أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟














المزيد.....

لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5940 - 2018 / 7 / 21 - 15:30
المحور: الادب والفن
    



لاحظ علماءُ الاجتماع أن المجرمين والسفّاحين والُمتحرشين واللصوصَ والغلاظَ والمتطرفين والإرهابيين، وغيرهم من الخارجين عن ناموس الإنسانية، نادرًا ما يستمعون إلى الموسيقى أو يرتادون المسارحَ أو دُوْرَ الأوبرا وغيرها من محافل الفنون الراقية. لكنّها ظلّت ظاهرةً أو ملاحظةً ينقصُها الدليلُ العلميُّ الذي يؤكدها، أو ينفيها.
عكف العلماءُ على محاولة تفسير تلك الظاهرة العجيبة عن العلاقة العكسية والتاريخية بين تعاطي الفنون، وتعاطي الجريمة، من خلال تشريح ودراسة وظائف المخ البشري. وخَلُصَتُ النتائجُ إلى أن الإنصات إلى قطعة موسيقية راقية، أو مشاهدة لوحة فنية مدهشة، أو حضور عرض مسرحي مُبهر، يُحفّزُ المخَّ البشريّ على إفراز هرمونات تساعدُ خلايا فصّ الدماغ الأيمن على العمل. والفصُّ الأيمنُ من المخ هو المسؤول عن إنعاش الجانب الرومانسي في الإنسان والحثّ على الإبداع والخلق والحدس والخيال والاختراع. أما الفصُّ الأيسر من المخ البشريّ، فهو الفصُّ الفاعل النشِط بشكل دائم، في الدماغ. وهو المسؤول عن الجوانب العملية من النشاط البشري اليومي مثل تسيير الأمور الحياتية والغريزية لدى الإنسان؛ كالحفاظ على الحياة والشعور بالخطر لتجنّبه وتنظيم الغرائز المعتادة من طعام وشراب ونوم، وغير ذلك. ومحصّلة ما سبق هو أننا "نستمع" إلى الموسيقى بفصّ أدمغتنا الأيسر، لكننا "نتذوّق" الموسيقى بالفصّ الأيمن من الدماغ. وكذلك "نشاهدُ" الباليه والعروض المسرحية بالفصّ الأيسر لأدمغتنا، لكننا "نسمو" و"نعلو" ونستخلص القيم الرفيعة من تلك الفنون، فقط بالفص الأيمن من أدمغتنا. كذلك أثبت العلماءُ أن الفصَّ الأيمن هو الأنشط في الإنسان الذي يسخدم اليد اليسرى، أي "الأعسر"، أو "الأشول". وهذا ربما يُفسّر لنا ظاهرة أخرى هي أن كثيرًا جدًّا من الفنانين والعلماء؛ يستخدمون اليد اليسرى.
في كتابي الجديد “الكتابة بالطباشير الملوّن"، وشيك الظهور عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، حاولتُ أن أطرح بعض الرؤى التي تؤكد قيمةَ الفنون الراقية في بناء الإنسان وتشييد الحضارات ونهوض المجتمعات. فثمة علاقة وثقى ومباشرة، أثبتها علماء الأنثروبولوجي والسوسيولوجي، بين عُلوّ الفنون واحترامها في مجتمع ما، وبين مستوى تحضّر مواطني ذلك المجتمع وحسن سلوكهم، ورُقي أخلاقهم.
أتذكّرُ معكم الآن زيارة الفيلسوف الإغريقي أفلاطون لمصر الجميلة في القرن الرابع قبل الميلاد، قبل نشوء الحضارات والمجتمعات في أرجاء الأرض. جاء أفلاطون إلى مكتبة الأسكندرية القديمة لينهل من علومنا وفنوننا. وفي أحد النهارات السكندرية الطيبة، وجّه الفيلسوفُ كلامَه إلى أبناء شعبه الإغريقي في أثينا، قائلاً في كتابه: "القوانين": "الموسيقى في مصرَ كاملةٌ متكاملةٌ. وعلى الشعب اليونانيّ أن يستمع إلى الموسيقى المصرية، ليتعرّفَ على ما فيها من عناصر ممتازة، فنيًّا وأخلاقيًّا وتربويًّا، دونًا عن موسيقى كلّ الشعوب الأخرى.” ثم ختم مقولته بعبارته الشهيرة، التي تُعدُّ نصيحةً قيّمة لشعبه اليوناني: "علّموا أولادكم الفنون، ثم أغلقوا السجون".  وقصَدَ أفلاطون بهذا أن الجريمةَ والفنون لا يجتمعان في مكان واحد. تختفي الجريمةُ من المجتمع الذي يتعاطى أبناؤه ألوان الفنون الراقية كافةً من مسرح وشِعر وموسيقى ونحت وتشكيل، وغير ذلك.
هكذا وصل الفيلسوفُ بذكائه وفطنته وثقافته الموسوعية منذ خمسة وعشرين قرنًا إلى ما أكّده العلمُ في العصر الراهن، كحقيقة علمية تشريحية مؤكدة، لا تقبلُ الشكَّ. وفيما بين الفيلسوف القديم الملاحِظ، والعالِم الحديث المؤكِّد، وصل أديبٌ عظيمٌ إلى الحقيقة ذاتها، فدوّنها في إحدى أعماله الخالدة. هو البريطانيّ وليم شكسبير ابن القرن السابع عشر. في مشهد جميل من مسرحية "يوليوس قيصر"، كان قيصر يستعرض قائمةَ الشخصيات المرشحة لخيانته والتآمر ضدّه بُغيةَ اغتياله. فمرّ ببصره فوق اسم ربيبه "بروتوس"، فلم يتوقف كثيرًا. فقد كان يوقن أن ظهره آمنٌ من غِِيلة تلميذه المخلص، قبل أن يعرف أنه سيكون قاتله. ثم وقعت عيناه على اسم "كاسيوس"، فهتف لنفسه قائلاً: "إن كان عليّ أن أحذرَ أحدًا، فليس إلا كاسيوس. احذرْ كاسيوس، فإنه لا يحبُّ الموسيقى!".
صدق أفلاطون، وصدق شكسبير، وإن خانه حدسُه، وصدق العلمُ، وصدقت من قبلهم جميعًا الموسيقى، وصدق الفنُّ الرفيع.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الذي جرح ساقها؟
- كتاب الأخلاق … يا وزير الأخلاق
- كارما… المسيحيُّ في قلب المسلم
- لكي لا ننسى صناع الهلاك!
- خطأٌ مطبعيٌّ ... بالقلم الكوبيا
- محمد صلاح ... وجه مصر … من وجوه الفيوم
- باقي زكي … مفتاح كسر صهيون
- جدتي … المعمارية الأولى
- زحام في بيتي ... ولا أحد
- ابتهلوا أيها الأئمة … وسوف نقول آمين!
- أمي … تموت مرتين!
- المصريون
- رمضان … شهرُ الأقباط
- رحلة العائلة المقدسة … عيدًا قوميًّا
- البئرُ المقدسة
- لماذا تُدهشنا دولةُ الإمارات؟
- الرقص داخل الأغلال … محاولة للطيران
- السؤالُ أم الإجابة؟
- العالم يُحذّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد
- الرئيسُ والبيسكليت...والعجبُ العجاب


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟