اسماعيل ابراهيم عبد
الحوار المتمدن-العدد: 5947 - 2018 / 7 / 29 - 22:24
المحور:
الادب والفن
تقديم مفرد
في هذا الحقل بداية معرفية وجدتها ضرورية، لن اعود إليها الا لماماً لكونها تتصل بدراسة موسعة لعدد آخر من الروايات, إذاً, أُريد القول:
ان رؤى الخلود التراثية والفلسفية ارتبطت بفكرة الوعي الكوني. وبما ان الكون كان رافدينيًا؛ لذا ستبقى هذه الفكرة الفلسفية مرتبطة ولصيقة بكل نشاط ادبي معرفي, ثقافي تقني, جمالي, يسمو الى جعل التآخي العالمي نموذجا للمثال الحضاري المنشود. لعل الرواية العراقية الجديدة لها ذات المحتوى وذات الاهداف المتناسلة عن فكرة الفضيلة الرافدينية, اسطوريًا واجتماعيًا.
ارى ان الفكر والفن الروائي لدينا يمتثل لفكرة الخلود عبر ثلاثة أنساق هي: ((الجمال , الخصوبة , الثراء)).
* وقد يكون من غير المستبعد, بأن الادوات الروائية تنقل ذلك المحتوى تناوباً بين:
ـ الابطال الذهنيين, الذاهلين بالوجد, الحالمين بالرغد, الجالدين للنفس.
ـ الضحايا الممثلين لقوى الخير والفطرة والعمل المادي المثمر.
ـ المقيمين للاحتفال بعيد انثروبولوجيا الحياة بما فيها وكما هي ـ على رأي- ديمولان كونديرا.
لعل ما يميز الروائي العراقي المُجيد بمحليته وكونيته، أنه أنزل الاسطورة الى مقام الحياة العادية, وعمل بمعكوسها أيضا, أي أسطر واقعه الحقيقي, من ثم وضع خلطة متخيلة عن اللامعقول الغريب المستوحى من غرابة القسوة والاضطهاد اللتان مورستا ضد انسانيته.
* فيما من جانب آخر تهتم الرواية العراقية، بالتفكك المجتمعي، وضياع الهوية, ونكران أخوية التاريخ الانساني في البلاد.
* اما عقدة التفريط بحقوق المواطن الفردية والعرقية الاثنوغرافية, والرضا بالمواطنة الصرف, فهي من العقد التي يعمقها الحاكم العراقي في كل لحظة بمظهرها السياسي, والاقتصادي, وحتى الجنسي، وقد مثلت هذه الظاهرة مضمونًا مهمًا من المحتوى الفكري للرواية العراقية الجديدة.
لنعود الى محاور المتابعة للرواية قيد الفحص (انانا والنباش) للروائي سالم بخشي ( ) بحسب المحاور الآتية:
أولاً : المعرفة والحدس
الدكتورة أروى محمد ربيع الخيري في كتابها (علم نفس الابداع المعرفي) تنقل ما اشار اليه برونر بالقول: ((أن المعرفية تزخر بالاستعارات, ويكمن سبب ذلك في ان الكثير من موضوعاتها لا يمكن ان توصف بدقة شديدة, أو لا يمكن الاشارة اليها، أو أن يتم تصويرها, إنما يجب ان يتم استنتاجها أكثر ما يمكن رؤيتها فعلا)) ( ).
يبدو أن القول اعلاه لا يخرج عن كونه احدى بديهيات المعرفة القائلة بترابط الاسباب والنتائج بكلية التصور. لكننا نجد ان ما ينطوي عليه القول يعبر إلى فكرة مهمة هي: أن الحدس أول المعرفة, وربما هو التطور الأخير لها, لذا نعدُّ كل رواية معرفة حدسية تجمع بين المتخيل للماهية الجديدة لما ستكون عليه الصورة الواقعية, والمتوقع عبر النبوءة الماورائية.
هذا يستدعي مباشرة ان نسأله هو:
ما الذي في رواية (بخشي) يتأهل للنمطين من المعرفة؟
لنأخذ المقطع الآتي فقد يفيدنا بتوضيح الاجابة:
[حفرت إنانا في موضع ناعم من رمال الصحراء حفرة, اختبأت فيها بعد ان حلت شعرها من حول خصرها, وكورته وجعلته في حضنها, ثم غطت فتحة الحفرة الظاهرة بوشاحها الذي علته الرمال بعد وقت قصير, واختفت معالمه تماما عن الانظار.
اغمضت إنانا عينيها وأوقفت نبضات قلبها, وتوقفت عن التنفس, ودخلت دورة أشبه بالسبات الى حين, لكن عقلها ظل يقظا حذرا, كذلك سمعها ظل مرهفا يرصد دبيب النمل!]( ).
في المقطع اعلاه تتجزأ المعرفة على عدة مستويات, منها:
ـ المعلومات الحقيقية: متمركزة بطبيعة ثلاثة مشخصات هي:
الصحراء , والرمل , والنمل.
ـ المعلومات المضللة: وتخص موجودات متخيلة المظهر هي:
الحفرة, والوشاح, مظاهر إنانا الخارجية كالشعر والخصر والعينين.
ـ المعلومات المتخيلة: انانا, قلب إنانا, عقل إنانا, سمع إنانا.
* تلك المعلومات حتمت وجود توافق مقنع بين المعرفة اليقينية والمعرفة الحدسية, إذ انها وضعت للفعل الروائي أكثر من منفذ ليلائم بين المادي والتخيلي. فالموجودات الحقيقية أوجدت أرض حقيقية اسمها (صحراء الربع الخالي في السعودية), وحركت فوقها الحدث الأهم في الرواية كلها (مطاردة ابليس ـ الشيطان ـ لإنانا الذي استمر حتى نهاية الرواية).
وعند وضع الحدث في حيز التعقل المتخيل جُعِلَ لإنانا قلب وسمع ووشاح وملاحقة شبه منظورة عبر الوصف الاجرائي الذي فعلته المعلومات المتعلقة بوظيفة التضليل. وجميع هذه المتحركات والعناصر الملحقة (المظاهر) تتضافر في خلق مستوى فني للمعرفة العامة الخليطة, بينما تفاعلت المعلومات المتخيلة للعناصر السابقة ببعضها وتدخلت بطبيعتها وبيئتها لخلق معرفة حدسية تتغلب على المستحيلات الثلاثة:
(مستحيل توقف نبض القلب, ومستحيل توقف التنفس, ومستحيل سماع النملة). ونعتقد بأن أهم لحظة سردية للوظيفة المعرفية هي تحقيقها لاستعارات الحدس الماورائي المتعلق بالعرفان المراوغ.
ثانياً : جشتالت العرفانية
لعل أي حدث روائي لن يتمكن من الجمع بين البيئة الفلسفية للنفسية العقلية الكلية بما فيها من مناظير متغيرة, والبيئة العرفانية المستبعدة من التعقل الميداني للتجربة الانسانية, لكننا ونحن نتقدم في قراءة الرواية حتى النهاية سنجد الكلية العقلانية متقبلة للعرفانية الشبيهة بالتصوف الحدسي المعرفي. لنتابع بعض الممهدات الموحية بالفعل الروائي الموحد لفكرتي العقلانية الكلية (جشتالت فرتايمر الالماني), وفكرة العرفانية التي أدعوها بالتصوف الحدسي لا خوارق الباراسيكلوجيا:
((أضافت (الجشتالت) بعداً للإبداع هو الاستبصار لوصف الاسلوب التخيلي الذي هو خاصية أساسية للعقل، تعني القدرة على جمع الاجزاء في كل, أو القدرة على تحديد الأجزاء في الكل، أو التغير من كل لآخر... يسميها فرتيمر التفكير في عملية تلاشي كل ما, لصالح كل أفضل)). ( ).
لننظر أيضا:
((ليس ثمة اسباب تدعو الى التشكيك في فاعلية بعض الممارسات السحرية)). ( ). ومن المؤكد أن هذه الفاعلية تعتمد على ايمان الساحر بقدراته وكذا حال الضحية . ثمة ما يكمل هذه الظاهرة, ذلك أن : ((تتبع فريزر الأساطير حتى عتبات بداياتها فيما قبل التاريخ واستطاع ان يكتشف انساقًا كونية وصيغا عالمية للإنسان في كل زمان ومكان تكشف عن الكثير من خبايا علاقة الانسان بالكون)) ( ).
من المحور السابق في (أولاً) ومن المفتتحات في هذا المحور يمكن إيجاز الأفكار السابقة بفكرة ثلاثية الأبعاد, تشمل:
((التعقل المتمم الكلي, العرفان السحري, التخيل اللاعقلاني)) .
وعلى ضوء هذه الأبعاد, ومن ثم بوجود نص إطاري من الرواية سنتمكن من خلق التضافر المقنع الذي وضعناه عنوانا لهذا المحور.
أقصد أننا سنمضي على النحو أعلاه بموجب نص يضافر هذه الاطراف: [عندما أحضرت النساء إنانا وادخلنها الغرفة المخصصة التي يعالج فيها السيد مرضاه الممسوسين بالشياطين, أقفل السيد هاتفه؛ ليضمن عدم المقاطعة, ثم شرع بمعية العبد الصالح الخضر, بطقوس اخراج الشيطان من جسدها .. كان بصرها شاخصًا ووجها خاليًا من التعابير.
تمتم السيد بعض الآيات القرآنية , والتعازيم , ثم نفخ في وجهها الذي أخذ بالتجهم والتقطب, وأطلقت اصوات كائن يتألم.
خاطبه السيد علي, وهو ينظر في عين إنانا:
ـ عليك أن تختار أيها الشيطان الرجيم, أحد أمرين: اما ان تخرج من جسد انانا بطريقة سهلة, وانت معزز مكرم من دون ان نلحق بك سوءا, او تختار الطريق الآخر.. طريق الالم والعذاب وفي النهاية تخرج مذموما مدحورا]( ).
ترى هل يمكن تجزئة محتوى التعقل مؤقتاً لأجل لمها لاحقا بتضافر مقنع! لنحاول.
1 ـ التعقل الكامل (جشتالت المعرفة):
العمل هنا يقتضي ان نوضح المعمقات العقلية الكلية والتي نراها متمثلة بالعناصـر الآتية:
((غرفة المرضى, التعازيم, النفخ, المخاطبة)).
انها عناصر أفرزتها الحالة الروائية بتعقل تام ومشتمل على الممارسة المباشرة للطبابة النفسية, على الرغم من بطانتها التي تقول غير ذلك عبر عناصر جديدة قادمة .
2 ـ العرفان السحري, وهو عرفانية تجري ضمن طقوس فيها حالات تبدو كأنها أعلى من قدرة الإنسان الفرد العادي, تتمثل بحركة كل من:
((استحضار العبد الصالح الخضر, التمتمة بآيات قرآنية في الدعاء, مناجاة تحذير الشيطان)).
ترافق ذلك حالات الضحية على أساس استجابات خاصة تلخصها العبارتين الآتيتين:
((كان بصرها شاخصا ووجها خاليا من التعابير)).
(( وجهها الذي أخذ بالتجهم والتقطب, وأطلقت اصوات كائن يتألم)).
3 ـ التخيل اللاعقلاني, يتخلص الى العبارة الآتية التي اصدرها السيد علي بشكل أمر:
((عليك أن تختار أيها الشيطان الرجيم, أحد أمرين: اما ان تخرج من جسد انانا بطريقة سهلة, وانت معزز مكرم من دون ان نلحق بك سوءاً, او تختار الطريق الآخر.. طريق الالم والعذاب وفي النهاية تخرج مذموما مدحورا)).
* نعود الى منطق التضافر الروائي, إذ أن التعقل الكامل استعمل أدوات الفحص السريري للطب النفسي, وادوات الفحص السريري لم تستبعد الطقوس العرفانية, والطقوس العرفانية لم يكن أمامها سوى التراث القرآني والصوفي والمثيولوجي, وبهم جميعا صار لدينا نص سردي يجمع العرفاني الى الجشتالي الى التخيلي. أليس هذه هي المهمة الروائية بمنطقها الذوقي لا التعليمي ولا العلمي الصرف. وعندما يتولد عن هذا الضخ المعلوماتي غير الدقيق تكنولوجيا, وغير الملغي معرفياً فيعني أننا بإزاء حالة وجد خليط من الحدس والتعقل والتخيل. وما يؤكد هذا الافتراض هو ان النص الملحق قد أتم الطقس العرفاني المعرفي التخيلي, بنتيجة استبصارية تؤهلنا لمعرفة المدى الذي طالته يد الروي:
[رد الشيطان على السيد علي قائلاً:
ـ هل تعتقد بأني سأتخلى عن إنانتي بهذه السهولة. لن أتخلى عن حبيبتي إنانا مهما حاولتَ أيها الفاشل. هيهات أخرج من جسدها, وقد نفذتُ الى دمها ولحمها وشحمها.
ـ لكنك لن تتسلط على قلبها بإذن الله, وسنخرجك صاغراً منها.
استرسل السيد علي بطقوس أكثر ضراوة أكثر قوة, وأومأ للخضر ان يثبت إنانا من الخلف, ممسكاً ذراعيها؛ خوفا من أن تخمش خديها.
أعلن السيد عن استراحة قصيرة...
بصق الشيطان في وجه سيد علي...
أدرك السيد علي ان الأمر لن يجدي مع الشيطان من دون استخدام التعويذة الكبرى ـ المتضمنة اسم الله الأعظم ـ...
أخذ الشيطان يتوسل...
ولى الشيطان هاربا...
كانت انانا قد اغمي عليها ...]( ).
في المجتزءات اعلاه يتمم المشهد طقوسية وعقلانية وصوفية وجشتالية ما تقدم من فرائض بطريقة متضامنة تحقق ضربة قص روائية مقبولة الوقع فنياً.
ان اعم ما أرادت الرواية قوله لم نتطرق اليه, ألا وهو الاستبصار.
نرى أن الاستبصار يتضمنه الغرض من الرواية ككل, وهو يتحدد ـ بعد تتبع الرواية من البدء حتى المنتهى ـ في:
ـ الخراب دخل الى النفوس كلها.
ـ الحل في العودة الى الاخلاق التي فطرها الله للخلائق كلها المتمثلة بالعيش دون افراط ودون اضطهاد.
ـ ستطل الشهوة ورغبة التملك أكثر الضغوطات المحيلة دون تحقق العدل الأكمل بين البشر.
* ثمة استدراك متمم لنتابعه في المحور القادم.
ثالثاً : سرة الاسرار
للفعل الروائي سِرّة ـ مركز لذة ـ تنحني باتجاهها لذة السرد كله تلك هي الأنثى كأُنوثة مشرعة الجسد والخطيئة والثراء الجمالي والفضيلة العقلية, تُرى أهي اينانا فقط ؟ قد تكون اينانا وشهرزاد وعشتار هن ذات واحدة لكن لننظر الآتي ونتحقق من جدوى شرعة اللذة بسرة أنثى!.
يقول الراوي عن إنانا:
[ان الرب خلق من طينتها مئتي امرأة اخرى, وجعلهن أخوات لها, ونشرهن في أرجاء المعمورة, ولكل واحدة منهن حظها الوافر من سحر الجمال. لكن عندما تقف اي منهن أمامها, تبدو مخلوقة دميمة بائسة أمام جمال إنانا الجبار!]( ).
[عندما تتخاطر اينانا بقوامها المتموج المثير, كملاك سماوي, أو تركض بين المروج, كظبية شاردة تثور مفاتنها الجسدية, ويهتز عجزها المكتنز المكور, ويترجرج صدرها الكاعب النافر، تنشر أعطافها المسك والعنبر نسمات عذبة عليلة]( ). وفي مكان آخر يقول الراوي:
[لا أحد يعلم ما كانت تعانيه إنانا هذه اللحظة. مسكينة؛ لم تتعود على عبودية الأسر والتعسف من قبل؛ وهي سيدة القصور الرئاسية المدللة!]( ).
قد يكون تقسيمنا لسلوك إنانا الى أنماط حركة يفيدنا بشيء. إذاً هي في النص الأول إنانا البابلية التي لها جسد الوعي البابلي القديم لإنانا كما وردت في الآثار والمأثورات البابلية؛ المرأة الجميلة بجسدها لا غير, كأن جمالها جمال الطين العراقي الشديد الخصوبة. بمعنى أن إنانا هي امرأة الخصب والجمال الأُنثوي (الجسد والانجاب = الفعل والعمل المنتج). ثمة ما يماثلها في العرض الجسدي, من ملكات الجمال اللائي يقدر عددهن الآن بمئتي امرأة.
اما النص الثاني فهو نموذج المرأة التي تحكمت بكل الخير والجمال عبر الوهيتها هي عشتار ولكن ظل (ثوب انانا = الانوثة والحب) هو المجلل لسلوكها.
في النص الثالث اشارة الى انثى القصور وهي في المأثور العراقي شهرزاد الحكاءة الحكيمة الملكة السجينة.
هذا الاستعراض الروائي برأينا يقسم تاريخ الانوثة الى ثلاث مراحل, هي
1 ـ مرحلة (انانا = الاخصاب والجمال الاستعراضي).
2 ـ مرحلة (عشتار = الحب والتقلب ونعمة الجمال الرباني).
3 ـ مرحلة (شهرزاد = الحكي السردي, ورغبة الملكية للقصور, والاضطهاد العام للانثى).
وهي مرحلة ماتزال البشرية فيها منذ زمن شهريار حتى هذه اللحظة.
قد يصلح هذا التقسيم تقسيماً للتاريخ السياسي للعراق, بدلاً من التقسيم المعتمد على الحرب والدمار والزعامات الدموية.
ومن العرض للأفكار السابقة يمكنني التوصل الى ما يخص هذه الرواية حصراً:
1 ـ ان سر الاسرار في الوجود هي الأنثى بشكلها الجمالي والدلالي.
2 ـ سر اسرار اللذة هو جسد الانثى للموجودات العاقلة والاسطورية والمتخيلة .
3 ـ ان سراة الأُنثى هو موطن اللذة, أقصد اعلى لذة انسانية تخص مواطن السراة( ) الانثوية, أي الصدر والفرج والورك.
4 ـ لا تقتصر اللذة على متعة الجسد انما تتعداها الى العمل.
5 ـ وتتجاوز لذة وجود الجسد والعمل عبر متعة الحكي (الأدب = المروي).
رابعاً : ملخص احتفالية الاضطهاد
يحتفل الحاكم والمحكوم بمناسبة قهر الأنثى المتلون الأثواب , ومن انواعه:
1 ـ الاغتصاب الشيطاني: وقد مارسه التاريخ القسري على إنانا وعشتار وشهرزاد .
2 ـ الاغتصاب الأمني: وقد مورس على كفاح وام حكيم وأم ثامر.
3 ـ الامتهان الجسدي بالاحتيال: مورس على رغد وهيفاء وغيرهما.
4 ـ الاغتصاب الاجرامي: مارسه عبدول على مئات النساء الاحياء والمتوفيات. لعل تكرار حالات الانتحار سببها في الأصل جريمة اغتصاب من نوع ما!.
5 ـ الاعتداء الجماعي: مارسه الرجال على نساء الاصدقاء بالقوة. شمل بموجبه الاعتداء على زوجات رجال الأمن, والاعتداء على زوجات رجالات الارهاب.
قد يستنتج القارئ وجود أواصر تشد الحاكم والمحكوم للاتفاق على إباحة جسد المرأة الميتة والتي على قيد الحياة, مثلما سنشهده في النص الآتي:
[ ـ ولى الدفانان هاربين...
في هذه الأثناء قرر الشيطان الانتهاء من المزاح, والشروع في معاقبة السيد علي من خلال تخريب أعماله؛ فذهب عند قبر السيدة الكربلائية التي دفنت بالأمس, واستخرج جثتها, واغتصبها, عبر جثة عبدول النتنة ومن ثم رماها بحجر كبير, فلق هامتها]( ) .
في تسقطنا للمسار الروائي وجدنا الآتي:
1 ـ عبدول هو من اغتصب زوجة صديقه وسمح باغتصاب زوجته, وهو رجل أمن سابق, وهو رجل ارهاب لاحق, وهو الذي تلبسه الشيطان في (أخير الرواية) يمارس رحلة عمله في تقذير العراق, بمعنى ان الاضطهاد الذي كان الجريمة الكبرى ضد الناس, صار ذاته الرهاب الأكثر إيغالاً في القهر الانساني, جسداً وروحاً حتى بعد موته, عانته المرأة على مدى تاريخ الأسى الانساني.
2 ـ المرأة المغتصبة تم اغتصابها في شباب حياتها بمديرية الأمن للعهد السابق, تم نبش قبرها واغتصابها وتحطيم جمجمتها في العهد اللاحق.
3 ـ المغتصبة هي أم الشهداء, وصديقة المغتصبات الأُخريات, وهي التقية المباركة.
4 ـ سيد علي وما عليه من طاقات سحرية عرفانية لم يستطع السيطرة على فعل الشيطان انما حوله من جسد الى جسد بالطريقة الدرامية لا الطريقة المعرفية .
5 ـ اشار الكاتب (بالدفانين الهاربين) الى كل انهزامي وخائف ومخادع وجبان لكونهما مثل جموع القطيع الذين لاهم لهم سوى الأكل والنوم والثرثرة.
خاساً : تناصات لامة
ترد في الرواية وقائع يبدو ظاهرها انها غير مترابطة لكن ثمة ما يغير هذا القناع نحو التبطين الموحد لتلك الوقائع (الأحداث), مثالها:
1 ـ على صفحة 62 يرد ما يكون العشق السامي الذي يربط الوقائع بالأحداث كون الحدث ممثل مهم لحب الروائي السامي لموصوفته:
[خلعت فستانها الملكي.. أبقت سروالها البنفسجي الفضفاض الشفاف الذي يصل طوله حتى كاحليها؛ وقميصها الداخلي الزهري القصير الذي يعلو سرتها الفنجانية المستديرة. ص62 من الرواية].
2 ـ ويرد على ص 69 ما يؤثث للجسد الروائي الكلي عبر موجودات تسعى لوضع اطار نموذجي للحدث: ((الصفحة 69 كلها تصلح مثالاً)).
3 ـ يرد على الصفحة 71 ما يؤكد فكرة التنوير الفلسفي الذي يضمن استمرار الاحداث نحو وحدة تشكيل المعنى الكلي الشامل للروي حيث يريد الكاتب تحذير الانسان من الاغواء الشهوي عبر أسطرة الرغبات بالشيطان:
[كنتُ منشغلاً طوال آلاف الاعوام, بإنجاز مهمتي في اغواء وتضليل البشر الطينيين من أولاد آدم, وإبعادهم عن الصراط المستقيم, أما وقد نجحت أخيراً في مهمتي , فبات من حقي أن استمع لنداء القلب]( ).
4 ـ يرد كذلك ما يشير الى نموذج تناصي موحد يخص أنسنة الأُسطورة بتحويلها من التخيل التراثي الى التماهي مع الواقع بالطريقة المعكوسة, في ما تؤشره الاستثمارات السائدة حالياً, ويشمل هذا المتجه ص57, ص58, ص59, ص68, ص70, ص 132, ص138, ص141, ص142, ص168, ص177, ص181, ص183, ص 192, ص 229, ص 232.
#اسماعيل_ابراهيم_عبد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟