أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعيد رمضان على - مدخل الى سيناء - جزء ثان















المزيد.....

مدخل الى سيناء - جزء ثان


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 5970 - 2018 / 8 / 21 - 20:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما ننظر ناحية الأفق عند الغروب , ونرى بعض السحب البيضاء المتراكمة تحيطها الظلال السوداء ، وسحبا أخرى تتخللها خطوطا رمادية ، ثم انتظرنا قليلا حتى تختفي الشمس حينها سنرى ضوء ينتشر ويضيء الأفق الغربي ، وتتناثر الأشعة الصفراء والأرجوانية ، بإيقاع يتصاعد ثم يخفت شيئا فشيئا ، في هذه اللحظات قد نفقد القدرة على البوح بما في طياتنا ، لكننا سنكون قد رأينا سيناء بجبالها وتلالها ووديانها وتموجات رمالها الصفراء منعكسة على الأفق ... سيناء التي تملك سحرا يقع في ظلال العتمة ، و تملك الكثير من الحقيقة ، هي في تكوينها تقترب من أعماق إنسانها البدوي وهو يتحرق شوقا للانفعال ..
إنسان في ترحال مستمر وحيدا وسط الصحراء ، بقليل من الزاد وشربة ماء ، وعندما يأتي عليه الليل ، يشعل نيرانا ببعض الشجر الجاف ، ويظل فترة يتأمل اللهب وهو يتراقص على نغمات الهواء ، ثم ينتابه النعاس فيغفوا و حين تخفت النيران ويحس بالبرد ، يستيقظ ليلقمها عودا من الحطب ، ومع ذلك فهو لا يشعر بأي قلق موحش ، لا تربطه الثواني والدقائق ، مندمجا مع الظروف التي تمر به ، غير مسجون بداخل حياة رتيبة ، ومواعيد منتظمة ، يمضى مطمئنا لأنه يثق في بيئته، وهو بهذه البساطة يكشف عن أصالة الحياة البشرية ، وعن البعد البكر في أعماق الإنسان ، وهو يتدفق في عصارة نقية ، تنصهر مع نغم الوجود ودفء الحياة .
هذا هو إنسان سيناء البدوي ، وتلك بصمه سيناء على إنسانها ، وهؤلاء الذين مروا بها من الغزاة وظنوا أنهم احتلوها ، عاشوا في وهم الاحتلال ، ولم يدركوا أبدا أن سيناء هي التي احتلتهم ، وهم . .. عندما ذهبوا .. هنا وهناك .. تمزق شيئا في أعماقهم.. افتقدوا الصوت والصدى ، رائحة الصحراء ، تموجات الرمال وهمسات الريح ، عادوا للحياة المدنية بقشورها الواهية التي تمسخ وتشوه، وعندما وطأوا أرض سيناء، ومعهم مفاهيمهم التي تشربوا بها ، من مجتمع سبق أن حكم عليهم بالإعدام ، بأن أودع فيهم الطمع وسحق بداخلهم قيم الإنسانية النبيلة ، عندما وطأوا تلك الأرض نظروا لإنسانها ، فإذا به بسيط الثياب ، يفترش الرمال ، قد يزرع أرضا صغيرة بما تجود به الأمطار ، أو يصيد السمك ، أو ويرعى الغنم والإبل ، ويعيش في الخيام ، فنظروا إلي أنفسهم كأنهم مخلوقات خاصة ومتميزة ، وهاهي دورة الزمان تؤكد أن ذلك الإنسان البسيط أكثر إنسانيه وأصالة وكرما .
إنسان ارتبط على مر التاريخ بالتحرر وأثرى الدول التي يعيش على أطرافها ، بحيوية تحرك مياهها الراكدة التي تنتج من حياة الرخاء والرفاهية ، بدوى استطاع على مر آلاف السنين أن يوجد توازنا ويحقق انسجاما مع بيئته .
ثبات النمط البدوي
ومن الحقائق المدهشة في سيناء هو ثبات النمط البدوي بعاداته وتقاليده ، على مر الأزمنة فسيناء لم تكن أبدا مستقرا لهجرات بشرية كبرى ، بل كانت ممر للرحيل ومنفذا لغزوات حربية ، أن هذه العوامل ساهمت في عدم وضع سيناء في عزلة البحيرات المغلقة التي تميت ، وهذه العوامل أيضا هي التي سمحت بتكوين شخصية مميزة لها نمطها الخاص .
لكنه ليس نمطا موضوعا ضمن إطار لا يقبل النمو ، فكل تجمع إنساني يكتسب خبراته ،عبر ممارسة تؤدى إلى خبرة تأخذ حظها من التغير ، وما اقصده من ثبات النمط البدوي إن عاداته وتقاليده وأفكاره وقوانينه ، نبعت من داخلة كجسد حي ينمو ويتحرك وليس عبر تأثيرات خارجية كالهجرات البشرية الكبرى ، أما الغزوات والاحتلال فقد واجهها بالحفاظ على تراثه .
لكن هذا النمط بدأ في التغير التدريجي بعد تحرير سيناء عام 1982 حيث أصبحت شبة الجزيرة مكانا للهجرة البشرية من أبناء وادي النيل ، وإذا كان أهل سيناء يتكلمون العربية مع لسان محلى ، كلسان أهل الصعيد أو أبناء النوبة أو الأرياف ، فقد بدأ يحدث لهذا اللسان تغير, فالتفاعل بين أهل سيناء وأبناء وادي النيل ، أدى إلى التقاط مفردات من لهجات محلية وافدة ، لهجات تتعدد بتعدد الوافدين بلسانهم المحلى ، وهم من كافة قرى مصر ومدنها ، من الإسكندرية حتى الصعيد مرورا بالريف المصري والقاهرة ، وكما يحدث عندما يختلط الجميع ويتفاعلون ، ويتقاربون ، فأن اللغة من بعضها تقترب ، ولذا من المنتظر أن يظهر مستقبلا لسان محلى جديد بسيناء يأخذ من الجديد الوافد ، ولا يقطع صلته بالقديم المقيم ، أن وفود أبناء الوادي قد أحدثت تغيرا ، وهو تغير ينتج عن الاختلاط ، وماكان محرما أصبح مقبولا ، لكن الاختلاط نتج أولا عبر زواج أبناء سيناء من بنات الوادي تبعه بعد فترة زواج نساء سيناء من أبناء الوادي ، لكنى لا اذهب للقول انه سيحدث تغيرا في البناء العضوي ، لأنه قول متطرف يفصل بين الأصول ، ويؤكد على أقوال مفاداها " بأنه ليس في سيناء سكان ذوي أصول مصرية ( سكان أصليين ) بل كل سكانها ( بادية وحاضرة ) هم من العرب "، وهو أقوال تتماشى مع محاولات عزل سيناء عن مصر ، وفصل الأهل عن الأهل ، كمحاولة اليهود أيام الاحتلال في مؤتمر الحسنة عام 1968 عندما حاولوا تدويلها وفصلها عن الوطن . ثم انه قول يتجاهل وجود بعض العائلات من أصول تركية وفدت مع الحملات العسكرية وغيرها عندما كانت مصر ولاية عثمانية ، وبعض أصول هذه العائلات أرسلها احمد باشا الجزار لقلعة العريش للوقوف في وجه الحملة الفرنسية إثناء زحفها على الشام عام 1799. والرد على محاولات عزل الأهل عن الأهل سهل وميسور ، فعند بناء دير سانت كاترين حضرت بأمر الحاكم حوالي مائه عائلة من مصر لبناء الدير، اختلطت العائلات مع قبائل العرب حولهم، ثم اسلموا مع الفتح الإسلامي ، وبعضهم دخل في جيش عمرو بن العاص ، وإبان حكم السلطان سليم الأول العثماني حضرت مائه عائلة أخرى من سكان المطرية شرق الدلتا.
وهناك قبيلة الحويطات (* ) بسيناء منتشرة في السويس والإسماعلية وفي الشرقية وفي القليوبية وحلوان وحول القاهرة في البساتين وعين شمس وعزبة النخيل و قبيلة الرياشات بشمال سيناء ، وتوجد الرياشات أيضا في البحيرة و طنطا وكفر الشيخ ، ، أما قبائل بني هلال التي خرجت من مصر إلي المغرب ثم عادت فهناك في مصر قرية باسمها وهى قرية بنى هلال ، وتفيد المصادر أن قبيلة التياها بوسط سيناء فرع من بنى هلال ، أما قبيلة السماعنة في شمال سيناء فيوجد قرية أيضا باسمها في مصر هي قرية السماعنة وكذلك قبيلة بنى واصل فلها قرية في مصر اسمها ( بنى واصل ) أما قبيلة العيايدة بشبة الجزيرة فهم يسكنون أيضا شمال أسوان والبحيرة .. والسجل طويل وحافل ... لكن لماذا نذهب هنا وهناك ؟ إلا يكفى القول إن سيدنا إبراهيم عليه السلام تزوج من السيدة هاجر المصرية وأنجب منها سيدنا إسماعيل أبو العرب وجد سيدنا محمد صلى الله علية وسلم الذي تزوج أيضا السيدة ماريا القبطية من مصر .
ثم هناك مسألة الدفاع عن الأمة العربية عندما تحملت مصر مسئوليتها التاريخية وواجهت الغزاة القادمين من الشرق ، أن الحملات المصرية تركت وراءها جنودا ، تخلف بعضهم أما لحراسة النقاط العسكرية والقلاع أو فضلوا البقاء اختيارا في سيناء ، هؤلاء أيضا اختلطوا بالسكان .
لا يوجد في سيناء ألان ذلك الصراع بين ثقافتان مختلفتان ، كالصراع الذي حدث بين الصهيونية والعرب أو بين الأوربيين وسكان أمريكا الأصليين ( الهنود ) أو بين المحتلين البيض في استراليا والسكان المحليين ، بل يوجد روافد ثقافية كروافد ثقافة النوبة وأهل الصعيد والريف والإسكندرية والقاهرة ، لكل منها خصائصه التي تصب في نهر الثقافة العامة للوطن .



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل الى سيناء - جزء ثالث
- إنسانية - العرض- وإشكاليات الحاضر
- ديابولوس
- قراءة في قصة - العرض-
- مذكرات ضابط أمن
- نظرة على الفن
- كلهم أبنائي - نقد
- زبد الليل - نقد
- السفينة - نقد
- الشقراء أم الثلاث
- حكاية (( ليلة حزن في قصر الوالي )
- - ملكوتية -
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء السادس
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء السابع
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الثامن والأخير
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الرابع
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الخامس
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الثانى
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الثالث
- رواد الفن التشكيلي في فلسطين – الجزء الأول


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعيد رمضان على - مدخل الى سيناء - جزء ثان