أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - قصة كمال – أسرار أغنية يونانية عن العراق والمشرق















المزيد.....

قصة كمال – أسرار أغنية يونانية عن العراق والمشرق


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5940 - 2018 / 7 / 21 - 21:00
المحور: الادب والفن
    


في عام 2013، استوقفتني أغنية للمطرب اليوناني مانولي متسياس Manolis Mitsias بعنوان قصة كمال نشرها الأستاذ أدهم الغزالي مترجمة إلى العربية على قناته الثرية على اليوتيوب. أثرت فيّ الأغنية بشكل كبير، لاسيما وأنها تحكي قصة أمير ما من البصرة أو الموصل وتذكر أسماء دجلة والفرات والنخيل ودمشق والسندباد. شاركتُ الأغنية عدة مرات منذ ذلك الحين وأنا أفكر في المعاني الكامنة وراءها. بحثتُ كثيرًا عن القصة الحقيقية وراء كتابة هذه الأغنية ولكنني لم أجد شيئا يساعدني على الوصول الى ذلك. مع ذلك، بدت لي وكأنها أغنية رمزية عن الظلم ومقارعته ومحاولة شاب ثائر لجعل العالم مكانًا أفضل.

كلمات الأغنية بالعربية كما يأتي:

في المناطق الشرقية، في وقتٍ مضى
كانت أكياس النقود فارغة، والمياه راكدة
في الموصل، في البصرة، عند النخلة القديمة
أطفال الصحراء بمرارة يتباكون
وفتى شاب من نسل النبلاء والملوك
سمع النواح وتوجّه صوب المكان
فرمقه البدويون بنظرة حزينة
وبقسم بالله، أعطاهم الفتى
وعدا بأن الحال سيتغير

وحالما سمع الملوك بجرأة الفتى
حتى قدموا بأسنان الذئاب وتربص الأسود
من دجلة إلى الفرات
ومن الأرض إلى السماوات
يختفون ويتربصون بالمرتد
لعلّهم حيا به يمسكون
ثم جحافل إنقضّت عليه
مثل كلابٍ مسعورة بدون قيود
وللخليفة أخذوه، كي يضع
حبل المشنقة حول عنقه

عسل أسود، حليب أسود
ذاك ما شرب الفتى المرتد
قبل أن يلفظ، والحبل في عنقه، آخر أنفاسه

مع جملين عجوزين وفرس أحمر
على ضفاف الجنة، ينتظر الرسول
طليقين الآن، يد في يد
تحت سماء مكفهرة
لكن نجوم دمشق، رافقتهم حتى النهاية

في شهر، في سنة
انكشف لهم نور الله
من عرشه العالي، ليخاطب
سندباد الأخرق

أيّها المستضعفون، يا ملائكتي
لن تتغيّر الأحوال
بالنار والسيف دوما
هكذا يتقدّم بنو البشر

قبل يومين، وتزامنا مع المظاهرات في العراق، قمت بمشاركة الأغنية من جديد، ومجددا، أثارت الكثير من النقاشات واللغط بين الأصدقاء. سألني الصديق أشرف الأطرقجي والصديق والروائي ناهض الرمضاني والصحافي المصري طارق عبد الجليل عن مغزى القصة، فيما كتب الصديق عمار التميمي بأنه قد حاول تفسير معاني الأغنية من دون جدوى. دفعتني تلك الاستفسارات للبحث مجددا وبشكل أكثر جدية هذه المرة لنفهم سرّ هذه الأغنية المؤثرة التي قالت الصديقة ساندرا شمعون عنها بأنها "المقياس عندي في التفاعل مع الأغاني هو بصيلات الشعر ... عندما أشعر بها وتسري القشعريرة في بدني، أعرف بأن الأغنية قد أدت هدفها"، وأنا أتفق معها فلطالما أثارت فيّ هذه الأغنية القشعريرة والحزن. قال عنها الصديق ريمان بولا، "لقد سمعتها كثيرا من قبل، لكنني لم أنتبه بأنه يدمي قلبه لأهل الرافدين! شاب من الموصل والبصرة؟ النخيل؟ الصحراء؟ الفرات؟" ما معنى كل هذا؟"

تساؤلات مشرقية

تثير هذه الأغنية تساؤلات حول زمن كتابتها، والقصة التي تجسدها، والرسالة التي تحاول إيصالها. وغالبا ما يكون فهم الشرقيين لها مختلفا عن الطريقة التي يستقبلها بها اليونانيون. كتب لي الصديق يوخنا دانيال، "اكتشفت هذه الأغنية منذ سنوات. أعتقد أنه يتكلم بالفعل عن ظلم الخلفاء والقادة، وقسوة الحكم الإسلامي على أهل العراق، وثورة الناس التي يقودها كمال ويموت." فيما أثارت كلمة "المرتد" انتباه الصديقة ساندرا شمعون، لتتساءل، "لربما هي قصة شاب ارتد عن الدين، ولذلك تربصوا به واقتادوه إلى الخليفة؟" وتضيف، "كما إن للأغنية اسم: قصة كمال. فهل هي قصة حقيقية لشاب بهذا الاسم في زمن خليفة ما؟" أما الصديقة المهندسة المعمارية دينا إميل قرمة، فقد كتبت لي، "متى غناها؟ انها بديعة وقد أدمت قلبي! لا بد أنها حديثة وربما تتحدث عن تنظيم داعش؟" لكنني اخبرتها بأن الأغنية بصوت مانولي متسياس تعود للعام 2002 وهذا يستبعد كونها أغنية حديثة تتحدث عن داعش. بالنسبة لي، فكرت دوما إن كان كمال يرمز إلى مصطفى كمال أتاتورك، ولكنني لم أتمكن من تأكيد ذلك أو نفيه.

قصة أخرى تماما

بعد كل هذه النقاشات المتكررة، قررت أن أبحث عن سر الأغنية فراسلت الصديقة العزيزة والباحثة اليونانية مارينا بايروفولاكي، المحاضرة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. تجيد مارينا اللغة العربية، لكننا أجرينا الحوار بالإنجليزية بالطبع.

في البداية، قالت لي بأن الأغنية ليست قديمة جدا، بمعنى أنها ليست تراثية. قالت، "انها تتحدث عن أمير نبيل من الموصل والبصرة، تبدو أسطورية في اليونانية وغريبة بعض الشيء. دعني أبحث قليلا ولكنني متأكدة جدا من ذلك." بعد بحثٍ سريع توصلت مارينا الى ان ملحن الأغنية مانوس هاتزيداكيس Manos Hatzidakis (المؤلف الموسيقي اليوناني المولود عام 1925 والمتوفي عام 1994) هو أيضا كاتب القصيدة بصيغتها الأولى.

قالت مارينا، "كان هاتزيداكيس مثليا بشكل علني بالكامل تقريبا في وقت كانت المثلية الجنسية أمرا أكثر صعوبة عمّا هو الحال عليه في اليونان اليوم لكنه نجح بفضل فنه وثقافته."

لم يطل البحث حتى عثرنا على مقالٍ باليونانية، فعرفنا بأن هاتزيداكيس كان قد التقى بشاب عربي يُدعى كمال في الولايات المتحدة عندما كان هناك في نهاية الستينيات من القرن الماضي. ولا نعرف إن كان كمال من العراق أو لا. قالت، " كان كمال شخصا عاديا وليس أميرا بالطبع في الحقيقة، لكنه ترك انطباعا أثر في هاتزيداكيس جعله يفكر فيه وفي كيفية كون المسلمين من كل الأجناس كانوا بمثابة "الآخر" بالنسبة لليونانيين في زمنه بعد أن غادر الأتراك المسلمين اليونان." وبسبب ذلك الانطباع القوي، كتب هاتزيداكيس القصيدة باللغة الإنجليزية أولا من أجل كمال.

قصة حب؟

تساءلت ان كان كمال حبيب هاتزيداكيس، فقالت بايروفولاكي، "هل هو حبيبه؟ لم يقل ذلك بصراحة ولا أعتقد أنه كان نموذج الحبيب الذي يفضله لكن بالطبع، هناك شاب عربي اسمه كمال كان قد ترك فيه هذا الانطباع بحسب قصته ولم يلتقيا سوى لفترة قصيرة جدا. يبدو الأمر تقريبا كما لو أن كمال قد اصبح رمزا لإنسان نبيل، نوع من المثالية من جانب هاتزيداكيس، الرجل الذي قال بأنه عرض عليه اصطحابه لرؤية وزيارة الكثير من الأماكن لكن الأخير رفض. ولذلك قام بعمل أغنية عنه. لكنه لم يحصل منه على الكثير (الكثير لا يعني بالضرورة علاقة حب بشكل صريح)."

ثم قالت بأن الأغنية تشير الى السندباد – من قصة ألف ليلة وليلة. قالت، "انه عنصر غريب، ولاحظ ايضا البيت الأخير: طفلي الموهوب والذكي، الزمن لا يتغير، العالم دوما يمضي بالنار والسيوف. ليلة سعيدة كمال، هذا العالم لن يتغير أبدا". ثم أضافت، "لقد اصبحت هذه العبارة في اليونانية مشهورة لدرجة ان الناس يستخدمونها أحيانا بحد ذاتها للتعبير عن الحزن والاحباط من حال العالم."

جدل في اليونان

لم تمر هذه الأغنية بسهولة في اليونان، فقد أثارت الكثير من الجدل واللغط. قالت بايروفولاكي، "اتهم الجهلة هاتزيداكيس بتسويق بروباغاندا إسلامية من خلال هذه الأغنية وفكر بعض الناس حتى بأن كمال قد يشير إلى كمال أتاتورك." وتفاجأت لأنني كنت قد فكرت في ذلك أنا أيضا.

وأضافت، "بذلك يمكن ان تكوّن فكرة عن نوع الهياج الذي تسببت فيه هذه الأغنية في بلادنا". ووضحت الانقسام بقولها، "فمن جانب، كان هناك اليونانيين المنفتحين الذين رأوا في هاتزيداكس مثال المثقف المتنور والإنساني، وعلى الجانب الآخر، كان هناك المتعصبين اليونانيين الذين لم يفهموا حتى معنى أو مغزى هذه الأغنية الغريبة نوعا ما وغير المألوفة، بل ولم يفهموا أيضا كيف يمكن لرجل أن يلهم رجلا آخر ليكتب أغنية عنه ويمزج نية شهوانية كامنة بمثالية وإنسانية من أجل عالم أفضل." قالت، "بعض هذه العناصر موجودة بالتأكيد حتى لو لم يكن في إمكاننا أن نتأكد بشكل قاطع."

اعادة انتاج الأغنية باليونانية

في مطلع التسعينيات، أي في أواخر عمر هاتزيداكيس، تعاون مع الشاعر نيكوس غاستوس Nikos Gastos (شاعر ومترجم ومؤلف أغاني يوناني 1911-1992) ليكتب كلمات الأغنية باليونانية هذه المرة. قالت بايروفولاكي، "في هذه المرة، أصبح كمال أميرا من العراق وبقي المعنى الكامن للاغنية يتمثل في الحلم بعالم أفضل، وهو ما يرغب به الكثير من اليونانيين أيضا لكنهم لا يتمكنون من تحقيقه."

أعتقد ان الانطباع – او الحب السري والقصير – والذي تركه كمال في قلب هاتزيداكيس كان قويا لدرجة كبيرة جعلته يواصل التفكير في هذه القصيدة ويصرّ على اعادة انتاجها باليونانية بعد أكثر من ثلاثين عاما وفي أواخر أيامه. ربما لا يدرك الانسان قيمة لقاءات قصيرة وعابرة في حياته وكيف لبعضها أن يترك عميق الأثر في شخصية المرء وأفكاره وحياته.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبث الانتظار - قراءة في رواية -في انتظار جودو- لصمويل بيكيت
- سُريالية رومانسية حالمة - قراءة في كتاب -كأنني أسابق صخرة- ل ...
- عالم عجائب عراقي - قراءة في رواية أنيس في بلاد العجائب للروا ...
- جولة روحية وفكرية - قراءة في كتاب -تجوال- للكاتب الألماني هي ...
- أفول الأصنام - اعلان نيتشه الحرب على الدين والأخلاق والفلاسف ...
- رسالة الى المؤرخ والصديق عمر محمد - أدمن عين الموصل
- رومانسية سوداوية - قراءة في -أزهار الشر- للشاعر الفرنسي شارل ...
- المنفى والوجود واللغة - قراءة في المجموعة الشعرية -مديح الطا ...
- تأملات في الإنسان والوجود والإلوهية - قراءة في كتاب -تصوف- ل ...
- اطلالة على قصور اسطنبول - قصر بيلارباي
- مآثر السريان في المشرق - قراءة في كتاب عصر السريان الذهبي لف ...
- رؤية محايدة لمشاهدتي الأولى لفيلم الرسالة
- الاسلام في عيون مبشر أميركي - قراءة في كتاب -الاسلام أو دين ...
- ابحار في فهم الذاكرة والنوستالجيا – قراءة في رواية -الجهل- ل ...
- إطلالة على الأدب الأرمني - قراءة في المجموعة القصصية -عندما ...
- تفكيك المبادئ والمواقف – قراءة في رواية إدوارد والله للكاتب ...
- بعث بدائي ورغبات مكبوتة - قراءة في كتاب علم نفس الجماهير لسي ...
- فيلم لعبة المحاكاة: دروس في تقبل الاختلاف
- آسيا الصغرى وإيران - جسور بين الحضارات
- الفردوس المفقود - العراق في عيون الرسام الإنجليزي دونالد ماك ...


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - قصة كمال – أسرار أغنية يونانية عن العراق والمشرق