|
عبقرية طه حسين (2) الألفية وما أدراك ما الألفية
عمر أبو رصاع
الحوار المتمدن-العدد: 1501 - 2006 / 3 / 26 - 09:43
المحور:
الادب والفن
ولد طه حسين في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة الكيلو التي تقع على مسافة كيلومتر من مغاغة بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط. وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر، يعول ثلاثة عشر ولدًا، سابعهم طه حسين.
فقد طه حسين بصره على أثر إصابته بالرمد وبفعل الجهل والعلاج الخاطئ تطور الرمد إلى أن فقد طه حسين بصره، واستكان صدر الطفل الصغير المقبل على المجهول حزن صامت عميق على حد تعبيره " ذلك أنه سمع اخوته يصفون ما لا علم له به فعلم أنهم يرون ما لا يرى"، إذن خطا الطفل طه خطواته الأولى في الحياة نحو المجهول مكبلا بفقد بصره محاطا بجهل عرمرم يعم مصر ويئدها وأدا ، حمل طه شعورا عميقا بالظلم وذي الحاجة الخاصة أشد احساسا بعاهة مجتمعه من حسها بها.
تناول طه الطفل يوما لقمته بكلتا يديه ودفعها للصحن ثم لفيه فضحك منه إخوته واجهشت امه بالبكاء ، وقال والده بحزن ما هكذا يا طه تؤخذ اللقمة ، ولم يدري طه كيف نام ليلته وألزم طه الجبار نفسه أن لا يأكل أمام أحد أبدا شيء مما يؤكل بملعقة وما أن غادر لفرنسا حتى منع نفسه من الأكل أمام أي كان حتى أعادته زوجه الانسانة عن هذه العادة ، وكم من طلسم في نفس طه فكته تلك الانسانة التي عرفت كيف تداوي جراح طه حسين الانسان وآلامه ، لذلك كتب طه حسين فيما كتب كيف أنه وعى تماما شعور أبي العلاء المعري وهو الضرير حين أكل دبسا فأتى منه شيء على ثوبه فأضحك منه طلبته فما كان من أبي العلاء إلا أن حرمه على نفسه أبد الدهر!
تعلم طه حسين حسن الاستماع بسبب اعاقته التي اقعدته عن ملاعبة أترابه فكان يكثر الجلوس منصتا لمجالس أبيه ومجالس أمه دون أن يتدخل فما كان ذلك مسموح به لمن في مثل سنه، بل كان طه يجلس أذنا منصتة وعقل يعمل خلفها في ما ينظر له كما مهملا ضريرا ضعيفا لا يحال له بصر ، وجل ما يأمله له أبواه أن يصبح الشيخ الأزهري طه حسين ، لكن النفوس الكبار أبت إلا أن تسطر اسم طه حسين بحروف من مجد في جبين التاريخ.
تأثر طه الطفل بما سمع وحفظ جل ما سمعه من أشعار التي تنشد أخبار الهلاليين والزناتيين، ويتذكر طه فيما يتذكر أن غناء أخواته ما كان يحرك حسه لأنه كان خاو من الحس ، بينما كان يهزه هزا عنيفا ويؤثر فيه تعديد أمه حين تحط الأحزان رحالها في نفس أمه فتأخذ شأن المصريات من نساء القرى في ذلك الزمان تعدد وربما يصل بها الأمر حد البكاء المر.
وجد طه في انشاد المتصوفة والدراويش وحلقات الذكر التي كانت تدور رحاها في قريته خاصة في شهر رمضان سلواه حتى أنه حفظ جل ما سمعه من الاذكار إلى جانب ما حفظه من القصص والاشعار والأوردة والأدعية وأناشيد المتصوفة حفظ القرآن الكريم كله وهو ابن تسع.
ويروي الدكتور طه حسين قصة ذلك الشيخ المعلم شيخ الكتاب الكذاب الذي قرأ القرآن عليه ، ذلك أنه حين أعاده عليه بعد أن نسيه قال لأبيه : " اقسم بالله ثلاثا ما نسيه ولا أقرأته وانما استمعت له القرآن فتلاه كالماء الجاري لم يقف ولم يتردد" وكان صاحبنا يستمع لمقولة شيخه وغليظ قسمه وهو مقتنع يقينا أن سيدنا كاذب أشر، بل أن سيدنا هذا طلق زوجه أمام أباه في مرة طلاقا مثلثا إن لم يكن طه يقرأ عليه من القرآن اجزاء ستة وما كان صاحبنا فاعلا ، تلك أول صورة نمطية وقعت في وعي طه حسين لنموذج الملقن المعلم شيخ الكتاب الذي ظل هو الصورة النمطية المقيتة التي لازمت طه وقمعته في الأزهر فيما بعد نسخة مشوهة مكرورة منذ القرون الوسطى.
حفل طه بادئ الأمر بلقب الشيخ الذي خلعه عليه أهله وشيخه ، لكنه ما لبث أن زهد به فالشيخ في ذهن طه الصغير كان لقب يستوجب الجبة والقفطان أما وأن مشيخته ما استتبعت جبة وقفطانا فما لبث أن زهد اللقب ثم كرهه وعف عنه.
واشترط عليه أخوه حتى يصحبه للقاهرة أن يستظهر ألفية ابن مالك ويستذكر مجموع المتون وأن يبدأ بحفظ الألفية كما درج طلبة العلم في العالم الاسلامي منذ قرون طويلة فإذا حفظها حفظ من مجموع المتون اشياء غريبة تحمل تسميات كالجوهرة والخريدة والسراجية ولامية الأفعال...الخ وكان الحفظ يقع من طه كما يصف موضع الزهو بما حفظ لأنه لم يكد يدرك لهذه الألفاظ الرنانة معنى ، لكنه كان يرددها مطمئنا إلا أنها تعني العلم كيف لا وديدن الأزهر أن يتخذها أمهات للكتب وأبوابا للعلم، ألم ينل أخوه العالمية لأنه حفظها فصار عالما . فهي العلم إذن! كان للألفية منزلة خطيرة فهي التي أخذ يختلف بها إلى الكتاب مزهوا على أقرانه وهي ساعة إذ تعدل في نفسه ونفس من في الكتاب كل المصاحف كيف لا وكل أترابه يحملون المصاحف أما هو فيحمل الألفية وما أدراك ما الألفية .
وكم كانت منزلة أخاه العلمية بين أهل القرية تهزه وتمثل طموحا بذاته كيف لا وقد كان الناس يختلفون إليه يستمعون حديثه وكلامه وكأنه المجود المرتل الذي لا يربوا له الشك!
لم تك القاهرة التي سيقصدها طه حسين في ذهنه إلى حينه إلا الأزهر وسيدنا الحسين والسيدة زينب وغيرهما من أولياء الله الصالحين . – يتبع-
#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبقرية طه حسين (1) لماذا يهاجمون طه حسين؟
-
مبدعٌ متبعٌ معاً
-
فلسطين إلى أين؟
-
مصر والنهضة
-
حمدي قنديل ضيفا
-
يسقط فقه الذكرية
-
بين العلمانية والمكفرة
-
عمان يا حبيبتي
-
كم اندلس ضائع نحتاج؟
-
هل نتجه نحو دولة ديموقراطية لكنها شمولية قمعية ؟
-
إغتيال الحريري والإنسحاب السوري
-
حتى يرجع اللحن عراقيا
-
مزابل التاريخ تنتظركم
-
هذا ماقاله لي سعد زغلول
-
أنا الحلاج يا وطني
-
دمشق
-
الفكرة القومية _ 4
-
الفكرة القومية -رد لا بد منه- –3
-
الفكرة القومية -2-
-
الفكرة القومية-1-
المزيد.....
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|