أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الخامس 1














المزيد.....

خجي وسيامند: الفصل الخامس 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5961 - 2018 / 8 / 12 - 22:17
المحور: الادب والفن
    


مختتم الأسبوع الرابع، المتعين فيه على السيّدة السويدية إنهاء مهمتها في مراكش، كأنما شاء البرهنة على أنها لم تفعل شيئاً أكثرَ من زيارة القبور واستعادة ذكرى مَن رحلوا. لا هيَ كان بمقدورها، ولا " سيامند " أيضاً، تأمين احتضان الطفلة: " ولكن أيّ مهمة، كهذه، من الممكن أن يحالفها التوفيقُ! "، قالت له وهيَ تزفرُ أنفاسَ القنوط. كانا ذلك اليوم في مكان لقاءاتهما المألوف، المفضّل؛ في تراس " كافيه دو فرانس ". كانا يتناولان القهوة بالكريم، بينما الساحة تحتهم تضج بكرنفالها اليوميّ، المفترض به التسرية عن أكثر الناس اكتئاباً. محاولةً تعزية نفسها، كما والعم الملول، راحت " تينا " تنشد بالانكليزية أبياتاً من قصيدة شهيرة لشاعرٍ يونانيّ عاشَ وماتَ، مغموراً، في مدينة الإسكندرية:
" لقد منحتكَ ايثاكا الرحلة الرائعة
بدونها لم يكن بإمكانك أن ترحل في طريقك هذا،
وليس لديها ما تمنحك إيّاه بعد هذا ".
أنصتَ صديقها الشاب للأبيات، راسماً على شفتيه الرقيقتين ابتسامة غامضة، دالّة على أنّ ما في هذا الشعر من تورية تخصّه هوَ أيضاً. أرسلَ بصرَهُ من ثم إلى المشهد الكرنفاليّ، المتلاشي عند رصيف الشارع ذي الاسم الملكيّ؛ أينَ دأبَ يومياً على ذرعه بطوله، رفقة الابنة الصغرى للأسرة المحسنة. قال للسيّدة، معلّقاً على الأبيات: " حقاً إنها الرحلة، وليسَ جهة الوصول، ما يمنحنا الشعور بمكافأتنا على ما تجشمناه من جهد ومشقة "
" هل قرأتَ شيئاً لهذا الشاعر، كافافيس؟ "
" لم أقرأ قبلاً سوى هذه الأبيات بالذات.. "
" آه، لقد أدركتُ ذلك من ابتسامتك! "
" رأيتها بين أوراق لشيرين، كانت قد نستها في الفيللا على ما يبدو ". صوته الدافئ، كان يضفى عليه رنة الحزن في كلّ مرة يأتي فيها ذكرُ أحد أخويه الراحلين. ولقد أضافَ بنبرة أخرى تعبّر عن الاهتمام: " غلبَ عليّ الظن أولاً، بكون الأوراق جزءاً من مذكرات ذلك المقيم الفرنسيّ، منقولةً من لدُنها إلى العربية. ولكنهم أخبروني هناك، أن شيرين بدأت العمل في مكتب المسيو بعد انتقالها وشقيقها من الفيللا. ثم تبيّنَ أنها يوميات، كانت الراحلة تسجلها بين حينٍ وآخر. ممارستها للكتابة، كانت تأكيداً على وحدتها. ثمة في الشام، دأبت منذ طفولتها على كتابة رسائل لأبيها المجهول تفيضُ بعاطفة الحب والحزن معاً "
" اسمع، يا سيامند..! "، قاطعته فجأة وكما لو أنّ إلهاماً معيناً دهمَ ذهنها. وفيما كانت عيناه تتسعان دهشةً، واصلت هيَ القول بحماسة امرأة ناضجة تخاطب فتىً غراً: " تلك الأبيات الرائعة، عليها أن تطن دوماً في ذهنك مثلما يفعله الآنَ سربُ الذباب فوق طاولتنا! بلى، إنّ الأبيات كأنما تقول لك: لو فشلت مهمتك في مراكش، فما عليك إلا تعويضها بأخرى لا تقل أهمية. هل فهمتَ ما أعنيه؟ ". واستمرت في الكلام، مع أنها لم تسمع منه جواباً بالإيجاب " رسائل أختك، علاوة على يومياتها تلك، ستحرص على جمعها والاحتفاظ بها. سيكون ذلك عزاءً وسلوى، بالنسبة لك. فضلاً عن إمكان تخليد ذكرى الراحلة مستقبلاً، بشكل من الأشكال ". الجملة الأخيرة، تعثرت بها وكما لو أن إنكليزيتها لم تسعفها. بيدَ أنها، في واقع الحال، لاحت مثل مؤلف موسيقيّ أعجزه الإمساك بناصية ختام اللحن.
" وهذا ما كنتُ سأقوله لك، لأنني فكرت فيه أيضاً "، تمتم الشابُ دونما أن يظهر عليه الانتباه لذلك الإشكال. ثم أستدرك بصوته الجهوريّ المعتاد، المفصح عن صفة الاعتداد بالنفس: " إن مهمة مماثلة بانتظارك، حينَ تعودين إلى السويد. أعني، بخصوص ما خلّفه أخي من قصائد. موهبته الأدبية، كانت حديث الأصدقاء هناك في مسقط رأسه. ولا يخفى عليّ صعوبة الأمر عليك، كون القصائد مكتوبة بالعربية ". كلامه، أضاء مجدداً أغوار داخلها الحزينة. قالت وقد تغيّرت نبرتها نوعاً: " أعرف ذلك كله، بل إنني عملت مع فرهاد على نقل بعض تلك القصائد إلى الإنكليزية والسويدية ". ثم عادت لتهتف على الأثر، ضاربةً جبينها بكفها على طريقة الشرقيين: " ولكن، آه..! كيفَ غابَ عني، طوال وقت تعارفنا، أن أذكر لك موضوعَ طباعة ديوانه الشعريّ؟ "
" فرهاد، طبعَ أشعاره في كتاب! "، تساءل الشابُ مذهولاً وكأنه ليسَ بالوسع تصديق هكذا خبر. أعلمته هيَ عندئذٍ، أن أخاه الراحل طبع الديوان على نفقته في ربيع العام المنصرم، وذلك في ستوكهولم لدى دار نشر كردية. ثم أنهت القول بلهجة حافلة حزناً ومرارة: " أحرق النسخَ جميعاً فيما بعد، هنالك عند طرف الغابة القريبة من مسكننا. كانت الطبعة محدودة، مائة نسخة، وقد سلمت إليه بالكامل من قبل الناشر. بقيت نسخة واحدة من الديوان، ولو كنت أظنني ألتقي بك هنا في مراكش لجلبتها معي. سأرسلها إليك لاحقاً بالبريد ".
تجهّم الجو بعد خمود بارقة الأمل، الموحي به اقتراح " تينا ". تركته يشعل مجدداً سيجاره الثمين، ثم تنقلّت بعينيها في أرجاء ساحة البسطاء والأعاجيب. ربما لم يتغير المكان منذ ألف عام، إلا بشكل غير جوهريّ: لا الأسواق التقليدية، المتدفق منها وإليها البشرُ خروجاً ودخولاً من الساحة الأشبه بمنملة؛ لا العربات، المشدودة إلى الخيول المرهَقة، يقودها حوذية خاملون مسطولون؛ لا المقاهي الشعبية، المليئة برواد يتعاطون الصمت؛ لا العصافير الثرثارة، المنقضة على بقايا مطاعم الأكشاك؛ لا الألعاب ولا الأحابيل ولا الموسيقى ولا الأناشيد ولا الحكايات ولا الخرافات..







#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خجي وسيامند: بقية الفصل الرابع
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 3
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 2
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 1
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 5
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 4
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 3
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 2
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 1
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 5
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 4
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 3
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 2
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 1
- خجي وسيامند: بقية الفصل الأول
- خجي وسيامند: الفصل الأول 3
- خجي وسيامند: الفصل الأول 2
- خجي وسيامند: الفصل الأول 1
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 3
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2


المزيد.....




- إيفرا قائد فرنسا السابق يدخل عالم فنون القتال وينشد الثأر من ...
- أصالة تعلّق على منحها عضوية نقابة الفنانين السوريين
- مهرجان -بيروت الدولي لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- مهرجان -بيروت لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- إطلاق خريطة لمترو موسكو باللغة العربية
- الدويري: كمائن غزة ترجمة لتحذيرات الاحتلال من تصعيد ضد قواته ...
- المكتبات المستقلة في فرنسا قلقة على مستقبلها في ظل هيمنة الم ...
- نساء حرب فيتنام في السينما.. حضور خجول في هوليود وأدوار رئيس ...
- -ذا سينرز-.. درس في تحويل فيلم رعب إلى صرخة سياسية
- عاجل | وزير الثقافة العراقي: سلمنا الرئيس السوري أحمد الشرع ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الخامس 1