أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نعمات البحيرى - من يوميات امراة مشعة-بيان أخير ضد الموت-















المزيد.....

من يوميات امراة مشعة-بيان أخير ضد الموت-


نعمات البحيرى

الحوار المتمدن-العدد: 1507 - 2006 / 4 / 1 - 01:41
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


المشهد في تفاصيله يشي بأن أنوثة هذا الوطن مستهدفة مثلها كما الذكورة.. صرنا نسير على الأرض قنابل موقوتة لا تدرى أى نفس متى تنفجر ومن ينجو ستكون الصدفة وحدها صاحبة الفضل الأعظم. والسرطان شانه فى ذلك مثل الحروب والكوارث والنكبات والزلازل ..ربما كانت فاجعتى فى استئصال قطعة حيوية من جسدى هى التى هيأت شيئا من الخرافة..
عدد كبير من النساء بثدى واحد يطمحون فى المحافظة عليه. عفوا نون النسوة لا مجال لها فى واقع مأساوى نعيشه نحن نساء الثدى الواحد.
لذا نأتى فرادى وجماعات للحصول على حصتنا من العلاج الإشعاعى لنخرج للشوارع نساء مشعات تعرضن من قبل للعلاج الكيماوى الذى هو أبشع من السرطان ذاته..
فى اليوم السابق للجلسة يجرى لكل واحدة تحليلا. يرغبون فى التحقق من جدية الجسم على دخول معركته مع الكيماوي بعد أن دخلها مذعنا مع المرض ثم الجراحة..
كلنا قادمات وطامحات فى أن تثبت أجسادنا قدرتها على مواصلة الدفاع عن آخر رمق فى الحياة، بعد أن صرنا نساء بائسات منقوصات الأنوثة وكل واحدة فقدت تاريخ صلاحيتها للغواية بمعايير الأمهات والجدات والفلكلور الشعبى، جميعهم لا يرون المرأة إلا حاملة لفيروس "الغواية"..
حين تتم براءة الجسم من أى تخاذل ترتفع زجاجات بلاستيكية لأنواع الكيمو ثربى ..محاليل بيضاء بنفس بياض الأسرّة وعيون الممرضات النحيفات. أختار سريرى إلى جوار النافذة. يحدد لكل واحدة منا مقدار الجرعة وعلاج لتنشيط الكبد باعتباره العضو المنوط بالتصدى..خط الدفاع الأخير.. وجهاز الأمن القومى للجسم. كلمات صديقى المثقف فى التليفون تفعل فعلها فى استنفار أدواتى للمقاومة.
احدى الممرضات بدينة وقبيحة الوجه تتعامل معنا بعنف شديد. ترانا مجرد ركام من اللحم المعطوب والجهد المبذول لإصلاحه غير جاد بالمرة.. فالمكان أشبه بمختبر لإجراء التجارب على عدد من إناث الفئران.. عرفت هذا من زوج صديقتي التي ماتت بنفس المرض.. الطبيب مثل الممرضة لا يكلف نفسه عناء الابتسام فى وجوهنا، فقررنا تبادل الابتسامات والضحكات كنوع من تبادل الأكاذيب اليومبة..صرنا أحوج البشر لمثل هذا النوع من الكذب.. صار بيننا تعارف وصداقة اللحظة الاضطرارية. كل منا تدرك أنها منوطة بذلك منذ لحظة دخولها العنبر.
بعد أن تعلق الممرضة لكل واحدة زجاجة الكيماوى على "ستاند" المحاليل المعدنى بطريقة عصبية وربما بقرف نتبادل النظر وتقول "العريشية" الشابة "حكم القوى" ...
أشفق على شبابها الغض بعد أن بتروا ثديها.. أحدث نفسي أننى أحببت وتزوجت ورأيت حلو الدنيا ومرها فما بال هذه التي تطالب بأن تغلق أستار الدنيا على قلبها وجسدها المشوه بأنوثة منقوصة...

بدت كل واحدة تنظر إلى الأخرى وطاقم "السنيدة" من الأهل أو الأصدقاء إلى جوارها. وجدت نفسي وحيدة وضحكت فى نفسى وكأننى فوجئت ..هذا العادى عبر رحلة عمر شاقة وجميلة.. وحيدة دون طاقم "سنيدة".. ليت أخى عاطف إلى جواري الآن، ربما أنساني مرارة اللحظة. المرارة متمددة في حلقي مثل جثة كلب أجرب مات لأتفه الأسباب. ربما لأنه لم يعرف لماذا يلاحقه الجرب والبؤس..
حدثت أخى على الموبايل ولم يرد .. ثم وجدتنى "أرن" على أسماء كثيرة..كنت أرغب فى سماع أى صوت بشرى لأى من أصدقائى أو معارفى.
على الموبايل تعلل أخى عن عدم حضوره بيقينه الزائد بوجود إحدى صديقاتي معي، لا يعلم أنها تركتنى فى أول منعطف من أجل موعد مع إحدى جماعات التمويل الأجنبى.. أكد أنه سيأتي فطالني إحساس مراوغ بصدقه. جلست "أفر" الجرايد صفحة خلف الأخرى ولا شيىء يغرى بالقراءة أو الاهتمام . أكاذيب في أكاذيب ولا أحد تغريه لحظة صدق واحدة. أعتي الجرائد هى نفسها تتعامل مع صحفييها بفاشيستية. صديقاتي وأصدقائي الذين يعملون بها تنحى أعمالهم جانبا أمام أهواء أصغر مستثمر يدفع ثمن صفحة كاملة لإعلان عن سلعة تافهة.

المرأة التي في السرير المجاور تئن أنات حزن غريبة.. أزحت برفق الستارة التي تفصلنا وواسيتها بجرأة المتحدث من منطقة الترف الآمنة. على الرغم من أن لا ترف ولا أمان أرزح فيه كما يظن الجميع إلا أنها المكابرة على المرض فى محاولة للإستعلاء عليه اتقاء لهزيمة لحقت الكثيرين قبلى.
منذ تكشف لي الأمر قررت أن ألا أيأس تماما وليحدث ما يحدث وسوف أعيش لآخر لحظة يمكننى فيها ذلك. ربما هي أيضا جرأة اليائس والبائس والمتعوس وخائب الرجاء، تحديدا لست أدرى أيهم أنا..
كل النساء في العنبر مثلى.. جالسات أو راقدات على أسرّة بيضاء بياض موجع والعيون تستجدى لحظة هدوء، وطفلة إحدى السنيدات قبيحة قبحا لا يليق بطفلة تملأ المكان ضجيجا بصخب مائع، له نفس ميوعة الطبيعة التى تنحاز للأغنياء والأقوياء على حساب الفقراء والضعفاء والأنقياء.

المشهد فى إجماله يذكرك بألف ليلة وليلة وعفريت المصباح الذي استرخى لزمن طويل في المصباح وعرائس البحر الجميلات على الشاطىء تجدل الوخم جدائل يمسدن بها وجه البحر. واقعنا الأليم فاق كل خيال..

نحن جميعا عرائس بثدى واحد. بعد الجلسة ستخرجه كل واحدة وتنفخ فيه من آلامها ثم تحوله لثعبان ونجرى فرادى وجماعات فى مظاهرة من النساء المشعات في اتجاه بيت أو فيللا أو قصر السيد المسئول الذي ملأ جيوبه وخزائنه بترف عمولات أجنبية كثيرة ليملأ المدينة بنباتات خضروات وفاكهة مسرطنة وهواء مسموم وماء فاسد ورجال بائسين بأفكار فاسدة ساهموا في قهرنا.. تسببت نفس الأطعمة ونفس الهواء ونفس الماء في اخصاء الرجال فى مقابل إزجاء عصبيتهم وعنتريتهم الفارغة..
لم تغف عيني لكنها حقيقة واضحة كنا نجرى نحن النساء المشعات إلى بيت أو فيللا أو قصر السيد المسئول وهناك وجدناه. تحايلنا على رجال أمنه وأمانه الواقفين يحمونه بكل ما خف وثقل من سلاح ودخلنا إليه.

كانت كل واحدة قد حولت ثديها "الباقى" إلى ثعبان ولفته على رقبته وراحت تعتصر روحه وممتلكاته ومقتنيات قصره واسمه ولقبه ويومه وغده.

في آخر اليوم حين رأينا روحه وقد أزهقت تماما وممتلكاته وقد تبددت وقصره وقد تداعى ومقتنياته وقد تناثرت أشلاء رحنا نجرى نحن النساء المشعات فى مظاهرة كبيرة تملأ شوارع المدينة لنرى أنفسنا فى مرايا كثيرة وزجاج فاترينات المحلات نساء غير بائسات.



#نعمات_البحيرى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يوميات امراة مشعة


المزيد.....




- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نعمات البحيرى - من يوميات امراة مشعة-بيان أخير ضد الموت-