طارق قديس
الحوار المتمدن-العدد: 5956 - 2018 / 8 / 7 - 09:19
المحور:
كتابات ساخرة
أراد المسؤول يوماً أن يُطَوِّرَ البلاد. وأن يسعى إلى ما يُحَسِّنُ أحوال العباد. كانت ألفُ مشكلةٍ في رأسه تدور، لكنَّ أبرزها حوادثُ المرور. كانت المعدلات كُلُّها في ارتفاع، المخالفاتُ في ارتفاع، الوَفيات في ارتفاع، الإصاباتُ في ارتفاع، وهكذا في كلِّ الأمور.
المشكلةُ في رأسه أشبه بصداع ٍ مزمن. حتى التقارير العالمية أشارت إلى ارتفاع معدلات حوادث السير والتقاعس المستمر عن حلِّها. لذا قرّر المسؤول حلَّ المسألة، فنادى المستشارين وأمرهم بحلِّ المشكلة. مضى أسبوع. اجتمعوا مجدَّداً. كانت الحلول كثيرة لكنها قاصرة. لم يقتنع بأيِّها حتى اقترح أحدهم استبدال إشارات المرور بإشارات حديثة تُظهر للسائق ما يتبقى من وقت لتصبحَ الإشارة خضراء أو حمراء على حَدٍّ سواء.
الفكرة جيدة. لاقت قبولاً لديه، فأمرَ فوراً بتطبيقها مُدَّةَ شهرٍ للتأكد من نتائجها. بدأ المستشارون المهمة. قاموا بتبديل الإشارات. بدأ الناس يشعرون بالتغيُّر منذ اليوم الأول. ومن ثم بدأت المؤشرات تتبدَّل.
بعد انتهاء التجربة، أحضر المستشارون النتائج في ورقة. كانت الأرقام نقيضة لما سبق، والتجربة ناجحة على كلِّ الأصعدة، فنسبة الوفيات في انخفاض، نسبة الإصابات في انخفاض، نسبة التعطل في انخفاض. إرتسمت ابتسامة عريضةً على وجهه حتى أتى على الرقم الأخير في الورقة. كان منخفضاً هو الآخر، لكنَّ انخفاضه مشكلة، مشكلة سوف تُحْدِث بلبلة، في جيوبِ المسؤول، وفي أوساط القائمين على عجلة التنمية. لذا صمت قليلاً وفكر، ثم أخذ قلمَهُ وكتب أسفل الصفحة "مع عدم الموافقة" !
في اليوم التالي عادت إشارات المرور القديمة إلى مكانها، وعاد المسؤول إلى مكتبه وهو يُفكِّر من جديد في كيفية تطوير البلاد مرة أخرى.
#طارق_قديس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟