|
أسرار الدموع
زهير صادق الحكاك
الحوار المتمدن-العدد: 5949 - 2018 / 7 / 31 - 14:20
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أســــــرار الدمـــــوع الدموع، من الهبات الكثيرة التي حبا بها الله سبحانه وتعالى الإنسان، ربما منفردا بها من بين مخلوقاته التي لا تعد ولا تحصى. فالإنسان، منذ فجر خلقه، أجبرته عيناه على ذرف الدموع في الحزن وفي الفرح. فقد تعلم بأن دموعه ستنساب بحرية عندما يفقد عزيزا عليه إلى الأبد، أو عندما يصاب أحد أحبائه بمرض ويراه يتأوه من الألم. ولكنه لاحظ أيضا على نفسه بأن دموعه تنساب أيضا في لحظات من الفرح العارم، مثلا عندما يكون حاصل جهده وتعبه قد أثمر بسخاء، وأبواب الرزق مفتوحة عليه وعلى أهله ، وعندما يولد له مولود، وعندما يراه يكبر، ويتفوق، ويحصل على شهادة عالية، وعندما يراه واقفا في عرسه يتقبل التهاني. وأما أفضل وأجمل دموع الفرح ستكون عندما يضعون حفيده في حضنه. لهذه المقدمة غرض في نفس يعقوب. فلقد تابعت قبل عدة اشهر، أغلب فعاليات الدورة 21 لألعاب الكومنولث، التي تشارك بها عادة أكثر من 50 دولة كانت تابعة للإمبراطورية البريطانية. تنتشر هذه الدول في جميع قارات العالم، وتتراوح مساحاتها من عدد قليل من عشرات الكيلومترات المربعة (كما في الجزر العديدة المنتشرة في المحيط الهادي، إلى قارة بكاملها مثل أستراليا) ، وكذلك في عدد نفوسها من عشرات الآلاف إلى أكثر من 1.3 مليار نسمة كما في الهند. في كل الدورات السابقة، كان الفوز (كما هو متوقع ) للدول المتقدمة مثل أنكلترة وأستراليا بحصة الأسد والنمر من عدد الميداليات بأنواعها الثلاث (الذهبية والفضية والبرونزية)، مقارنة بدول أخرى صغيرة في مساحتها وعدد سكانها ، وفقيرة في أقتصادها ورفاهية مجتمعها. هنا يجب علينا أن نتوقع مثل هذا التمايز وذلك لبساطة الأسباب. فالدول الكبيرة المتقدمة قادرة على توفير ( كل ) ما يتطلبه تدريب أحد شبابها في لعبة رياضية معينة، والكل هنا يشمل الأجهزة والقاعات والمدربين الأكفاء، والأطباء بكافة أختصاصاتهم، صحة عامة ، صحة نفسية، تغذية، مدلكين عضلات وغيرهم، علاوة على رصد مبالغ كبيرة لإقامة وتغذية وتنقلات كافة أعضاء فريقهم المشارك . أما رياضيو الدول الفقيرة، يكونون عادة دون ذلك المستوى من الرعاية شاءوا أم أبو. لا أريد أن أدخل في روعة ما قامت به مدينة الساحل الذهبي الأسترالية لأنجاح هذه الدورة. فلقد هيأت ملاعب متميزة وعمارات سكنية لكافة المشاركين وغيرها من المستلزمات. أما قمة الروعة فقد كانت في حفلتي أفتتاح وأختتام هذه الدورة. فلقد أبدع المهندسون الأستراليون في توظيف تكنولوجية الليزر لأمتاع الحضور والمشاهدين للقنوات التلفزيونية. الشيء الذي جذب أنتباهي وحفزني لكتابة هذا المقال هي مسألة دموع الفرح للفائزين بالميداليات.. فلقد لاحظت أن أغلب الفائزين من الدول المتقدمة (رياضيا) مثل أنجلترة وكندا وأستراليا كانوا فرحين طبعا ولكن بدون أنفعالات كبيرة لهذا الفرح، ربما يعود ذلك لقناعتهم ويقينهم بمثل هذا الفوز. ولكني لاحظت درجات عالية من الإنفعالات النفسية ودموع الفرح عند اللاعبين القادمين من أحياء فقيرة في دول صغيرة أو جزر، أغلب مساكنهم من الأكواخ البسيطة التي تبنى عادة بالخشب وربما الطين وسقوفها من ألواح التنك المقرنص، أو في احسن الأحوال في بيت بسيط حاوي على الأساسيات من الاثاث فقط. لقد لاحظت أن كل لاعب من هذه الدول (الآسيوية أو الأفريقية) الفقيرة، يقف على منصة توزيع الميداليات بخفة واضحة وكانه يريد الطيران إلى بلده وأهله ليخبرهم بفوزه بميدالية مقارعا أبطالا من دول راقية. وحالما توضع الميدالية في رقبته ويقف إجلالا أمام علم بلاده الذي يرتفع مع أعلام زملائه الفائزين، ترى دموعه تنساب على خديه دون سيطرة منه معبرة على حبا كبيرا لذلك العلم ولذلك الوطن. ولقد تكرر هذا المشهد مع الكثيرين من هكذا لاعب. إن حالة الانغمار بالفرح تبدأ باللحظة التي يتفوق فيها في السباق، خصوصا إذا كان الأول، حيث يبدأ بالقفز المجنون، ويذهب إلى المدرجات لأخذ علم بلاده من أحد المشجعين له، ويقبله وهو يبكي، ويلف نفسه به، وينطلق مهرولا إلى الساحة ليدورها مبتهجا بفوزه وبرفع أسم وعلم بلاده عاليا. إن حب الوطن لا يتطلب دورة رياضية، ولا محفلا عالميا لعرضه، بل يجب أن يكون حبا متفانيا ودائميا في قلب كل فرد فيه ، ورنين صداه دائما في الأذن والعقل، ويهتف أنه ( العراق وطني )، وعلي واجب خدمته بكل إخلاص ونزاهة وبدون مقابل. زهيــــــر صادق الحكـــــــاك
#زهير_صادق_الحكاك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هم العراقيون؟
-
حقائق مثيرة عن الفراعنة
-
لماذا وكيف يصل الانسان للعمر الثالث؟؟
المزيد.....
-
إسقاط عشرات الطائرات المسيرة الأوكرانية على مختلف الأقاليم ا
...
-
الرئيس الروسي يعلن استعداد بلاده للتفاوض حول النزاع في أوكرا
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تحديث لمتحف اللوفر تستغرق سنوات لاتمامه
...
-
فلسطينيون يواجهون أسوأ مخاوفهم في شمال غزة
-
مسيرات أوكرانية تستهدف منشأة للطاقة الذرية في مقاطعة سمولينس
...
-
-هآرتس-: ارتفاع مبيعات الأسلحة من صربيا لإسرائيل بنسبة 3000%
...
-
سوريا.. تنظيم -حراس الدين- يعلن حلّ نفسه
-
المبعوث الأمريكي يبحث اتفاقا شاملا للشرق الأوسط يشمل إعمار غ
...
-
القيادة العامة السورية تصدر بيانا عن لقاء الشرع وبوغدانوف في
...
-
المغرب.. توقيف مشتبه به لتورطه بالاحتيال منتحلا صفة مسؤول بم
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|