|
الشاعر جواد الحطاب، نسق حضور ومضمراته بدرية نعمة ..!
وجدان عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5970 - 2018 / 8 / 21 - 12:10
المحور:
الادب والفن
يبدو ان الشاعر الحطاب قد تخلى عن صراع ازلي من ، حيث رؤية العالم المعتادة في العلاقة بين الشرق والغرب ، هذا اولا ، ثم انه استثمر الصراع بين الموت والحياة لاحياء الضمير الانساني الذي لايختلف في الشرق عنه في غرب العالم .. وهناك حرفية كتابية حاول الشاعر اختراقها ، متمثلة في العلاقة بين المتن والهامش ، فجعل رؤيته تتجه بخط واضح لتكوين متنا خالصا ، تخلى تماما عن الهامش .. ثم ان الشاعر جواد الحطاب مثل نسق الضجيج والحركة والنمو ، وبدرية نعمة مثلت نسق الصمت والسكون ، وبين هذين النسقين تكمن مضمرات كثيرة منها ، تحاول ان تتساوق مع ايقاع الحياة ، واخرى تحاول ان تتضاد .. فعند مناقشة الحياة ، نجدها حالة تميز الكائنات الحية من البشر والنبات الى البكتريا والجراثيم ، وحالة التميز تتجسد بالقدرة على النمو والتكاثر بعلة ضمان الاستمرار بالحياة ، ولازمة هذا الاستمرار الوجودي ، هي الهواء والماء .. بمعنى ان هناك حركة تحقق وجود وعكسها الموت الذي ، هو من أكبر الأسرار في الكون وربما يكون السر الأكبر على الإطلاق ، كما هو سر الروح ، غير ان ذكره بدهي هامشي بعلة حقيقته المعتادة .. وهنا يبدأ الصراع ، ونركز على الانسان ، فهو بطبيعته ينفر من الموت, لأن هناك في داخله شعلة الخلود والأبديّة. و الموت هو الحدث الأكيد والوحيد الموجود في العالم ، ويوجد في حياة الإنسان منذ البدء, فالإنسان الأول كان قابلاً للفساد ولعدم الفساد, أيّ بإمكانه أن يموت وبإمكانه ألاّ يموت. إن يحفظ وصايا اللّه لن يموت, وإن يُخالفها سيقبل الموت. الموت إذًن ثمرة الخطيئة ، وهذا ما حصل لآدم وحواء طبعاً من الناحية الدينية. فالله عندما خلق آدم وحواء, خلقهما بصورة ملاك ، أي بالشكل والجسد الروحاني, ولكن عندما أكلوا من ثمرة المعرفة تحولوا إلى الجسد المادي الفيزيولوجي. والثمرة هنا هي رمز للمادة ، لذا فإن الفرق بين الإنسان والملاك تنبع بوجود مركز الطاقة الثالثة وهو البطن والذي يرمز للمادة, لذا فعند موتنا ننتقل ونرجع إلى شكلنا الأساسي ، وهو الشكل الروحاني وليس للشكل الفيزيائي والمادي للجسد. ويأخذنا الحطاب لمسارات مختلفة ، فحينما نحاول دراسة انتاجه الشعري الجديد ، لابد لنا من البحث عن النسق الثقافي المضمر ، كي نعني بشعرية الخطاب ، ومن ثم اكتشاف ابعاده وامتدادته ، وبالتالي نعطي حرية في نقاش المعاني المضمرة وفق السياقات الاخرى ، اي التعامل مع الخطاب من جانبين : الاول حاضر ، يتمثل باللغة ويتجلى عبر جمالياتها .. والثاني مضمر ، اي كامن بالعلاقة بين منتج النص "الخطاب" ، والافعال التعبيرية التي تكون عناصر ذلك الخطاب ، كما اننا نجد ان الشاعر ، قد اتخذ طريق التورية "القصدية" في صناعة خطابه الشعري ، حيث نقل الظواهر الهامشية الحاضرة الى المضمر المخفي .. وفعل القصد ، هو فعل الوعي ، وبالتالي نجد هناك دلالة صريحة ، تعني بالتوصيل ، واخرى مضمرة ، اي ادبية جمالية ، وهناك دلالة نسقية ، تربط بين اللغة والذهن البشري ، وهذه الدلالة النسقية ، تحث الذهن على التوقد وتكوين رؤية اعمق للخطاب ، فالدلالة الصريحة ، تستند على الجملة النحوية بانواعها ، والدلالة الضمنية تنشأ عن الجملة الادبية الجمالية ، والعلاقة التي تنشأ بين الجملتين ، تسمى الجملة الثقافية .. وكل الظن ان الشاعر الحطاب اخذته في انتاجه الشعري هذا ، هي الجملة الثقافية الناتجة بين الجملة النحوية الاخبارية ، والجملة الادبية الشعرية ، ففي الاولى كان صريحا ، وفي الثاني حاول ان يضمر ، ومن خلال الاثنين كون اسبابا ومسببات ، فبدرية نعمة والرثاء اسبابا ومسببات معروفة ومحمولات الربط بالشاعر جواد الحطاب معروفة ، لكن لماذا ناقش علة الموت من خلال بدرية ورثاها شعرا نثريا .. ثم مكث في محراب الشعر ، يفلسف حاله .. ثم ظل يركز على النسق الثقافي كونه نسق تاريخي ازلي كالموت ، لكن المتلقي يبقى يبحث فيما ورائية الخطاب من مضمرات نسقية، وذلك للوصول إلى طريقة التفكير وأشكال السلوك، وأساليب التعبير، وكل ما يتصل بالجوانب المادية والروحية والفكرية والعاطفية لصانع الخطاب .. جواد الحطاب وبدرية نعمة ، قبرها ام ربيئة وادي السلام .. (أنا الآن من دون بدرية نعمة ؟!!!!! : : للمرة الأولى، يحدث ھذا : أن تتركني بدرية نعمة وتذھب بزيارة مجھولة!!)
هنا يبدأ البحث عن النسق المضمر "زيارة مجهولة" .. الشاعر جواد الحطاب الابن حي يُرزق ، بدرية نعمة الام قد وافاها الاجل ولا محيص من هذا .. (أقول لصور القديسين، للأولياء الذين تراقبني أعينھم بحنوّ وإشفاق : أنا في حرز مكين، فمعي: بدرية نعمة)
الصراع الذي يتوهج في داخل الحطاب ، ان بدرية نعمة تركته ، غير انها معه .. اي هناك غياب وحضور .. (في (مسند) الحطّاب إنّ الربّ وجدك نامية على ضفاف سومر فاستخرجك من لحاء الطين ومن منكّھات القرنفل، والقصب ... وقيل لطفولتك ضوع توابل أخرى) ويستمر نمو حضور بدرية نعمة في ذهنية الشاعر ، وتتحول كل الهوامش الى متون ، تصبح مرتكز يستند عليه الخطاب ، لكن هل يتخلى الخطاب عن متونه الاصلية .. وبقيت حالة التحولات من الموت الى الحياة مضمرة في ذهن الشاعر ، حتى ولو قالها شعرا ، فالموت صمت وسكون ، والحياة حركة وضجيج .. (أيوجد قبر للإيجار جوارك فما اعتدت النوم بعيدا عن شيلتك البيضاء كأحزان القديسين ...) التساؤل الوجودي ، يحضر الان ، هل يود الشاعر ان يعيش عالم الموت ، كي يرى بدرية نعمة ، ام انه يفترض هذا بعيدا عن حالات الخوف من الموت ، ولهذا شبه المرئي بغير المرئي .. واستمر بطريق الحياة ، لم يفرط بحالة النمو في داخله ، رغم موت بدرية الحتمي .. (بيتي .. في آخر أصقاع الحزن وحنانك بيت أنا طفل ضيّعه الشعر فما ضرّك لو آويت ..) هو في قرارة نفسه شاعرا يعيش الطفولة ، والطفولة عنوان نمو واضح ، يستمد حركة الصعود من بيت حنانها .. النسق المضمر هو التمسك ببدرية نعمة ، وغير هذا لايكون فمن البدهي ، ان الموت لايشبه الحياة البتة ، والموت هامش مهمل ، اي انه حقيقة لا تقبل النقاش ، وكذا الحياة ، فليس من المعقول ان تكون هي الموت ، لذا يقول الحطاب :
(أستنسخ اليقين لأزوّر المقبرة . . ستنامين .. وأنا تحت مَلَلٍ ناعمٍ أنتظرُ تصحيحَ مسوّدةِ الحياة)
قال الله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [الملك/ 2، وقال الله تعالى في سورة البقرة : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 – 157، قد اجد هنا بعضا من مسوغات الفرضية التي تجعل جواد الحطاب ضمن القائلين انا لله وانا اليه راجعون .. لاضعه في درجة عالية من الانسانية ، التي تعرف حدود الموت والحياة ، وتفرق بينهما ، وبالتالي اصبح الحطاب في درجة مثالية ، يكون فيها لايهوى الموت ، كونه موت ، ولايهوى الحياة ، كونها حياة ، انما يدرك معانيها المضمرة ، وبهذا تكون هذه المعاني بعيدة المنال ، لا تُدرك بسهولة ، والدليل قول الله سبحانه وتعالى : (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ، حينما يُصابون بمصيبة ، فيقرون بالوجود الحتمي لها من خلال الوعي بها .. يقول فضل خلف جبر : (لأكن صريحاً، فإن المأزق الذي وجدت نفسي فيه لا يقل حراجة عن أيّ من المواقف الصعبة التي وضعني فيھا الحطاب، وھي كثيرة ومحل تندر بين الأصدقاء والمعارف. صعوبة الموقف تأتي من جانبين:أولھما، وعورة نص الحطاب نفسه الذي يحتاج الى صبر وتأمل وتمعن حتى يفتح لك أسراره ونواياه. فالقصيدة لدى الحطاب ھي بمثابة رحلة مزدوجة متشابكة لاكتشاف الذات والما حول. ھذا الأمر يجعل من الصعب الإمساك المبكّر بقياد القصيدة النافرة حتى من لجام الشاعر نفسه. وثانيھما، موضوع القصيدة، الذي يتعلق بذات رفيعة جمعتني بھا لحظات أمومة ١ قل نظيرھا ٢. بل ان مفصلا مھماً من مفاصل القصيدة تتمحور رمزيته حول "علق" نادر تربطني به شخصياً رابطة "بنوة" ما، ھو ايقونة "الشيلة" ٣ التي تتكرر كثيرا في ثنايا القصيدة. كان ھذان السببان كافيين لكبح اندفاعي للكتابة بقوة الرغبة في معانقة النص والتحليق مع تجليات الحطاب التي لا تتكرر.) ، هذه المقالة تؤدي الى مقالة الاستاذ الدكتور محمد صابر عبيد : (اذ ان العمل الادبي اليوم ثمرة ثقافية خصبة للمعايشة العميقة والجوهرية لقضايا الانسان وتجاربه الجمالية في المكان والزمان والرؤيا والتشكيل والفن ، لذا لايمكن قراءة النص الذي يمثل اداة الاتصال الاولى في العمل الادبي من دون الاستعانة "بالسياق الثقافي باعتباره الحاضنة التي يترتب في اطارها النص" على النحو الذي ينعكس فيه الثقافي في النصي والنصي في الثقافي.) ، هذا التزاوج بين الثقافة والنص ، اي بين المحيط والمبدع والنص الابداعي خلق المعالجة التي تجعل المتلقي والنص ومبدعه ، يكونوا في اشكالية المشاركة والتأثر والتأثير ، وقيادتهما الى هذا هي اللغة التي تكون «شكل من أشكال الوجود. وكلّ معرفة بهذا الوجود إنما تؤدي إلى إعادة فهمنا للّغة نفسها... أن يكون الإنسان موجودا معناه أن ينطق ويتكلّم، ويدلّ ويرمز، كما يفكّر ويتأمل، ويستدلّ ويبرهن، بل معناه أنّه لا يمكن أن يفكّر ويتأمّل إلا عبر اللغة». وبهذا فان المقصدية الظاهرة عند هوسرل تعبر عن خصوصية الوعي باللغة، وجعلها شأنا من شؤون هذا الوعي. وهي أدخل في الدلالة على حال الأنا عند اليقظة بوصفها حالا نموذجية لوصف حياة الوعي، كما أنها أقرب للدلالة على ما بين الذات المتحدثة واللغة من قرب وتدانٍ. فالأمر لا يتعلّق بالكلمات في حدّ ذاتها، بل بكونها غرضا للنظر، حيث يكون إنجاز الفعل آية على حضور الأنا قرب الموضوع الذي هو موضوع مقصدي .. فبدرية نعمة حضور مقصدي ، وموتها حادث هامشي يحمل مضمراته الخاصة بالشاعر جواد الحطاب ...
#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حنان يوسف، بين الشوق والاحساس بالاخر ..!!
-
الشاعرة ريما محفوض، رافضة للواقع ومنفعلة بقبوله !
-
قصيدة (مفاتيح صدئة الجهات)، ومشاكسة اللغة ..
-
الشاعرة نيسان سليم رأفت : الشعر ومواقف الحياة ..
-
الشاعرة ناهدة الحلبي، تعيش اجواء الجمال داخل القصيدة ..
-
الشاعرة ناريمان ابراهيم تحت رداء الخيال!!
-
التشكيلية السورية جمانة الشجاع، ولوحة الايحاءات الانسانية ..
...
-
رندة عبدالعزيز، تعيش قلق الذات ..!
-
ثورة جسدية ضد العنف ..!! رواية (بوح النساء) أنموذجاً
-
الشاعر حسن البصام.. رومانسي بوجع سومري!
-
الكاتبة رامونا يحيى، وصراعات الزمن ..!
-
الشاعر ناجح ناجي من حساء العافية الى طبق الحنين !!
-
الشاعر احمد الشطري/الحب والشعر عنده تجربة والتزام ..
-
الكاتبة ميرنا دقور وتأملاتها الوجودية في الكون والحياة !!
-
الشاعرة ليلى غبرا، مختبر لانتاج طاقة الحب .. !!
-
سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وقصيدته (عراق...... يا منار
...
-
الكاتب أياد خضير وايحاءات الرمزية ، قصة (ثوب الثعبان) أنموذج
...
-
الفواز والحقيقة البيضاء ، يكسران خاطر الحرب !! اهداء للزميلي
...
-
الرقص الدرامي: الحركة لغة..!
-
ديوان (جسر من طين) للشاعر المغفور له رحيم الغالبي لفتات احتج
...
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|