سامي العامري
الحوار المتمدن-العدد: 5965 - 2018 / 8 / 16 - 22:53
المحور:
الادب والفن
ـ العقوبة ـ
محاورة بين الفرات وملاك ممَجَّد
ـــــــــــــ
سامي العامري
ــــــــــــــــــــــ
نزل ملاكٌ إلى أرض العراق في مهمة عاجلة ووقف على نخلة ناحلة كي يستريح من الطيران وشبكَ ذراعيه وأدار رأسه نحو الجهات الأربع فشاهد الفراتَ فاندشَ فحدث نفسه قائلاً :
الذي أعرفه أن الفرات صديقي وهو نهر من أنهار الجنة فما الذي أتى به إلى هنا، أم إنني مازلت أحلم ولم أقطع السماوات السبع أم إنه التعب وهلوسات السفر الطويل ؟
فرك عينيه ثانية فقال لنفسه : بل إنه الفرات عينه ولن أخطي ملامح الأصدقاء ثم إن بصري حديد.
فطار ثانية وحط على تلةٍ ألوانُها بين الرمادي والبني تطل على النهر، وتنحنحَ بصوت رددته وديان وخرفان وديكة كأنها عصافير فقال للفرات : صباح الخير صديقي الجنائني،
ما الذي أتى بك إلى هنا ومن الذي لطخ وجهك القدسي بِطينٍ أرضي شائه؟
فطأطأ الفراتُ ضفتيه خجلاً وغارت أصوات سنونواته التي تضاءت أحجامها أكثر فأكثر،
ولكنه أخيراً استعاد بعض ثقته بضلوعه المتخشبة فقال مستنكراً، وجاء صوته يشبه النباح تارة والنهيق تارة أخرى: من أنت لكي تسألني ؟
فصفَّق الملاك بجناحيه وأجاب بصوتٍ يحاكي الفصول الأربعة: أنسيتني؟ أنسيتني؟
وبعد دقائق كأنها القرون قال الفرات معتذراً كمن استفاق فجأة : معاذك صديقي، معاذَ المجد والماضي السرمدي والزمن الرخي ولكنني فُتنتُ مرةً بحوراء على أحد الشواطيء فشطَّ بي الخيال بعيداً فتوقفتُ عن سير الهوينى في الجنة فلمحني أحد عمال النظافة فنقل أمري إلى الرب فجاءني الرب محاطاً بجنود يحملون العصيّ : فصرخ بي : إذهبْ إلى حيث بيئتك المُثلى فأنا لا أحب الكسالى والعاطلين.
وها أنت ترى حالي فأنا ذكرى أنا،
أنا نصفي التعس، أنا ( فرّ ) وما من ( آت )
فتعاطف الملاك معه وقال بوداعة : أنا آت فلا تيأس ياصديقي،
سأتوسط لك عند الرب لكي يقيك من منفاك
ولكن ماذا أطعمك أهل هذه الأرض عند وصولك منفياً إليهم ؟
فدمعت عينا الفرات فقال : جحيم السماء أكثر حنوَّاً من جحيم هؤلاء.
وعلى أية حال، دعك مني الآن واخبرني لمَ أنت الآخر هنا ؟
أتُراك غازلتَ نوراً وقبَّلتَه دون علم الرب مثلاً ؟
فقال الملاك : تلك قصة تطول وسأتلوها عليك في طريق العودة .
إبق هنا ولا تفرّ حتى أوصل رسالة من القضاء السماوي إلى غرباء تسللوا إلى هنا على غفلة من نواميس الكون ليحكموا وسأعود لك في لحظات ...
ــــــــــــــــــ
برلين ـ شهر آب ـ 2018
#سامي_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟