أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الأمير - رواية-برسكال- رحلة المهمشين إلى متن الحياة فى القرية المصرية















المزيد.....

رواية-برسكال- رحلة المهمشين إلى متن الحياة فى القرية المصرية


سمير الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 5942 - 2018 / 7 / 23 - 17:49
المحور: الادب والفن
    




برسكال رواية أحمد صبرى أبو الفتوح الصادرة عن دار " ميرت" فى مطلع هذا العام" 2018"، هى الرواية التاسعة فى مسيرته الروائية، والمتابع لروايات أحمد صبرى أبو الفتوح سيكتشف بيسر أنه جعل من الريف المصرى محورا أساسيا فى مشروعه الروائى الذى شكلت ملحمته الكبرى " السراسوة" الجانب الأكبر فيه، و إذا كان يمكننا القول أن رواية " طائر الشوك " والسراسوة اهتمتا بكفاح البرجوازية المصرية الريفية للبقاء وللحفاظ على مصادر ثروتها ونفوذها وربما أيضا للنمو وللصعود الطبقى فإننا أيضا نستطيع أن نقرر أن " جمهورية الأرضين" و" أجندة سيد الأهل شكلتا دراما الصراع فى قمة السلطة الذى بدأ فى جمهورية الأرضين بقضية التوريث وانتهى عند " فشل المشروع واندلاع انتفاضة الخامس والعشرين من يناير 2011 فى روايته " أجندة سيد الأهل"، وهى فى تقديرى أهم رواياته إذا تجاوزنا عن الأهمية التاريخية " للسراسوة" باعتبارها تقدم نموذجا فى طريقة المعالجة الروائية التى تتلمس أثر تاريخ السياسة وتاريخ الملكية فى حياة الأعيان، وهو الأمر الذى يساعدنا بشكل فنى غير مباشر على إعادة إنتاج ذلك التاريخ و إخراجه من حالته المجردة ليعيش بيننا فى شخوص وأحداث تبدأ بتولى محمد على وربما أبعد من ذلك حتى اندلاع حركة الجيش فى عام 1952 التى احتضنها الشعب وحولها إلى ثورة،
ما يلفت النظر فى عوالم أحمد صبرى أبو الفتوح الروائية أنها بالرغم من كثرة أحداثها " غير معقدة" وهو أمر قد لا يفضله النقاد والقراء المحترفون، وأنا أستخدم التعبير هنا بمعناه الايجابي لا السلبى باعتبار أن الحياة نفسها كرواية كبرى معقدة التراكيب بل ومحيرة وبالغة التعقيد، وفى ظنى أن الرواية ينبغى أن تكون كذلك، لكي يصبح الروائى قادرا على توريط أكبر عدد من القراء و إنتاج أكبر عدد من القراءات، وهو ما تمكن منه جيدا " احمد صبرى أبو الفتوح" فى " أجندة سيد الأهل" التى ليست على الإطلاق رواية جاهزة تروى لقارىء وإنما رواية حية تتشكل أمام قارئها وتعيد إنتاج نفسها داخله وربما تتفرع إلى روايات مختلفة باختلاف القراء وباختلاف مواقعهم ومواقفهم من الأحداث المتلاحقة للانتفاضة المعروفة " بثورة الخامس والعشرين من يناير"،
برسكال ( الرواية)
فى برسكال نحن بصدد " حدوته كاملة" نشارك فى إعادة صنعها وفقا لما يراه الراوى العليم فى الغالب الأعم، ومع ذلك يمكن للقارىء المحترف أن يتحمل اختيارات الروائى التى لا توافق رؤيته مقابل الرغبة في معرفة كيف انتهت الحدوتة إلى تحول عربجى شقى إلى ولى من أولياء الله الصالحين، تبدأ الرواية فى مقام " سيدى عبد العاطى زمش " القابض على اللجام، الضارب بالكرباج"، وهى ألقاب تقدم لنا تفسيرا لكيفية " أسطرة" الأفعال العادية " لعربجى مطرود من رحمة أسرته وكيف تتحول أفعاله العادية جدا بل والبائسة إلى كرامات، كل ذلك بفضل " برسكال" ابنته من زوجته "غاية المنى إبليس" التى اشتهرت بالسحر و بقدرات خارقة وهو أمر عرفه الريفيون المصريون واعتمدوا عليه فى حل مشاكلهم وآمنوا به إيمانا شديدا لدرجة اعتبار أن من يكذبه من أبنائهم المتعلمين مجدفا، بل وربما كافرا باعتبار قناعة العامة أن الناس فى مصر يجب أن " تعتقد" لأن عدم الاعتقاد يساوى عندهم " الموت"، من البداية ندرك أن تلك الطفلة التى ورثت قدرات أمها الشيخة " غاية المنى إبليس" شاركت أبيها فى " اليتم" والحرمان باعتبار أن أخوالها فعلوا معها ما فعله أعمام أبيها " عبد العاطى" معه، فقد اجتمعت فى " عبد العاطى زمش" كل دلائل " التهميش، اضطرت أمه للزواج والخروج من بيت أعمامه بعد أن راودها أحدهم عن نفسها وحرم عبد العاطى من ميراث أبيه بل ومن السكن فى حجرته، وطرد إلى زرائب أعمامه يعمل كلافا عندهم يحش البرسيم ويرعى البهائم، وفى زرائب أعمامه عاد إلى بدايات الإنسان الأول يجرب صيد الحيوانات وأكلها حتى لو كانت ثعالب أو كانت تنتمى للعائلة الفئرانية، وحين تمرد كانت المواجهة فاضطر إلى قتل عمه بعد أن أمسك بخصيتيه واعتصرهما حتى مات وكأنما كان ينتقم لأمه التى ربما يكون هذا العم أحد مراوديها عن نفسها، و " عثر على الشيخ " منصور ملش" فى الغيط ميتا " ولم يعرف " سر موته، بينما ظل عبد العاطى مختبئا فى حجرة التبن دون طعام وظن أهل " الريدانية " أنه حزين لموت عمه فأخرجوه فى اليوم الرابع، ليذهب عبد العاطى إلى بيت أمه وهو الحدث الذى لم أتبين قيمته الدرامية وإن كنت أرى أنه تصرف طبيعى يتفق مع الاحتمالية الأرسطية التقليدية "، وفشلت كل المساعى للحصول على ميراثه، إذ قدم الأعمام أوراقا تثبت أن أباه كان رضيعا عندما اشتروا أراضيهم وأنهم لم يرثوا عن أبيهم شيئا ليكون" لعبد العاطى " حقا فيه، ولم يحمل عبد العاطى شيئا يعينه على الحياة من تجربة العيش خادما عند أعمامه إلا ما علمه له " جبريل" من أمثال وحكايات وحيل ومواويل ومقالب،

النساء درجات فى سلم الصعود

يلفت " أحمد صبرى أبو الفتوح" أنظارنا إلى أحد أساليب الصعود الاجتماعى فى الريف المصرى، إذ تتراجع قوانين الصراع الطبقى التى شكلت دافعا للتطور فى المجتمعات الأوربية مفسحة مكانا لخصوصيات من نوع آخر أهمها استخدام " المصاهرة " النسب " فى الصعود الاجتماعى فيتزوج " العربجى عبد العاطى زمش" من عزيزة ابنة الشيخ "إبراهيم درباك" القادم من " الهامش الاجتماعى " أيضا " فقط كبداية متاحة، وينجب منها يحى ومرعى ويونس وهى إشارات دالة على تغريبة بنى هلال التى كان سببها القحط وشظف العيش أيضا والأبناء الثلاثة لا يكونون شخصيات فاعلة بشكل كبير فى متن الرواية وبدا أن وظيفتهم فى بداية السرد لا تتجاوز دورهم فى الإشارة إلى تعلق " عبد العاطى" بالملحمة القديمة لبنى هلال التى ظلت عائشة ومؤثرة فى وجدان الكثير من أهل الريف فى مصر، واقتصر دورهم بعد ذلك على استخدامهم فى رسم المشهد العام للتغيرات التى طرأت على مصر فى زمن الانفتاح،

شعرعبد العاطى بعد موت أمه أن هناك الكثير من الأشياء التى كان على جبريل " "رفيق الزرائب" أن يعلمها له والتى أصبح عليه أن يتعلمها بنفسه، اشترى عبد العاطى عربة " كارو " وحصانا بائسا عجوزا وترك العمل فى " الوسية" التى كان قد انتقل اليها بعد مصاهرة " ابراهيم الدرباك"، ثم تزوج عبد العاطى من " الشيخة غاية المنى إبليس وكان قد أقنع عزيزة بأن خيرات الشيخة التى تأتيها من فك السحر وعمل الأحجبة سوف تكون نعمة لها ولأبنائها، بل وساعدته أم عزيزة على إقناع ابنتها بتقبل الأمر وهو ما يشى بمواهب العربجى " القابض على اللجام، الضارب بالكرباج " منذ البداية وطريقته فى تجنب غيرة النساء ومواصلة طريقة " الريفيين العناتل" فى الاستفادة من قدراتهم الجنسية غير الطبيعية فى شق طريقهم فى حياة تموج بكل الظروف المعادية للفقراء، وقد يخطر للقارىء أن " ذكورة " عبد العاطى " هى الذكورة الكاملة وإن كانت الرجولة هنا ناقصة و معتلة باعتبار أنها تتصيد النساء للزواج بغية الصعود الاجتماعى وبغية الاطمئنان وغزو البرجوازية الريفية باكتشاف أضعف حلقاتها " النساء"،

ثورة يوليو فى خلفية الأحداث


لقد كان إنشاء الشون ومراكز التسويق إيذانا بتغيرات بالغة الأهمية، من هنا ندرك أن الراوى يرى أن ثورة يوليو علامة فارقة فى تاريخ المصريين، ليس بسبب انحيازاتها الاجتماعية فحسب وإنما بسبب انعكاس تلك الانحيازات وانعكاس التطور النسبى الذى شهدته القرى فى مصر على وعى الفلاحين والأجراء والمهمشين بشكل عام وتزامنت هذه التغيرات مع ضرورة خروج عبد العاطى من " الريدانية " خروجا كان بمثابة إعادة خلق حياته من جديد فى قرية " طنباره" حيث أقاموا الشونه مصطحبا معه " برسكال" تعويذته فى الحياة وشيطانته وملاكه الحارس فى آن معا، قبل ذلك كان قد حكى لها حكاية السقا وكيف أنه وابنه كانا فقراء يقضيان ليلهما محتميان بالجدران أو فى البيوت المهجورة ، إذ لم يكن لهما بيتا ، وذات ليل كان الابن يعبث بأظافره أسفل جدار فعثر على جرة مملوءة بالذهب فتوقفا عن السقاية للناس وهجرا القرية ، فسأل الابن الأب لماذا لم نمكث فى القرية ونبنى قصرا به خدم وعبيد ونحقق كرامتنا في القرية التى شهدت معاناتنا وفقرنا ، وكان رد الأب " لن تحقق كرامتنا فيها يا بنى إلا إذا مات كل من يعرفنا فيها" وهكذا أدرك " عبد العاطى ملش" أن عليه أن يهجر الريدانية بعد أن عثر على كنزه الذى لم يكن سوى تلك الابنة الاستثنائية " برسكال " التى من المؤكد أنها كانت بالنسبة له عوضا عن الأم التى رحلت وعن العائلة التى طردته من رحمتها، ، قرر عبد العاطى إذن ذات ليل أن يخرج بعربته الكارو إلى قرية "طنبارة" حاملا معه توصية لأمين شونتها ليعمل فى نقل المحاصيل ، وهناك أستأجر حجرة وشعرت " برسكال" ابنته وملاكه الحارس وتعويذته أن أباها أصبح لها وحدها ولكن عبد العاطى لم يكن ليكتفى بكونه مجرد " عربجى " ينقل المحاصيل ولا سيما بعد أن رأى " فردوس" قريبة العمدة " عبد الغنى سليمان" التى يتزوجها فيتحول من مجرد غريب إلى " نسيب العمدة"، وبعدها يتزوج من " نعيمة الخرساء" التى تنجب له رمضان ، هذا الذى سيمثل فى مرحلة نموذجا لسيطرة الأفكار الوهابية القادمة من الصحراء على عقول الشباب المصرى والذى سوف ينفر من " برسكال " باعتبارها تمثل الدين الشعبى الذى قاوم به المصريون لعقود طويلة جفاف وغلظة وصرامة وتعصب السلفيين وفى كل تلك الرحلة كانت" برسكال" راعية لأبيها وإخوتها من أبناء عزيزة وفردوس ونعيمة ، بينما كانت زوجات أبيها يغرن منها ويساهمن بشكل ما فى أخذه بعيدا عنها ، " ألا يكفى ما لاقيت حتى الآن من كره نسائك يا أبى؟" هكذا قالت له وهو يشرع فى زواج " نعيمة" " المرأة الطنبارية الوحيدة التى تعرف الطريق إلى البنك"،

برسكال " البطلة"
لقد كانت برسكال فى الواقع هى صانعة كل هذا الاستقرار وراعيته، رفضت أن تعتقلها الأنوثة فى الخجل وعاركت الحياة منذ طفولتها المبكرة، لم يؤهلها لهذا ما ورثته عن " غاية المنى إبليس" فقط ولكن خوضها الحياة مع أبيها " كعربجية محترفة " لا تنشغل بالتحولات التى تعترى جسدها ولا بالفرق بين الذكور والإناث، فإن كان الصبية يتبارون أيهم يستطيع أن يدفع ببوله إلى أقصى مسافة ممكنه، فهى أيضا قادرة على منافستهم دون خجل باستخدام بالضغط مستخدمة أصبعها لدفع " بولها " إلى مسافة أبعد، وهل كان عبد العاطى زمش سيكون " القابض على اللجام والضارب بالكرباج" والسيد المتحكم فى نسائه وأبنائه دون " برسكال"؟، ترى هل كان هذا هو سبب دلالة تسمية الرواية باسمها وليس باسم " عبد العاطى زمش" رغم أن الرواية هى تأريخ لتحقق عبد العاطى ولسعى " برسكال" لإقامته حيا وميتا،
يبدو أن الروائى أراد أن يقول بشكل غير مباشر أن آدم هو صنيعة حواء وليس العكس، فلقد صعد عبد العاطى سلمه الاجتماعى على ظهور " عزيزة " و " غاية المنى إبليس" " وفردوس" " ونعيمة" ولكن كل ذلك لم يكن ليحدث دون " برسكال" التى مكنته من " جنات" المرأة الوحيدة التى تشبهه فى كونها أرادات أن تستخدم الزواج للحصول على مزايا، تماما كما فعل هو ومن ثم اصطدمت به وكادت تقضى عليه لأن " أنوثتها" كانت طاغية وأقوى من " فحولته" التى بدأ الوهن يتطرق إليها، " كانت" " جنات " مختلفة فى كونها " بنت سوق" كما يقول المصريون، فاحتالت على الرجل وهربت ولكن " برسكال" المحتشدة بجينات غاية المنى " وبكل ملاعيب" الشطار ومكرهم وحيلهم، استطاعت أن تنصر أباها كما فعلت دائما، وظلت " برسكال" تنتظر أن يمنحها أبوها " مالها الذى ورثته عن أمها والذى ادخرته من عملها طويلا وهى تشاهد مشاريع أبنائه وتعانى من محاولات فردوس لتهميشها حتى بعد أن تزوجت من ابنها " سليمان "، ويمنعها رمضان " ابن نعيمه الخرساء" من حضور مأتم أمه، بينما تواصل هى مجابهة الحياة كشخصية خارقة مفلتة من مصائب وأشراك ومستخدمة دهاء الساحرات للإفلات حتى من قبضة السلطة والبوليس، وكان عبد العاطى مؤمنا بها وبقدراتها ومتيما بتميمته و واثقا من القادم ومطمئنا بسبب وجودها دائما معه " وكان يذكرها برحلة خروجهما معا قائلا " كل إخوتك فى كفه وأنت وحدك فى كفه، أتعرفين لماذا؟ لأنهم لم يكونوا معنا ونحن نشق الظلام "

وظيفة الأحلام فى تطوير السرد وصولا لغاية السارد
منذ البداية بدا واضحا أن الروائى يستخدم " الأحلام " فى تطوير الأحداث الدرامية للرواية فعندما غاب معلمه جبريل، استعاض عنه " عبد العاطى " بالأحلام فكان يغمض عينيه فيرى " أطفالا وفتيات يلعبون، ورجالا يفرون أمامه وسيف " أبو " زيد فى يده، ورجلا بلا ملامح يتمايل طربا، ويرى أمه، بل ويرى طيف " جبريل"، وهنا طبعا لا تخفى دلالة الإصرار على التحقق ومغادرة الهامش الاجتماعي إلى متن الحياة والاستقرار فى هذا المتن، هذا طبعا بخلاف الكابوس الذى كان يرى فيه عمه الذى قتله والذى يشى أن فعل القتل كان استثنائيا فى هذه الشخصية الخصبة المفعمة بالرغبة فى عيش الحياة بكل ما تعنيه الكلمة، قبل ذلك كانت تأتيه صورة أبيه غائمة فى الأحلام وكأن الراوى أراد أن يقول أن الرجل كان قد حرم من تاريخه المعتمد على أصله البيولوجى وأن أحلامه التى تنظر للأمام أكثر وضوحا وقابلية للتأثير فى شخصيته ومستقبلها من محاولة توظيفها فى العثور على " ماضى " لم يرث منه إلا القهر، "
لكن أيام البناء التى تزامنت مع شهوته للنساء وللحياة ومع أحلامه بالمستقبل كانت قد انتهت ورحل الرجل الذى ألهم فقراء المصريين إحساسهم بالعزة وتطلعهم للمستقبل وأفسحت الأحداث مكانا لأبناء شوهتهم البداوة والصحراء وجعلتهم يكرهون مصريتهم و يتصارعون فيما بينهم، ولم يعد عمه الذى قتله يكتفى بمجرد الظهور فى أحلامه، بل يهزه هزا فيرى نفسه مشتعلا بالنيران ويرى الديدان الكبيرة تخرج من جلده ومعها يتسرب دمه، واستمر طبعا يطلق النكات فى صحوه كحيلة هروبية من "سر حياته" الذى يؤرقه، حتى حكى للكائن الوحيد الذى شاركه رحلة حياته " برسكال" ابنته التى ردت ببساطة شديدة " أكيد لم تكن تقصد.. أكيد كنت مضطرا"
كان حصول برسكال على حقها بالحيلة تعبيرا عن رغبتها فى الانتصار بعد أن خذلتها الدنيا ولم تسطع أن تدخل ابنها " النيابة " وتصبح " الحاجة برسكال" وكانت تشعر أن حبيبها الحقيقى الذى ساعدته على المضى قدما فى تحقيق أحلامه، يتحول إلى إرث يتنازعه أبناؤه وكان عليها أن تسترد أباها الذى سرقوه منها،
من المؤكد هنا أن تفسيرات كثيرة تتجاوز كون عبد العاطى وبرسكال مجرد شخصيتين من لحم ودم إلى تأويلات أخرى قد تأخذنا إلى أبعاد مختلفة بحسب تعدد القراءات ولكن المؤكد أن حلم عبد العاطى الذى رأى جنازته فيه ورغبته فى أن يدفن إلى جوار المقام القديم " لستنا المحارزة" وحكايته عن رجل الحلم الذى يزوره ويقوده على الصراط، قد صارت فى عقل حارسته وراعيته " برسكال" أم أبيها خططا لتحويل "عبد العاطى ملش" إلى ولى من أولياء الله الصالحين بشهادة كل أهل القرية الذين شاهدوه يطير بنعشه، وبهزيمة من يحملون الأفكار الوافدة من الصحراء، فقد تصدت لهم أرواح وجنود علمها عند الله بالنسبة لهم ولكل أهل " طنبارة " ولكن الراوى استطاع عبر استخدام تقنية "السخرية الدرامية" Dramatic Irony وهى حيلة يعرفها الفلاحون ويستخدمونها وإن كانوا لا يعرفون طبعا أنها تقنية فنيه ومصطلح نقدى، استطاع الراوى أن يرينا كيف تصنع الأسطورة، وكيف تتحقق أمام الناس فعليا فى مشاهد متعينة لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد، ليصبح عبد العاطى ملش- الذى ظل إيمانه بالله قويا ورفض كل وساطة رجال الدين وعف عن كل طرائقهم، وشكل عقيدته الدينية كمعظم البسطاء فى مصر- يصبح الولى صاحب الكرامات " القابض على اللجام.. الضارب بالكرباج" صاحب المقام الذى يحج له أصحاب الحاجات من فقراء هذا البلد حاملين نذورهم وعائدين مجبورين الخواطر- بعد أن ذرفوا الدموع وطأطأت لهم أفراخ حبق البحر الرؤوس - ليواصلوا صناعة الحياة فى هذا الوادى الرحيم الذى ظل عصيا على غلظة الصحراء لآلاف السنين.



#سمير_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تكاثر الشعراء
- اللغة والهوية
- حوار مع جريدة الكرامة
- صلاح عيسى -الكتابة بقلب العاشق و بمبضع الجراح !-
- الفصل الأخير فى حكاية مقاومة الشاعر- طارق مايز -للموت
- ملحمة السراسوة أنثروبولجيا الريف المصري
- صندوق ورنيش_ ديوان محمد عطوه
- -شال أحمر يحمل خطيئة -نصوص لا نسوية--
- حرية سليمان ورواية - أسود دانتيل--
- وداعا عم سيد ندا أقدم عمال النسيج فى مصر
- الطالع لوش النشيد
- الثورة والواقع والقصيدة
- فاروق شوشه
- الأدب بين الانعزال والمشاركة المجتمعية
- الذئبة الحمراء.... كيف ننظر إلى -الداخلية- و منظومة العدل
- الأدب الشعبى وبناء الشخصية
- بياض ساخن
- شعر العامية فى المنصورة - فصاحة التمرد-
- اغتيال النائب العام
- سيدة المطار وسيد القرار


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الأمير - رواية-برسكال- رحلة المهمشين إلى متن الحياة فى القرية المصرية