|
مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحاله الأجانب (الجزء الثاني) رحلة السائح الفرنسي دنيس دي ريفوير Denis De Rivoyre عام 1880
سلام حسين الهلالي
الحوار المتمدن-العدد: 5957 - 2018 / 8 / 8 - 19:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
منذ أقدم العصور، اجتذبت بلدان الشرق وفي مقدمها بلاد الرافدين، العراق، اهتمام الكثير من الرحالة والسياح والآثاريين، لما كان لهذه البلدان، خصوصاً العراق من أهمية تاريخية واقتصادية وجغرافية، تضاف إلى خيراته الوافرة وموقعه الجغرافي المهم. ومما زاد من الاهتمام شهرة العراق الواسعة وصيته العظيم في عوالم الآثار والحضارات وما ورد حول مدنه القديمة مثل أور ونينوى وبابل في العهد القديم التوراة، وما جاء في كتاب «ألف ليلة وليلة» من أخبار وقصص عنه. ومن كتب الرحلات التي لم تترجم الى العربية على حد علمي رحلة السائح الفرنسي دنيس دي ريفوير Denis De Rivoyre عام 1880 والتي يقول عنه الباحث والمؤرخ العراقي جليل العطية المقيم في باريس في العدد الثاني من مجلة أفاق عربية 1985 مايلي: (دي ريفوير سائح ذكي يمتلك ثقافة عامة ومعلوماته عن تاريخ العراق وجغرافيته لا بأس بها، غير أنها ليست عميقة، فالرجل لم يكن مستشرقا ولا سياسيا، قام برحلته من البصرة الى بغداد عبر نهر دجلة ثم عاد جنوبا مرة أخرى الى البصرة ثم عبر شط العرب والفرات الى الاهوار والناصرية وسوق الشيوخ حيث زار أثار مدينة أور ثم أتجه الى مدينة الشطرة ومكث فيها عدة أيام وعقد صلات طيبه بوجهائها ووصف طابعها العمراني والريفي و أورد تفاصيل كثيرة عن الحياة الاجتماعية والتقاليد في هذه المدينة الجنوبية التي سحرته فأحبها ووجد في سكانها أصالة العرب). هذا الرحالة زار الشطرة قادما من سوق الشيوخ في طريقه الى اثار لكش (تللو) عام 1880 ليلتحق ببعئة عالم الأثار الفرنسي سارزيك Sarzecالذي كان ينقب هناك وكتب فصلين من كتابه يصف فيهما ما رأه في المدينة من مظاهر الحياة. كتابه هو Les Vrais Arabes Et Leur Pays (العرب الحقيقيون وبلادهم) رحلة السائح الفرنسي دنيس دي ريفوير الى العراق المطبوع في باريس 1884. قام دي ريفوير برحلته في العراق عبر نهري دجلة والفرات أبتداءا من البصرة وهي المدينة الأولى التي وصل أليها ثم اتجه في زورق عبر شط العرب الى دجلة حتى بغداد التي مكث فيها بعض الوقت واصفا معالمها وسكانها واثارها. من بغداد ينحدر جنوبا الى البصرة ومنها شمالا في شط العرب ويصف المناظر الطبيعية على ضفتي النهر بدقة, يتحدث عن المظاهر المجتمعية والاساطير المتداوله وحضارة العراق القديمه وعن الاتراك والانكليز. ويبدو ريفوير وكأنه قد سحر بالطبيعة الجميله للجنوب عندما يفتح عينيه كل صباح وهو متمدد في الزورق المنحدر في النهر وهو يشاهد غابات النخيل والمياه والشمس المشرقة. يمر بالاهوار ويدهش لطراز معيشة السكان الذين يعتمدون على الصيد في حياتهم ويتصور انهم يمثلون سكان ماقبل التاريخ ويسميهم (قدماء العصر الحديث). يصل الى الناصرية ويحل فيها ويلتقي بفالح باشا السعدون الذي سيصبح من اعز أصدقائه, يتكلم كثيرا عن الناصرية ومجتمعها وعشائرها صفحة 184 ويلتقي بقائد حامية المدينة العثماني. ثم يخرج من الناصرية برحله بريه صحراوية مع بعض الأدلاء لزيارة مدينة أور التي يصفها بأنها مدينة النبي أبراهيم. ثم يتجه من أور الى مدينة الشطره وفي الفصل الثاني عشر من كتاب الرحله أبتداءا من صفحة 233 يقول: تم تحقيق الهدف العملي من رحلتي إلى بلاد ما بين النهرين ووادي الفرات فقد اتصلت بالرؤساء، وبالناس، وكنت قادراً على الحكم على ميولهم واحتياجاتهم، فضلاً عن مواردهم. بعد فالح باشا Phalah-Pasha ، كانت الشخصية الأكثر إثارة للاهتمام لمشاريعي ، بلا شك، هو نعوم سركيس Naoum-Serkis فله أيضا مكانه كبيرة في البلاد. ناهيك عن أملاكه الهائلة، كان ثلث مدينة الناصرية له وأبعد إلى الشمال، أبعد إلى الداخل، بلدة ثانية، تدعى الشطرة Chatra، كانت أيضا إلى حد كبير له وفيها مصالحه الكثيرة. كنا قى طريقنا إلى تيلو Telloحيث كان السيد سارزيك Sarzec يقوم بإجراء حفريات أثرية رائعة بدأها في العام السابق. كنت قد قررت مرافقتهم فى ذلك الحين بعد العودة من أور Uhr ، ووجدت أن استعداداتهم للمغادرة قد بدأت. أن الحاجة الأولى التي يجب توفيرها، عندما ينزل المرء في الصحراء ، هي بلا شك تأمين الغذاء، الأرز هو الأساس ... ومن الضروري أن يكون المرء قد سافر إلى الشرق، وعاش بين الشعوب التي تسكنه، ليكون مدركًا جيدًا لقيمة هذه السلعة التي لا تقدر بثمن لمئات الملايين من الأفراد، فهي تشكل الغذاء الأساسي تقريبا لكل آسيا، تركيا، الجزيرة العربية ، بلاد فارس ، الهند ، سيام، الصين ، اليابان ، إلخ ، سبعة إلى ثمان مئة مليون انسان على الأقل، ناهيك عن جزء مهم من إفريقيا وأمريكا، مع القليل الذي يتم استهلاكه في أوروبا! علاوة على ذلك فأستخدامه اليومي يتوافق مع متطلبات المناخ، والتي من غير الحكمة أن يتجاهلها الأجانب. الرز منعش أكثر من أي حبوب أخرى ومن دون ثقل في المعدة مثل اللحوم بسبب درجات الحرارة المرتفعة هنا، فهو يدعم ، يغذي، ولا يتعب. أنا لا أدعي أنه يناسب الجميع بل ربما من كان معتاداً عليه. لا شيء سوى كرات الرز، لمدة أسابيع، أعترف بأنني سئمت منه، رغم أنه مناسب للاخرين. أول ما لفت أنتباهي أنه كان هناك، في الساحة القريبة من مخازن مضيفنا، أكوام من الحبوب، حيث انخرطت أعداد من النساء بتهبيش الرز داخل هاونات كبيرة من الخشب لفصل القشور بقصفه بحركات بأيقاع منتظم، من أعلى إلى أسفل. وهؤلاء النسوة من القبائل التي نزلت حول مدينة الناصرية التي وفرت لهم هذه الوظائف، حافيات فقيرات، ملابسهن، مئزر ضيق حول الخصر ووشاح حول الكتفين. ويبدو أنها المرة الأولى التي يرون فيها الأوروبيين عن كثب. لذا فإنهم عندما يلتقون بنا يبدون فضوليين وخجلين، وعندما حاولت مرة الاقتراب من أحدى النساء، انسحبت بحركة خوف ورعب لا توصف ولم أعرف السبب. - لأنهم بدو! قال نعوم سركيس، امرأة بدوية، أي امرأة متوحشة، جاءت من الصحراء، ومع ذلك ، فقد تم ترويضها، وها هي وغيرها تعمل عندي وكل شيء له سعر، أليس كذلك؟ في الوقت الذي كنت أتأمل فيه ، جاء شاب يرتدي الزي الرسمي شبه الأوروبي من المسؤولين الأتراك ليقدم لي رسالة. كتبت باللغة الفرنسية ، وتحدث هو نفسه بلغتنا، هو وحده يمثل موظفي مكتب تلغراف الناصرية، وهو مسيحي من بغداد، كان تلميذا للآباء الكرمليين في مدرستهم، في الواقع، تقريبا جميع موظفي التلغراف العثماني يفرض عليهم معرفة الفرنسية، واحد آخر ، في هذه الأراضي البعيدة ، يتكلم معي عن فرنسا ، التي علمه إياها الآباء الصالحين ألكرمليين. بعد ثلاثة أيام ، تمت مغادرتنا الجماعية ألى الشطرة بقافلة من ثلاثة وعشرون جملا تحمل الأمتعة؛ وكانت معي مدام دي سارزيك Sarzec للحاق بزوجها الذي ينقب في تللو، نحن وبقية المسافرين كنا نركب الخيول والبغال والحمير التي كان هناك من يعتني بها ويقودها ويلحقها أذا هربت. بقي مترجمي في الناصرية لكني حصلت على من هم أفضل وقدموا لي خدمات لا تقدر بثمن وهم نعوم سركيس وصاحبه محمد جاشن Mohammed Jashen. كانا صديقين كثيرا ما يجلسان معا وزجاجة العرق ثالثتهما يتحدثان التركية وأنا قررت الانضمام لهما. و محمد جاشن هو قائد قافلتنا ، وهو نوع غريب قيلت قصته لي في اليوم السابق. قبل ثماني سنوات، كان قائدا لفرقه من قطاع الطرق، عملت فرقته حول مدينة الشطرة التي كانت في ذلك الوقت لا تزال على بعد بضعة كيلومترات من شط الحي، على ضفاف قناة صغيرة بعيده، حيث بقيت عامرة لمدة ثلاث أو أربع مائة سنة، دون أن يفكر أحد في جعلها أقرب أو وضعها في تواصل مع الشريان الرئيسي، كانت هذه فكرة نعوم سركيس وهو الذي أنجز هذا المشروع، كان يملك الأرض المجاورة، وبدأ في بناء منازل، وبناء سوق، ومد الشوارع، في الموقع الذي خصصه، في ذهنه للمدينة الجديدة. لقد جاء جميع السكان القدماء من هناك، في الواقع، تخلوا عن منازلهم القديمة للآخرين، وأمتلكوا أو أستأجروا منازل جديدة هنا. السوق والبيع والشراء أصبح أفضل بكثير من ذي قبل، بسبب القرب من شط الحي كوسيلة نقل. ولكن هذه الأعمال الجيدة المهمة، كانت بحاجة إلى شخص يعتني بها في غيابه، نظر إلى محمد جاشن وفاتحه على هذا الأساس وقبل ألأخير ذلك بكل سرور وأصبح مسؤولا عن كل شيء في المدينةالجديدة. عندما تشرفت بمقابلته ، قبل ثلاثة أيام، كان محمد جاشن على رأس نصف دزينة من الفرسان، وقال انه جاء لحماية قافلة سيده حتى وصولها الى الشطرة. في الفترة الماضية حدثت أمور جعلت الشطرة تنقسم إلى طرفين معاديين، أحدهما ضد الآخر، محمد جاشن كان قائد أحدهما. البازار، الذي يقع في وسط المدينة تقريبًا، كان بمثابة الحدود بين المتحاربين. وكانت هناك بالكاد هدنة بينهما، وليس السلام. في كثير من الأحيان، كانوا يطلقون النار من شارع إلى شارع ، من منزل إلى منزل، وحدثت هناك معارك في الأسابيع الأخيرة، وبين لحظة و أخرى كنا نتوقع استئناف الأعمال العدائية. كان تأثير نعوم سركيس على الجميع خلال هذه الاحداث غير واضح، لأن جميعهم كانوا من المدينين له وكان من المفترض أن يكون لوجوده وزن على تصرفاتهم المتبادلة كما تمنى وتوقع محمد جاشن، علمت بذلك الرأي من خلال ومضات عينيه عندما أبلغني بأحداث الصراع، وأنا أنظر الى شفته المشقوقه ولحيته غير المهذبة كأنه وجه لص! ويده ممسكه بعقب بندقيته. وصلنا إلى القاع الجاف لشط الحي الممتد من الناصرية الى الشطرة، كان علينا عبوره خمس مرات ويسمونه "نهر الثعبان" ، لأنه يعود وينطوى على نفسه مثل الثعبان. إنه ليس أكثر من قناة تم حفرها بيد الرجال في العصور القديمة، لتنظيم الري في نهري دجلة والفرات، وفي يومنا هذا ، تتدفق المياه فيه فقط مع هطول الأمطار. لكن محمد جاشن لاحظ أن الأمطار هطلت في الآونة الأخيرة بكثرة، وأنه من المحتمل أن النهرقد ينفجر فجأة أثناء الليل، وسيكون عبوره صعبا في صباح اليوم التالي، فقمنا برتفع خيامنا بعض المسافة على الضفة المقابلة، ليس بعيدا عن قرية يحيطها مربع من الجدران الترابية، مع أبراج في الزوايا، مماثلة لتلك التي رأيناها عند القدوم إلى مدينة الناصرية و خلال اليوم رأينا بالفعل أكثر من واحد من هذه الحصون، منتشرة في الريف. وبينما نحن متوقفين للراحه، خرج مسلحون من القرية متجهين نحونا مباشرة، ماذا اقول؟ هل هم أعداء يريدون منعنا من اقتحام منازلهم، أم أنهم يقومون بالاحتيال بحثاً عن مكاسب غير متوقعة؟ لا، نحن قافلة نعوم سركيس ، وأتضح بعد ذلك أنهم ببساطة مزارعيه الذين جائوا راكضين، متزاحمين، للقائه وتكريمه. كان يجلس على جمل، ويستمع الى الجمهورالذي تشكل في دائرة حوله، وبعد أن زرعوا رماحهم في الأرض بدأت المحادثة وكان مظهرا رائعا، لكن في الحقيقة أن كل هؤلاء الناس كانوا مديونين له لأجل زراعتهم وعيشهم . لقد بدأت الأمطار ، السنة تبدو جيدة. لكنهم يحتاجون إلى البذور، فكل ما تبقى من الحصاد السابق قد استنفد خلال موسمين متتابعين من الجفاف؛ لم يبق لهم شيء، لا أرز، ولا قمح، ولا غيره، وهم يلتمسون سخاء سيدهم، لإعدادهم للحصاد القادم، ومساعدتهم على العيش حتى ذلك الوقت، الصديق نعوم يعرف أحوالهم، ويعدهم بما يطلبونه. بعد العشاء، يأتي الليل، نحصل على أسرتنا، لأنه سيكون من الضروري أن نكون على الأقدام في الصباح، يقدم نعوم سركيس لي الضيافة تحت خيمته، فسيحة وجميلة جداً، تحتوي على مقصورتين، صنعت في دمشق، وهي من مميزات تجارة هذه المدينة، مصنوعة من نسيج القطن المزدوج بشكل طبقتين من الخارج والداخل، وشخصيات غريبة مرسومة على القماش الأحمر والأخضر أو الأصفر، ورسم ليد ممتدة يتكرر ويرمز للقدر. هذا الصخب ، هذا الاضطراب في الصحراء، يبقينا مستيقظين لبعض الوقت، ثم يهدأ كل شيء، يعم الصمت على المعسكر لكن في منتصف الليل، استيقظنا وسمعنا في الخارج ضجة مختلطه لا يمكن تفسيرها، حركة أقدام، نباح كلاب، صهيل خيول، خوار الإبل وصراخ بنات آوى. صخب بعيد يصل إلينا، ينحرف باب الخيمة بحدة ويهرع إليه خادم خائف ويسمعنا شيئًا فظًا، القرية المجاورة تمت مهاجمتها على ما يبدو من قبل جماعة من اللصوص، نسمع صوت المعركة، نخرج وبالفعل، فإن الإشارات والتهديدات التي يقوم بها الرجال، صياح النساء، كل هذا مع أصوات أخرى ندركها بشكل غامض. وأخيرا جائنا من يخبرنا وهو سعيد أن المهاجمين قد تم صدهم. الصباح بارد، أنا بردان، أدفئ نفسي، أذهب إلى شط الحي لمعرفة ما إذا كانت المياه قد ظهرت، إنه موحل ونتن وتراكمت كميات من القمامة والحطام في قاع النهر خلال أشهر الجفاف الطويلة، في طريق عودتي، أمر عبر الأراضي التي يحرثها السكان بمحراث بدائي هو فرع من شجرة منحنية بزاوية منفرجة وطرفه مغطى بقطعة حديد لا أكثر يسحبه حصان بشكل لا مبالي، يخدش الأرض، هذا يكفي، بعد ذلك، وبمساعدة المطر يكتمل الباقي. الصحراء الان مغطاة بالنباتات والخضرة، تتقافز الأرانب تحت أقدامنا، تتوهج الالوان؛ الهواء طازج، والنسيم معطر، إنه الربيع، إنها الحياة ... عندما أقول الربيع، إنه ديسمبر، ولكن هنا، هو وقت صحوة الطبيعة ... إنه موسم الحب والورود. لمدة سبع ساعات نسير في هذا السبيل، دون تغيير، دون وقوع حادث و الأرض تبدو للعين مثيرة للإعجاب؛ طبقة الدبال التي تغطي الأرض هنا تصل إلى أعماق مجهولة بالنسبة لنا ، ومع ذلك ، في أي مكان قد تجد أثر للمساكن هنا أوهناك أو بقايا من الماضي المجهول تعبر عن نشاط الإنسان. فجأة توقفنا؛ لا يزال شط الحي أمامنا، تمر خيولنا بالمياه حتى منتصف الساق، بعد ساعتين، نلتقي به مجددًا، هذه المرة يصل الماء إلى الصدر، الطريق دائمًا هو نفسه ودائمًا ممل ويصبح متعبا على المدى الطويل. وأخيرا رأينا مجموعة من المنازل المنخفضة، انها الشطرة. وعلى ظهر خيولنا وخلال الأمواج نضع أقدامنا ونصل إلى الشاطئ الآخر دون الكثير من المتاعب لمرة واحدة، ندخل المدينة التي لها سور يرتفع أعلى من البازار نتجه مباشرة إلى الأمام؛ نترك ألبازار ألى اليسار، وننتقل إلى اليمين للذهاب إلى منطقة محمد جاشن وعائلته. هنا يمتلك نعوم سركيس عدة منازل، يسكن هو واحدة منها ووضع اثنين أو ثلاثة مقدمًا لاستقبالنا. تبدو البلدة وكأنها نموذج مصغر للناصرية ويبدو ان الحال أفضل بكثير هنا في هذه المدينة الأخيرة ، لكن وجود الأوروبي هنا ظاهرة غير عادية تثير الفضول. حشود كبيرة من الناس في المناطق المحيطه بسكننا، وجوه جميلة بشكل عام، رجال بضفائر سوداء تأطر وجوههم إلى الكتف، ونساء بخواتم فضية في الأنف والوجه اللطيف مع الوشم الغريب، صورة الشمس تتكرر في الوشم، بين العينين أو على الذقن، فهل هي بقايا من العبادة المنسية لأسلافهم؟ في اليوم التالي، يبدأ المطر مرة أخرى، وقت غير مريح، تفحصت سوق المدينة وسرت فيه، الشوارع واسعة، ولكنها مقطوعة هنا وهناك بحفر عميقة وحفريات، لاحظت وجود الكثير من الناس في جميع أنحاء البازار وكان نعوم هو دليلي وهو سعيد بذلك، جميع الناس كانوا يحيونه، هم مدينون له! جميع المحلات التجارية، أو ما يقرب من ذلك، تنتمي إليه. إنه السيد الحقيقي للمكان، وفي الواقع، السلطة الوحيدة التي يحترم نفوذها أو أفعالها. من حيث المبدأ، تعترف الشطرة وكل البلاد بسيادة فالح باشا؛ ولكن ألسؤال أين هو ممثله؟ ما لم يكن محمد جاشن و ليس أي وكيل رسمي آخر و هذا بفضل مزاياه التي جعلته السيد الحصري. ماذا يهم فالح باشا غير عائدات الضرائب التي تعود إليه بشكل أو بآخر؟ ونعوم سركيس يضمن له ذلك. قبل عدة سنوات ، كان في الشطرة قائممقام ومعه قوة تركية صغيرة، لم يكن موفقا في أدارته وكان يستعمل القوة ضد تجار البازار لتحصيل الضرائب منهم، التجارة في الشطرة والأماكن المحيطة بها مزدهرة الان تحت الإدارة العثمانية و تسمى الوحدة النقدية التي تعد الأساس لجميع المعاملات باسم Chamilوهي قطعة من النحاس والقيمة الحقيقية لها بالكاد تصل إلى أحد عشر سنتًا ونصف والحكومة التي تصدرها تستخدمها في سداد المدفوعات بقيمة خيالية قدرها عشرة دولارات، أي 15 فرنكا لكن إذا كانت المسألة تتعلق بتلقي مبلغ الضريبة، فإنها ترفضه بشدة، ولا تقبل سوى عملات الذهب أو الفضة، والقيمة الجوهرية له غير قابلة للتغيير. في أوقات أخرى، تختلف العملية، عندما تندر عملات الفضة أو الذهب على ضفاف نهر الفرات فيتم السداد على شكل قروش وهي سبيكة من الفضة والنحاس يصعب تحديد قيمتها التي من المفروض أنها خمسة دولارات. الشطرة لا تخلو من الصناعة، فبالإضافة إلى السروج والأسلحة المحلية، التي يشكل تصنيعها أحد الفروع الهامة لتجارة جميع هذه المدن، ينسج السجاد من الصوف الطويل والألوان الزاهية هنا، والذي يحبه الأثرياء والرؤساء كفراش لأرض منازلهم أو خيامهم، وهي تختلف تماما عن السجاد الفارسي مع براعة أكثر وخفة وكان عندي واحدة خدمتني لعدة أشهر، تحتكر وتتوارث صناعة السجاد عائلة واحدة هي الأقدم في البلاد؛ عاشت سابقاً في المدينة القديمة وانتقلت الصنعة من الإباء الى الابناء و لم يتغير تصميمها القديم. أستفدت من هذه الفرصة لمشاهدة معالم المدينة، السنوات السابقة لم تكن ممطرة، منازل وجدران الطين لا تزال تقف جزئيا هناك، باستثناء الشوارع الضيقة، وأنقاض صغيرة عند الأبواب تتأرجح الأوراق على مفاصلها، هنا وهناك، صُدمت بضعة إطارات من مصاريع مغلقة بالريح؛ عند قدميك شاسعة كالمسافات، ولكن ، باختصار ، لا شيء من هذا المشهد أكثر من اللامبالاة المعتادة لجميع المدن العربية عند الظهيرة ، على سبيل المثال ، حيث ينام الجميع ويختبئون وتبدو وكأنها مدينة ميتة ، اختفى سكانها ، جرفهم وباء مفاجئ أو تم استبدالهم بمجموعات من بنات آوى التي من الزوايا والثقوب تمد أنوفها الخائفة وتفرأمامنا. في الخارج ، بقدر ما يمكن للعين رؤيته ، صحراء مسطحة متصله يرسم القاع الجاف تمامًا للنهر الصغير المهجور دائرته نحو الشرق ويقودنا ، على بعد مسافة من هناك ، إلى خوبة khouba قديس مسلم ، حيث يحافظ قبره العام على مصباح لا ينطفئ أبداً. . اسمه؟ لا أتذكر ذلك الآن. ما أتذكره هو أن مدينة الشطرة القديمة تدين بأصلها إلى الحج الذي جلب في تواريخ معينة المؤمنين إلى هناك. نحن في إقليم العبودة Abouda، والإيمان موجود حقاً في هذه القبيلة. الشيعة مثل بقية الناس، فإن التشدد الديني له حدود قصوى عليهم. في ذلك المساء، ونحن هنا في ساحة منزلنا أراد السيد سارزك أن يحتفل بقدومنا قبل أن نفترق مرة أخرى بفتح برميل صغير من لحم الخنزير وصله من فرنسا وفرحنا كثيرا لأنه بالنسبة للأشخاص المحكوم عليهم بنظام الأرز الدائم ، هذا الغذاء له قيمته. ماذا تفعلون هنا؟ صرخ نعوم سركيس برعب، أنتم لا تعلمون ماذا يعني أكل لحم الخنزير هنا في الشطرة؟ هل تريدونهم أن يطردونا من هنا؟ أنتم لا تعرفون مقدارالتعصب هنا! أكل الخنزير، وكرر، أكل الخنزير ! جريمة لن يغفرها لكم الشيعة.أبدا . وتابع "انظر" ، هؤلاء الناس الذين ترونهم، وهم خدم عندي أو موظفون، كلهم بدون استثناء، لمدة خمسة وعشرين عاماً رأيتهم يولدون و يكبرون في هذا المنزل ولم يتركوني أبداً، ويدينون لي بالقليل الذي يمتلكونه؛ كل شيء كثر أو قل فهو لي؛ طيب! على الرغم من هذا، ليس فقط ليس هناك من يوافق على الجلوس إلى طاولة معي، ولكن لم يسبق لأي منهم أن تناول الطعام تحت سقف منزلي، دون أن يفعل ذلك بنفسه أي الطهي من طعامه الخاص، أو شرب أي شراب آخر من الماء الذي جلبه بنفسه، أنا سيدهم، صحيح، لكني لا أزال في نظرهم، كافر، كافر، أقل من لا شيء؛ وفي النهاية، إنه نوع من الشفقة أكثر من الاحترام هو ما يحملونه لي. دخول محمد جاشن قطع هذا الخطاب، جاء ليبلغني أنه في اليوم التالي، إذا كان يناسبني، فسيأخذني إلى تللو.
#سلام_حسين_الهلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحالة الأجانب (الجزء ألاول
...
-
مدينة الشطرة العراقية في السالنامات العثمانية 1890-1902م
-
الاسباب المحتملة لزيادة نسب الأصابة بالسرطان والتشوهات الخلق
...
المزيد.....
-
3 أمور تهم واشنطن في سوريا بعد سيطرة الفصائل.. نائب أمريكي ي
...
-
محلل CNN يبرز رسالة بعثتها إسرائيل إلى -تحرير الشام- وعلاقته
...
-
مكان بشار الأسد في روسيا.. إليك ما نعرفه مع تزايد الغموض
-
أردوغان يعلن عن اتفاق تاريخي للمصالحة بين الصومال وإثيوبيا
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يبرر -الأحكام العرفية- ويرفض دعو
...
-
منتجات موسكو الغذائية تلقى رواجا في الشرق الأوسط وآسيا الوسط
...
-
خطوط القطارات المركزية في موسكو تعد الأحدث في أوروبا
-
الصين تعقد اجتماعا للدول الخمس النووية في دبي
-
إصابة 4 أشخاص في حادث اصطدام طائرة بعدة سيارات في ولاية تكسا
...
-
-قنبلة الإنفلونزا-.. ما حقيقة قدرة هذه الوصفة المنزلية في ال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|