|
استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغية
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5979 - 2018 / 8 / 30 - 12:35
المحور:
الادب والفن
تفرّغ صدام لإكمال روايته الرابعة، وترك العراق يواجه مصيره المحتوم
يراهن كُتّاب المذكرات والسيَر الذاتية والغَيرية على الإتيان بالمعلومات الجديدة، والمواقف الصادمة التي لا يعرفها عامة الناس، وربما تبقى حبيسة الأدراج لسنواتٍ طوالا قبل أن تجد طريقها إلى العلن. وكتاب "استجواب الرئيس" لجون نيكسون، ترجمة إياد أحمد الذي صدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" ببيروت هو من نمط الكتب المثيرة التي تنطوي على مفاجآت متتالية على مدى فصوله الأربعة عشر، إضافة إلى التقديم والخاتمة التي تمحورت على إعدام "جزّار العراق" بلا مُنازع. تكمن أهمية هذا الكتاب بأنّ مؤلفه ليس صحفيًا عابرًا يطارد الأخبار، ويلاحق المستجدات هنا وهناك، وإنما هو خبير في شؤون الشرق الأوسط، ومحلل قيادات في وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي عمل لمصلحتها ثلاث عشرة سنة، كما كتب أطروحة الماجستير عن شخصية صدام حسين متتبعًا إياه منذ طفولته وصباه، مرورًا بصعود نجمه، وانتهاءً بإعدامه في أول أيام عيد الأضحى المصادف 30 ديسمبر 2006. قبل أن نخوض في طبيعة الاستجواب وفحواه لابد من الإشارة إلى الطريقة التي تعرّف فيها نيكسون إلى أن هذا الأسير المُحتجَز هو صدام حسين نفسه وليس أحد بدلائه. هذا المحلل القادم من نيويورك يعرف أن عشيرة "ألبو ناصر" لديها وشم قَبَلي مُحدّد تستدل بواسطته على أبنائها، وصدام كان يحمل هذا الوشم الذي يأخذ شكل مثلث أو هلال ما بين أعلى السُبّابة والإبهام، وخط مستقيم على أسفل رسغه الأيمن، كما كان لديه نُدبة في ساقه الأيسر جرّاء الرصاصة التي أصيب بها في المحاولة الفاشلة لاغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم عام 1959. أما العلامة الثالثة والأخيرة فهي شفته السفلى التي تدلّت وانحرفت قليلاً إلى اليسار بسبب ثقل السيجار الكوبي الذي كان يدخِّنه طوال 33 سنة. عبد حمود، السكرتير الشخصي لصدام، وطارق عزيز أكدا بأن الأسير الذي رأياه عبر حاجز زجاجي هو صدام حسين بشحمه ولحمه! تتمحور ثيمة الكتاب على ثلاثة أسئلة جوهرية تتفرع منها عشرات، وربما مئات الأسئلة الثانوية التي تحاول استغوار هذه الشخصية الدكتاتورية التي روّعت دول الجوار، وشغلت العالم على مدى ربع قرن تقريبًا وهي: أين أخفى أسلحة التدمير الشامل؟ وما حجم انتهاكاته لحقوق الإنسان في العراق؟ وما طبيعة علاقته المزعومة بالإرهاب الدولي؟ لم يكن القبض على صدام ممكنا من دون "خيانة" بعض أفراد حمايته الذين يعرفون بمكان اختبائه، فالعقيد الركن محمد إبراهيم عمر المسلط، المكلف بحماية صدام، وهو للمناسبة ابن عمّ زوجة الرئيس ساجدة خير الله طلفاح هو الذي أرشد القوات الأميركية إلى الحفرة الواقعة في المزرعة التابعة للشيخ نامق جاسم خضر مقابل 25 مليون دولار أميركي، وتأمين سفره إلى الخارج. تعرّض صدام في لحظة أسره إلى معاملة خشنة، بل أنّ أحد أفراد القوات الخاصة لكَمَهُ قائلاً:"هذه مقابل الحادي عشر من أيلول". وحينما وصل إلى مقر الحرس الجمهوري الخاص قرب المطار تحسنت معاملته وغدت مثالية خاصة بعد أن نقلوه إلى زنزانة ثانية بعيدة عن ضوضاء الباب الرئيسة وجَلَبَتها. ومع أنه كان يأكل ثلاث وجبات يوميًا، ويقرأ بعض الكتب، إلاّ أنه كان يتشكى دائمًا لأنهم صادروا أدوات الكتابة، ويستجدي عطف مستجوبيه قائلاً:"أنا كاتب وأحتاج هذه الأشياء لأدوِّن خواطري"، ففي الوقت كانت فيه قوات التحالف تتهيأ لغزو العراق كان صدام منقطعًا لكتابة روايته الرابعة "أخرج منها ياملعون" بينما أسند إدارة الدولة إلى رفاقه الحزبيين الذين عمّقوا عزلة العراق بسبب قدراتهم السياسية المحدودة، وتصريحاتهم الهوجاء. توصّل المحلل جون نيكسون إلى نتائج مذهلة أهمها أنّ أسلحة التدمير الشامل لم تكن موجودة في العراق لأن صدامًا قد تخلّص منها قبل 2003 وأن لجان التفتيش لم تعثر على أي دليل حتى وإن كان ضعيفًا أو واهيًا على وجودها. أما النتيجة الصادمة الثانية فتقول بأنّ صدام حسين لم يأمر باستعمال الأسلحة الكيمياوية في معركة حلبجة، وأن الفريق نزار الخزرجي هو الذي أمر بتنفيذ الهجوم الكيمياوي الذي راح ضحية قرابة خمسة آلاف مواطن كردي جُلّهم من الأطفال، والنساء، والشيوخ. وقد كان صدام صادقًا كما استنتج نيكسون! أما علاقته بتنظيم القاعدة والإرهاب الدولي فقد تركوها لمكتب التحقيق الفيدرالي وأن نيكسون نفسه قد فوجئ بأن صدامًا كان يخشى السلفيين في بلاده، ويرفض أن تتدخل العمامة في السياسة. يعتقد نيكسون بأن صدامًا كان سريع البديهة، حادّ الذكاء، ومناورًا ولكن هذا المحلل نفسه يقول في مكان آخر بأن صدامًا "كان يفتقر إلى العمق الفكري ليتعلّم من دروسه" وذات مرة وصف صدام مُستجوِبه نيكسون بأنه "قليل الذكاء" فردّ "بروس" المسؤول عن تشغيل جهاز كشف الكذب بما معناه: هل تعتقد أن غباء صديقي (نيكسون) مشابه لغبائك يوم أرسلت قوتك الجوية بكاملها لتأمينها لدى ألدّ أعدائك، إيران؟ فصمت صدام لفترة وجيزة ثم انفجر مقهقهًا فضحك الجميع. ينطوي هذا الكتاب على معلومات جديدة لم نعرفها من قبل مثل عمليات الفساد التي كان يمارسها صهره حسين كامل في الصفقات التجارية، وتأسيسه لشركات غسيل الأموال في الأردن. لم يجد صدام حرجًا في القول بأنه اتخذ قرار إطلاق صواريخ "سكود" لضرب إسرائيل من دون أن يستشير القيادة، وأن الكويت كانت مسمارًا في قدَم العراق. لقد رفض صدام طلبًا أميركيًا يقضي أن يقرأ بنفسه بيانًا يدعو فيه "المتمردين" إلى إلقاء سلاحهم فقال:"كرامتي لا تسمح لي بذلك". اعترف صدام بأنه كان يعاقب أي شخص مخطئ حتى لو كان من أفراد عائلته. فذات مرة تأخر موكب وطبان قليلاً عند إشارة مرورية فأخرج مسدسه وأطلق النار عليها، فحكمَ عليه صدام بأن يسيّر حركة المرور لمدة شهرين في الساحة التي وقع فيها الحادث! تحدث صدام مُجبرًا عن زوجتيه ساجدة خيرالله، وسميرة الشاهبندر ويبدو أنه كان خائفًا على ولدهِ علي من أن يلقى نفس المصير الذي لقيه ولديه عدي وقصي وحفيده مصطفى الذين قتلوا على يد القوات الأميركية في نينوى بعد أن وشى بهم قريبهم الشيخ نواف الزيدان مقابل 25 مليون دولار، وهي الجائزة التي رصدت للإبلاغ عن أيٍ من المطلوبين الـ 55 لقوات التحالف الدولي. ثمة تفاصيل صغيرة، وإشارات عابرة لكنها مهمة جدًا في تسليط الضوء على شخصية صدام المستبدة، فسنوات الطفولة، بحسب المؤلف، هي المفتاح المناسب لفهم شخصية صدام الرجل الذي ينطوي على تناقضات كثيرة، فهو الذي اتخذ قرار غزو الكويت، وضرب إسرائيل بالصواريخ من دون أن يعود إلى القيادة لكنه يقول في موضع آخر بأن القيادة هي التي أمرت بوضع صوره وتماثيله في الساحات العامة، "فمن أكون أنا لأتخطى قرار القيادة"؟ لا تقتصر مادة الكتاب على صدام فقط وإنما تتجاوزه إلى الشخصيات المعارضة له، فرأي بوش الابن بمقتدى الصدر بأنه "بلطجي، وقاتل"، وحينما أكد نيكسون هذه المعلومة مالَ بوش إليه وسأله:"هل كان علينا أن نقتله؟" ويبدو أن قتل المناوئين للسياسة الأميركية أمر في غاية البساطة رغم تبجحهم بحقوق الإنسان. ينهي نيكسون كتابه بالقول "إن شخصية صدام جذابة، وكنتُ أحترمهُ يومًا ثم أكرهه في اليوم التالي"، وكأن صفة التناقض قد انتقلت من المستجوَب إلى المستجوِب!
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت به
...
-
سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
-
رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
-
ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ
...
-
الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب و
...
-
نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية
-
التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد
...
-
حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
-
ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
-
بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
-
الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
-
التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء
-
استنطاق التاريخ وتطويعه في رواية حُب في ظلال طاووس مَلَك
-
الحالة الحرجة . . رواية تمجِّد البطل المُغترِب، وتُقارع السر
...
-
لماذا أحبّ القرّاء شخصية عمّو شوكت في رواية -ساعة بغداد-؟
-
حرب الكلب الثانية. . مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية
-
زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة
-
أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي
-
باسم فرات. . . جوّاب المدن، وعابر المفازات البعيدة
-
الحلقة السادسة من مسابقة شاعر المليون
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|