أكاديوس
الحوار المتمدن-العدد: 5971 - 2018 / 8 / 22 - 18:43
المحور:
الادب والفن
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحب الغداء على عشبها مع مانيه ورفيقتيه عند قدمي تمثال دموزي الرخامي وأتأمله منحن يخصف حلمه ..
حلمه الذي يليق بسيمفونية لموتزارت تتغنى بالجسور المنكسرة التي نسيت عبورها وتذكرت المجزرة ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحب الوقوف وسط ساحة حرماتها أرقب الزائرين ينثرون قمح نذورهم على صدر عشتار المستلقية على سجادة قاشان نهبت ألوان زخارفها من الضريح الى الضريح ..
وحمام الرب الفيروزي ينهمر من جبل الطور كشهوة صيف في سرير خطيئة نبوي ..
انا أكره هذه المدينة ..
لكني أجلس كل ليلة على شفيرها أهمس لشموع النسوة ببضع حسرات تحملها لأعماق الفرات هناك حيث يغفو أهلي ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أطيل البقاء فيها لأرتل أكبر عدد من أعترافات الشعراء المصلوبين على شرفات منائرها ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أفتقد صوت ضفادعها التي داستها دبابات المارينز اللاهوتي وهي تعبر الضفاف صوب جرار قهرمانة هناك حيث بغداد بلا أسوار تنتظر الفاتحين ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أكره أكثر انزلاقي من دفتي اخضرارها الطالما احتضن قبلات وشهقات العشاق الأولى وخبأها عن العابرين ..
وأحب أكثر نخيل بساتينها المرصوف مرة كهنة مسماريين في مسلة حمورابي السوداء ومرة أعناقا لسعيد بن جبير على مذبح الحجاج التكريتي ومرة جذوعا على سندان المتخلفين عن ركب نظرية النشوء والارتقاء ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحب نهرها الذي حمل عكازه القصب وارتحل صوب الصحراء يحمل على كتفيه أحزان الطين ورايات ثأرها الحمراء فكان حسين التأريخ المهاجر أبدا بحثا عن العطش ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحبها اليوم وهي عاهرة تحتضن رعاع القرى النافقة كما أحببتها يوم كانت قديسة الفرات التي احتوشها اليتم ذات عاشوراء ...
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحبها كما لو كنت الناجي الوحيد من طوفان مذابحها يوم خرجت من أول تابوت وبيدي فأس گلگامش تتبعني غابات أنكيدو ومومسات الإخشيد ..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحن للتسكع في أزقتها الضيقة الرطبة بحثا عن حلم لبني لنهد مراهقة يقطر من شنشول خشبي على دخان كوابيسي فأعود طفلا بلا تاريخ أو جغرافيا..
أنا أكره هذه المدينة ..
لكني أحب صمونها العراقي المحشو بالقرآن العربي ومايونيز المانغا الهندية وبيض اللقلق الهولندي المجرد من ورق العفاف الأميركي..
#أكاديوس
#أكاديوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟