|
قمة الاسترخاء
نزار جاف
الحوار المتمدن-العدد: 1506 - 2006 / 3 / 31 - 08:44
المحور:
كتابات ساخرة
وسط أوضاع سياسية ـ إقتصادية ـ أمنية ـ إجتماعية مکفهرة في المنطقة، إنعقدت القمة العربية في الخرطوم. وفيما أشار غالبية المراقبون و المحللون السياسيون بإن لاجديد يرتجى من هذه القمة بل وقد رأى البعض من المراقبين إنها تمثل واحدة من أکثر القمم العربية"ضعفا"في مواضيعها المطروحة للبحث و نتائجها المتوقعة لتلک المواضيع، فإنها ومع ذلک تصدت وبتواضع ملحوظ للعديد من الملفات الساخنة وبصيغة تطغي عليها التوافقية في المعالجة وکأنها تريد بشکل أو بآخر أن تثبت"نوعا"من الحضور في واقع يزداد وخامة مع مرور الايام. القمم العربية التي طالما کانت موضع شک و إنتقاد عموم شعوب المنطقة، أثبتت مع مرور الاعوام"العجاف"على قصورها الواضح عن تلبية متطلبات الواقع الموضوعي و عن إستيعاب حرکة و تداعيات سير خطوط السياسة الدولية المتعلقة بالمنطقة. وفي الوقت الذي کانت الفاصلة الزمنية بين قمة و أخرى تزداد مع مرور الاعوام، فإن التباين في الآراء و المواقف بين القادة العرب کانت هي الاخرى تشهد إضطرادا ملحوظا بين قمة و أخرى. وإذا کانت الاراء في تقييم مواقف و طروحات تلک القمم تزداد سلبية وقتامة مع مرور الايام، فإنه ومع ذلک من الضروري النظر بشئ من التروي و الهدوء لجوهر و ماهية الاسباب الکامنة وراء هذا "الضعف"العربي الذي يکاد يصل في بعض الاحيان الى مستوى"الازمة" و هل هناک من طريق أو مخرج ما لمعالجة هذا الامر؟ وإذا ماکان التباين والاختلاف في الاراء و التوجهات تمثل نعمة آلهية و حالة إنسانية طبيعية و مألوفة على مر التأريخ، فإن هذا التباين و الاختلاف قد لايکون سوى"نقمة" خصوصا إذا ماکان هذا التباين و الاختلاف"من قبل البعض من القادة أحيانا ومعظمهم أحيانا أخرى" لايجد له موطء قدم على أرض الواقع. وقد تکون واحدة من أکبر المشاکل و"المنغصات"التي تعاني منها القمم العربية، هي وصول وجوه الى سدة الحکم في بعض من البلدان العربية وهي غير مؤهلة أساسا لهذا المنصب لإفتقارها للخلفية السياسية المطلوبة منها وهي تتصدى لمثل هذا المنصب الحساس و الخطير. وإذا ما نظرنا الى الصراع العربي ـ الاسرائيلي على مر العقود الستة المنصرمة، لوجدنا أن رئاسة الوزارة في الدولة العبرية قد وصل إليها العديد من الساسة الحکماء و المخلصين لشعبهم وبطريقة دستورية و قانونية لا غبار عليها، فيما نرى في الضفة الاخرى، عکس ذلک تماما، إذ دأبت الشعوب العربية على أن تصحو العديد من"الاصباح" على صوت المارشات العسکرية و الاناشيد الحماسية التي تزف بشرى الخلاص بثورة "جماهيرية"سوف تنهي کل أسباب التخلف و الإنتکاسة في البلاد! والامر المثير و الملفت للنظر، إن هذه الحرکات الانقلابية التي أبتليت بها البعض من البلدان العربية، کانت هي واحدة من أسباب التخلف و حتى النکسة(بالاضافة للإنتکاسة). ينسب البعض من العراقيين قول مأثور ورد على لسان السياسي العراقي الداهية"نوري السعيد"، حين قال يوما وهو يشهد تظاهرة جماهيرية ضده( أنا غطاء للوعاء العراقي وإذا مارفعوني عن مکاني فسوف تزکم أنوف العراقيين رائحة الجيفة)، ولو نظرنا للذي حدث للعراق من بعد إنقلاب14تموز1958، لرأينا أن العراق کان ينتقل من مصيبة الى واحدة أسوأ منها، فماذا حدث في العراق؟ لقد إغتالوا الشرعية و الدستورية و القانون تحت ستر الثورة و مطالب الجماهير وهو أمر کشفت زيفه الايام. ماحدث في العراق هو ماحدث للعديد من البلدان العربية التي قفز المغامرون الى سدة الحکم فيها من خلال"إنقلابات" سموها ثورات وهي حتى ليست بثويرات إن جاز التعبير، وبوصول هؤلاء إزداد الوضع وخامة و إزداد الطين بلة، فشغلوا الشعوب عن ممارسة حقوقها الاساسية في الديمقراطية بقضايا وهمية أخرى من قبيل محاربة(الامبريالية و الصهيونية و الرجعية)والحق إن تلک النظم الانقلابية لم تحارب سوى شعوبها فقط وهو أمر يبدو جليا من الوضع الوخيم الذي آلت إليه مثل تلک البلدان في ظل تلک النظم غير الشرعية. وأعود للموضوع الاساسي، إذ أن هکذا قادة"عسکريون بالاساس"، ليس بالامکان أن يقدموا شيئا على أرض الواقع السياسي المتحرک، السياسة علم وليست إنفعالات و أهواء و مزاجات تسير وفق ماسار مزاج الحاکم"بأمره"، وإذا کانت العديد من دول العالم تحاسب حکامها و قادتها على ما إقترفوه من أخطاء جسام، فإن مثل هذا الامر يمر مرور الکرام في بلداننا، إذ هل حاسب الشعب الليبي مثلا الاخ العقيد عن ما إقترفه بحقه من جريمة هدر أمواله في متاهات و أوهام إنتهت في لاهاي بمحاکمة المقراحي و صاحبه وتلک الملايين التي دفعها قائد الجماهيرية العظمى للمتضررين من"غزوته الجوية"على الطائرات المدنية، هذا إذا وضعنا فضيحة الملف النووي الليبي جانبا، فلماذا لايزال العقيد معمر القذافي على رأس السلطة في بلاده؟ إنه سؤال يتکرر لا في ليبيا لوحدها فقط، وإنما في سوريا و البلد الذي تعقد فيه القمة وووحتى نصل الى موضع الجرح ونلتفت الى ذلک العرس الديمقراطي الذي شهدته إسرائيل بوصول"کاديما"للحکم وإنشغلت به کل وسائل الاعلام في العالم حتى غطى ذلک على مؤتمر"الاخوة المختلفون دوما"في الخرطوم، فمن المسؤول؟ الحق أن قمة اللاءات الثلاث الشهيرة، قد إنعقدت وسط أجواء توتر و حماس و إنفعالات غير عادية قادت الى تلک النتائج غير الواقعية في قراراتها، أما القمة الحالية، فهي تمثل حالة من الإسترخاء العربي الرسمي أمام مختلف الملفات و المشاکل التي تعصف بالمنطقة، ومن يدري فلعل الإسترخاء قد يکون بأفضل من الإنفعال الذي لا خير من وراءه أبدا. الاحداث"بشقيها الايجابي و السلبي" تصنع التأريخ، وحرکة التأريخ ترسم لوحدها الخط البياني الحقيقي للشعوب دون غيرها، وعلى ضوء ذلک هلموا و إبحثوا بتمعن في تلک الاحداث التي صنعت التأريخ في بلداننا و قارنوها بمثيلاتها في بلدان أخرى وبعدها أخبروني بحق السماء، هل هناک من خير يرتجى؟!
#نزار_جاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا کان القذافي بطلا فماذا يکون نجاد؟
-
وماذا عن الذئاب الترکية؟
-
لمادا أکره إسرائيل؟
-
إيران و فيلق بدر
-
الادب النسوي إغناء للسمة الانسانية للأدب
-
أوجلان..ترکيا ستبکي عليه قبل الکورد
-
حضارة بالارقام و أخرى بالاوهام
-
ثقافة المتاجرة بالاوطان
-
نعم أنثوية بعد ثلاثة عقود
-
فاتن نور: إننا محاصرون بالجرأة
-
ثلاث قصائد قصيرة من الشعر الفارسي
-
أفاقون في أدوار النبلاء
-
طوبى لشعب نجاد رئيسه
-
الانثى و الخوف.. الشفافية و الإستلاب
-
محمد باقر الصدر.. عبقرية نادرة في زمن الازمات*
-
المرأة و صداقة الرجل.. النار و الهشيم
-
فينوس فائق: الشعر مساحة أوسع من الخيال و عبث من طراز فريد
-
الإصلاح و الخطاب السياسي و البطيخ الاسلامي
-
أدعياء التمرد و العبث و الثقافة
-
التيارات الرجعية و المتطرفة في طريقها للإنحلال و هي آيلة للس
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|