أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حارث زهير الحكاك - كيف نعيش الحاضر؟















المزيد.....


كيف نعيش الحاضر؟


حارث زهير الحكاك

الحوار المتمدن-العدد: 5941 - 2018 / 7 / 22 - 16:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كيــف نعيـــش الحاضــــر؟
وصلت مقدرتنا على الحساب إلى درجة عالية ، خصوصا فيما يتعلق بحسابات المستقبل، الذي سنعيش فيه، وهو طبعا الآن ، مثل ما كان عليه دائما، في طيات المجهول. إن أفضل التوقعات هي ما زالت مسألة أحتمالية، وليست تأكيدية، لأننا في كل الأحوال سيعاني كل منا في الحياة وسيموت في النهاية، وحتى هناك لا نستطيع العيش بسعادة بدون التفكير في المستقبل. لإننا بالتأكيد غير مؤهلين للعيش في عالم محدود، لأنه بالرغم من أفضل الخطط والمحاذير، تحصل الحوادث، التي بسببها قد يحدث الموت في النهاية.
في كتابه المعنون (حكمة عدم الإستقرار: رسالة إلى تعمر القلق)، يناقش الفيلسوف البريطاني ألن واتس، الكيفية التي نقضي بها أيامنا، وحياتنا، فيقول:(إن أساس ضجرنا وعدم استقرارنا اليومي ناجم من الاتكال على عيشنا في المستقبل، وهذا طبعا معوقا كبيرا لفكرة العيش أصلا . فإذا نريد أن نتمتع في حاضر جميل يجب علينا أن نضمن مستقبلا سعيدا، وكأننا نبكي للحصول على القمر) ، وطبعا ليس لنا مثل هذا الضمان، وذلك بسبب التراكم العقلي لهذا التصور عبر الخداع المنظور والمجهول عبر القرون والحضارات. وعليه إن ما يبعدنا عن العيش بسعادة هو عدم قدرتنا للعيش في ألحاضر وذلك لأننا لا نستطيع معرفة كمال السعادة من غير أن نقع في جريمة فعل وانعكاس الضمير
في المراحل الأولية لوعي الإنسان (الطفولة)، يعرف العقل البسيط الحقيقة، وليس أفكارا عن الحقيقة، ولذا يكون لا يعرف المستقبل، فهو يعيش بالكامل في الحاضر ولا يستلم أكثر من ما يحدث في تلك اللحظة، ولكن العقل العظيم (العبقري بتطوره) ينظر إلى جزء تجربة الحاضر (الذاكرة)، وذلك عن طريق دراستها لمعرفتها ومعرفة توقعاتها، لأن مثل هذه التوقعات تكون نسبيا دقيقة ويعتمد عليها مثلا مقولة (الكل سيموت). وبهذا يمارس المستقبل درجة عالية من الحقيقة، درجة بعلوها يفقد الحاضر قيمته. لأن ما نعرفه عن المستقبل مصنوع فقط من خلاصات منطقية مثل التخمين، الإستنباط، الإستنتاج والإستدلال، وهذه كلها لا يمكن رؤيتها ، أكلها، شمها، سماعها أو الإحساس والإستمتاع بها. وهذا يعني متابعتها تكون كمتابعة شبح منسحب دائما وكلما أسرعنا في ملاحقته، أسرع هو بالإبتعاد عنا ويسبقنا. ولهذا تكون جميع تداخلات الحضارات مستعجلة. فلماذا لا يتمتع الإنسان بما لديه، ويكون دائما وأبدا باحثا عن المزيد والمزيد. فالسعادة إذن تتكون ليس من حقائق صلبة وملموسة، بل من مكونات سطحية كالوعود والآمال والضمان.
يقول الفيلسوف واتس بأن (هدف الإنسان الرئيسي للسيطرة على الحاضر يتم الحصول عليه بترك الجسم والعودة إلى حسابات العقل الذاتية، وتقيمه الذاتي لتنظيم أفكارنا، توقعاتنا، أحكامنا ومعاناتنا وخياراتنا المتواضعة حول تجاربنا في الحياة وعلى ما تستند عليه من عوامل مختلفة). فالحياة العقلية المتحضرة لا تحب المادة، وإنما تحب القياسات، لا تحب الصلابة الداخلية، ولكنها تحب الصلابة السطحية الرقيقة. فالناس الذين يسكنون المدن المتحضرة في الوقت الحاضر، هم أناس يحبون العبش داخل ماكنة تدور حولهم بعجلاتها، لذا تراهم يصرفون أيامهم في فعاليات محددة تهتم بالحسابات والقياسات، وهم يعيشون في عالم يتبادل الطبعات التفكيرية التي لا علاقة لها أو أنسجام مع الفعاليات الحياتية العظيمة في أجسادهم. في الحقيقة إن الفعاليات العقلية من هذا النوع يمكن أنتاجها ببراعة بواسطة ماكنات وليس البشر، بحيث من المتوقع في المستقبل القريب سيصبح العقل البشري كبرنامج للحسابات المنطقية فقط. ففي خلال العقود القليلة الماضية قام الإنسان بتبديل العقل البشري بالحاسبات الإلكترونية، ذات الكفاءة العالية والسرعة الكبيرة، ومستمر بلهفة كبيرة على تطويرها نحو الأفضل، وعليه، سيصبح الإنسان، بعقليته الحسابية، سلعة غير مرغوب فيها لأن هناك مكائن مختلفة لإجراء أعقد العمليات الحسابية ، وكفاءة رائعة، تحول الإنسان إلى طفيلي. فإذا ما أستمر بالعيش من أجل المستقبل، ويوظف كل طاقته العقلية من أجل (الحسابات والتوقعات)، سيتحول إلى كتلة من أعمال الساعة والزمن، ويتحول إلى عبدا لهما.
فالإنسان هنا في صراع ما بين (الوعي العقلي) و(اللاوعي) في مجريات حياته. فاذا تركت حكمة اللاوعي تتفتح بطاقة أكبر على سبيل المثال، يجعلنا نسأل ( ماذا يحدث أثناء فترة الحضانة الأولية لنشأة الوعي، أثناء تنفيذ العمليات العقلية الخلاقة؟)، فاللاوعي هنا يكون معنا وليس ضدنا، ولكن في اللحظة التي نحاول فيها السيطرة عليه وترويضه وإدارته ليعمل ضد نفسه تبدأ المشاكل. لأنه عندما يعمل العقل بصورة صحيحة، يكون في أعلى صورة في (الحكمة الفورية)، بالضبط مثلما يعمل عقل الحمامة عندما تبحث عن بيتها لتعود إليه (أي تلقائيا)، وبدون اللجوء لتفسير هذه العملية وإطلاق مصطلح عليها لمعرفة كيف تحصل. في هذا المجال يقول الفيلسوف هنري ميلر: (إن العقل الواعي مثل القلب الواعي، كلاهما يعتبران أختلالا، لأنهما يولدان شعورا حادا عند الفصل بين (الأنا) و( خبرتي). فالعقل يستطيع أن يفارض سلوكه الجيد عندما يقوم الوعي بتنفيذ الأعمال التي هو مصمم للقيام بها مثل الإلتواء والدوران على نفسه خارج حدود الخبرة، ولكنه يكون حاسس بها بدون جهد. مع هذا فإن العقل يتلوى ويدور لينتج عدما كبيرا لأماننا، مما يخلق الكآبة، وسط نقشة الحياة العامة) فالسعادة لا تعني تحسين خبرتنا في الحياة أو الإختلاف معها، ولكن الحياة هي الحاضر بكل ما تعني الكلمة من جمال. للوقوف وجها لوجه مع عدم الآمان هو عدم فهمه، فمن أجل أن نفهمه جيدا يجب علينا أن نعيش فيه وليس لمواجهته. وهذا ينطبق على القصة الفارسية التي يرويها واتس في كتابه: جاء حكيم لباب الجنة وطرقها، فسمع صوت الرب من الداخل يسأل: من هناك؟، فأجاب الحكبم: هذا أنا، فأجابه الصوت، ليس هناك مكان لنا نحن الإثنان. فذهب الحكيم، وبقي عدة سنوات، كان فيها يقلب عقله بذلك الجواب، ثم عاد وطرق الباب مرة أخرى، فسمع من يقول: من هناك ؟ فأعاد نفس جوابه: هذا أنا. ولكن الباب بقي مغلقا. فذهب وغاب عدة سنوات يناقش ذلك الجواب، وعاد وطرق الباب، فسمع السؤال نفسه : من هناك؟ لكنه أجاب هذه المرة قائلا: إنها نفسي، ففتحت الباب. تشير القصة هنا إلى (قوة النفس) في التعبير عن كلمة (الأنا)، وذلك لأن النفس غير مركزة داخل أو خارج أي مقياس، بينما تعني (الأنا) فكرة من أنت؟!.
عندما يراقب الإنسان الحاضر وتجربته، هل يوجد هناك من يراقب المراقب، هل يجد الإنسان بالإضافة الى التجربة نفسها من يتجرب بها غيره. فعلى سبيل المثال، هل تستطيع (في نفس الوقت الزمني) قراءة هذه الجملة، وتفكر بنفسك عند قراءتها؟ طبعا هذا مستحيل، لأنك ستجد، لأجل أن تفكر بنفسك وأنت تقرأ الجملة، يجب عليك أن تتوقف لثانية من الوقت عن القراءة بالكامل. فالتجربة الأولى هي القراءة، بينما التجربة الثانية هي الفكرة (أنا أقرأ).
لماذا إذن لا نستطيع أن نعيش بوعي نقي؟ يجيب ألن واتس، (بأن هذا يشبه السلسلة والكرة الحديدية التي كانت تربط برجل السجين في العصور السابقة. فالذاكرة مربوطة بعلاقتنا مع الزمن، فإذا تخيلت بأن الذاكرة هي معرفة مباشرة لما مضى، عوضا عن تجربة الحاضر ستحصل على تخيلات بأنك تعرف الماضي والحاضر في نفس الوقت) وهذا يقترح وجود شيئا ما يتأكد فيك من كلتي التجربتين (تجربة الحاضر وتجربة الماضر)، ولكن في الواقع لا نستطيع تجربة الحاضر هذه مع التجربة التي مضت، نستطيع فقط المقارنة بين تجربة الحاضر و(ذكريات) تجربة الماضي.
خلاصة القول أننا (جميعا) نعيش أما في المستقبل (المجهول بتخطيطاتنا وحساباتنا)، أو في الماضي (بذكرياتنا الحلوة والمرة)، تاركين تجارب الحاضر تمر بنا بدون الشعور والتمتع بها في وقتها، ولكننا نفضل أن نتمتع بها كذكريات وعندما تتوشح بغبار الماضي.
حــــــارث زهيـــر الحكـــــــاك





#حارث_زهير_الحكاك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمحات من الفلسفة الهندوسية
- لمحات من الفلسفة اليابانية القديمة
- لمحات عن معتقدات وفلسفة الماوريين
- حول فلسفة الحب والمحبة
- العلم والإتصال الروحي
- الأديان والأنانية
- الفرد والمجتمع (نظرة فلسفية)


المزيد.....




- -أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س ...
- فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر ...
- الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
- تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
- مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن ...
- -فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات ...
- مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني ...
- بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب ...
- أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
- كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حارث زهير الحكاك - كيف نعيش الحاضر؟