|
الفلسطيني في الرواية -الطريق إلى بيت لحم- رسمي أبو علي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5939 - 2018 / 7 / 20 - 01:13
المحور:
الادب والفن
الفلسطيني في الرواية "الطريق إلى بيت لحم" رسمي أبو علي العديد من الروائيين الفلسطينيين يتناولون ماضيهم في أعمالهم، فهم يعتبرون أن هناك دور للكتابة الروائية يتمثل في تأكيد حقهم بوطنهم الذي هجروا منه مكرهين/مخدوعين/مجبرين، كما أن الأعمال الروائية التاريخية تحمل سمية إنسانية، تذكر القارئ أن هناك شعب تم احتلال أرضه وتطرده منها، وتذكر، على أن مأساتهم ما زالت حية، ويجب العمل على إحقاق حقهم في العودة لوطنهم، وإذا ما أضفنا إلى ما سبق المتعة التي يحصل عليها القارئ، يمكننا القول أن الاعمال الروائية الفلسطينية لها نكهة خاصة، تميزها عن غيرها من الأعمال الروائية. المكان غالبا يسعى الفلسطيني للتذكير بالمكان، بالجغرافيا التي ينتمي إليها، فاسم الرواية يعطي دلالة إلى أهمية ومكانة "بيت لحم" عند الراوي، وهذا أمر متبع عند العديد من كتاب الرواية الفلسطينية، وهنا نذكر بما كتبة الروائي "اسامة العيسة" من روايات، والتي في مجملها جاءت تحمل أسماء مدن أو امكان فلسطينية: "المسكوبية، مجانين بيت لحم/ قبلة بيت لحم الأخرة، وردة أريحا، قط بئر السبع، جسر على نهر الأردن" كل هذه الروايات تعمد فيها الروائي أن يجعل المكان هو العنوان، وهو البوصلة التي يجب أن نتجه إليها، كما أنه مركز الأحداث، وهنا اردت أن أشير إلى أن هذه الرواية "الطريق إلى بيت لحم" يمكننا أن الجزء الأول من رواية "سامية العيسة" مجانين بيت لحم، وقبلة بيت لحم" فالمكان واحد، كما أن هناك تكامل بين الأحداث. في هذه الرواية يخبرنا الراوي عن الهجرة والطريقة التي التجئ إليها عائلة "أبو صالح" بعد أن أجبروا على ترك قرية "المالحة" القريبة من القدس، ونجد الراوي "صالح" يعطي تفاصيل دقيقة عن قريته وعن محيط القدس: "تقع "المالحة" قريتنا إلى الشمال الغربي من القدس،... قريبا من مستعمرة "بيت فجان" وهي واحدة من هذه القرى التي تحيط بالقدس إحاطة السوار بالمعصم...إلى الشرق تقع قرية "بيت صفافا" المشهورة ...وإلى الغرب تقع قرية "عين كارم" الجميلة بحدائقها المعلقة وكرومها المنسقة" ص189، كل هذه التفصيل لم تأتي من فراغ، بل جاءت لتؤكد تعلق الراوي بالمكان، وإلا ما كنا ليعطينا هذه التفاصيل عنه، وهي تخدم الفكرة التي يريدها الراوي تقديمها، فكرة المكان، الأرض التي ما زلت تعيش معه في غربته. أفكار الفلسطيني تعرضت فلسطين للاحتلال الانجليزي، والذي عمل على تدفق الهجرة اليهودية إليها، وعلى انتزاع الأرض وتقديمها للمهاجرين الصهاينة، لهذا كان الفلسطيني يناضل على جبهتين، جبهة الدفاع عن الأرض وحمايتها من المصادرة أو البيع أو تسريبها بطرق أخرى ، وجبهة محاربة الاحتلال الانجليزي والمهاجرين الصهاينة، من هنا استطاع الفلسطيني أن يخلق لنفسه مفاهيم ومبادئ أخلاقية، تساعده على التمسك بأرضه والدفاع عنها: "ثلاثة لا تابع ولا تعارـ الأرض والزوجة والبارودة. هكذا كان جدي أبو علي يردد دائما" ص193، وإذا ما أخذنا هذا الكلام يمكننا أن نقول الذي ينم عن وعي كامل بما يحاك للفلسطيني من أخطار، فهو جمع بين العرض والأرض والمقاومة، ووضعها في خانة واحدة، بحيث أنها مجتمعة تشكل وحدة واحدة، ويجب العمل لحمايتها، فهو يحرم اعارتها فكيف إذا اخذت عنوة؟. الهجرة أوضاع الفلسطينيين بعد في عام 48 كان مأساوية، فالوطن والبيت والأهل والأصدقاء والرزق كلها تركها الفلسطيني واصبحت من الماضي، وكان عليه أن يبدأ حياته من جديد. نقول "عائشة عودة" في روايتها "أحلام بالحرية" أن الحديث عن الألم هو ألم" وهذا ما أكده الراوي عندما قال: "أنني لا أجد متعة في رواية كل تلك الأمور، بل بالعكس فأنني أحس بمزيد من المشقة والألم كلما قطعت مسافة في هذا التذكير المرهق" ص251، فما هو هذا الحديث المؤلم الذي سيحدثنا به الراوي؟، بالتأكيد سيكون عن أحواله وأحوال أسرته وما عانوه بعد أن أجبروا على ترك "المالحة": "..لكن الأفواه جائعة والشتاء قد بدأ بزحفه المفاجئ دون انذار والجنيهات التي كانت بحوزة الاسرة قد تم صرفها وتمت الاستدانة فوقها" ص252، هذا من ناحية، من ناحية ثانية كانت هناك كائنات أخرى تهاجم الفلسطينيين وبشراسة، ألا وهي: "القمل! ترى لماذا يكثر القمل في ظرف كهذا؟ ... لم نكن الوحيدين ضحايا تلك الحشرة اللعينة ذات الألوان الشقراء والسوداء والحمراء... الجميع يشكون من نفس البلاء" ص252، وبعد أن يتم القضاء على هذه الحشرات المدمرة يأتي هجوم جديد يزيد من مأساة الفلسطيني: " جاء دور الثلج. ولا تسأل ـ أيها العزيز ـ عن كمية الثلوج التي هطلت في ذلك العالم فقد وصل الثلج إلى مترين بالتمام والكمال، قال جدي... ـ معلوم ـ ما هي سنة الخر بأربعة وعشرين قيراط" ص253، من هنا يمكننا أن نتفهم تعلق الفلسطيني بأرضه واصراره على تناول المكان في أعماله الأدبية، فالمكان بالنسبة له الأمل والحلم بالخلاص مما يمر به وفيه، كما انه يمثل تلك الذكريات الهانئة والجميلة التي عاشها فوق أرضه. كما أن "العمل" يشكل حالة من الألم، رب الأسرة مجبر على توفير متطلبات الحياة مهما كان التعب، فالأب الذي ترك مهنة "حجار" منذ زمن بعيد، ها هو مجبر على العمل فيها لتأمين متطلبات الحياة، فكانت حالته بهذا الشكل: "انتفخت يداه وظهرت فيها البثور فكان يلفهما بقطع من القماش المبللة بالزيت" ص269، ونجد الأم أيضا تساهم اقتصاديا في تأمين متطلبات أسرتها من خلال: " وكان ثمة طريق وحيد يربط بيت لحم بالقدس ولكنه طريق الآن مقطوع،... وقطع مسافة لا تقل عن عشرة كيلو مترات مخاطرين بأنفسهم تحت صليات متقاربة من رشاشات يهودية أقيمت في نقاط عاليو. ... وقد ذهبت بالفعل حاملة على رأسها اكثر من أربعين كليو جراما من الفواكه والخضار، ثم عادت بعد أن باعت البضاعة، وهي تحمل على رأسها خمسين كليو جراما أو أكثر. لقد قامت بهذه المغامرة الخطرة عدة مرات" ص270، فالمرأة والرجل كلهما تعاونا في حمل اعباء الحياة الجديدة، فكان دورها موازي ـ إن لم يكن أكبر وأهم من دور الرجل ـ وقت الشدائد، وهذا الأمر يعرفه كل فلسطيني، حيث كانت النساء يقع على كاهلين أعباء أكبر من تلك الواقع على الرجال. والاطفال ساهموا في العمل بكل ما هو متاح امامهم، يحدثنا الراوي عن احدى الطرق التي اتبعها لتأمين الطعام، يذهب إلى احد المعسكرات للجيش الأردني على أمل أن يحصل على شيء من يجود به الجنود، يقول: "انتظرنا حتى أضرموا النار وطبخوا، كانوا يرون رؤوسنا تطل من أعلى الجدار الحجري ولكنهم لم يقوموا بأي اشارة تنبئ عن نواياهم. أخيرا رأيناهم يأكلون وكان الجوع ينه بطوننا، رأيناهم يتجشؤون ويدخنون ويتحدثون . ثم رأينا أحدهم يتوجه إلى المدخل حيث كنا ننتظر وكان يحمل في يده صحنا مليئا بالطعام وفي يده الأخرى برتقالة. ناول الولد الضرير وكذلك البرتقالة فصرخ واحدا منا: ، ونحن. فأجاب الجندي: الضرير فقط أما أنتم فدبروا امركم لا بد ان كل واحدا منا ـ بفعل الجوع ـ تمنى أن يكون ضريرا من تلك اللحظة" ص275. صدق من قال: "الجوع كافر"، فها هم الاطفال يتسلون الطعام، وليس شيء آخر، فالجوع وقلة الطعام جعلتهم يقدمون على فعل تسول الطعام. المدرسة المدرسة احدى أهم الوسائل التي تخلق في الفرد فكرة "القطيع" بمعنى أنها تجعله/تحوله إلى كائن يفكر بطريقة القطيع، الذي عليه أن يلتزم ويعمل ويفكر بعين الطرق التي يسلكها المجتمع، المدرسة تعبر عن هذه (الفلسفة) بكل دقة: "تم تعين ذلك المدير واسمه عبد الرؤوف، في أول سنة دخلت فيها المدرسة،. كان قاسيا ومتجبرا بشكل لا يصدق وبكلمة واحدة فقد حول المدرسة إلى ثكنة عسكرية بالمعنى الحرفي للكلمة. .. يستعدي فراشين ويمسكانه من يديه ويرفعان رجليه بعد تحريرهما من لحذاء أو الصندل وعلى مرآى الطلاب يقوم بضربه "الفلقة" بغض النظر عن الوقت أكان صبحا أو ظهرا، صيفا أم شتاء. ... وحتى زملاؤه المدرسون لم يسلموا من اجراءاته الفاحشة فقد كان يهينهم وكثيرا ما شاهدنا واحدا منهم يبكي وكأنه أحد الطلاب" ص209و210. هذه الاجراءات تعتبر جزء اساسي من الطريقة التي تعامل بها النظام الرسمي العربي مع الفلسطينيين في ما تبقى من أرض فلسطين، وهي من هيئ ومهد للاحتلال الثاني في عام 67، فحالة القمع والبطش التي استخدمها ضد الفلسطينيين تتماثل مع تلك التي استخدمها الاحتلال الانجليزي قبل قيام دولة الاحتلال، حتى أن نفس الأشخاص الذين تعرضوا للسجن والمطاردة والقمع على يد الانجليز، وجدناهم يتعرضوا لنفس القمع والمطاردة. ما يلاحظ على هذا الرواية انها تتلاقى في العديد من الصفات مع المجموعة القصصية "ينزع المسامير ويترجل ضاحكا" حتى أننا نجد قصة "لو كان إبراهيم هناك" بكامل تفاصيلها وبنصها الحرفي ضمن الرواية، وهناك العديد من الامثلة هذا الأمر، ولا ندري هل هو مباح ومسموح أدبيا؟ أم هناك ان حاجة ضرورية أوجبت هذا التطابق بين الرواية والمجموعة القصصية؟، على العموم نقول أن الرواية كانت موفقة إن كان على صعيد الفكرة أو الأسلوب أو اللغة، فإدخال الراوي لبعض الألفاظ الشعبية المحكية الفلسطينية قرب الرواية أكثر من القارئ، وجعله يشعر بالحميمة تجاه النص، وهذا ما يحسب لها وللراوي. الرواية من منشورات دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان الأردن الطبعة الأولى 2008،
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البساطة في مجموعة -ينزع المسامير ويترجل ضاحكا- رسمي أبو علي
-
الاتحاد والتجديد
-
الخفة في قصيدة -بين الفاء وبين النون- مازن دويكات
-
الصور في قصيدة -وفرحت- سليمان أحمد العوجي
-
المرأة في كتاب -هكذا قتلتُ شهرزاد- جمانة حداد
-
الحياة في مجموعة -صحو- أميمة الناصر
-
الطفل والحرب في رواية -الكوربه- صافي صافي
-
مناقشة ديوان -جبل الريحان- في دار الفاروق
-
الاتحاد والأمانة
-
-الملقب مطيع وولده ازدادا قناعة- إبراهيم مالك
-
تواضع المعلومات في كتاب -الأساطير والخرافات عند لعرب- محمد ع
...
-
حقيقتنا في كتاب -تاريخ الإلحاد في الإسلام- عبد الرحمن بدوي
-
المتعة في ديوان -جبل الريحان- عبد الله صالح
-
أثر الكتابة في قصيدة -قلم يَكْتُبك- -كمال أبو حنيش
-
سلاسة السرد في رواية -على الجانب الآخر من النهر- مفيد نحلة
-
مسرحية -لماذا رفض سرحان سرحان ما قله الزعيم عن فرج الله الحل
...
-
التكثيف عند -عبود الجابري-
-
مناقشة رواية -سكوربيو- في دار الفاروق
-
الفانتازيا في قصة -اسئلة صامتة- سرحان الركابي
-
فراس
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|