوالهم والتي هي موضوع التصوف أساسًا مستندة إلى شواهد من القرآن الكريم. في أدناه ألآيات من القرآن التي تُشير إلى المقامات والأحوال ألتي مر بها النبي محمد وجميع ألمتصوفة في رحلتهم التصوفية: - مجاهدة النفس التي هي بداية الطريق إلى الله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)...العنكبوت:69، والآية: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)...النَّازعات:40-41، والآية: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)....يوسف:53. - مقام التقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)...الحجرات:13. - مقام الزهد: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى)...النساء:77، والآية: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)...الحشر:9. - مقام التوكل: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)...الطَّلاق:3، والآية: (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ)...التوبة:51. - مقام الشكر :(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)...إبراهيم:7. - مقام الصبر: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ)...النحل:127، ومثل: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)...البقرة:155. - مقام الرضا:(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)...المائدة:119. - مقام الحياء: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى)...العلق:14. - مقام الفقر:(لِلْفُقَرَاءِالَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ)...البقرة:273،والآية :(وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفُقَرَاءُ)...محمد:38. - مقام المحبة المتبادلة بين العبد والرب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)...المائدة:54. - التقوى، والتخلق، والإلهام: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)...البقرة:282، والآية:(فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّاعِلْمًا)...الكهف:65. - الأحوال: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)...السجدة:16. - الرجاء: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآَتٍ)...العنكبوت:5. - الحزن: (وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ)...فاطر:34. - الذكر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)...الأحزاب:41. - الولاية: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)...يونس:62. - الدعاء:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)...غافر:60، والآية: (أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)...النمل:62. - فناءالدنيا وضرورة الزهد فيها: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ)...الحديد:20. والآية (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ أولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)...يونس:7-8. والآية (فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآَثَرَالحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)...النَّازعات:37-41.
ويصوّر القرآن طبيعة الإنسان في الميل إلى شهوات الدنيا، في الآية: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)....الأعلى:14-17، والآية (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ وَلَاتَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا)...الفجر:17-20.
ويمتدح القرآن حال العباد المقبلين على الله في الآية: (التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآَمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ)....التوبة:112، والآية (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)...السجدة:15-16.
إن مبادئ التصوف نجد لها أساسًا في الآيات التي وردت في القرآن،وفي آيات أخرى أيضًا، نجد أصول التصوف مثبوتة فيها، كالآية: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ البَصِيرُ)...الشُّورى:11، والآية: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ...الذاريات:50. والآية: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ...الحديد:3،والآية: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّاوَجْهَهُ) ...القصص:88، والآية: (اللهُ نُورُالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ...النور:35.
وفي القرآن ورد الخلاف بين عالم الظاهر وعالم الباطن في قصة ما دار بين الخضر وبين موسى من خلاف وحوار: (فَوَجَدَا عَبْدًامِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّاعِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّاعُلِّمْتَ رُشْدًا)، وكذلك قول الخضر: (وَمَافَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)... سورةالكهف من الآية: 65، إلى: 82.
2- مرحلة ألتألهن: إنّ التطمينات التي يحصل عليها المتصوف من تجميعه لبعض الأحداث والمصادفات ستجعله على يقين تام من إلوهيته، ما يدفعه تجاه قبول بتعريض هذه الألوهية للإختبارات المباشرة، وهنا تقع الأزمة، فهذه الألوهية ولأنّها وهمية غير قابلة للإختبار وخاصة الإختبارات غير الممكنة، كما هو الحال عندما يسعى الصوفي ( المتألهن ) إلى خرق نواميس الطبيعة فلا يفلح، وهنا تتصدع الإلوهية شيئا فشيئا، ويعود الإنسان لإدراك حقيقة ضعفه ومقدار الوهم الذي وقع فيه وهو يعتقد بأنّه ألله، ما يوقعه بحزن كبير، وقلق عارم. وحتى لو أنّ الصوفي ( ألمتألهن ) لم يُعرض إلوهيته للإختبار فإنّ حال ( التألهن ) هذا لا يمكن له أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولابد من أن ينتهي، لأنّ ضغط الواقع يمنع أي إنسان صحيح الذهن من أن يعيش داخل خياله ومهما كان هذا الخيال جامحا. فيخرج الصوفي من غيبته في ألله التي لا يرى فيها لا الوجود ولا نفسه، إلى بقائه في ألله حيث يرى كل الأشياء ولكنه يراها في ألله وهو ما يُسمى بوحدة الوجود. إنّ حال الفناء وإن كانت قصيرة جدا فإنّها تفتح الباب على رحلة خطيرة جدا من رحلات الوعي، إذ يشعر الإنسان خلالها بنحو من أنحاء التالهن، ويطغى عليه شعور غريب بأنّه أقرب إلى الله منه إلى الإنسان.. وهنا أيضا تتأسس القاعدة التي يمكن أن تكون منطلقا لإدعاء النبوة فيما بعد". إنّ الإنتقال من حال الفناء بالله إلى حال البقاء به لا يتم دون أن يكتشف الفاني بأن فناءه عبارة عن فكرة غير واقعية، خاصة بعد أن تضطره حاجاته الإنسانية إلى الإقرار بأن الالوهية شأن لا يمكن بلوغه. ومن هنا يعترف بحجم الوهم الذي أوقعه بالفناء الذي أوصله لإدعاء الألوهية.
في أدناه ألآيات من القرآن الكريم التي تُشير إلى مرحلة ألتألهن ألذي مر بها ألنبي محمد: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ...الحديد:3. ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ... الانفال 17. (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).... الأحزاب 36. في صحيح مسلم كتاب الإمارة ” من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ” (لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)... الفتح 9. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .... الأحزاب 56.
3- مرحلة ألنبوة: لا يتخيل الصوفي أنّ طريقه الذي هو سائر عليه سيقوده رغما عنه إلى النبوة. وأنّ تلك النبوة ستقتل جميع أسئلته الصاخبة. فالصوفي لا يعرف مغزى النبوة إلا بعد أن يتوحد مع الحقيقة وينطق بإسمها، متدرجا بأحوال التوحيد الثلاثة، توحيد الأفعال، توحيد الصفات، توحيد الذات. وعندها سيؤمن بأنّ الحقيقة واحدة، وأن ليست هناك مشاهد عدَّة، بل مشهد واحد وفاعل واحد وذات واحدة. هذه المعرفة خطيرة ومتعبة وصادمة بنفس الآن. لذلك لا يسمع الصوفي ومهما تكاثرت من حوله الأصوات إلا صوت الحقيقة التي سيجد بأنها تكلمه من خلال جميع الموجودات، البشر الحيوانات الجمادات .. كلها تتكلم بكلام واحد، كلام ألله، الكلام المنطلق من ذات تجاوزت الإختلافات لتقع على سر التشابه الذي يؤدي إلى الوحدة الكاملة. وهكذا تنطلق النبوة أول ما تنطلق. بعبارة أخرى : للتوحيد مغزى آخر، فعندما يسقط الصوفي بحال التوحيد وتتحد أمامه الموجودات، فهنا سيتعين عليه أن لا يفرق بين موجود وموجود، لا تعود هناك مستويات في الوجود ولا أجزاء، بل كلٌ متحد يظهر بمظاهر مختلفة، فإذا حدث وأن سمع هذا الصوفي وهو مستغرق بأحد مستويات الفناء خطابا ما فإنّه سيعتبره خطابا من ألله، فليس ثمة أمامه غير ألله يقول ويفعل ويريد. بعد التحقق بحال البقاء، يعود الصوفي إلى الإيمان بأهمية فعالياته، ولذلك يتحول الكثير من الصوفية تجاه الإصلاح الإجتماعي، ومحاولة التأثير بالناس مستخدمين المعارف التي حصلوا عليها والتي تكشف لهم مقدارا كثيرا من الأوهام الدينية التي يقع بها الناس بسبب أخطاء الفقهاء بفهم الأديان. مرحلة العودة إلى الفعاليات الإصلاحية، هي التي دفعت الأنبياء إلى التبشير برسالاتهم، بإعتبار أنّ الرسالات جميعها محاولات لإصلاح ما فسد من الأديان السابقة. هذه أولى عتبات النبوة، فإذا تحقق هذا المستوى سيتبعه ولا شك مستوى آخر وهو مستوى الإنتقال من الخطاب الخارجي إلى الخطاب الداخلي. بعبارة أخرى : إذا آمن الصوفي بأنّ أحاديث الآخرين هي أحاديث ألله، فمن باب أولى أن يؤمن بأنّ أحاديثه هو نفسه تجل لأحاديث ألله. وهكذا يتدرج بالإنطواء على ذاته والإستماع لصدى تأملاته والتعامل مع هذه التأملات بإعتبارها إلهامات أو إيحاءات ربانية. في أدناه ألآيات من القرآن الكريم التي تُشير إلى مرحلة ألنبوة: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) .... النجم : 3-4. (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ)... آل عمران 68. (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ... الأعراف 157. (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ) ...الأعراف 158. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)... الأنفال .64 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ...الأنفال 65. (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)... آل عمران 144. مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ... الأحزاب 40.
نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى.
الهوامش: (1) الألوسي : بلوغ الأرب ، ج2 ، ص 272 (2) د . جواد علي : المفصل ، ج5 ، ص 59 (3) البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (160). .
مصادر البحث : - ألتصوف وألنبوة - مقالات في الحوار ألمتمدن....... كامل علي. - هتك الأسرار – تحولات فكرية في العلاقة بالدين والمقدس ....... سعدون محسن ضمد. - ألقرآن. - الأحاديث النبوية.
#كامل_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
-
تأملات في ألوجود وألدين - ألجزء ألأول
-
تأملات في ألوجود وألدين - ألجزء ألثاني
-
قصور صدّام حسين وعمليّة الاختطاف
-
كتاب لعنة ألذهب ألأسود
-
لعنة الذهب الاسود – 31 – ألخاتمة
-
لعنة الذهب الاسود – 30 – ألأحداث في كركوك-5
-
لعنة الذهب الاسود – 29 – ألأحداث في كركوك-4
-
لعنة الذهب الاسود – 28 – ألأحداث في كركوك-3
-
لعنة الذهب الاسود – 27 – ألأحداث في كركوك-2
-
لعنة الذهب الاسود – 26 – ألأحداث في كركوك-1
-
لعنة الذهب الاسود – 25 – ألإنتفاضة-1
-
لعنة الذهب الاسود – 24 – غزو الكويت-3
-
لعنة الذهب الاسود – 23 – غزو الكويت-2
-
لعنة الذهب الاسود – 22 – غزو الكويت-1
-
لعنة الذهب الاسود – 21 – قصور صدام حسين في سرسنك
-
لعنة الذهب الاسود – 20 – الجيش الشعبي
-
لعنة الذهب الاسود – 19
-
لعنة الذهب الاسود – 18- لقاء مع صدام حسين
-
لعنة الذهب الاسود – 17
المزيد.....
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|