أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - جلبير الأشقر - في صدد المساواة بين الجنسين في الميراث














المزيد.....

في صدد المساواة بين الجنسين في الميراث


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 5964 - 2018 / 8 / 15 - 10:10
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



ندرك تماماً أن إثارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لمسألة المساواة في الإرث بين الجنسين وفي هذا الوقت بالذات لا تعدو كونها مناورة سياسية يحاول من خلالها الرئيس التونسي إضفاء بعض المصداقية على مسعاه لنصب نفسه وريثاً أوحد للإرث السياسي الذي خلّفه مؤسس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة. والحال أن عجز الحكم البورقيبي بحلّته الجديدة ـ القديمة عن إخراج تونس من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تعاني منها والتي أدّت إلى اندلاع الثورة فيها قبل ما يناهز ثماني سنوات، وهذا بعد إخفاق «حركة النهضة» في مواجهة الأزمة ذاتها، عجز هذا الحكم جعله يبحث عن إنجاز يتيح له الادّعاء أنه لا يزال قاطرة لتقدّم البلاد بالرغم من ركود أحوالها العامة، بل تدهورها.
ويجازف قائد السبسي في الوقت ذاته في منح منافسته «النهضوية» فرصة تحريضية سهلة لاستغلال المشاعر الدينية، وقد أرست الحركة هويّتها على الدعوة إلى تفكيك الإرث البورقيبي والعودة إلى إسلام يتراوح بين المحافظ والمتزمّت (والاتجاهان ممثّلان داخلها) بناءً على الوهم القائل إن العودة إلى حكم يستند إلى الدين كفيلة بأن تحلّ كافة المشاكل وأن تعيدنا إلى أمجاد عصر الإسلام الأول، وهو الوهم الذي لخّصته الجماعة الأم في مصر بشعار «الإسلام هو الحلّ». هذا ويراهن الرئيس قائد السبسي على تقدّم المجتمع التونسي مقارنة بسائر المجتمعات العربية، كما يعتقد بلا شكّ أن خطوته ستحثّ الدول الغربية على زيادة دعمها الاقتصادي لحكمه.
لكنّ مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث جديرة بتعليق يتخطّى مناورات السياسة الداخلية التونسية، إذ أنها مسألة تشكّل بنداً من بنود المساواة بين الرجال والنساء التي لا يستطيع أحد أن يتجاهل كونها بدورها مكوّناً أساسياً من مكوّنات المسار الطويل لتاريخ البشرية. وقد خطت الإنسانية خطوات عظيمة عبر القرون في اتجاه المساواة بين الجنسين وتحرّر النساء، خطوات تسارعت في القرنين المنصرمين بالتزامن مع تسارع انتشار العلم وتقدّم العلوم والتكنولوجيا وتسارع الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية.
وثمة أمران لا بدّ من إبقائهما في البال إزاء مساواة الجنسين في الميراث. أوّلهما أن النساء كنّ محرومات من الإرث قبل الإسلام ليس في إطار وثنية «الجاهلية» وحسب، بل في إطار الديانتين «الإبراهيميتين» أو «السماويتين» اللتين سبقتا الإسلام، ألا وهما اليهودية والمسيحية. والحال أن الإسلام شكّل خطوة عظيمة إلى الأمام في تقدّم حقوق النساء بالنسبة لما سبقه في البيئة التي ظهر فيها بوجه خاص وبالنسبة لليهودية والمسيحية بوجه عام.
هذا ولم يكن بالإمكان أن يقفز الدين عن تدرّج مسيرة تقدّم المجتمعات بالانتقال دفعة واحدة إلى المساواة بين الجنسين في الإرث في حين كانت الأوضاع بينهما غير متساوية في مجالات أخرى عديدة وأكثر أهمّية من مسألة الميراث. أما مصيبة زمننا الراهن فهي أن الذين يزايدون بالإسلام على سائر المسلمين إنما يجعلون من الإسلام ديناً محافظاً معارضاً للتقدّم من خلال التزام متزمّت بحرفية النصّ الذي جاء بالتقدّم قبل أربعة عشر قرناً، بدل الالتزام بروح المسعى التقدّمي الذي جسّده النصّ في زمنه والذي جعل الحضارة الإسلامية حضارة طليعية في عصرها الأول.
أما الأمر الثاني فملازم للأول، وهو أن التقدّم في حقوق النساء على الصعيد العالمي يتمّ بالرغم من المحافظين والرجعيين في شتّى الأديان. فمن يصوّرون الأمور وكأنّ المسيحية أكثر تقدماً من الإسلام في شأن المساواة بين الجنسين (وهم كثر سواء في الغرب أو في منطقتنا) إنما يتغافلون ليس عن الحقيقة التاريخية المعاكسة فحسب، بل أيضاً وخاصة عن أن التقدّم الذي شهدته المجتمعات الغربية التي تشكّل المسيحية ديانة الأكثرية فيها، لم يكن بفضل المؤسسة الدينية بل على الرغم من أنفها. وعلى سبيل المثال، ففي أهم البلدان ذات الأكثرية الكاثوليكية كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، نالت النضالات النسوية حق الإجهاض إثر صراع مرير ضد الكنيسة. ولا يزال الصراع دائراً في البلدان الكاثوليكية التي ما انفكّت تحرّم الإجهاض، وقد فاز مؤخّراً المدافعون والمدافعات عن حق النساء في الإجهاض في إيرلندا إثر صراع ضد الكنيسة وبالرغم من ترؤس الفاتيكان للحملة المضادة، وعرفوا نكسة في الأرجنتين حيث نفوذ سيّد الفاتيكان الحالي، الأرجنتيني الأصل، يبلغ ذروته.
ولا شكّ في أن التقدّم في حق الإجهاض كما في غيره من حقوق النساء سيواصل مسيرته في المنظور التاريخي بالرغم من الانتكاسات الظرفية التي قد تصيبه هنا وهناك، إذ أن عجلة التاريخ يستحيل وقفها إلى الأبد. وتحيلنا العبرة من تقدّم المجتمعات الغربية بالمقارنة مع تخلّف مجتمعاتنا إلى أن أحد مفاتيح تقدّم الأولى كان تخلّصها من تسلّط الكنيسة على السياسة والقانون والتعليم، ذلك الفصل بين الدين والدولة الذي يُطلق عليه اسم العلمانية والذي خلصت الأغلبية الساحقة من المؤمنين الغربيين إلى تأييده. ولا تحسبنّ الذين أيّدوا فصل الدين عن الدولة ملحدين، بل مؤمنون أدركوا أن الدين لله، أما المجتمع الإنساني فلجميع البشر على اختلاف عقائدهم.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما وراء الحملة السعودية المسعورة على كندا؟
- الدولة الصهيونية وأقصى اليمين ومعاداة اليهود
- دونالد ترامب… الإمبراطور عارياً
- بريطانيا وأزمة العولمة النيوليبرالية
- «صفقة القرن» واستكمال النكبة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
- تأمّلات في الانتخابات التركية
- أعراض مَرَضية: ما الذي عناه غرامشي وكيف ينطبق على عصرنا؟
- «أسبرطة الصغيرة» و«أسبرطة الكبيرة»: الإمارات وأمريكا
- مشهد سنغافورة ومنطق ترامب السياسي
- الربيع الأردني والسيرورة الثورية الإقليمية
- تصريحات خطيرة لزعماء العالم عن الانتخابات المصرية
- طهران وأخطار التوسّع فوق الطاقة
- رسالة أبو بكر البغدادي إلى دونالد ترامب
- الفائز الأكبر في انتخابات البلدان العربية
- ترامب وحكام الخليج: اختلاق وابتزاز
- وجه طهران الظريف ووجهها القاسم
- ماذا بعد الضربات الثلاثية على مواقع نظام آل الأسد؟
- نفاق بنفاق
- غزة البطلة أشارت إلى النهج الصائب في التصدّي للدولة ...


المزيد.....




- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - جلبير الأشقر - في صدد المساواة بين الجنسين في الميراث