|
الزوجة الثانية أثَرٌ مِنْ إرْثِ الماضي
محمد كمال
الحوار المتمدن-العدد: 5936 - 2018 / 7 / 17 - 18:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الزوجة الثانية أثرٌ مِنْ إرْثِ الماضي الزواج جمع طبيعي جميل ، و هو مجمع إجتماعي تجاذبي للحب، بين الأنثى و الذكر ، المرأة و الرجل ؛ في ظل قانون الطبيعة و عرفها الأصيل يجتمعان ، واحدة مقابل واحد ، في بيت واحد يتآزران و يتعاونان ، و يتكاثران بالبنات و البنين : لا ضُرٌّ على الرجل يضاجع رفيقة حياته في حياته ، و لا ضُرَّةٌ على المرأة يضاجعها رفيق حياتها في حياتها؛ و لغوياً الضُرَّةُ و المَضَرَّةُ يخرجان من مصدر واحد...هكذا أمر الزواج في أعلى مراتب المجتمع البشري، مرتبة الحضارة التي تدرجت و وصلت إلى موقعها العصري الجميل بعد عناء إجتماعي تاريخي طويل ، من بدايات التاريخ و على مسار الزمن . ما كانت البدايات جميلة و لا مريحة و لا آمنة مثلما حالنا اليوم و لم تكن على مقاس معايير هذا العصر ، و لم يكن الحب بعد قد وُلِدَ بأبعاده الرومانسية التي تجمع الأنثى و الذكر في خصوصية أريحية و التي نعيشها و نستمتع بجماليتها الروحانية اليوم ، و من المؤلم لنفوسنا التي تقدس الحب أن نعلم أن هذا الحب ليس سرمدياً ، بل هو وليد التطور الإجتماعي عبر مسارات الزمن في عهود التاريخ . فقد مرت العلاقة بين المرأة و الرجل بمراحل عديدة ، من بدائية إلى أرقى، لم تتشكل بعد معها لا البيت و لا الأسرة و لا العشرة و لا الحب ؛ و في المراحل الأولى كان الطفل و الطفلة لا يعرفان إلاّ الأم ، الأم التي حَمَّلَتْها الطبيعةُ أعباء التكاثر البشري ، أما الرجل فما كان يدري أنه أبٌ ، و المجتمع برمته ما كان بعد يدرك العلاقة البيو-فيسيولوجية بين الرجل و الأنثى و التي نتاجها المولود ، ذكراً أو أنثى . كانت الحياة قاسية و القدرة على الاستمتاع بنعم الطبيعة محدودة ، و ملكوت العقل و إفرازاته الفكرية كانت في مرحلة الطفولة . بعد دراسة مستفيضة واسعة عميقة خرج العالِمٌ الأمريكي لويس مورغان المتخصص في علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في سبعينيات القرن التاسع عشر بمعلومات حساسة و دقيقة عن طبيعة المجتمعات البشرية و كيفية تشكلها و تطورها منذ عهود ترجع إلى أعماق الماضي. و خَصَّ فصلاً كاملاً عن تاريخ العلاقة بين المرأة و الرجل في إطار التكاثر البشري و المقتضيات اللاحقة لنمو الأسرة على مسار التطور الإجتماعي و بفعل ضرورات هذا التطور ؛ و الأسرة في بداية بداياتها غير الأسرة التي نعرفها اليوم او التي تروي عنها قصص التاريخ عن الأزمنة غير البعيدة ؛ إن ألْفَ سنة قبل اليوم ليس بالزمن البعيد في قياس التاريخ ، و جميع قصص التاريخ، التي هي في متناول أيدينا، تروي لنا حياة الناس في هذا الزمن غير البعيد ، و هو الزمن الذي يصنفه لويس مورغان بالمرحلة العليا لعهد المجتمع البربري ، أي قبل المرحلة الأدنى لعهد المجتمع الحضاري... و خلاصة هذا التاريخ الذي يمتد من أعماق الماضي هي أن البشرية قبل عهدنا الحضاري قد مر بعهدين متتاليين سابقين هما عهد الهمجية و عهد البربرية ، و كل عهد يمر بمراحل عامة ثلاث هي المرحلة الدنيا و الوسطى و العليا، و في كل عهد بمرحلته إقتضت ضرورات المجتمع في حينه نمطاً من العلاقة بين المرأة و الرجل في إطار التكاثر البشري و ما يعرف اليوم بالعلاقة الزوجية؛ الزواج الجماعي بأنماطه المختلفة كان يلائم عهد الهمجية ، و الزواج الثنائي كان يلائم العهد البربري ، و الزواج الأحادي يلائم عهدنا الحضاري ؛ و بين الزواج الثنائي و أحادية الزواج تتسرب في المرحلة الأعلى من البربرية سيادة الرجال على النساء و يتواصل نمط تعدد الزوجات، و هذا النمط هو أثرٌ من الماضي البربري يتسرب إلى الحاضر الحضاري ، و هو نمط شاذ في العهد الحضاري . و قد عرف العرب في مراحل ما قبل الإسلام أنماطاً من الزواج قريبة من العهد الهمجي و العهد البربري ، و قد حرم الدين الاسلامي معظم تلك الأنماط و أبقى على نمط تعدد الزوجات و الذي يعود الى المرحلة العليا من العهد البربري ، و كان المجتمع في حينه يمر بالمرحلة العليا من عهد البربرية ما قبل المرحلة الدنيا ، أو المرحلة البدائية من عهد التحضر و الحضارة ، و لا عجب في ذلك لأن الزمن كان جمعاً بين بداوة سائدة و حضرية وليدة. هذا من الجانب التاريخي ذات العلاقة بتعدد الزوجات ، فالملخص التاريخي هو أن تعدد الزوجات هو ممارسة إجتماعية تعود إلى العهد البربري في مرحلته العليا ما قبل العهد الحضاري في مرحلته الدنيا ، و نحن الآن في المرحلة الأولى من عهد الحضارة حيث مازالت بقايا من ممارسات عهد البربرية تتسرب إلى الحضارة الوليدة. العهود التاريخية من همحية إلى بربرية و إلى حاضرنا الحضاري مرتبطة بأنماط من ممارسات إجتماعية تنسجم مع العهد التاريخي ، فمثلاً في العهد الهمجي كان الأمر طبيعياً مع الزواج الجماعي ، و في العهد البربري في مرحلته العليا كان تعدد الزوجات أمراً طبيعياً مقبولاً ، فأفراد المجتمع في حينه و أفراد الأسرة الواحدة ما كانت تنفر أو تستنكر أن يكون للزوج زوجة ثانية أو ثالثة و رابعة ؛ الزوجات و الأبناء في الأسرة الواحدة كانوا يتعايشون تحت ذاك الظرف من تعدد الزوجات في إنسجام و وئام. بينما العهد الجديد ، عهد الحضارة، مع التطور الإجتماعي ، و الثورة الصناعية ، و صعود النظام الإقتصادي-السياسي الرأسمالي على أنقاض النظام الإقطاعي ، و دخول المرأة مجال العمل و الإنتاج بجانب الرجل خلق واقعاً إجتماعياً جديداً ؛ فقد تزامنت ثلاث ثورات في العملية التاريخية و نقلتها النوعية من البربرية إلى الحضارة و من الاقطاعية الى الرأسمالية ، و هي الثورة الصناعية و الثورة الإقتصادية-السياسية و الثورة الإجتماعية. و الثورات الثلاث هي نتاج بعضها البعض ، و ليس نتاج تسلسلي زمني. الثورة الإجتماعية حملت معها جوانب حقوقية لم تكن معروفة في العهود السابقة، و من أهم هذه الحقوق هي حقوق المرأة في مساواتها بحقوق الرجل ، فصار للمرأة مكانة جديدة ، و هذه المكانة طورت من بناء الأسرة ؛ أسرة من تعدد الزوجات إلى أسرة أحادي الزوجية ، أي زوج واحد و زوجة واحدة فقط لا زوجة ثانية. في هذا العهد الحضاري و مع هذه الثورة الإجتماعية أصبحت الزوجة الثانية من ممارسات الماضي التي لا تنسجم مع الواقع الجديد في عهد الحضارة، و بقاء هذه الممارسة هو أثر من إرث البربرية المنقرضة ، و بالنتيجة فإن تعدد الزوجات يعد ممارسة شاذة و غير مقبولة إجتماعياً . لهذا السبب نرى أن الذين يسعون إلى الزوجة الثانية يواجهون مشاكل أسرية عميقة ؛ فالزوج الأب يصبح في وضع غير مريح و شبه منبوذ ، لأنه مع الزوجة الثانية يواجه رفض الزوجة الأولى و إستنكار الأبناء ، و حتى الأفراد في المحيط الإجتماعي القريب من تلك الأسرة يستنكرون هذه الممارسة التي لا مسوغ و لا مبرر لها سوى ممارسة تعداها الزمن ، و نزوة كبحت هيجانها الوضع الحقوقي الجديد و المتطور للمرأة. إذاً فالجانب الإجتماعي يتناغم مع الجانب التاريخي في رفض مفهوم الزوجة الثانية ، و إعتبار الزوجة الثانية ، و تعدد الزوجات عامة، من الممارسات الشاذة في عهد الحضارة، و بقاء هذه الممارسة هو من موقع حداثة عهد الحضارة ، و المتبقي من ممارسات المرحلة العليا للبربرية في المرحلة الدنيا من عهد الحضارة هو تسريبات بعضها قسرية و أكثرها خجولة ؛ و هذا يعني أنه عندما تنتقل الحضارة من مرحلتها الدنيا إلى المرحلة الوسطى فإن البربرية تكون قد إنمحت بالكامل ، و تكون الحضارة في مرحلة التماس بين المرحلة الدنيا و المرحلة الوسطى ؛ و عندها تكون الممارسات التي تجيز الزوجة الثانية شيئاً من التاريخ .
محمد كمال
#محمد_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العبث بالدِّين و التلاعب بالفتوى
-
حقاً؟!!! البروفيسور موشيه هارون يمجد في الاسلام؟
-
الربيع الفرنسي ربيع سلمي
-
ساره الهاني ملكة الصوت الغنائي
-
مجزرة باريس و الحوار المرعوب
-
رمسيس مصر و مصر السيسي
-
ماضي التضامن و حاضر التشرذم
-
الاعلام و الاٍرهاب
-
الطائفية و الوعي الوطني
-
دم المرأة بين عارها و شرف الرجل
-
المنظومات الفكرية والالتزام العاطفي بها
-
التصورات حول الأوضاع العربية
-
طنين الإرهاب في فرنسا
-
ماضي التضامن وحاضر التشرذم
-
الجنوب اليمني وعودة الوعي
-
الذكر والأنثى والتفاضل بينهما
-
وعود برلمانية في أكفان زاهية
-
آفاق تكنولوجيا المعلومات
-
الانتخابات بين المترشح و الناخب
-
الانتخابات بين المشاركة والمقاطعة
المزيد.....
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|