سعيد رمضان على
الحوار المتمدن-العدد: 5973 - 2018 / 8 / 24 - 02:39
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أهمية دور المرأة
----------
للمرأة البدوية دورها الهام في المجتمع السيناوي ، وهى ليست مهانة لا شأن لها ولا قيمة . بل كانت وما زالت مكرمة مسموعة الكلمة عند الجميع , وهى عاملة وشريكة للرجل في أكثر أعماله، تبعا لمراحل عمرها , وحياتها في معظمها كحياة الرجل شظف عيش وخشونة , لكنه ليس صراعا ضد طبيعة الصحراء ، فالإنسان البدوي – رجل أم امرأة - هو ابن الصحراء ، ويمكن التعبير عن الحياة فيها بأنه صراع تكييف مع الظروف البيئية , والمرأة لها وظائف تتغير تبعا لمراحل عمرها ، فهي إلى جانب تربية الأطفال والعناية بأمور الأسرة من إعداد الطعام وترتيب بيتها، تجمع الحطب من مسافات بعيدة , وتجلب الماء بالقربة على ظهور الإبل أو الحمير من مسافات مختلفة. كما أنها تخبز بيديها , حتى لو كان هناك فرن قريب أقامته الحكومة أو أحد الأفراد ، وترعى البدوية الغنم أما رعى الإبل فمتروك للرجال , وأحيانا تجد بعض الجمال تسرح على جانبي الطرق الإسفلتية وعندما تبحث عن الراعي لا تجده , لكنه غالبا لا يكون بعيدا , فقد يكون وراء جزع شجرة أو ممددا في ظل كثيب رملي , أو يكون التجمع البدوي نفسه التي خرجت منه الجمال قريبا . والمرأة البدوية مرهفة الإحساس ، تتميز بالطهر والعفة ، يبدأ يومها بظهور نجمة الصبحية , فتقوم تبعا لسنها بالعمل الموكول إليها فالأم تعد الشاي والطعام وتحلب الماعز , وتخرج الابنة بدورها لرعي الغنم إلى المراعي فتأخذ معها الطعام ، والماء ولا تعود إلا المغرب وإذا كان المرعى قريب ، فهي تعود إلى البيت ظهرا ، حاملة الحطب فتتناول طعامها وتعود إلى المرعى , وعادة ما ترجع الفتاة في المغرب , وتسترشد بنجمة السهر إذا تأخر بها الوقت .
وهى في كل ذلك أي ارتباطها بعملها وتحديدها لأوقات ممارسته إنما تفعل ذلك عبر مفهوم خاص للزمن يتناسب وطبيعة الحياة في هذه المجتمعات , ونظرتها لوقت راحتها ، تختلف عن نظرة المرأة في المجتمع الحضري , والزمن هو وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث لمعظم الناس , وهو أيضا يختلف باختلاف وجهة النظر التي ننظر بها , بحيث يمكننا الحديث عن زمن نفسي , أو زمن فيزيائي أو زمن تخيلي , لكن يمكننا حصر الزمن مبدئيا بالإحساس الجماعي للناس كافة على توالى الأحداث بشكل لا رجوع فيه , هذا التوالي يتجلى بتعاقب الأيام وهو ما فرض على البشر تخيل الزمن بشكل ممتد في اتجاه لا عوده فيه , أن وقت الراحة مثلا عند المرأة في المدن هو وقت راحة لا تفعل فيه شيئا وغالبا ما يكون وقت قيلولة أو تمدد على أريكة ، أو استماع لموسيقى أو مشاهدة فيلم تليفزيوني ، أما إذا كانت من الطبقة الفقيرة فلا يوجد وقت راحة إلا بالنوم ليلا ولساعات قليلة .
أما الزمن عند المرأة البدوية فلا تنفصل فيه ساعات العمل وساعات الراحة وإنما الكل يتلاحم بشكل يتلاءم وطبيعة الحياة في الصحراء ، فالانسجام مع الطبيعة وإيجاد توازن تكيفي دقيق مع البيئة , لايمكن فصلة عن الوقت ( الذي يمر بانسجام كامن في إيقاع الطبيعة نفسها إن تلك الأوقات التي تقضيها المرأة البدوية في تطريز ثيابها والذي يعتبر نشاطا إنتاجيا , تعتبرها هي وقت راحة فقد تقوم بها إثناء الرعي في منتصف النهار عندما ترقد الغنم تحت ظل شجرة فتسند الفتاة ظهرها إلى جذع شجرة وتبدأ في التطريز أو الغزل إثناء راحتها .) (1)
, و زيارات المرأة في المدن للمعارف فتقع تحت بند مفهوم الواجب ، أو زيارة لمنفعة شخصية ، أما الزيارات من اجل تقوية الروابط العائلية فقد أصبحت نادرة , واجتماع البدويات معا وزيارتهن فهي من أجل علاقة أكثر تماسكا وتحقق مكسبا اجتماعيا وثقافيا لأنها تؤدى إلى تماسك المجتمع ، وإذا تزوجت المرأة البدوية فهي تطيع زوجها , ولا تعطيه ظهرها أو تنام قبل عودته إلى البيت , وإذا كانت العادات والتقاليد ألزمت المرأة البدوية بنوع معين من الحياة ، فأن تلك العادات والتقاليد حمتها من القهر إذا وقع عليها ، واحد أنواع الحماية نوع يطلق عليه " الشرد " وهو من العادات المعترف بها ، لكنه ليس الشرد المعروف في البادية بهرب المرأة المتزوجة مع رجل أخر ، وإنما المقصود به اللجوء إلى بيت شيخ العائلة أو القبيلة إذا جرت محاولة فرض عليها شيئا لا تريده ، كأن يتزوج زوجها بزوجة ثانية رغما عنها وهو ما يسمى أيضا " شردا" فشرد معين يقابله شرد معين ، وتستمر المرأة في " شردها " أي مقيمة محمية في بيت الشيخ حتى تأخذ حقها ، ويحق للمرأة المتزوجة إذا تزوج زوجها ثانيا إن تحصل على مبلغ من المال يعادل فرش بيت الزوجة الثانية وهو ما يسمى" بالرضاوة " وإذا رفضت زواجه بشكل نهائي ستفقد تلك الرضوة ، لكن الرفض لن ينتج تأثيرا فالرجل في الغالب لن يرجع عن قراره لأنه قرار قد اتخذ بعد مشاورة مع رجال العشيرة أو القبيلة ، والزوجة الأولى والثانية أيضا من نفس العشيرة أو القبيلة ، وهو ما يعنى إن الزواج عند أهالي سيناء ليس استقلالا عن الأهل بالمعنى المعروف لهذه الكلمة ، بل يعتبر امتداد في المكان ، ويتم التعبير عن ذلك بتقليد معين وهو عودة المرأة المتزوجة إلى بيت أهلها بعد ليلة الزفاف لتقيم فيه عدة أيام ثم يعود زوجها ويأخذها كدليل أن الابتعاد عن الأهل ليس فصل بل امتداد كامتداد الفرع في الشجرة ، لذا ترى كثيرا من الأحياء بأسماء العائلة أو العشيرة , أما الأحياء الجديدة التي أطلق عليها أسماء أخرى لا تمت لعائلات سيناء بصلة ، فهي أحياء أنشأت لاستيعاب الوافدين من وادي النيل للعمل في سيناء .
ومن عادات الزواج انه بعد ليلة الزفاف وفى صباح اليوم التالي تقوم أم الزوج بتقديم كوب حليب لزوجة ابنها ، فإذا شربته الزوجة تكون ليلة الزفاف عدت بانسجام ووفاق بين الزوجين . ويصل خبر النجاح من أم الزوج إلى والده ثم إلى باقي العائلة والعشيرة فتذبح الذبائح .
لم يحدث أي تأثير على عادات المرأة البدوية وتقاليدها أيام الاحتلال ، والتمسك بتراثها كان صمود فعلي في وجه محاولات التهويد ، لكن التغير حدث بشكل غير ملموس في البداية ابتداء من عام 1982 ثم أسرع فيما تلي ذلك من أعوام لعاملان مهمان :
الأول : هو عوده المهاجرين وأسرهم من الوادي بعد التحرير ، بعد أن ظلوا في المهجر خمسة عشر عاما ، عاشوا خلالها في بيئة مختلفة دون انعزال هي بيئة الوادي ، وولد لهم هناك جيل امتزج مع جيل أخر من عمره في الشارع والمدرسة وفى نفس البيت بمساكن متجاورة .
أما العامل الثاني الذي لايمكن إغفاله في عملية التغير فهو الانفتاح على ثقافة وداي النيل ، وعمليات التحديث المستمرة وهى عوامل أدت لتغيرات عديدة ، تركت أثرها على المجتمع ككل لكن امتداده ليشمل المرأة لم يعطى أثره إلا بعد سنوات من التحرير ، لقد بدأ مع الفتيات بفتح مجال التعليم أمامهن واحتكاكهن مع بنات الوادي في الفصول التعليمية أولا ، ثم ارتداء الفتاة ملابس كملابسهن ، ونتج من التعليم الحصول على الوظائف في قطاعات مختلفة ، وهو ما أدى إلى تغير أخر بالاحتكاك المباشر بآخرين – رجال ونساء - يختلفون عنها ثقافة وفكرا ، هذا التغير جعلها تشارك في المجالس الشعبية والحزب الوطني وعضويه الأندية الرياضية والثقافية وفرق الفنون الشعبية ، والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والعمالية ، ومع ذلك فأن نسبتهن في المواقع القيادية ضعيفة – باستثناء المجال التعليمي - ويشير تقرير التنمية البشرية بالمحافظات الموضوع عام 2005 ، أن نسب شغل المرأة السيناوية للمواقع القيادية بالمجالس الشعبية ، هي نسب ضعيفة وتبلغ في شمال سيناء ( 4,3 0/0 ) لكن إذا عرفنا أن تلك النسبة مثل نسبة قوة العمل ( 19 0/0 ) تحوى أيضا إناث وافدات من وادي النيل مع أسرهم ، سندرك مدى ضعفها .
وتؤثر العادات والتقاليد في الوضع الاقتصادي للمرأة ، فتصل نسبة مشاركتها في النشاط ( التجاري إلى 17 0/0) (2) بينما تصل حيازتها إلى الملكية الخاصة في الأراضي الزراعية ( بنحو 1,5 0/0 ) (3 ) أي واحد ونصف في المائة يرجع تدنى النسبة إلى عادات القبائل بعدم توريث الأرض للمرأة ، وتعوض ماليا ، حتى تبقى الأرض بحيازة القبيلة ، ويقول احد الإخباريون أن نسبة التعويض المالي ترتفع أو تنخفض ليس تبعا لقيمة الأرض بل لقوة الضمير أو ضعفه ، فقد تحصل المرأة على قيمة مادية مساوية للأرض لكنها أيضا قد تحصل على أقل .
#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟