حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 5961 - 2018 / 8 / 12 - 02:33
المحور:
الادب والفن
في العدد 5959 - 2018 / 8 /10 من الحوار المتمدن الأغر ، قرأت قصيدة "شتاء" لسيد الشعراء العرب : مظفر النواب ، المنشورة على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=608046
و قد أحببت كتابة وصف موجز لمعانيها ، و من ثم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية .
1. نص القصيدة
قصيدة شتاء...
شعر : مظفر النواب
قاطِرةٌ من لُعبِ الأطفالِ
إستلبتْ في الدربِ وِصولي
يأخُذني والعِشقُ على البابِ ذهُولي
لم أتأخرْ ...
قاطِرةٌ من لُعبِ الأطفالِ
إستَلبتْ في الدربِ وِصولي
ستُسافرُ هذي الليلةَ
جِئتُ أودِّعهم ...
في عَرباتِ اللعبِ وضَعتُ حقائِبهم
وبَكيتُ سَماءْ
لم تتحَركْ قاطِرةُ الاطفالِ
وظَلوا فوقَ مقاعِدهم حتىٰ الآنَ
ومازلتُ كما بالامسِ أُلوِّحُ بالقلبِ لهم
ثمَّ وداعٌ يبقىٰ
ثمَّ رحيلٌ يتركُ في الرُوحِ محطَّةْ
كانتْ ايامُ طفولتِنا تُغمضُ أعيُنها كذِباً
وتُراقبنا إنْ نحنُ كَبُرنا
سوفَ تُعاقبنا كُلَّ مساءْ
بعدَ سنينٍ ... كَبُرَ اللّعبُ ...
وجئتُ لاقطعَ تذكرةً
كانتْ تلويحاتُ اياديهم مازالتْ تتراقصُ
والصَمتُ يُضئ
وكانَ قِطاري يذهبُ للبَصرةِ
يحملُ شيخوخَةَ حُزني
وجُنوداً فقدوا ضَوءَ الروحِ
وناموا غُرباءْ
رآني أطفالَ الأمسِ بقاطِرةٍ تَرحلُ حَقاً
قاطِرةٍ لا تمزحُ إطلاقاً
وجَموا ....
كنتُ أظنُّ أتوا لوداعي ...
أخرجتُ يَدي من عُمرِ الشيخوخَةِ ...
لوَّحتُ بحُزني
وقَفتْ نظرَتهم في تِلكَ السنِّ
ولم يَصلوا زَمني
مكثوا أطفالاً بثيابِ الصيفِ
وكنتُ برغمِ المِعطفِ ..
والصُوفِ ..
وربعياتِ الخمرِ ... شِتاءْ
أطفالاً كانوا مُنذُ البَدءْ
وظَلوا أطفالاً
وأنا مُنذُ البَدءْ بهذا الشَّيبِ
قرأتُ لماذا ليسَ ينامُ الماءْ..
2. وصف لمعاني القصيدة
تحكي هذه القصيدة قصة تجربة العمر للشاعر مع ما يسميه بـ "قاطرة من لعب الأطفال" – و هي الكناية التي يستخدمها للإشارة إلى التحرك لتحقيق شيء جميل (حلم ، مبدأ ، هدف) – مثير للإعجاب و ذلك بالمشاركة مع ركاب تلك القاطرة من "الأطفال" في رحلتهم تلك . هذا الشيء الجميل أذهل فكر الشاعر ، فتحول إلى عشق كرس له ، و ليس لغيره ، رحلة عمره بلا أدني تردد . بيد أن تلك القاطرة نفسها هي التي تقف عائقاً أمام الوصول ، لتسلب من الشاعر درب الحياة الناجز .
في ليلة انطلاق رحلة القطار هذا ، يأتي الشاعر لتوديع "الأطفال" ، و يساعد في تحميل حقائبهم ، و دموعه تنهمر كمطر السماء . جملة "و بكيتُ سماءً" تستشرف أيضاً البكاء على الفردوس المفقود ، مثلما تستدعي الصورة الماركسية الرهيبة لأبطال ثورة كومونة باريس : "أولئك الذين هبوا لاقتحام السماء" . و لكن قاطرة الأطفال تلك لم تتحرك من مكانها ذاك قط ، و ما يزال ركابها الأطفال جالسون فيها دون أن يبرحوا مقاعدهم حتى الآن . هذه الصورة تستحضر فكرة أن هؤلاء "الأطفال" لم يعوا بعد – حتى الآن – أن القطار اللابث في مكانه بلا حراك لا يمكن أن يوصل ركابه إلى نقطة الهدف المنشود البتة ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . بقي الشاعر مستمراً بالتلويح للركاب الأطفال بقلبه دون أن يفقد الأمل ، عسى و لعل أن يتحرك القطار في وقت ما ، دونما فائدة ، حتى يضطر حزيناً إلى الرحيل ، يريد مكرهاً بلوغ "محطة (ما) للروح" يلوذ بها ، بدل مواصلة الوقوف و التلويح العدمي لقطار لا حراك له من نقطة الانطلاق .
و فيما سني العمر تمضي سراعاً ، تبقى أيام الطفولة بأحلامها الجميلة المضيَّعة ترمق مرور كل تلك السنين بنا كما لو كان قطار العمر قد توقف مثل توقف قاطرة الأطفال ، و كما لو كانت أيام الطفولة باقية رغم التقدم بالعمر و فوات الفرص ، لتعاقبنا كل مساء . المقطع "سوف تعاقبنا كل مساء" يفيد معنى الديمومة و تجدد العقاب المادي و النفسي بسبب غياب الحركة ، سواء عندما يدلهم غدر الزمان ، أو عندما يدلهم وجع استرجاع الذاكرة لفجع الفردوس المضيع كل مساء بسبب التغامض عن عقابيل البقاء في السكون وسط هيجان حركة وقائع الحياة .
و بعد مضي عدة سنين ، يتفاقم الخطر الداهم في إطار لعبة كبيرة يجري طبخها ، أي : مشروع خطير يهدد الوجود و يستدعي تحرك الثوار ضده ، فيلبي الشاعر النداء ، و يأتي ليقطع تذكرة و يلتحق بالرحلة التي لا مناص منها . في المحطة ، يلفى الشاعر الأطفال القاعدين على مقاعدهم في قطاره الساكن ذاك و هم ما زالوا يلوحون ، ولا يضيء حياتهم غير الصمت . كانت وجهة القطار الذي استقله الشاعر هي مدينة "البصرة" ، التي تستدعي صورة "المدينة الخراب" التي تستصرخ نجدة أهليها . حمل القطار الأحزان العتيقة للشاعر و جنوداً تعوزهم وضوح رؤية و شجاعة الاقدام ، ممن "ناموا" كما لو كانوا غرباء عن أهل الوطن المهدد بالخراب . غياب وضوح الرؤية هنا يولد الغربة و "النوم" ، أي العجز عن فعل النجدة للأهل .
في تلك المحطة ، يشاهد الأطفال من جلستهم السكونية تلك في قطارهم الجامد ذاك رفيق دربهم القديم و هو يستقل قطاراً قادراً على الانطلاق بكل اندفاع و جد لبلوغ المحطة المرادة : نجدة أهليهم . في وقت من أحرج الأوقات كهذا ، و بدلاً من المبادرة لترك قطارهم الساكن و الالتحاق بقطار الشاعر ، فقد أصيب "الأطفال" (الزعاطيط) بالوجوم . عند هؤلاء الأطفال اللابثين مكانهم ، فإن الحركة تستدعي الوجوم و ليس الفرح و التهليل و المشاركة و الانطلاق لبلوغ الهدف معاً . ظن الشاعر أن هؤلاء الأطفال قد أتوا على الأقل لتوديعه في رحلته الخطيرة تلك ، و إزاء هيمنة سلطان الوجوم عليهم ، فقد آثر الشاعر التلويح لهم بيد شيخوخته الحزينة من طرف واحد . لم تغادر الطفولة هؤلاء الأطفال ، وفاتهم بلوغ سن الرشد ، فما وعوا ضرورات زمن الشاعر . كانوا ما زالوا أطفالاً يرتدون ثياب الصيف في ذلك الشتاء القارص البرد . أما الشاعر ، فقد تحسّب للشتاء بالمعطف و ببدلة الصوف التي يرتديها و "بربعيات الخمر" للكناية على جرعات الاندفاع الثوري ، لأنه اكتسب منذ طفولته "الكهلة = الحكيمة" وضوح الرؤية الواعية للحياة ، و عرف منذ البدء ما هي العلة في حقيقة : "ليس ينام الماء" . بهذه العبارة الختامية ، يشير الشاعر إلى الماء كرمز للحياة التي لا تكون إلا بالحركة على غرار دوران الماء في الطبيعة ، و إلى المقولة الجدلية بكون "المرء لا يسبح في نفس النهر مرتين" . أما أضداد الصيف / الشتاء ، ملابس الصيف / المعطف و الصوف و ربعيات الخمر فتكتنز بالمفارقات بين الحر و البرد ، و بين السكون و الحركة حسب مقتضيات تقلبات الزمان ، و بين التهيؤ و الخدر ، وبين العزلة و غياب الرؤية الواضحة إزاء التحسب و التسلح بالوعي و بالاندفاع للحركة ، و بين وقائع و مواقف أخرى كثيرة .
الفكرة العامة لهذه القصيدة – التي تشبه بنية الحدوثة – هي أن سكونية رفاق الدرب غير الواعين هي التي ضيّعت على الشاعر رحلة تحقيق هدفة الجميل في الحياة . هذه هي قراءتي الشخصية لمعاني القصيدة ، و هي – قطعاً – لا تلغي إمكانية قراءتها على نحو مغاير ، في ضوء نصها السهل الممتنع الذي يستشرف نوافذ عدة .
3. ترجمة القصيدة إلى الانجليزية
A Winter Poem
By: Mudhaffar Al-Nawwab
A train of children s toys
Robbed, on the path, my arrival.
It seized me, love at the door, in amazement;
I did not linger …
A train of children s toys
Robbed, on the path, my arrival.
Tonight, you are going to fly,
I came to say farewell.
On the toy carriages, I put their bags,
And wept a sky.
The children s train did not start,
On their seats till now they stay,
And I m still, as in yesterday,
waving to them with my heart.
Endurance is some valediction,
Then a departure that leaves in the soul a station.
Our childhood days were shutting their eyes in deception,
They monitored us as we grew up,
It will punish us every evening.
After some years, the playing became big,
And I came to take a ticket.
Their hands waving were still a-dancing,
And the silence is shining,
My train was going to Basra,
Carrying my grief s aging,
And soldiers who lost the light of the soul;
They slept as strangers.
The children of yesterday saw me on a truly moving train,
A train that never trifles;
They felt sad.
I thought they came to say farewell to me,
I put out my hands from old age,
I waved my grief,
But their look stood at that age,
They did not reach my time,
They stayed children in summer dresses.
And I was, despite the overcoat,
The wool,
The liquor pints:
A winter..
Children they were from the start,
And children they remained.
But I, with this grey hair from the start,
Have read why there is no sleep for water.
انتهت .
بغداد ، 11 / 8 / 2018
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟