البحرين
انجزت الولايات المتحدة الامريكية مهمة احتلال منطقة الخليج بوجود قرابة 300 الف جندي امريكي في البر والبحر، وخمس حاملات عملاقة للطائرات .. والعشرات من القطع العسكرية البحرية، وطائرات الشبح والقاذفات البعيدة المدى .. بالاضافة الى الاف الجواسيس السريين وشبه السريين المنتشرين في كافة العواصم الخليجية الذين يراقبون حركة المال والناس على حد سواء. حيث القناعة راسخة لدى الادارة الاميركية بأن الامة العربية في مختلف بلدانها، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي تنظر الى هذه الادارة على انها عدو للامة.. وانها لا تريد الخير لها.. وانها تريد السيطرة على ثروات ومقدرات المنطقة العربية لتقوية مركزها الدولي في صراعها مع الكواسر الآخرين..
ولعل المثل الأخير الذي حصلت عله السفارة الاميركية في البحرين عندما رتبت زيارة وفد من المعارضة العراقية المتأمركة خير شاهد على ذلك.. فقد استنكرت كافة مؤسسات المجتمع المدني هذه الدعوة المشبوهة وهذا التدخل الامريكي الفظ.. وهذا التسويق لوفد عربي يريد زيارة بلد عربي ليلتقي مع مؤسسات شعبية عربية عبر وساطة اميركية!!!
هذا مؤشر للقادم... فبعد الاحتلال الامريكي للعراق قد يكون صعباً على أي وفد عربي زيارة بلد عربي آخر دون وساطة السفارة الامريكية في ذلك البلد.. او لنقل اذا اردنا زيارة العراق فلا بد أن نأخذ التأشيرة من السفارة الاميركية في البحرين لزيارة العتبات المقدسة او اللقاء مع الاحزاب السياسية في العراق!!.
بعد هذا الاحتلال المباشر للخليج .. دون ضجيج عدا الاستنكار للمشروع القادم!! قد تقوم الادارة الاميركية بالعدوان والغزو للعراق خلال هذا الاسبوع او بقية شهر الحرب (مارس)، وتتحدث عن خرائط جديدة للمنطقة العربية بعد احتلال العراق.. بل وتسرب الانباء عن التعيينات التي سيقوم بها الحاكم العسكري في بغداد للمحافظين والمدراء والشركات التي حصلت على مناقصات لاعادة اعمار العراق.. ناهيك عن خطط اعادة رسم المنطقة (وهو ما يجب الوقوف ضده، مهما كنا مختلفين مع هذا النظام العربي او ذاك، فاشكالية التجزئة الراهنة التي حافظنا عليها طيلة قرن، وانعدام الديمقراطية هما اللتان أوصلتانا الى الواقع المزري ، الرسمي والشعبي على حد سواء).
ذلك يذكرنا ببداية القرن المنصرم.. عندما تحدثت الدول الغربية (فرنسا وبريطانيا) عن وقوفهم الى جانب العرب ومشاريع الوحدة والاستقلال عن الامبراطورية العثمانية.. وكانت النتيجة تقسيم المشرق والبدء في تنفيذ صهينة فلسطين حتى امكن اعلان الدولة العبرية في 1948... فخسرنا الوحدة والحرية وفلسطين..
***
الاخوة الكويتيون عاتبون على شعب البحرين .. ولعل ابلغ تعبير عن هذا العتاب ما كتبه الاستاذ علي احمد البغلي في جريدة القبس الكويتية في مطلع هذا الشهر بعنوان "من عمره ما تبخر، تبخر واحترق!!"
عاتبون على أهل البحرين لأنهم يخرجون في مسيرات تضامنية، بعد صلاة الجمعة، مع شعب العراق وفلسطين... ويستنكرون هذه الحشود الاميركية والبريطانية الضخمة لغزو العراق .. مدعياً ان شعب البحرين يرفع صور صدام حسين ويهتف بحياته!! وهذا تمادي وتجني على شعب البحرين.. الذي لم يرفع صور صدام، ولم يهتف بحياته!! لأنه يرفض الوقوف الى جانب الطغاة والجلادين.. وينسجم كلية مع قناعاته السياسية وتاريخه النضالي. فمن يطالب بالديمقراطية في البحرين يطالب بالديمقراطية في العراق وفلسطين والكويت وسوريا وليبيا والسعودية وغيرها من البلدان العربية التي تحتاج الى اشاعة الديمقراطية فيها للرد على المشروع الامريكي الذي يريد تعليمنا الديمقراطية في سبعة ايام!!..
ويبدو ان الاخ احمد لم يحالفه الحظ في عنوان المقال.. فشعب البحرين لديه بوصلة واضحة في النظر الى القضايا السياسية.. فعندما تكون البوصلة فلسطين.. فلن تخطئ معرفة العدو من الصديق.. ولن تخطئ معرفة الاهداف الحقيقية لهذه القوات الاميركية البريطانية الضخمة متجمعة في الكويت والبحرين وقطر والمملكة السعودية والمياه الدولية .. ولن تخطئ معرفة حقيقة موقف الاصدقاء الذين يقفون ضد الامريكان في الوقت الحاضر.. في الوقت الذي لا يطالبون بتدمير اسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية.. بل لعبوا ادواراً محزنة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.. بالمال والسلاح والمتطوعين .. لكنها السياسة وصراع المصالح... ولن تخطيء حقيقة الموقف الامريكي من قضية "تحرير العراق".. فحيث ينطبق الموقف الامريكي مع شارون الصهيوني.. فلا يمكن ان يكون الموقف الامريكي في العراق الا تلبية للمخطط الامريكي الصهيوني العام في المنطقة برمتها.. لكن الادارة الامريكية توهمنا بأنها تريد تحرير شعب العراق من الطاغية.. في الوقت الذي لم تتردد من تقديم كل الدعم لهذا الطاغية وغيره من الحكام العرب .. عندما تلتقي مصالحها او مصالحهم مع بعضها البعض..
شعب البحرين لا ينطبق عليه هذا المثل .. فخلال سنوات القمع التي يذكرنا بها الاخ احمد (وهو مشكور ومعه الاخوة الكويتيين الذين نعتز بمواقفهم واسنادهم لنضال شعبنا، ونفخر ان العقوبة الهندرسونية قد شملتهم بمنعهم من دخول البحرين في تلك الفترة المظلمة) لم يتردد هذا الشعب عن تقديم الشهداء والمعتقلين وعن القيام بالمسيرات والتظاهرات احتجاجاً على القمع والارهاب ... وكان الاحرار في الكويت يتضامنون مع اخوانهم في البحرين، كما هي عادة اخواننا الكويتيين في التضامن مع اشقائهم العرب في كل الساحات العربية وفي المقدمة منها فلسطين.. وكما يجب ان يتضامن احرار الكويت مع شعب العراق في المحنة المزدوجة التي يعاني منها.. فالدمار في العراق يعني الدمار في الكويت.. ومطلوب من شعب الكويت ان يقف ضد الحرب في ذات الوقت الذي يقف مع شعب العراق ضد الطاغية في الداخل.. وليس منة ، ولكنه شرف كبير لأحرار الكويت الذين وقفوا الى جانب اشقائهم في البحرين.. في الوقت الذي وقفت الحكومة الكويتية مع حكومة البحرين في اعتقال ابناء البحرين ومحاكمتهم وسجنهم لأنهم يوزعون بيانات حول اوضاع البحرين.. في تلك الفترة ..
نريد يا سيدي ان نتخيل المنطقة بدون صدام وبدون الجيوش الاميركية.. وبدون العدوان الامريكي الذي يتحدث عن أم القنابل.. ليعيد الى ذاكرتنا ام المعارك.. مما يعني بوضوح ان القادم في العراق أعظم من الحالي.. وان الثمن الذي تدفعه المنطقة سيكون أكبر بكثير مما نعانيه في الوقت الحاضر...
وخطر الحرب ـ ايها الاخ العزيز ـ لايمكن تقديره اذا استخدم الامريكان الاسلحة الذرية او الذكية.. واستخدم صدام الاسلحة الغبية .. فسيكون الدمار شاملاً.. وقد لا نجد الكويت بعد ذلك.. كما سيترحم العالم على عرب .. كانوا في هذه المنطقة!!
نقدر مشاعر اخوتنا في الكويت.. كما نقدر مشاعر أخوتنا في العراق.. فكل عراقي تلتقي معه يقول متى الفرج من رب السماء لأعود الى الوطن بعد ان عدتم.. فانت يا أخي الكريم ممزق بين رفضك للظلم والقمع والدكتاتورية وبين رفضك لقوة غاشمة كبيرة تريد ترتيب المشرق العربي.. بل المنطقة الاسلامية برمتها على ضوء صراعها الدولي وعلى ضوء سياساتها السابقة التي جنتها بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وانقلاب الحركة السلفية ضدها.. لتمسك واشنطن بهذه الورقة لتقول بأن العدو الاساسي في هذه المرحلة هي الحركة الاصولية المتطرفة.. ومن دون سائر الحركات الدينية المتطرفة (والتي تقف الحركة الصهيونية في مقدمتها.. حيث انها التعبير الاكثر تطرفاً للحركة اليهودية السلفية التي تريد اعادتنا الى هيكل سليمان ومملكة داوود قبل ثلاثة الاف سنة.. بينما تريد الحركة السلفية الاسلامية اعادتنا الى العهد الراشدي.. في ظروف ليس بها راشدين في السياسة الدولية)، تتحدث الادارة الاميركية عن خطر الاسلام الاصولي، وهي في حقيقة الامر تتحدث عن الخطر الفلسطيني والعربي والاسلامي والاممي على حد سواء على الكيان الصهيوني في فلسطين.. فالادارة الاميركية عينها على فلسطين.. والاخرى على النفط العربي.. ومن لا يرى ذلك.. فانه يجهل الف باء الرأسمالية الاميركية بالدرجة الاساسية وفي الوقت الحاضر بالذات!
ولا نعتقد بأن وجود عشرات الآف من الجيش الامريكي على الاراضي العربية سيعزز الديمقراطية في هذا البلد العربي او ذلك.. فالاحتلال له قوانينه.. والولايات المتحدة تريد من العراق ـ قبل غيره ـ ان يدفع فاتورة الحرب والاعمار، خاصة اذا رفضت الدول الكبرى تمويل عملية التدمير والاعمار.. وتجد من يقول لها "خبز خبزتيه اكليه"!!
***
ولعل اطرف ما قيل عن هذه التظاهرات التي عمت العواصم الكبرى في العالم ما كتبه السيد امير زاهدي في جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 6 مارس الحالي .. الذي وصم كل التحركات الشعبية في العالم ضد الحرب بأنها من تدبير بقايا الشيوعية العالمية.. ونسي ان يشير الى شيراك وهل هو شيوعي ام معاد للشيوعية؟! او الزعيم الالماني، او بطلات هوليود، او مثقفين ومفكرين وعلماء حصولا على جائزة نوبل.. حيث من السهولة ان تصف الروس والصينيين حالياً بانهم بقايا العهد القديم.. ولا شك ان هذا التحليل المتعوس للواقع المنحوس.. يتجاهل كلية الصراع الدولي على المنطقة.. والوعي الديمقراطي المتزايد لدى قطاعات واسعة من شعوب العالم بخطر القطب الواحد وضرورة التعددية في مراكز القوى في العالم للجم بعضها البعض.. فالولايات المتحدة تتصرف بوحي من المرحلة السابقة.. بأنها قادرة على فرض ارادتها بالقوة المسلحة في كل مكان في العالم.. معتمدة في الوقت ذاته على تحالف دولي كبير يسير وراءها .. تدعمه ويدعمها.. في الشيشان وساحل العاج على حد سواء.. لكنها لم تدرس بدقة خصوصية المنطقة النفطية العربية.. ودروس افغانستان النفطية ايضاً وبالتالي التحولات في المسرح الدولي خلال العام .. والشرخ الذي تزايد عندما ارادت امريكا ان تنفذ البند الثاني من برنامجها في مكافحة الارهاب!! بعد ان حللت بدقة المكاسب الكبيرة التي حققتها من الحرب في افغانستان.
*********
كنعان