|
السُنة التاريخية و السُنة الطبيعية
الشيخ إياد الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5955 - 2018 / 8 / 6 - 22:16
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لم يحدد لنا المعجم اللغوي معنى السُنة على نحو دقيق ، ولكنه أطلق لنا معناً يمكننا توظيفه بين ما هو لساني وبين ماهو إصطلاحي ، وأقرب التعاريف التي وجدناها هو القول بأنها - [ طريق ] - ، أي السُنة هي طريق وهي في هذه الحالة لا تكون فاعلاً ، ولفظ - طريق – حين يكون مُنكراً يكون عاماً ، ولكن يمكن الإستفادة من معناه لمن يشتغل فيه أو عليه في الإجتماعي كما في الطبيعي ، والسُنة التاريخية متعلقة موضوعاً بفعل الفاعل الذي أنتجها ، ولهذا يكون الحكم عليها وفقاً لذلك ، و هي دائماً من صنع الإنسان سواء ( في الخير أو في الشر ) ، والفاعل بحسب موضوعها المتقدم و كما نرى هو - العدل أو الظلم - ، ولكن في السُنة الطبيعية فالذي يتحكم فيها قوانينها الخاصة ، ويكون الفاعل في صنعها هو قانونها الخاص بها [ هي الطبيعة نفسها ] ، وقانون الطبيعة هو عينه القانون السببي [ العلة والمعلول ] الموضوعي . ولهذا فالتمييز بين ماهو تاريخي وبين ماهو طبيعي يكون من خلال القانون المنتج لهما ، وفي المنطق العلمي : يكون مجال البحث عن كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى ، فالسُنة التاريخية : كما قلنا مجال بحثها يكون في - علم الإجتماع ومشتقاته - ، ولكن كيف يكون ذلك ؟ ، قالوا : بما إن السنن هنا هي من إنتاج فعل الإنسان ، وهي لم تكن بالفعل لولا حاجات الإنسان إليها ، الحاجات الإقتصادية والسياسية والدينية وغيرها [ لذلك فمجال البحث عنها وفيها علم الإجتماع ومشتقاته ] ، والترابط بين علمي الإجتماع والتاريخ مصيري لحدود قصوى قال أبن خلدون ، لكن السُنة الطبيعية : في المنطق العلمي مجال بحثها علم الفيزياء والفلك وغيرها من علوم الطبيعة ، لهذا هما متمايزان مختلفان من حيث الماهية والجوهر . بيد إننا هنا نبحث عن - صلة وصل - بينهما و ذلك نجده جلياً في - موضوعة الخصوص والعموم - ، ولكن كيف يكون ذلك ؟ ، نقول : حسب المنطق العلمي فإن أصل الحركة واحدة ومجالها ــ ممكن الوجود ــ أعني الطبيعة ، والإفتراق يكون في الفاعل المنتج لهما ، ففي السُنة التاريخية : [ يكون الفاعل هو الإنسان ، وفي السُنة الطبيعية يكون الفاعل هو الطبيعة نفسها ] ، وموضوعياً قوانين الطبيعة تختلف عن قوانين فعل الإنسان وإرادته ، ولو أفترضنا جدلاً صحة نظرية الوحدة التي ذهب إليها غير واحد من المثاليين ، فسيكون علينا لزاماً إلغاء حالة الإختلال في النظم والبناء العام ، وهذا غير ممكن بحسب النظرية العلمية للتطور ، [ يقول ألبرت أنشتاين إن الطبيعة ( الكون ) حدثت نتيجة للإنفجار العظيم ، وهو نفسه ( أي الإنفجار ) هو من أسس قوانين الطبيعة ونظامها ، ونفس الشيء قاله القرآن المجيد ولكن بصيغة ثانية سماها ( النفخ في الصور ) ] ، ومفهوم النفخ في الصور هو مفهوم نظري تجريدي يتحدث عن خلق الكون من شيء ما غير محسوس [ وهكذا قال ستيف هوكنز تعليقاً على نظرية الإنفجار العظيم ] ، وعندنا لم يكن الإنفجار هذا عبثياً إنما جرى بصورة منتظمة ، أدى إلى جعل - قانون التطور - صيرورة دائمة متقنة ومتوازنه وليس فيها خلل يؤدي إلى طغيان البعض على البعض الأخر . وفي القديم مال إلى هذا الرأي - ملا صدرا الشيرازي - معتبراً الطبيعة بما فيها من خلق وتكوين ونظم ، إنما كانت بفعل الموجد الأول قال أبن سينا ، ولذلك فقوانين الطبيعة لم تكن بهذه الدقة لولا طبيعة الخلق من الموجد الأول ( وهكذا الإرادة منه منذ البدء كذلك قالت الأشاعرة ) ، وما يحدث في عالم الطبيعة هو نتيجة لذلك ، فالعلل الطبيعية التي وجدت في هذا الكون وفي داخله إنما كانت بفعله ، ولذلك قالوا بالتبعية : أي إن فعل الإنسان يدخل ضمن هذه النظرة سواء أكان فعله في الخير أم في الشر ، أنظر النص التالي : - [ إنا هديناه السبيل (وفي نص أخر النجدين ) إما شاكراً وإما كفورا ] - الإنسان 3 ، إذن فهذه النظرة لا تعترف بالقوانين الذاتية المنفصلة . فالعدل : عندهم ليس فعلاً ذاتياً في الطبيعة أو إنه تطور مع الزمن ، بل إنه وجد مع الإرادة في ذلك لتكون الطبيعة متوازنة ومعتدلة وممكنة الحياة فيها ، ولذلك قالوا : لم يكن الأمر بالعدل إلاّ ليكون سُنة يستقر على أساسها النظام والقانون في الطبيعة ، وما التاريخ إلاّ راصد ومشير وشاهد على ذلك ، قال تعالى : [ وما خلقنا السماوات والأرض ومابينهما إلاّ بالحق ] - الأحقاف 3 - ، فطبيعة الخلق من جهة و حتمية الخلق من جهة أخرى ، ليست عبثية ولكنها كانت لسبب ما ، وفي المنطق الإلهي يكون ( فعل الخلق وسببه ) من الحق ، وليس كالطبيعة التي لا ترتبط بسبب في تطورها كما تقول - الداروينية - ، والحديث في النص عن [ الخلق وليس عن التطور ] فالخلق هو النفخ أو هو الإنفجار ، وأما التطور فهو من لوازم النظام الجيني أو البنيوي [ والذي تقول به الأحياء التطورية ] ، وفي القرآن : تعتبر عملية التطور عملية دورية مستمرة ، لكن كيف وأين بدأت ولماذا ؟ ، وهنا الجواب يكون : عن معنى الطبيعة عن ماهيتها وعن صلتها بالإنسان ، وهل هي حقل لتجاربه أو هي وعاء لذلك ؟ ، [ وبالمناسبة نحن نتكلم هنا عن الإنسان وليس عن البشر ] ، وبين الإنسان والبشر جدُ فارق ، أي بين الحيوان الأول وبين هذا الذي تطور في وعيه وعقله ليكون - خليفة لله - ، وبحدود علمي : إن القرآن المجيد لم يعط صورة تفصيلية لهذا التطور من البشر إلى الإنسان ، ولكنه نوه إلى ذلك ببعض الإشارات ، في إعتبار البشرر سابق للإنسان كما نقرأ ذلك بقوله : - [ إني جاعل في الأرض خليفة ....قالوا : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ ) ... ] البقرة 30 - ، السؤال كما تقول لغتنا العربية ، إنه من فئة الأسئلة الإستنكارية ، أي إن الملائكة أستنكرت على الله أن يجعل خليفته من هو قاتل وشرير ، ولو تتبعنا نظرية التطور لوجدنا إن الأصل في البشر هو الشر ، ولكن ماهو المضمر هنا و الذي لم نلاحظه في الكتاب المجيد ؟ ، إن المضمر هو ذلك الزمن الذي لم يُحكى عنه في عملية التطور والتحول ، وكم من الوقت أستغرق هذا التحول الجيني والعقلي معاً - أنظر رينيه ديكارت - ، أعني إن الكتاب لم يعطنا تفصيلاً عن الزمن الذي أستغرقه فعل التحول بين [ فعل خلق وفعل جعل ] ، ولكن وحسب نظرية الأحياء التطورية : فإن هذا الزمن حدث بعد التدمير للعالم الأول ، حدث هذا من خلال التناقض والصراع من أجل البقاء قبل ملايين السنيين وقيل بسبب فعل الطبيعة نفسها . ولنناقش الفكرة تجزئياً ونقول : هل أرتبط خلق الطبيعة والكون والإنسان بحاجة مقدرة عند الله في التخطيط المنطقي لما تكون عليه صورة الطبيعة ؟ ، والجواب عند عامة الإلهيين نعم : أن صورة الخلق مرتبطة بضرورة حتمية متعلقة بنظام كلي مسبق في العقل الإلهي !! ، وهي لا ترتبط بنظام ذاتي للتطور الغير مسبوق بسبب !! . وبما إننا نبحث هنا في نظام السنن في القرآن المجيد ، لذلك نقول : إن القرآن يطرح موضوعة السببية في الخلق ، أي إن الخلق ليس عبثيا أو جاء بلا سبب وليس الأمر فيه متروكاً لنظام التطور الذاتي المرحلي ، الذي ينبني على التناقض والخلل الجيني ، قال تعالى : [ وما خلقت الجن والأنس إلاّ ليعبدون ] ، ومفهوم الخلق كان لسبب وهو العبادة والتي هي عند الملا صدرا ليست الطقوس والشعائر ، إنما هي العمل المرتبط بما يحقق للحياة غايتها وهدفها ، وفي هذا المجال يكون قوله تعالى : [ ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيما ] - الفتح 4 ، مرتبطاً بهذه الغاية وهو محكوماً بقانون السببية ، فالكائنات الغير مرئية وجدت لسبب ما وهو حفظ نظام الطبيعة في الإستقرار والتوازن ، ونقول : [ إن وجود هذه الجنود أو الكائنات الغير مرئية ، إنما هي حالة حمائية لحفظ نظام الطبيعة من الإختلال ] ، وبعبارة منطقية : حفظ نظام الطبيعة بكائنات حية غير مرئية ، يحقق للطبيعة قدرتها على حفظ نظامها وصيانته من الإنهيار ، وهذا الشيء قال به الفيزيائي الفذ - دايرك - حول نظرية الأشباح التي تملئ الفراغ الكوني ، هذه الصورة التي يعبرون عنها بالتجاذب الكهرومغناطيسي ، والتي وجدت من أجل هذا التوازن في الطبيعة ، قال تعالى : [ ولله ملك السموات والأرض ] الفتح 14 ، - ومفهوم ملك - حين جاء منكراً ففيه دلالة مطلقة على معنى النظم والسيطرة على النظام الكوني ، ولا تكون السيطرة والنظم من غير قدرة عاقلة واعية تضبط حركة الكون وتحافظ على وحدة النظام الكوني ، وحين ينسب الله المالكية في هذا الشأن وذلك للأهمية ، ولا شأنية للإنسان في ذلك إلاّ على النحو الإعتباري المجازي وهذا ليس محله هنا . قال تعالى : [ ولله ميراث السوات والأرض ] الحديد 10 أعجبني هذا النص لأنه يتحدث عن المستقبل ، فالميراث في عرف المتشرعة هو عبارة عن الأشياء المتبقية بعد فقدان المالك الإعتباري ، والنص هذا يرتبط حكماً بما سبقه في قوله تعالى : { له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور } ( الحديد / 5) . أي إن المتبقي من الوجود المخلوق الثابت منه والمتحول هو لله في نهاية الوجود الحتمي الذي يكون ذاتياً من خلال إنعدام الكتلة في السموات و الأرض ، قال تعالى : - [ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ، وتكون الجبال كالعهن المنفوش ] – القارعة 4 و 5 ، قال شيخنا الأستاذ : [ إن المتبقي هو عبارة عن شأن يختص بمالكه أصالة على نحو الحقيقة لا الإعتبار ] ، بدليل إن قوله تعالى : [ ولله خزائن السموات والأرض ] - المنافقون 7 ، شأنية خاصة بالله وحده و لا شأنية فيها للإنسان . وبما إن الحديث عن الميراث والمالكية فلا بأس من النظر إلى قوله تعالى : [ وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه ] الحجر 21 ، والخزائن جمع خزينة وهي الصندوق الذي تحفظ به الأشياء ، وهي هنا كناية عن القدرة الكاملة التامة على كل ممكنات الوجود ، ، وهذا النص في مقام التعريف بخزائن الله ، وهو تعريف يُراد به بيان السُنة الطبيعية ، وجعل ذلك كله شأنية خاصة بالله وحده ولا دخل للإنسان فيه . ونعود لنقول : مفهوم الخلق والتكوين في الفعل وعلى نحو مطلق هو من شؤونات الله ، المتعلقة بقدرته للعوالم الكونية المطلقة ولا شأنية للإنسان فيها ، بل إن الإنسان هو جزء من ذلك الخلق والتكوين . قال تعالى : { خلق السموات والأرض بالحق وصوّركم فأحسن صوركم } ( التغابن / 3) . وقال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأٍ مسنون } ( الحجر / 26) . وقال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } ( المؤمنون / 12) . وقال تعالى : { وبدأ خلق الإنسان من طين } ( السجدة / 7 ) . وقال تعالى : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } ( الرحمن / 14) . وقال تعالى : { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم } (يسن / 77 ) . وقال تعالى : { وهو الذي خلق من الماء بشراً .. } ( الفرقان / 54 ) . وقال تعالى : { والله خلق كل دابة من ماء ..} ( النور / 45 ) . قال الله تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 6] قال تعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14
وكما قدمنا فالخلق أرتبط مفهوماً بالبشر وليس بالإنسان ، كما في سورة الفرقان 54 ، والجعل كان للإنسان أي إنه بعدما أنتهى من خلق البشر عبر مراحل ، جعل له صورة حسنة تتناسب ووضعه الطبيعي المخلوق من أجله ، كما يظهر ذلك في قوله تعالى : [ الذي خلقك فسواك فعدلك ] - الإنفطار 7 - ، وفي ذلك يكون المعنى قريب مما ذهبت إليه - الأحياء التطورية - . * * * تنبيه : مما تقدم يتضح لنا : إن السُنة الطبيعية تفترق عن السُنة التاريخية في نواحي عدة ، فالسُنة الطبيعية أعتبرها العلم حتمية الوقوع ، والفاعل في إنتاجها هو الله أو هي قدرة الله ، وهي ليست من شؤونات الإنسان وفعله ، وأما السُنة التاريخية فهي فعل ناتج عن الإنسان ، أي إن الفاعل في إنتاجها وصُنعها هو الإنسان ، وفي متعلقات السُنن يكون الفعل آصالة بيد الله ووكالة بيد الإنسان ، في قضايا المالكية والإرثية والخازنية . *** يذهب بعض المثاليين للقول بالإتحاد بالفعل ، وهو قول ليس دقيق من وجهة نظر علمية ذلك لأن الكلام فيهما يتعلق دائماً بالماهية وبالكيفية ، وحين يكون ذلك كذلك نفهم معنى الإفتراق في قوله تعالى : [ قل من يرزقكم من السماء والأرض ] يونس 31 ، وفي سورة فاطر قوله : [ هل من خالق غير الله يرزقكم ] فاطر 3 - ، في هذه النصوص نلتقي مع الله حين يتحدث عن قدرته بالفعل والقوة ، ويرجع كل شيء له على نحو مباشر وما يكون من الإنسان فبشكل غير مباشر ، فالثروة هي منه ولكنها تكون للإنسان على نحو الفعل والمباشرية والإنتفاع ، نلحظ ذلك في العبارة التالية قوله : [ ومما رزقناهم ينفقون ] البقرة 3 ، فالرزق هو عبارة عن كل ما ينتفع به من مال أو غيره ، وهو صفة وصف و تقدير في الأموال والأشياء ، لما ينتفع منه وبه أي إن إيجاده في الأساس هو شأن إلهي ، ولكن حق الإنتفاع والزيادة والإستثمار فهي من فعل الإنسان ، يدل على ذلك ما قاله تعالى . تعتبر المادة ( الثروة ) في الفلسفة الدينية ظرف لصفة التفويض في الإنتفاع ، وهي تكون للإنسان وكالة إذا كان قادراً على ادائها بحدودها المعلومة ، وفي هذا يكون الرزق عنوان ثانوي يكون فيه الإنفاق شرط في صحة التفويض ، ولهذا جاء الوصف على نحو الأسم ـــ بالرازق ــ ، ليؤكد على إنه المفوض والفاعل في ما يملك على نحو حقيقي ، ويواصل الكتاب المجيد فكرته عن التفويض بقوله : [ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ومما رزقناهم رزقناهم ينفقون ] إبراهيم 31 فالتوزيع العادل مرتبط بقوله ــ رزقناهم ــ والضمير المتصل هنا يعود على الرازق الحقيقي صاحب الملكية أصالة وهو ــ الله ـــ ، وفعل الإنفاق يكون في الطبيعية من عمل الإنسان وعلى نحو مباشر ، ولكنه في الواقع يشير إلى إن الفعل مجرد تفويض من الله ، وتوزيع الثروة شرطه اللازم ليكون مؤدياً للغرض ومنفذاً لمعنى التفويض أن يكون ــ بالعدل ــ ، والعدل شرط مسبق في صحة الإنفاق ، قال الطبرسي : العدل ملاك صحة الإنفاق وشرطه ، ومن غيره يكون الظلم والجور والتعسف ، وهذا هو المنهي عنه قطعاً ، لذا ورد [ التقديم للتعليل المتأخر ] ، وفي أصول الفقه : يعتبر شرط الإنفاق شرط تكليفي ، وهو القرينة الدالة على صحة أداء التكليف ، والتلكيف تحرير للصفة بحيث يرى أثرها الواضح في الواقع الموضوعي أعني أثر الإنتفاع وكيفيته . وفي موضوعنا السنني إيجاد صفة التفويض متناسبة مع حاجة المنتفع ، أي جعل الصفة محلاً للضبط والربط بحدود الحاجات والضرورات ، ولا يتم هذا من غير [ واقع موضوعي ملائم ، وشرط إعتباري صحيح ] ، ولا يخرج هذا من باب [ الإيمان مع العدل ] ومن غيرهما يقول الطباطبائي يكون الخلل مترتباً أثراً في الواقع وفي الشرط ، والخلل سبب مباشر في حدوث السنة التاريخية على نحوها السالب ، قال شيخنا الأستاذ : [ لعل التمايز اوضح ما يكون في الصفات الإلهية عموماً ، تلك الصفات المرتبطة بعالمها الخاص الذي تتحرك فيه ] ، والصفات : عبارة عن عناوين كلية لمفهوم ـــ الذات ــ كما طرحت في علم الكلام ، على نحو : [ ــ الصفات عين الذات ــ ] ، وفي علم الكلام أيضاً : يكون المتحرك والفاعل هو المتجلي والظاهر ، وبيان التجلي عند صاحب حكمة الإشراق : يتمظهر بأبرز المصاديق كما في قوله تعالى : ( ربي أرني أنظر إليك ؟ قال لن تراني ، ولكن أنظر إلى الجبل ــ ميدان التجرية ومكان إختبار الظهور والتجلي ــ فسوف تراني ( في أي هيئة ؟ ) ، قال : [ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرَّ موسى صعقاً ] ، والتجلي في لغة العرفاء : هو مظهر الكشف عن واقع حال القدرة في الميدان ، قال أبن الجنيد : [ والتجلي ظهور في القدرة لا ظهور في الذات ] ، والتناسب هنا بين الذات والصفة تناسب في ميدان الرؤية العينية المشار إليها في التعبير الكلامي آنف الذكر . وللتوضيح نقول : إن التجلي هو مظهر ظهور الذات على نحو [ صفةً ] ، وذلك لتعذر ظهور الذات واقعاً لقوله : - [ ليس كمثله شيء ] - الشورى 11 - ، والظاهر من هذه الصفة هو ما نطلق عليه بالطبيعي والتاريخي ، والطبيعي هو المجسد بالقوانين للنظام الكلي العام ، والتاريخي هو المُجسد للحركة ضمن قوانين العليّة ، وجدل الله و الإنسان هو جدل دائم في الطبيعي والتاريخي ، والذي نفهمه عبر السُنن سواء بالفعل الخالص أو الفعل المشترك ، والفعل الخالص نشير به للطبيعي [ من جهة عموم القانون وخصوص الإرتباط ] ، والفعل المشترك يكون سريانه بين ما هو طبيعي وماهو تاريخي [ من جهة خصوص القانون وعموم الإرتباط ] ، يقول شيخنا الأستاذ : ( إن المشيئة والفعل في الطبيعي يكون بأمر الله ، ولكن المشيئة والفعل في التاريخي ترتبطان بحركة الفاعل الإعتباري ) ، وقد عرفه أستاذنا رضا الصدر : - فعل الإنسان يكون في ساحة المتحول وليس الثابت - ، والمتحول من لوازمه التبدل والإنتهاء ولكن بحسب الشرط الموضوعي للواقع ، قال تعالى : [ ومن نعمره ننكسه في الخلق ] يس 68 : ، وجدلية طول العمر مع فقدان التوازن والقدرة على الحياة ، لازمة من لوازم التبدل في الطاقة وإنتهاء للكتلة ، ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى وبنحو ما : [ فإذا جاء أجلهم لا يسأخرون ساعة ولا يستقدمون ] - الأعراف 43 - وطبعاً لا يستثنى من هذا القانون ما يحصل في الحروب ، وفي الكوارث التي تحصل بفعل الطبيعة ، ومنطق التقديم والتأخير المرموز له بالنص المتقدم ، ليس معناه إلغاء دور الإنسان في الصنع على نحو مباشر ، و لنتأمل الفكرة عينها في صراع النقائض والأضداد في الدوام والزوال والبقاء والهلاك والحق والباطل والخير والشر والحلال والحرام
آية الله الشيخ إياد الركابي
#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل التاريخ يُعيد نفسه ؟
-
ما الفرق بين بكة ومكة
-
قول : ( في نسبية مفهومي الجنة والنار )
-
خرافة عالم البرزخ
-
- الخلل المفاهيمي في لغة النص : - القلب ، الفؤاد ، العقل ..
...
-
في معنى قوله تعالى : [ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن
...
-
إشكالية الحكم في الإسلام
-
تحرير العقل المسلم
-
الإسلام والتشيع جدل اللفظ والمعنى
-
السنٌة والشيعة ... إشكالية المفهوم والدلالة
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|