|
الأدب والسياسة على هامش كتاب الخيال السياسي لعمار علي حسن
محمد عبده أبوالعلا
(Mohamed Abdou Abulela)
الحوار المتمدن-العدد: 5976 - 2018 / 8 / 27 - 18:16
المحور:
الادب والفن
الأدب والسياسة على هامش كتاب "الخيال السياسي" لعمار علي حسن
محمد عبده أبوالعلا
في كتابه "الخيال السياسي"، الصادر حديثا (أكتوبر 2017) عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية يذهب عمار علي حسن إلى وجود علاقة وثيقة بين الأدب عموما، لا سيما في الحقبة الحديثة، وبين المعتقدات السياسية والقيم الأيديولوجية. ويدلل حسن على ذلك بأدب الطبقة الكادحة الذي يحاول أن ينتصر لهذه الطبقة في مواجهة الجوانب المتوحشة من الرأسمالية، هذا إلى جانب أدب الحرب، وأدب المقاومة... الخ. لكن رغم تأكيد حسن على العلاقة الوثيقة بين الأدب والسياسية، إلا أنه يحذِّر من تحوُّل الأدب إلى أيديولوجيا أو "عقيدة سياسية"، ووعظ وبيان أو منشورات سياسية؛ لأن ذلك يُفقد النصوص الأدبية جماليتها وعفويتها وبُعدها الوجداني العميق. كما يؤكد أيضا على أن كتابه ليس محاولة للإسهام في تشييد جسرا آخر بين الأدب والسياسة، بل هو- في جانب منه فقط- محاولة للكشف عن دور الأدب في تحفيز وشحذ الخيال السياسي. فهذا الكتاب هو في المقام الأول دراسة سياسية تحاول وضع "الخيال السياسي" في قلب علم الاجتماع السياسي، لا في قلب الدراسات الأدبية التي تنقد وتحلل وتتأمل في ألوان الرواية والقصة والمسرحية والشعر. يذهب حسن إلى أن الأعمال الأدبية، لا سيما القصة والرواية والمسرحية، تمنح السياسة بُعدا جديدا ومغايرا حين يطرح الأدباء في نصوصهم، أو يقترحون، عوالم اجتماعية بديلة للعالم الاجتماعي الحقيقي، بعد أن ينتقدوا الأوضاع السائدة. وغالبا ما يكون هذا العالم البديل مثاليا: تسوده الحرية والعدالة والمساواة. ويضرب حسن مثلا على العلاقة بين الأدب والسياسة، ومن ثم دور الخيال الفني للأديب في شحذ الخيال الاجتماعي والسياسي بعدد من الأعمال الأدبية، العربية والأجنبية، من أمثال خماسية الأديب الفرنسي فرنسوا رابليه "غارغانتوا وبانتاغرويل"، ورواية الأديب البريطاني جوناثان سويفت "رحلات غاليفر"، ومسرحيتي شكسبير "الليلة الثانية عشر" و"حلم ليلة صيف"، ومسرحية توفيق الحكيم "رحلة إلى الغد"، ورواية نجيب محفوظ "رحلة ابن فطومة"، ومسرحية يوسف إدريس "الفرافير". لكن الأوضح والأبرز في هذا الصدد ثلاثة روايات عالمية: رواية ألدوس هكسلي "عالم جديد شجاع" (صدرت عام 1932)، ورواية هربرت جورج ويلز "شكل الأشياء في المستقبل" (صدرت عام 1933)، ورواية جورج أوريل "1984" (صدرت عام 1949). تدور الفكرة الرئيسة في رواية "عالم جديد شجاع" حول التخوُّف من تحكُّم العلم في الحياة الاجتماعية والشخصية إلى الحد الذي يعاني فيه الناس الظمأ الروحي الشديد رغم توفُّر جميع وسائل الرفاهية والتسلية واللذة. وتحمل رواية "شكل الأشياء في المستقبل" نبوءة بوقوع حرب عالمية، يتلوها حُمَّى شديدة في الخمسينيات تقتل نصف سكان العالم، فلا يعود التماسك إلى العالم إلا في منتصف الستينيات، وذلك بإيجاد "لجنة التحكُّم في الجو والبحر"، وهي مجموعة من الناس تسعى إلى خلق "دولة عالمية". أما رواية "1984"، فإنها تتنبأ بسيطرة قوة كبيرة على العالم تتقاسم مساحته، وتحوِّل البشر إلى مجرد أرقام في "جمهورية الأخ الكبير" الشمولية، التي تَعُدُّ عليهم أنفاسهم، بعد أن تتحوَّل القيم الإنسانية النبيلة إلى أمور تافهة، وتصبح الحياة خالية من العواطف والأحلام. قد يُعتقد للوهلة الأولى، من خلال النظر لعنوان الكتاب فقط، أن الكتاب كله يدور حول فكرة أن الخيال السياسي فرع من فروع الأدب، لكن هذا غير صحيح. فالكتاب هو في المقام الأول، كما يذهب حسن، دراسة في علم الاجتماع السياسي تدور حول مفهوم لا يزال يتبلور ويتجدَّد: مفهوم "الخيال السياسي". من هذا المنطلق، ينتقل حسن من حيز الأفكار المجردة والانطباعات السريعة إلى مسار الإجراءات، وذلك من خلال سعيه للإجابة عن التساؤلات التالية: ما تعريف الخيال السياسي؟ ما هي منابع الخيال السياسي؟ ما هي معوقات أو كوابح الخيال السياسي؟ ما هي مجالات توظيف الخيال السياسي؟ هل توجد تطبيقات عملية للخيال السياسي؟ على ضوء هذه التساؤلات، يذهب عمار علي حسن إلى ما يلي: 1- الخيال السياسي ليس مجرد شطحات وأوهام مُنْبَتَّة الصِّلة بالواقع والعقل، بل هو تنبؤ علمي نابع من رؤية تحليلية للواقع. إنه العقل في أقصى درجات المرونة اللازمة لاختراق المجهول وإبداع الجديد وتوقُّع الآتي. والخيال السياسي بهذا المعنى يمثل ضرورة للحكم الرشيد الذي تتحقق فيه طموحات الشعوب وآمالها في مستقبل أفضل لها ولأبنائها. 2- للخيال السياسي منابع عدة، من بينها: استقراء تاريخ البشر وتاريخ الأفكار والخبرات الشخصية والنفسية، والوعي بالمستقبل، والاطلاع على الأعمال الأدبية، لا سيما الرواية التاريخية والسياسية، والانفتاح على كافة فروع العلم والمعرفة، والعمل بروح الفريق. 3- للخيال السياسي كوابح أو معوقات، من أهمها على الإطلاق: "الوقوع في أسر الإيديولوجيا". فالإيديولوجيا، كما يذهب حسن، أكبر العقبات وأعمقها أمام الخيال السياسي، كما أنها الأكثر تسييسًا؛ وذلك لما تحمله من تنبؤ هو أقرب إلى الحتمية التاريخية منه إلى التنبؤ العلمي. 4- من أهم مجالات توظيف الخيال السياسي: عبور الأزمات، ووضع الخطط والاستراتيجيات، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة الفساد، والبحث عن "الكمال الاجتماعي" والمثل العليا. ولا يكتفي عمار علي حسن بالطَّرح النظري لموضوع الخيال السياسي، حيث يتطرَّق أيضًا إلى بعض التطبيقات العملية للخيال السياسي، أو بتعبير آخر، بعض تجارب إعمال الخيال السياسي، تلك التجارب التي تنقسم عنده إلى نوعين رئيسيين: 1- تجارب عامة (تنصرف إلى حالات ذات طابع عام)، 2- تجارب جزئية (تنصرف إلى حالات بعينها). وبالنسبة للتجارب الجزئية، فإنها تنقسم عنده إلى نوعين فرعيين: أ- تجارب فردية، ب- تجارب مؤسسية. من التجارب العامة، على سبيل المثال، المحاولة التي قام بها كلٌّ من غاريث ستيدمان وإيرا كاتزنيلسون، حيث تخيَّلا تأثير التفكير الديني والعلمنة على الحالة السياسية في المستقبل. ومن التجارب الجزئية الفردية، المحاولة التي قام بها بريجنسكي في كتابه "الاختيار"، حيث حاول أن يجيب عن أسئلة من قبيل: ما هي التهديدات الرئيسة التي تواجه أمريكا؟ وكيف تتصدى لها؟ وهل بوسعها أن تدير بكفاءة علاقاتها الاستراتيجية مع العالم الإسلامي؟ وهل يمكنها أن تحسم الصراع العربي الإسرائيلي؟ أما بالنسبة للتجارب الجزئية المؤسسية، يضرب عمار علي حسن مثلا بـ"جمعية مستقبل العالم"، التي تأسست عام 1966 ومقرها شيكاغو، وهي تجمَّع علمي وتربوي غير حزبي وغير هادف للربح، يضم خمسة وعشرين ألفا من المهتمين بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي تؤثر على المستقبل. ويختتم حسن كتابه بعدد من التَّوصيات من أهمها: ضرورة التَّوسُّع في دراسة الخيال السياسي- نظريًا وتطبيقيًا- في حياتنا المعاصرة؛ وذلك للدور الهام للغاية الذي يلعبه الخيال السياسي في الحالات والمواقف التي تحتاج إلى إبداع في حل المشكلات وتجاوز الأزمات من أجل بناء مستقبل أفضل، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات والشعوب.
#محمد_عبده_أبوالعلا (هاشتاغ)
Mohamed_Abdou_Abulela#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|