|
بين أمي .. وفيروز .. والإنقلاب .. شدة وفرج
يحيى غازي الأميري
الحوار المتمدن-العدد: 1507 - 2006 / 4 / 1 - 02:03
المحور:
كتابات ساخرة
تأتي كلمات أغانيها ، محمولة عبر الاثير ، ممزوجة بلحن الطيور ونسمات الربيع ، أشعار تذوب بالألحان ، تتمايل الابدان لها طربا ً ، فتزيد النشوة والهيام ، فيروز سحر الصباح وعطره الفواح ، بين لسعات برد الصباح ، وسماعي صوت فيروز كل صباح ، كان يفصلني وقت قصير جدا ً ، اعتدت هكذا أسمعها كل يوم قبل الذهاب للدوام ــ كنت اعمل موظفا ً في مزرعة الصويرة ــ فمع حلاقة ذقني وتناول الفطور .... يأتيني صوت فيروز منسابا ً من المذياع ، فيعطني جرعة الصباح للعمل والاستمتاع !! كنت قد جمعت العديد من أشرطة التسجيل ( الكاسيت ) لاغاني فيروز ومسرحياتها ، وكلما أحتجت للراحة والمطالعة الهادئة استمع لفيروز ، فأغانيها تحوي ثلاث اشياء مفيدة مجتمعة معا ً ( اللحن الجميل الخلاب والصوت الساحر الشجي والكلمات المفيدة الرصينة ) ، فهي مهدىء جيد و منعش ، يسر النفس ويجلب البهجة . في منتصف عام 1978 أشتدت حملات السلطة البائدة ضد القوى الوطنية واليسارية بشكل كبير متخذة ً كافة وسائل الضغط والترويع لاجبار الناس على الانضمام لحزب السطة الحاكم ، في تلك الأيام كانت حالة القلق والفزع مسيطرة علينا وعلى أجواء البيت ، كانت أمي ( تلوج) معنا .... تخاف علينا .... تكمد حزنها وخوفها ومعاناتها ، ليس بيدها فهي ( الأم ) !!! كنت أسمع مسرحية فيروز ( الانقلاب )1 خطرت لي فكرة وهي ان أمزح معها ( أقصد أمي ) وأكسر من طوق الرعب الذي يلف جو المنزل . فمسرحية فيروز ( الإنقلاب ) تحتوي على تعليق يبدأ هكذا بيان ( رقم واحد ) ومارشات عسكرية ثورية وتتخللها بيانات ونداءات ، انه الجو العام الذي يرافق الإنقلاب ، أخترت التوقيت المناسب للتنفيذ، بعد ان عمدت منذ الصباح على أسماعها بعض الحكايات عن الإنقلاب وهو الذي يفرج عـنا هذه الشدة ويخلصنا من هذا الوضع المخيف و التعيس . وضعت ( جهاز التسجيل ) في مكان مخفيٍ وراء المذياع وقبل ان ينهي المذيع نشرة الاخبار ، أخفضت صوت المذياع وأدرت كاسيت الإنقلاب ، وذهبت من أمامها بحركة توحي اني سأجلس في الغرفة المجاورة لها لغرض أريد القراءة ، كانت أمي تجلس لوحدها منهمكة بعمل يدوي أعتادت عليه في أوقات فراغها ــ تغزل خيطا ًرفيعا ًجدا ً من الصوف لغرض ان تعمل منه عباءة رجالية لوالدي ــ اخذت أراقبها ماهي الا لحظات ، ما ان سمعت أمي صوت المذيع يذيع ( بيان رقم واحد ) بديباجته المعتادة ( بعد الإتكال على الله ....... ) ويتبع البيان بالمارشات العسكرية حتى ، وضعت ما بيدها جانبا ًو صاحت بأعلى صوتها : ( إلحك يحيى ... يمه يحيى إلحك .... تعال بالعجل ) ( تعال أسمع ) كررت ذلك بسرعة وصوت عال ِ يبدو عليه اللهفة ويشيع منه الترقب !!! دنوت منها ، وجدتها مشدوهة ، لكن وجهها مستبشر ً فرح ً لا يسعها الا ان تزغرد وهي تقول ( أسمع ....... أسمع) وهي تشير بيدها للمذياع ..... صمت برهة ثم .... وقبل أن ينقلب الوضع ، أخبرتها سريعا ً بما فعلت ، حزنت أمي ، وزعلت وتركت المكان !!
بقيت أتذكر هذه الحادثة بأستمرار والسنين العجاف، تسير ببطأ وهي تعصرنا عصرا ً ، وتذوقنا حكومتنا ( الوطنية التقدمية ) أقسى أنواع البطش والقهر والظلم ، ولم استمع لمسرحة فيروز ( الإنقلاب ) بعد ذلك ولغاية هذا اليوم !
وعندما سقط النظام بعد حوالي أكثر من ( 25 ) عاما ً مرت على هذه الحادثة ، كانت الآف والآف والآف من المآسي قد مرت علينا ومات خلالها ألف فرج .... إلى أن جاء الفرج ........المهم جاء الفرج ، ولكن أي فرج .... لنسكت ولا نتحدث عن الفرج ..... ففي الكلام كثير من الخوف والحرج !!! و ها هي ثلاث سنوات قد مضت على سقوط النظام ..... ولم تزل ( أمي ) لغاية اليوم ، كلما أخابرها وأتحدث معها تقول (( شدة يمه أنشاء الله يجي الفرج )) !! ولنبقى هكذا ...... ننتظر الفرج ؟؟ ( 1 ) الإنقلاب : أن اسم المسرحية هو يعيش .. يعيش ، عرضت عام 1970 قصتها جميلة ، دولة تكثر فيها الإنقلابات ، ونهايتها كل من يستلم السلطة ومهما أكثر من الوعود ( المعسولة ) قبل أستلامها ، يرجع كسابقيه من الحكام ، يعيش الحاكم ومجموعته في عالم الحاكمين ، والناس تعيش في عالم أخر عالم المحكومين ، كل مجموعة منهم في وادي كما تقول كلمت أحدى أغاني المسرحية (الرعيان بوادي و القطعان بوادي ).... وهكذا يأتي الفرج !!!
#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاشاعات ومروجوها ..... جيف وقمامة لا تستحق إلا الطمر
-
زهرون وهام .... رمزٌ جميل للصداقة ، والتواضع
-
العزيزية ...... سحرها بنهرها وشاطئيها وأهلها
-
مسودة الدستور الجديد ضربة موجعة للأقليات الدينية غير المسلمة
...
-
الى : أول صوت ( للصابئة المندائيون ) في لجنة كتابة دستور الع
...
-
تثبيت حقوق طائفة ( الصابئة المندائيين ) في الدستور يقطع عنهم
...
-
الصابئة المندائيون ....أخيراً ....في لجنة كتابة دستور العراق
...
-
أحداث من الماضي الأليم .... محفورة في الذاكرة
-
الصابئة المندائيون : حصتهم من الاضطهاد كبيرة ...ومن الغنائم
...
-
سلاما ً يا أحبتي
-
قديس أسمر من الناصرية أسمه سلمان منسي
-
من يضمــــــــــــد جراحنا ؟ من يوقف مآسينـــــــــــــــا؟
المزيد.....
-
عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل
...
-
بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
-
افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
-
صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا
...
-
-القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب
...
-
ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|